عقدت الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وروسيا والمملكة العربية السعودية ودول أخرى محادثات سرية غير رسمية يوم الخميس الماضي لصياغة استراتيجية من شأنها أن تحسن الجهد الإغاثي المتوقف للإمم المتحدة في سوريا. هذا ما صرحت به مصادر دبلوماسية مطلعة على الأمر.
عقد الاجتماع في مقر البعثة الفرنسية إلى الأمم المتحدة في جنيف، واستهدف التمهيد للقاءات رسمية من المقرر أن تجري في السادس والعشرين من نوفمبر لمناقشة مستقبل جهود الإغاثة الدولية في سوريا.
ما من شك في أن مشاركة مسؤولين من الولايات المتحدة وإيران في المحادثات يوفر دليلاً إضافياً على بدء انصهار الجليد الذي جمد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لعدة عقود، الأمر الذي سيفتح مجالات جديدة يمكن أن يتعاون من خلالها العدوان اللدودان منذ زمن بعيد تتجاوز جولات المحادثات الحالية بشأن الدبلوماسية النووية.
يذكر أن جلسة المباحثات المشار إليها أعلاه نظمتها منسقة الإغاثة الطارئة التابعة للأمم المتحدة فاليري آموس لجمع عدد من القوى الإقليمية والخارجية صاحبة النفوذ على الأطراف المتحاربة في سوريا. والهدف هو: حمل الطرفين على السماح لعمال الإغاثة بالدخول إلى سوريا للتمكن من مساعدة مئات الآلاف من المدنيين الذين انقطعت عنهم المساعدات الإنسانية. تبذل الأمم المتحدة جهوداً مضنية في سبيل إيصال المواد الإغاثية الأساسية إنقاذاً لأرواح الناس، بما في ذلك الطعام والدواء، والتي يحتاج إليها ما يزيد عن ٥ر٢ مليون إنسان، من بينهم ٣٠٠ ألف مدني مازالوا يعيشون في مدن يحاصرها الجيش السوري، اضطر بعضهم لأكل أوراق الشجر للبقاء على قيد الحياة.
تفاقمت معاناة هؤلاء بسبب سياسات الحكومة السورية التي تعيق إيصال المساعدات إلى المدنيين المتواجدين في أماكن تسيطر عليها المعارضة. وقد منع نظام الأسد بشكل دوري إيصال الدواء إلى المتضررين وعمد إلى إقامة العوائق البيروقراطية كلما تقدم عمال الإغاثة بطلبات تأشيرة للدخول إلى سوريا. كما استهدفت جماعات متطرفة معارضة عمال الإغاثة السوريين والدوليين وحاصرت بعض البلدات المجاورة لمدينة حلب.
في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) من أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بياناً أدان فيه “كل حالات منع عبور المساعدات الإنسانية” وطالب بتسهيل “إيصال المساعدات بشكل آمن وغير معاق إلى كل أنحاء القطر السوري.” إلا أن الوضع لم يتحسن كثيراً على مدى الأسابيع الست الماضية منذ صدر البيان.
وإثر حالة الإحباط التي نجمت عن عدم حدوث أي تقدم، بدأت أستراليا ولوكسمبرغ في الشهر الماضي بصياغة مسودة لبيان مؤقت ذي صفة أكثر رسمية لمجلس الأمن الدولي بهدف زيادة الضغوط على الأطراف المعنية علها تنصاع. إلا أن روسيا عارضت ذلك بشراسة، مما دفع آموس إلى إقناع كل من أستراليا ولوكسمبرغ إلى التوقف عن مبادرتهما وسلوك طريق دبلوماسي عبر تنظيم لقاء لمجموعة من الدول ذات النفوذ عل ذلك يجدي نفعاً.
حكومات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والكويت وقطر وأستراليا ولوكسمبرغ كلها قبلت الدعوة الرسمية من الأمم المتحدة إلى إجتماع جنيف المقرر انعقاده يوم الثلاثاء. أما فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية فقد أخبر دبلوماسيوها المقيمون في جنيف زملاءهم في الأمم المتحدة بأنهم مازالوا بانتظار قرار رسمي من عاصمة بلادهم. وأما إيران، فالإشارات التي تصدر عن الدبلوماسيين ماتزال متضاربة، ولا يعلم يقيناً حتى الآن ما إذا قبلت إيران الدعوة الرسمية. وحتى يوم الجمعة ظل علي رضا مير يوسفي، الناطق باسم البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة، ينأي بنفسه عن أي التزام، إلا أنه صرح بأن إيران تنظر بإيجابية إلى الجهد الذي تبذله السيدة آموس، وقال: “لقد ناقشت السيدة آموس مع المسؤولين الإيرانيين بعض الأفكار المتعلقة بالإغاثة الإنسانية في سوريا أثناء زيارتها إلى طهران.” وأضاف مير يوسفي: “رحبت السلطات الإيرانية بمبادرة الأمم المتحدة للمساعدة من هم بحاجة إلى المساعدة.” واليوم، امتنع وفدا كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران عن إعطاء أي تصريح حينما طلب منهما التعليق على الموضوع.
في هذه الأثناء اشتكى أحد الدبلوماسيين الغربيين من أن خطة السيدة آموس الأصلية – والتي استهدفت تنظيم لقاء صغير نسبياً يحضره عدد محدود من الأقطار ذات النفوذ في الساحة السورية – انحرفت عن مسارها وتحولت إلى اجتماع أكبر بكثير ستحضره دول عديدة الأمر الذي سيفقده القدرة على الإنجاز.
وحضر لقاء الخميس أيضاً ممثلون عن ألمانيا ومسؤولون من الوكالة الرئيسية التي تعمل في مجال الإغاثة وتتبع الأمم المتحدة إضافة إلى مسؤولين من برنامج الغذاء العالمي، ومن صندوق الطفولة التابع للأمم المتحدة ومن المجلس النرويجي للاجئين.
قال دبلوماسيون على اطلاع بتفاصيل المحادثات إن فرنسا أصرت على السماح لجارة سوريا، تركيا، بالمشاركة في محادثات الثلاثاء، بينما اقترحت روسيا دعوة معظم جيران سوريا للحضور بما في ذلك العراق والأردن ولبنان. أما إسرائيل فلم تدع للمشاركة.
أحد الدبلوماسيين عبر عن قلقه من أن جلسة الثلاثاء ستتحول إلى جمهرة ضخمة من الدبلوماسيين الذين سينهمكون في إلقاء الخطابات السياسية، وقال: “ما فتئت المجموعة تكبر وتزداد عدداً، وما كان مفترضاً له أن يكون اجتماعاً صغيراً تحول إلى غولة.” وأضاف هذ المسؤول إنه لم يعد واضحاً ما إذا كان هذا الجهد سيثمر شيئاً أم لا.
وقال الدبلوماسي لئن كانت الخطة من لقاء جنيف هي تجميد فكرة استصدار قرار عن مجلس الأمن الدولي فإن المجلس قد يمضي قدماً وبشكل سريع باتجاه تبني مشروع القرار الذي تقدمت به كل من أستراليا ولوكسمبرغ إذا ما فشلت محادثات جنيف في تحقيق أي تقدم. وفي هذه الأثناء قامت المملكة العربية السعودية بتوزيع نص أعدته لمشروع قرار يتبناه مجلس الأمن الدولي حول عبور المساعدات الإنسانية إلى سوريا. وأشار المسؤول إن من المتوقع أن تقدم السيدة آموس تقريرها إلى الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن خلال الأسبوع الأول من ديسمبر (كانون أول). وإذا كان خلاصة ما ستقدمه لهم مفاده أن الحكومة السورية لا تتعاون، “فإن القرار سيعود إلى مائدة مجلس الأمن بشكل سريع جداً.”
مترجم من الفورين بوليسي