تدفع الولايات المتحدة وروسيا الأطراف في سوريا إلى هدنة غير معلومة المصير تمهيدًا لعملية سياسية مبتورة لا يمكن أن تحيا لوقت طويل؛ بسبب عدم وجود حد أدنى من الإرادة لدى هذه الأطراف لإنجاز تصور سياسي للأزمة السورية دون أن يفرض كل منهم واقعًا خاصًا به على الأرض، ولا شك أن الحلقة الأضعف في هذه السلسلة هي المعارضة السورية التي تراجعت أمام تغول النفوذ العسكري والسياسي الروسي الداعم لنظام الأسد الذي تلقف هذا الدعم بصورة قبلة الحياة.
أمر فرض الهدنة بهذه الصورة وفقًا للإرادة الروسية التي تمسكت باستثناء بعض الفصائل المعارضة من الهدنة بجانب تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وجبهة النصرة تحت مزاعم الإرهاب، هذه الفصائل التي سيحددها مجلس الأمن الدولي طبقًا للبيان المقدم من مجموعة عمل سوريا. مما يُضعف من فرص نجاح هذه الهدنة المؤقتة، التي لن يلتزم بها الجانب الروسي الداعي لها بجانب الولايات المتحدة في سوريا مع إصراره على شرط استمرار القصف الروسي الذي سبق وأن رفضته المعارضة السورية.
قبيل الدخول في وقت تنفيذ الهدنة لا أحد يعلم إن كانت ستسمر لوقت طويل أم ستكون مجرد حبر على ورق، خاصة مع محاولة الأطراف المسلحة استنفاذ قوتها لتحقيق أكبر مكاسب على الأرض قبيل الشروع في بدء تنفيذ الهدنة، يأتي ذلك على صعيد الجانب النظامي ومن خلفه الروس الذين يُكثفون من غاراتهم على مناطق المعارضة، وكذلك محاولة القوات النظامية التوجه لفتح جبهة أمام تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لانتزاع صك قتال داعش قبيل أي مفاوضات مرتقبة.
وكذلك المعارضة تحاول تخفيف الضغط عليها من خلال استهدافات نوعية لتجمعات الروس، كان آخرها قيام حركة أحرار الشام و حركة بيان بجلب معلومات عن أماكن تجمع لمجموعة من الجنرالات الروس في غرفة عمليات مع قوات النظام، ومن ثم استهدافهم بمفخخة في منطقة صنوبر في جبلة بريف اللاذقية، وهو محاولات لتوجيه رسائل للنظام الروسي أن التدخل في سوريا لن يكون نزهة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.
كما أنه في حالة إنفاذ الهدنة بالفعل لا يمكن ضمان ما بعدها لأنها ستكون بمثابة استراحة لالتقاط الأنفاس بين الأطراف المقاتلة، وهو ما لا يضمن الانتقال إلى مسار التفاوض السياسي، بعد أن فصلت الهدنة مسار وقف إطلاق النار عن المسار التفاوضي الذي ينص عليه قرار مجلس الأمن رقم 2254 والذي يؤكد ارتباط هدنة وقف إطلاق النار مع اتخاذ إجراءات أولية نحو العملية السياسية في فترة انتقالية.
كما يمكن القول أن هذا الاتفاق الخاص بالهدنة هو بداية مرحلة تنسيق أمني بين الولايات المتحدة وروسيا بداية من تبادل المعلومات الاستخباراتية نهاية بتحديد مناطق عدم الاستهداف، يتزامن هذا مع محاولات المعارضة السورية والدول الداعمة لها كسب بعض الوقت لبحث خيارات أخرى من شأنها تغيير الموقف الحالي، منها ما لوحت به السعودية بالتدخل العسكري ومنها إعلانات حول نية المملكة تزويد المعارضة السورية بمضادات للطائرات التي من شأنها أن تُحدث فارقًا نوعيًا في المشهد العسكري على الأرض.
سيناريو التقسيم
سيناريوهات اللجوء إلى تقسيم سوريا في حالة فشل الهدنة والمسار السياسي بشكل كلي قائمة، حيث بدأت من طرف النظام السوري منذ فترة حينما وضع بديل قمع الثورة السورية بالسعي وراء إقامة دولة علوية على محافظات اللاذقية وطرطوس ومدينة حمص وريفها العلوي بالإضافة إلى ريف حماة الغربي، وذلك بدعم روسي وإيراني منذ اللحظة الأولى للثورة، مع ترك مساحة المحافظات ذات الأغلبية السنية تتقاسمها داعش مع الفصائل السورية المعارضة بالقتال.
من جانب آخر ظهر فصيل الأكراد بنوايا إقامة دولة مستقلة في الشمال السوري وهو حلم لا تعارضه موسكو أو واشنطن، وقد عزز من هذا الحلم الانتصارات الميدانية التي حققتها قوات الأكراد السوريين على الأرض أمام داعش بعد قرار أمريكي بالاعتماد عليهم كقوة برية للتحالف الدولي، وقد ظهر أيضًا الدعم الروسي لهذه القوات على الأرض حين أخرجتها على وقع القصف الجوي الروسي من عفرين لتتجه ناحية الريف الشمالي بعد حصار أحياء حلب.
لذا فإن النظام السوري ينتظر نتيجة المماطلات الروسية فيما يخص الحل السياسي في سوريا، وإلا سيضطر لاستكمال الحسم العسكري، وفي حالة فشله فإن الضوء الأخضر سيكون لعملية التقسيم والتي ستبدأ بإعلان الدولة الكردية السورية ثم الدولة العلوية، والإقليم السني سيكون هو كرة اللهب التي يتقاذفها الجميع، وفي ذلك الوقت ربما تسمح القوى الدولية بتدخل عسكري سعودي للسيطرة على هذا الإقليم، بينما ستختفي المعركة مع نظام الأسد ويرفع الجميع راية الحرب على الإرهاب المتمثل في تنظيم داعش والفصائل المعارضة المتمردة.
تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة تصب في صالح سيناريو التقسيم حيث قال كيري إنه في حال فشل كل من “اتفاق وقف الأعمال العدائية في سوريا، والانتقال السياسي الذي أقرته الأمم المتحدة، فإننا قد نتخذ موقفاً أكثر شراسة بما فيها تقسيم سوريا”.
وفي معرض رده عما إذا كان احتمال تأسيس منطقة آمنة شمالي سوريا، قد ألغي أم أنه ما يزال قائمًا، أكد كيري إن “الاحتمال ما يزال قائمًا، لكنه سيجلب معه العديد من التعقيدات”، حيث لفت كيري، إلى أن البنتاجون يرى أن تأسيس منطقة آمنة في الشمال السوري، سيحتاج ما بين 15 و30 ألف جندي.
وتابع كيري: “إن كان الروس والإيرانيون ليسوا جادين في موضوع تحقيق عملية السلام، فإن ذلك سيتسبب في مزيد من الاختلاف الفكري، والانتقال إلى الخطة (ب) التي تؤجج القضية بشكل أكبر”، وربما تكون الخطة باء هي مفتاح سر التقسيم لأن الولايات المتحدة تعلم جيدًا أن روسيا وإيران الداعمان الرئيسيان للنظام السوري ليست لديهم نوايا حقيقية لتمرير أي مشروع سياسي في سوريا في الوقت الحالي على الأقل، وهو ما يعني أن الخطة باء ستكون جاهزة للتنفيذ.