أعلن البرلمان الأوروبي في جلسته المنعقدة أمس بالعاصمة البلجيكية بروكسل عن تصويت أغلبية من أعضاءه بالموافقة على البدء في حظر أوروبي لتصدير السلاح للمملكة العربية السعودية. برر الأعضاء القرار بالنتائج “المروعة” للتدخل العسكري السعودي في اليمن مما خلق “حالة إنسانية كارثية”.
يأتي القرار بعد أسابيع قليلة من إعلان الأمم المتحدة عن نقدها لنتائج التدخل السعودي في اليمن على حياة المدنيين اليمنيين.
جدير بالذكر أن القرار أتى بعد محاولة فاشلة من المملكة السعودية للضغط على عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي للتصويت ضد هذا القرار في الأيام القليلة الماضية، إذ طلب عدد من الدبلوماسيين السعوديين في عدد من العواصم الأوروبية اللقاء بعدد من أعضاء البرلمان الأوروبي لمناقشة الأمر، كما قام السفير عبد الرحمن الأحمد سفير المملكة في بروكسل بإرسال رسالة من أربع صفحات إلى كافة أعضاء البرلمان الأوروبي مطالبًا إياهم بالتصويت ضد القرار، كما قام بالدفاع عن التدخل العسكري السعودي في اليمن.
وصف السفير السعودي التدخل السعودي في اليمن بالضرورة لمواجهة الإرهاب المنطلق من اليمن؛ ليذكر أسماء تنظيمات القاعدة والدولة الإسلامية كأمثلة على ذلك.
كما أكد على أن هذا التدخل كان ردًا على “مناداة الغرب المملكة بلعب دور أكبر في مواجهة التهديدات الإرهابية في اليمن”، ليستكمل قائلًا إن “تداعيات عدم تدخلنا في الصراع اليمني كان يمكن أن تكون أكثر خطورة مما قد يتخيل أي أحد في الغرب”.
كان من المفترض أن يتم التصويت على القرار في الرابع من الشهر الجاري، إلا أن عدد من المصادر قد أكدت أن تأجيل التصويت حتى الأمس كان نتيجة لضغوط دبلوماسية سعودية.
من المثير للانتباه في الأمر أن هذا القرار لا يمثل أكثر من خط إرشادي لسياسة الدول الأعضاء داخل الاتحاد الأوروبي، أي أنه لا يلزم أي عضو بوقف صادرات السلاح للسعودية في حقيقة الأمر، إلا أن التهافت السعودي على محاولة منع إصداره يدل على محاولات حثيثة لحفظ ما تبقى من ماء وجه المملكة في الساحة الدولية.
كما شهد ذات اليوم الصادر فيه القرار زيارة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى مصانع شركة BAE Systems، الشركة البريطانية التي تحتل المركز الثاني عالميًا في إنتاج وتصدير السلاح، كانت زيارة كاميرون تحديدًا إلى مصانع إنتاج الطائرة العسكرية “يوروفايتر تايفون”؛ وكان الهدف الرئيسي من الزيارة الاحتفال بالعقود التي أبرمتها الشركة مع السعودية لتوريد طائرات من ذات الطراز بقيمة 3 مليار جنيه إسترليني، وصف كاميرون الجهود والضغوطات التي تقوم بها الحكومة البريطانية على حكومات السعودية وعمان والكويت لشراء المعدات العسكرية من الشركة بـ “البديعة”.
إذا ما وضعت هذه التصريحات التي قد ترقى لتحدي قرار البرلمان الأوروبي صراحة إلى جانب الصمت المطبق لحكومات دول كفرنسا وألمانيا وإسبانيا والسويد؛ يستطيع المرء أن يبدأ في رسم صورة سريعة عن فشل مثل هذا القرار في تحقيق أي نتيجة ملموسة كحمل أجهض قبل ولادته أصلًا.
إذ بينما تتصدر بريطانيا قائمة مصدري السلاح الأوروبيين إلى السعودية، تتبعها مباشرة فرنسا بتجارة مقدارها قرابة 627 مليون دولار في العامين الماضيين فقط تتنوع بين أنظمة دفاع جوي وحواسيب طائرات ومدافع، تتبع إسبانيا ذلك مباشرة بمبلغ 537 مليون دولار وسويسرا بـ 305 مليون دولار من مدافع الهاوتزر، بينما وصلت صادرات السويد وألمانيا إلى السعودية من قطع غيار الدبابات والأسلحة الشخصية إلى قرابة 411 مليون دولار، كل هذه الأرقام في العامين الماضيين فقط.
لا عجب إذن في أن السعودية تحتل اليوم المركز الثاني في قائمة أكبر مستوردي السلاح عالميًا، كما تشير عدة توقعات إلى تصدرها القائمة مع خطط الاستحواذ والتسليح للعام الجديد، ومن هنا يمكن للمرء أن يبدأ في فهم الدور الذي قد يقوم به لاعب يملك الكثير من المال والقدرة الشرائية من الضغط على القوى العالمية، خصيصًا في وقت يخيم فيه شبح الكساد على أغلب الدول الغربية.
الأمثلة الممكن ضربها على هذه العلاقة المتضاربة كثيرة، خصيصًا مع النظر على حالات مثل العلاقة السعودية السويدية على سبيل المثال، فلم يمر أكثر من عام على سحب السعودية لسفيرها من ستوكهولم اعتراضًا على تعليقات وزيرة الخارجية السويدية شديدة الحدة فيما يخص اختراقات حقوق الإنسان والنساء خصيصًا في السعودية.
كما لم يمر الكثير من الوقت على طلب الحكومة الفرنسية بشكل غير رسمي من بطانة العاهل السعودي إلغاء حجز وإغلاق الشاطئ الخاص في الريفيرا في الحادثة الشهيرة.
يبدو في نهاية الأمر أن أوروبا مازالت تتعامل مع المملكة السعودية ككيس نقود ضخم من الممكن استثماره في تدوير عجلة الصناعات الحربية وغيرها كسوق كرة القدم على سبيل المثال، إلا أن الرهانات السعودية شديدة الخطورة وغير محسوبة العواقب قد تقف في طريق استمرار هذا الوضع المربح للطرفين؛ خصيصًا في سياق إقليمي شديد الاشتعال.