ساعات قليلة ويتوجه ما يقرب من 55 مليون ناخب إيراني (إجمالي من لهم حق التصويت) صوب صناديق الاقتراع لاختيار 290 نائبًا لمجلس الشورى من بين 6200 مرشح من بينهم 586 امرأةً، وفي ذاك الوقت اختيار 88 عضوًا لمجلس الخبراء من بين 161مرشحًا من مختلف محافظات الجمهورية الإيرانية، وذلك صباح الجمعة 26 فبراير 2016 في انتخابات لها طابع خاص.
وتكتسب الانتخابات في دورتها الحالية أهمية محورية، إذ تعد هي الأولى بعد الاتفاق النووي الذي تم إبرامه مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ 6 أسابيع فقط، فضلًا عن الجهود المضنية التي يبذلها الرئيس حسن روحاني لتحقيق انتصار جديد على المحافظين المسيطرين على مجلسي الشورى والخبراء، بما يمهد له الطريق نحو إرساء سياسة إصلاحات اقتصادية واجتماعية قبل انتهاء ولايته الأولى في عام 2017.
الإصلاحيون والأصوليون.. معركة تكسير العظام
معركة أقل ما قيل عنها أنها حرب تكسير عظام، يشهدها كل من الرئيس الإيراني حسن روحاني والذي انتخب عام 2013 وبرفقته فريق الإصلاحيين والمعتدلين من جانب، وفريق المحافظين الأصوليين المسيطر خلال الدورة الماضية على المجلسين (الشورى والخبراء) من جانب آخر، في محاولة لسحب كل فريق البساط من تحت أقدام الفريق المنافس.
الرئيسان السابقان محمد خاتمي (إصلاحي) وأكبر هاشمي رفسنجاني (معتدل) دعيا خلال الأسبوع الماضي الناخبين إلى التصويت بكثافة للمرشحين المؤيدين لروحاني وقطع الطريق على “المتشددين” من التيار المحافظ، وفي المقابل دعا المحافظون وقادتهم إلى التصويت للمرشحين المؤيدين لشعار “الموت لأمريكا” الذي ردّده مجددًا مئات المؤيدين للمحافظين خلال تجمع انتخابي للمرشح غلام علي حداد عادل في أحد مساجد طهران.
وقد تسبب استبعاد بعض الأسماء البارزة من فريق الإصلاحيين من الترشح لعضوية مجلس الخبراء وفي مقدمتهم حسن الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله الخميني، إلى إحداث حالة من الجدل داخل الوسط السياسي الإيراني دفعت الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني لتوجيه انتقادات حادة، إلى مجلس صيانة الدستور لإقصائه الخميني.
وعلق رفسنجاني على مبررات صيانة الدستور لإقصاء “حفيد الخميني”: “من أعطاكم الحق للحكم؟ من أعطاكم منابر صلاة الجمعة والتليفزيون الرسمي؟”، مضيفًا “فليسامحكم الله”.
كما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية عن رفسنجاني قوله “لو لم يكن الإمام الخميني والإرادة الشعبية قد وجدا، لما كان أي من هؤلاء الأشخاص موجودًا هنا”.
وبالرغم من هذه الإجراءات التي يراها البعض “تضييقًا” على التيار الإصلاحي، إلا أن استطلاعات الرأي الأخيرة تصب في صالحهم لاسيما وأن هناك رغبة لدى قطاع كبير من الإيرانيين في التخلص من التيار المتشدد داخل فريق المحافظين.
الاتفاق النووي والاقتصاد والدعاية الانتخابية
تمحور الخطاب الدعائي للتيارات السياسية المتنافسة في الانتخابات المقبلة في العزف على وترين اثني، لا ثالث لهما، الأول وهو الاتفاق النووي المبرم مع الدول الكبرى، والذي ما توقع أحد أن يمثل نقطة شقاق بين التيارات المختلفة، حيث يشكّك الأصوليون في وعود الحكومة حول رفع العقوبات، وفي صدق واشنطن في التزام تعهداتها لطهران، فيما أن الإصلاحيين وأنصار الحكومة لا يرون طريقًا آخر أمام الإيرانيين، سوى التفاهم مع المجتمع الدولي لتـسوية مشكلاتهم.
أما المحور الثاني وهو الذي أجمعت عليه كافة التيارات السياسية المتنافسة، فهو البعد الاقتصادي، حيث اتفقت كل الحركات والأحزاب – الإصلاحية والأصولية – على ضرورة تحسين الأوضاع الاقتصادية ومعالجة المشكلات الحياتية، في استجابة لمطالب الإيرانيين بتسوية مشكلات البطالة والتضخم والغلاء.
وفي ضوء ما سبق، تشدد الدعاية الانتخابية للتيار الأصولي المحافظ على الاعتماد على القدرات الذاتية الإيرانية، وتطبيق برنامج “الاقتصاد المقاوم” لمعالجة المشكلات الاقتصادية، والامتناع عن الركون إلى استثمارات أجنبية أو “وعود غير نزيهة” في هذا الصدد، كما لا تُخفي اعتقادًا بفشل الاعتماد على نتائج الاتفاق النووي، وهو ما دفع هذا التيار إلى الدفع في قائمة مرشّحيهم الثلاثين للانتخابات النيابية في طهران، عشرة من حملة شهادات اقتصادية عليا، في إشارة واضحة إلى رغبتهم في الاهتمام بالجانب الاقتصادي وتفعيل الإمكانات الداخلية في هذا الشأن.
وعلى الطرف الآخر، يأتي الإصلاحيون ومعهم أنصار الحكومة وبعض المعتدلين من الأصوليين، فيعوّلون كثيرًا في برنامجهم الانتخابي على مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، بما في ذلك الاستعانة باستثمارات خارجية، من أجل الحصول على التكنولوجيا وإيجاد فرص عمل ومعالجة التضخم ومشكلات أخرى.
السلطة التشريعية في إيران
تختلف الجمهورية الإيرانية عن بقية الدول الإسلامية المجاورة فيما يتعلق بخريطة السلطة التشريعية لديها والجهات التي تمثلها، حيث تنقسم تلك السلطة إلى عدة هيئات مختلفة فيما بينها من حيث الشكل والاختصاص، يتقدمها مجلس الشورى والمسمى بـ “البرلمان”، ومجلس الخبراء، ثم يأتي مجلس تشخيص مصلحة النظام، والمجلس الأعلى لثقافة الثورة وهما من أضافهما آية الله الخميني عام 1988.
مجلس الشورى
تم تشكيل أول مجلس شورى بالجمهورية الإيرانية بعد الثورة عام 1980م، ويتكون “البرلمان” من 290 مقعدًا يتم الاقتراع عليهم كل أربع سنوات.
الدستور الإيراني ينص صراحة على أن يكون أعضاء المجلس من الشخصيات المتدينة جدًا، والتي تؤمن بالإسلام شكلاً ومضمونًا، لكن في نفس الوقت هناك تمثيل نسبي للأقليات الدينية حسب كثافتهم العددية، فهناك ممثل واحد لأتباع كل من الديانة الزرادشتية واليهودية والنصرانية الآشورية، في حين أصبح عدد ممثلي نصارى الأرمن اثنين بسبب الزيادة في تعدادهم السكاني.
كما ينص الدستور الإيراني على أنه لا حصانه قانونية لأعضاء المجلس من القضاء إلا من خلال الاستثناء الذي أقرته المادة (89) من الدستور، وذلك من حيث حرية النائب في إبداء الرأي في كل قضية تطرح في المجلس دون أن يتعرض للمساءلة القانونية من القضاء أو أي جهة أخرى.
ولمجلس الشورى الإيراني عدة سلطات منها، مناقشة خطط وجداول أعمال الحكومة للمصادقة عليها، ومناقشة أي جدول أعمال مقدم من 15 عضوًا على الأقل، المناقشة والمساءلة في كل الشؤون القومية، المصادقة على كل المعاهدات والبروتوكولات والعقود والاتفاقيات، إحداث تغييرات طفيفة في الخط الحدودي للبلاد بشرط اعتبار المصالح القومية وموافقة أربعة أخماس الأعضاء، الموافقة أو الرفض على طلب الحكومة بإعلان أحكام الطوارئ لمدة لا تزيد عن 30 يومًا.
مجلس الخبراء
يعد مجلس الخبراء هو الجناح الموازي لـ “الشورى” غير أن ما يميزه هو النزعة الدينية المتشددة التي يجب أن يتميز بها أعضاؤه، وقد أنشئ عام 1979، بناء على اقتراح آية الله الخميني لمراجعة مسودة الدستور لتعرض في استفتاء شعبي عام، ومقره مدينة “قم” إلا أن الاجتماعات الحالية تعقد في طهران.
وبحسب المادة (107) من دستور 1979 يقوم المجلس بانتخاب المرشد الأعلى للثورة، كما يحق له حسب المادة (111) من نفس الدستور خلعه إذا ثبت عجزه عن أداء واجباته أو فقد مؤهلاً من مؤهلات اختياره، ولا يجوز التصويت في البرلمان على أي نوع من التعديلات الدستورية قبل أن تصدر توصية من مجلس الخبراء بذلك الشأن، وتلزم توصياته وقراراته سائر أجهزة الدولة.
تم تشكيل أول مجلس خبراء عام 1979 من 70 عضوًا قاموا بمراجعة مسودات الدستور وطرحوه في استفتاء شعبي يوم 2 ديسمبر 1979، وفي العام 1982 ارتفع عدد أعضاء مجلس الخبراء إلى 83 عضوًا بسبب الزيادة السكانية وما نجم عنها من زيادة طردية واجبة في عدد الأعضاء الممثلين للشعب.
ويتكون المجلس الآن من 86 عضوًا أغلبهم من رجال الدين، وليس بينهم امرأة واحدة، حيث تقوم كل محافظة من محافظات إيران الـ 28 باختيار ممثل لها، وفي حال زيادة سكان المحافظة على المليون، يحق لها انتخاب ممثل إضافي عن كل نصف مليون مواطن، وهو ما يفسر وجود 16 عضوًا لمدينة طهران ممثلاً في مجلس الخبراء، و8 أعضاء لخراسان و6 لخوزستان و5 لفارس.
تبلغ مدة مجلس الخبراء ثمان سنوات كاملة، ويجتمعون كل عام مرة واحدة في دورة عادية، كما يتم الانتخاب بواسطة اقتراع شعبي عام، وأعضاؤه غير ممنوعين من تولي المناصب الحكومية المختلفة على عكس أعضاء مجلس الشورى، كما لا يتقاضون راتبًا نظير عملهم.
هناك عدة شروط واجبة للحصول على عضوية “الخبراء” نص عليها القانون المنشئ للمجلس والصادر عام 1980، والتي تشترط أن يكون العضو مخلصًا وأمينًا وحسن الخلق، ملمًا بالفقه لمعرفة الشروط الواجب استيفاؤها لتولي منصب المرشد الأعلى، متمتعًا بمهارات اجتماعية وسياسية وعارفًا بالأوضاع العامة، معروفا بولائه لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
أما عن تشكيل المجلس الإداري والتنفيذي، فيتكون من هيئة رئاسية، وأمانة عامة، وهيئة تحقيق، ولجان متخصصة، وكان آية الله مشكيني، أول رئيس له، وبعد وفاته ترأسه علي أکبر هاشمي رفسنجاني الرئيس الإيراني الأسبق، ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الحالي، ثم تبعه آية الله محمد رضا مهدوي كني، وبعد وفاة الشیخ مهدوي کاني في 21 أکتوبر عام 2014، انتخب آیة الله محمد یزدي لرئاسة هذا المجلس في تاریخ 10 مارس عام 2015.