ترجمة حفصة جودة
في صباح أول مسرحية مدرسية لابنتي، كان لديّ موعد عمل، كان لقاء مع عملاء محتملين حول عقدٍ ما قد أتمكن من خلاله أن أدفع الرهن العقاري على منزلي لثلاثة أشهر قادمة.
ذهب إلى المسرحية، واتخذت مقعدًا في الصف الأمامي، جاءت معي أمي أيضًا لتكون حاضرة إذا اضطررت للرحيل، ولأنني لم أرغب في التأخر عن موعدي، فقد تسللت للخلف قبل النهاية حتى أستطيع الانطلاق سريعًا، لكن ابنتي والتي كانت بعمر 3 سنوات فقط في هذاالوقت، لاحظت مقعدي الفارغ وبدأت في البكاء.
حدثت ضجة بين الأمهات وتساءلن، أين ذهبت؟ ومن موقعي المتميز خارج المدخل، سمعت إحداهن تقول بصوت عالٍ وباستنكار: “لقد ذهبت إلى العمل” وشاهدت الأخريات مقطبات وتدور أعينهن في المكان.
شعرت ببرودة في معدتي، وتساءلت هل يبدو مروعًا حقًا أن أحصل على وظيفة وأن أكون أمًا؟ تذكرت هذا عندما علمت أن عليّ السفر إلى الخارج من أجل العمل مرتين في الشهر المقبل، ربما كان ممكنًا أن يكون التوقيت أفضل من ذلك، لكنني ككاتبة ومدربة علاقات عامة تعمل لحسابها الخاص، يجب عليّ أن اتخذ الفرص عندما تأتيني.
لكنني في كل مرة أسافر فيها خارجًا للعمل، كنت في النهاية أواجه محادثات من هذا القبيل:
تسألني صديقة: “ألا تشعرين بالذنب حيال ترك ابنتك؟“
أجيبها: “في الحقيقة لا، بالبطع افتقدها كثيرًا، لكنها ستكون مع والدها، وأعتقد أنهما سيقضيان وقتًا ممتعًا معًا، ويطبخان العشاء سويًا ويشاهدان الأفلام التي لا أحبها“.
فتجيبني: “أنتِ شجاعة، أعتقد أنني لا أستطيع أن أترك ابنتي“.
أتوقع سماع أشكال مختلفة من تلك التعليقات مرات عديدة خلال الأسابيع المقبلة، وأشارك معكم هذا الأمر لأنه يزعجني، ففي الوقت الذي أصبح فيه المزيد من الأمهات يعملن خارج المنزل (هذا أمرٌ جيد، أليس كذلك؟) يبدو أن هناك اعتقادًا واسعًا بأنه ينبغي فرض بعض القيود حول طريقة عملهن.
من الجيد أن تصبحي أمًا عاملة – طالما أن عملك لا يأخذ كل وقتك ويتوافق مع موعد المدرسة وهذا يعني أيضًا ألا تغادري المسرحية المدرسية مبكرًا، أو أن تسافري للناحية الأخرى من العالم مرارًا وتكرارًا من أجل مكاسب ضئيلة، يبدو هذا الاعتقاد مقلقًا، خاصةً عندما نجد أن ثلث الأمهات العاملات في بريطانيا هن العائل الرئيسي لأسرهم (رغم حصولهم على رواتب ضئيلة)، طبقًا لمعهد أبحاث السياسة العامة.
يقلقني أيضًا أن النساء هن من يطلقن الأحكام على النساء الأخريات، إنني أتحدث فقط من منطلق تجربتي الخاصة، لكنني لم أواجه أي سؤال من رجل واحد حول قراري بالعمل خارج البلاد عدة مرات في السنة.
“أنتِ محظوظة، أرسلي لنا بطاقة بريدية” هذا هو الرد المعتاد من الرجال.
خلال هذه العشر سنوات التي كنت فيها أمًا عاملة، تقليت العديد من التعليقات الانتقادية من النساء حول اختياراتي المهنية.
أخبرتني صديقة يومًا ما (والتي يحصل زوجها على راتب يحوي خمسة أصفار) أنها آسفة إن كنت أشعر بالإهانة، لكنها من المستحيل أن تترك طفلها مع جليسة أطفال مثلما أفعل، بينما قالت إحدى قريباتي إن الحضانة التي اخترتها بعناية تبدو مثل “دار أيتام رومانية”، وقالت صديقة أخرى أنني كنت أحتاج لأن أكون “أقل أنانية” وأن أُنحي طموحاتي المهنية جانبًا، عندما كانت ابنتي صغيرة.
أعتقد أن إدارتي لعملي الخاص والسفر من أجل العمل كلما استطعت (بينما لازلت أُقلّ ابنتي إلى المدرسة معظم الأيام وأقدم الكثير في كل مسرحية أو حدث) يقدم مثالاً جيدًا لابنتي، فهو يوضح لها أن النجاح ممكن خاصة في بعض المهن التي يصعب على النساء أن تصل فيها إلى القمة مثل الرجال مع الحصول على راتب أقل (تُظهر أحدث أبحاث “جمعية فاوست” أن الرجال الذين يعملون بدوام كامل يحصلون على راتب حوالي 14% أكثر من النساء).
لكنني دائما ما أشعر أنني أقلية، فهؤلاء النساء اللاتي بحثن بأعينهن عن المرأة الأخرى التي غادرت المسرحية المدرسية أو التي تأتي متأخرة في أمسيات أولياء الأمور لأن لديها اجتماعًا في العمل، هل يعتقدن حقا أنه يجب على النساء أن يعملن بدوام جزئي، أو في وظيفة مرنة تتناسب مع وجود أطفال؟ أو أنه يجب أن تنتهي مسيرتك المهنية أو تنخفض إلى النصف في الوقت الذي تقررين فيه أن تنجبي طفلاً؟ أليس لهؤلاء النساء ما يضطرهن للجمع بين الأمومة والوظيفة؟
وحتى تصبح النساء على استعداد لدعم الأخريات في القرارات المهنية، ففجوة الرواتب بين الجنسين والفوراق المصطنعة، ستكون دائمًا جزءًا من الحديث عن المرأة والعمل.
المصدر: الغارديان