يحذر النظام المصري الحالي الذي أتى عقب انقلاب عسكري قاده الجيش المصري على الرئيس السابق محمد مرسي منذ قرابة 3 أعوام من تكرار سيناريو الانقلابات العسكرية معه خاصة في ظل إيمان القائمين على هذا النظام ربما بالسنة التاريخية التي تقول أن الانقلاب العسكري الأول لا يكون الأخير.
لذلك يتخذ النظام إجراءات أمنية مشددة في جبهة المؤسسة العسكرية حتى يأمنها رغم أن الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي هو أحد أركانها في السابق، حين شغل منصب حساس بداخل الجيش وهو مدير إدارة المخابرات العسكرية، ومن ثم ترقى في عهد الرئيس السابق ليصبح وزيرًا للدفاع، وبعدها تمكن من الإطاحة بنظام الرئيس المدني الأول في تاريخ جمهورية مصر العربية، ليعود الحكم إلى أحضان المؤسسة العسكرية مرة أخرى.
يمكن القول بأن السيسي بحكم عمله السابق في المخابرات العسكرية يحمل عقلية الهوس من الانقلابات العسكرية لا سيما وأن أحد مهام هذه الإدارة هي تأمين جبهة الجيش الداخلية من الانقلابات، لذا تحدثت مصادر إعلامية عدة أن السيسي قام بعزل مئات من ضباط الجيش من مختلف الرتب عقب انقلاب الثالث من يوليو خشية رفضهم تحركات الجيش السياسية وذلك بناء على تقارير أمنية داخلية.
كذلك تمت الإطاحة بآخرين بطرق غير مباشرة أثناء حركات التنقلات الداخلية في الجيش، لضمان عدم تكوين مراكز نفوذ وولاءات خارج إطار النظام الحاكم، كما تُستخدم هذه الطريقة للتخلص من بعض مراكز القوى داخل الجيش.
كما ألقي القبض على العشرات من الضباط وزج بهم في السجن الحربي تحت ذرائع التعاطف مع الإسلاميين، أو بتهم التخطيط لانقلاب عسكري وهو الأمر الذي كثر في الأونة الأخيرة حيث أعلن عن أربع قضايا عسكرية تتعلق بضباط متهمين بالتخطيط لانقلاب عسكري في وقت وجيز، وهو ما يؤكد هوس النظام من فكرة الانقلاب العسكري، وينم أيضًا عن عدم ثقته في جبهة الجيش الداخلية رغم كل هذه الإجراءات الاحترازية والاستمالة المادية والمعنوية لأفراد هذه المؤسسة.
وبعيدًا عن نزاهة تلك المحاكمات أو حقيقة روايات النظام لقضاياها، لأنه من المعروف أنه يتم انتزاع اعترافات مثل هذه القضايا في أقبية المخابرات الحربية تحت شتى ألوان التعذيب، وهو ما نقله الصحفي حسام بهجت وأكده بالشهادات في نشره لكواليس محاكمة 26 ضابطًا بتهمة التخطيط لقلب نظام الحكم.
كانت آخر هذه القضايا التي صنعها النظام في سرية تامة، ما نقلته صحيفة العربي الجديد عن مصدر بالقضاء العسكري أكد وجود محاكمة عسكرية جديدة لثلاثة ضباط في القوات المسلحة، بتهمة الانتماء إلى جماعة “الإخوان المسلمين”، والتخطيط للانقلاب على النظام الجمهوري في البلاد.
وأضاف المصدر العسكري للصحيفة أن الضباط الثلاثة هم: ضابط في القوات البحرية برتبة مقدم، وضابطان بسلاح المشاة أحدهما ضابط احتياط. وأصدرت المحكمة العسكرية منذ أيام حكمًا بالمؤبد 25 عاما ضد اثنين منهم، فيما حكمت على الثالث وهو ضابط احتياط بالسجن خمس سنوات.
وقد كانت أكبر هذه القضايا القضية رقم “3” عسكرية المتهم فيها 26 ضابطًا من القوات المسلحة برتب مختلفة، وقيادات في جماعة الإخوان المسلمين، من بينهم أمين عام حزب “الحرية والعدالة” في محافظة الجيزة الدكتور حلمي الجزار الذي نجح في الخروج من مصر عقب الإفراج عنه، وعضو مكتب الإرشاد في الجماعة الدكتور محمد عبد الرحمن، والتي تم الحكم فيها بالسجن لمدد تراوحت بين 10 و15 و25 سنة.
وهي القضية التي لم تستطع وسائل الإعلام الحصول على تفاصيل عنها سوى ما نقلته بي بي سي عربي في 16 أغسطس، وهو اليوم الذي صدرت فيه الأحكام بحق المتهمين، حيث نُشر خبرًا مقتضبًا بشأن القضية نقلا عن “مصادر عسكرية”.
وفتح هذا الملف مجددًا الصحفي حسام بهجت بموقع مدى مصر بعدما حصل على نسخة من قرار الاتهام الصادر بحق 26 من ضباط القوات المسلحة، وكذلك بإجراء مقابلات مع أقارب من الدرجتين الأولى والثانية لعدد من المتهمين للمزيد من التفاصيل حول خلفية القضية والمعاملة التي تلقاها المتهمون بعد القبض عليهم وأثناء محاكمتهم وفي أعقاب صدور الحكم بإدانتهم.
وكذلك في العام الماضي تحدثت وسائل إعلام مصرية معارضة عن محاكمة 3 ضباط بسلاح الجو المصري بتهمة التخطيط لقتل رئيس الجمهورية وقلب نظام الحكم، وهو الأمر الذي لم يؤكد من قبل النظام في وقتها، لكن تصريحات خارجية سابقة لرئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي تحدث فيها عن تعرضه لأكثر من محاولة اغتيال بعد انقلاب الثالث من يوليو، وهو ما يُفسر الإجراءات الأمنية المبالغ فيها التي تحيطه في كل مكان حتى أثناء تواجده بين أفراد القوات المسلحة.
كما تحدث البعض في فترة قريبة عن تمكن المخابرات الحربية، من إلقاء القبض على 4 ضباط آخرين برتب مختلفة وتقديمهم للمحاكمة العسكرية، بتهمة الانتماء لجماعة “الإخوان” والتخطيط للانقلاب على نظام الحكم الحالي دون مزيد من التفاصيل عن القضية.
وبحالة الإعلان الأخيرة والحديث عن الإجراءات الأمنية المشددة داخل الجيش وتكثيف التحريات على سلوكيات الضباط، نجد أننا أمام نظام يخشى بالفعل من الانقلاب عليه في ظل توافر البيئة الداخلية المناسبة أحيانًا لتبرير انقلاب جديد، من حالة أمنية متردية وحالة اقتصادية أسوء، وكذلك انقسام مجتمعي حاد، بالتزامن مع تحركات لبعض الأطراف العسكرية السابقة خارجيًا وداخليًا رصدها النظام بنفسه وتحدثت عنها وسائل إعلام محلية في السابق، وهو ربما ما يجعل النظام وأجهزته الأمنية يتعاملون مع الأمر بنوع من “الهوس” يدفعهم لتقديم مزيدًا من الضحايا الضباط من داخل الجيش في سبيل الطمأنة الذاتية من عدم إمكانية حدوث انقلاب مضاد.