7 سنوات من حكم حماس، النجاح والفشل

635042578275849932-dccdfbdecd

أجريت أول عملية انتخابات رئاسية وتشريعية في 20 يناير 1996م، وتميزت بأنها أول انتخابات تُعقد تحت مظلة الحكم الذاتي الفلسطيني لقطاع غزة والضفة الغربية ومنطقة الأغوار، عقب إتمام اتفاقية أوسلو المبرمة بتاريخ 13 سبتمبر 1993 بين الأطراف الفلسطينية – الإسرائيلية.

 وفاز بالانتخابات الرئاسية “ياسر عرفات” زعيم حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، بنسبة 87,1% مقابل منافسته المستقلة “سميحة خليل” التي حصلت على نسبة 12,8%، أما في نتائج الانتخابات التشريعية حصلت حركة فتح على 69 مقعد من أصل 88، والباقي شكل من مستقلين وبعض المعارضين المقربين من منظمة التحرير الفلسطينية.

وتُعزى هيمنة حركة فتح على معظم مقاعد المجلس التشريعي إبان انتخابات 1996، إلى استنكاف العديد من الفصائل الفلسطينية الأخرى عن المشاركة في الانتخابات، معللين ذلك بتعارض هذه الانتخابات ونظام أوسلو الذي قامت عليه، مع مبادئ تحرير فلسطين.

وتعطلت عملية إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية من جديد في موعدها الدستوري، أي بعد مرور 4 أعوام على تاريخ إجرائها، بسبب اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000، وما نتج عنها من حالة زعزعة للأمن والاستقرار في محافظات القطاع والضفة الغربية، كما أن قلق حركة فتح بقيادة “ياسر عرفات” من تنامي نفوذ حماس الشعبي على مستقبلها السياسي حال دون إجرائها الانتخابات في موعدها المحدد دستوريا ً.

وعقب وفاة “ياسر عرفات”، في 11 نوفمبر 2004، جرت الانتخابات الرئاسية الفلسطينية الثانية تحت مظلة أوسلو، في التاسع من يناير 2005، وشارك فيها 7 مرشحين، ونتج عنها فوز “محمود عباس” بنسبة 62,5%.

وفي السابع عشر من مارس 2005، اجتمعت كافة الفصائل الفلسطينية في القاهرة، بحضور رئيس السلطة “محمود عباس”، واتفقت الفصائل المُجتمعة بالإجماع على إجراء الانتخابات التشريعية في يوليو 2006، إلا أنها أُجلت إلى يناير 2006.

 وفي 21 يناير من نفس العام، فتحت مراكز الاقتراع أبوابها أمام المرشحين الذين انضموا من معظم شرائح المجتمع الفلسطيني، باستثناء حركة الجهاد الإسلامي، والناخبين الراغبين في الاقتراع، حيث تميزت بعدم تسجيل أي عملية اختراق لها بشهادة منظمات المراقبة الدولية والإقليمية التي خضعت عملية إجراء الانتخابات لرقابتها، والتي وصفتها بالنزيهة والديمقراطية.

وعقب فرز الأصوات؛ حازت حماس على 76 مقعد من خلال قائمتها الانتخابية، وبإضافة 4 نواب مستقلين مدعومين من قبل حماس، يُصبح عدد نواب حماس في المجلس التشريعي 80 من أصل 132، أما فتح فحصلت على 43 مقعد، وتوزعت المقاعد الأخرى بنسب زهيدة على القوائم الأخرى المشاركة في الانتخابات.

عارضت الولايات الأمريكية المُتحدة وإسرائيل انضمام حماس للانتخابات منذ اليوم الأول لإعلان القاهرة، وهددت بقطع المعونة وفرض حصار شديد في حين فازت حماس في الانتخابات، وعلى الرغم من انضمام حماس إلى الانتخابات، مع عدم توقعها الحصول على نسبة عالية، إلا أن نتائج الانتخابات أظهرت العكس، وحصلت حماس على نسبة الأغلبية، ففرضت الولايات الأمريكية المُتحدة وإسرائيل حصار خانق شمل المعونة المالية الخاصة بميزانية السلطة وموارد الحياة العامة للمواطن الفلسطيني من معابر لدخول وخروج السلع ومعابر لدخول وخروج الأفراد.

لم تتمكن حماس من فرض سيطرتها طويلا ً على كافة مناطق الضفة وغزة، إذ اندلعت مناوشات عسكرية بين الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة والقوة التنفيذية التي شكلها وزير الداخلية آنذاك الشهيد سعيد صيام، نظراً لرفض الأجهزة الأمنية التعاطي مع الحكومة الجديدة، مع وجود حملات اغتيال واعتقال لأفراد ونواب حماس في الضفة وغزة.

في الرابع عشر من يونيو 2007 تمكنت القوة التنفيذية وعناصر من القسام السيطرة على المقرات الأمنية في قطاع غزة، وبذلك تحول الانقسام الجغرافي الموجود أصلا ً بين قطاع غزة والضفة بسبب العراقيل “الإسرائيلية” إلى انقسام سياسي محتدم، ما زال مستمر إلى يومنا هذا.

وعلى الرغم من فرض حصار شامل على قطاع غزة، عقب سيطرة حماس عليه بشكل كامل، إلا أن حماس ظلت منعمة بالدعم المادي الذي كانت تتلقاه من بعض الجهات الدولية الداعمة للمقاومة، وخصصت حماس فيضا ً من هذا الدعم في استيعاب عناصرها ضمن جهاز القوة التنفيذية، لضبط الأمن بالقطاع، بينما لم تعطي الاهتمام الكبير لمشاريع استثمارية في القطاعات الاقتصادية المختلفة، التي كان من الممكن أن تخدم المواطن الفلسطيني بغزة، والذي كان يعاني من حصار خانق مُدمر لكافة جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، ولم يستطع من تأمين قوت حياته وتحقيق طموحه.

واستنادا ً على الطرح أعلاه، يمكن إجراء مقارنة بين نقاط النجاح والاخفاق التي سجلتها حماس خلال فترة سيطرتها على قطاع غزة منذ صيف 2007 وحتى شهر أبريل من عام 2014، وفي ظل استمرار جرف الدعم من بعض الجهات الأجنبية لها على النحو الآتي:

ـ نجاحات:

ـ نجحت حماس في قلب قطاع غزة من ساحة للانفلات الأمني والصراعات الداخلية بين العائلات والعشائر، إلى ساحة خضراء تنعم بالأمن المستتب، حيث تمكنت حماس عقب سيطرتها على المقرات الأمنية المختلفة، من القضاء على “عربدة” بعض العائلات، من خلال اقتحام الأماكن التي تتحصن بها، ومصادرة الأسلحة التي كانت تستخدمها، واعتقال بعض العناصر المتهمة بشكل مباشر بتأجيج النزاعات وقتل بعض أفراد العائلات الأخرى، ولا يستطيع أحد من سكان غزة إنكار الفضل الكبير لحماس في إحلال الأمن الداخلي لقطاع غزة.

ـ نجحت حماس، كحكومة، في حماية المقاومة ومساندتها، ونجحت في تشكيل حاضنة اجتماعية قوية تحتضن المقاومة وتؤيدها، وهذا يُحسب نجاح باهر لصالح حماس التي أعادت للقضية الفلسطينية روحها ليس داخليا ً فقط، بل خارجيا ً أيضا ً.

ـ إخفاقات:

ـ أخفقت حماس في تطبيق خطة تنموية شاملة، لتنمية قطاع غزة اقتصاديا ً واجتماعيا ً، إذ أنها خصصت قسم كبير من الدعم الذي كان يأتي إليها، في توظيف عناصرها في القوة الأمنية، دون إعداد أي خطة لتنمية القطاعات الاقتصادية والاجتماعية التي كان يمكن من خلالها توفير فرص عمل لآلاف الخريجين والعمال العاطلين عن العمل، وبالتالي إبقاء روح الطموح الأفقي حية لدى الشباب وإبقاء روح الحياة الكريمة موجودة في بيوت العمال بغزة، ولكن حماس  أخفقت في إعداد هذه الخطة، فأسدلت الستار على طموح الخريجين وجعلت حياة الكثير من العمال معتمدة على المعونات التي تأتي من هنا وهناك، وهو ما خلق حالة من ظاهرة التسول الغير مباشر، وأظهر للسطح فجوة ضخمة في معدلات العدالة الاجتماعية الخاصة بقطاع غزة، حيث أشارت إحصاءات مركز الإحصاء الفلسطيني للعام 2013، إلى أن 55 من سكان قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر، بينما 45 %، من ضمنهم 25% تم إلحاقهم بأجهزة حماس الأمنية، يعيشون حياة كريمة، وهذا يظهر مدى الفجوة الطبقية التي أحدثتها حماس، لعدم اتباعها سياسة تنموية شاملة تكفل الحياة الكريمة لكافة مواطني قطاع غزة.

ـ أخفقت حماس في تطبيق سياسة الرجل المناسب في المكان المناسب، وهذا ما أفقدها إعداد خطط تنموية توفر الاكتفاء الذاتي وتكافؤ الفرص للأيدي العاملة وإحقاق المساواة بين المواطنين، حيث اعتمدت حماس على الأقدمية وتزكية أمراء المساجد لسد النقص الذي كانت تعاني منه بعض دوائر الحكومة، وهذا ما جعلها محرومة من كفاءة أهل الخبرة في العديد من المجالات، فظلت تابعة بالكامل لدعم هذا الطرف وذاك، حتى أل بها الأمر إلى الاضطرار للتخلي عن الحكومة، لانعدام الدعم الذي كانت تنعم به قبيل الانقلاب المصري.

حكمت حماس قطاع غزة ما يقارب السبع سنوات، وكان يمكن لها أن تسطر أقوى أساطير النجاح السياسي الكامل، في حين لو استغلت مواردها المادية جيدا ً، معتمدة ً على أهل الكفاءة والخبرة، ولكن فات الأوان، واليوم أصبحت تجربة حماس تجربة تاريخية يُقتدى بها في بعض النقاط ويُتعظ بها في بعض النقاط الأخرى.