“باتت الخطة مفضوحة.. بدأت في العراق وتتم الآن في سوريا.. وحاولوها في مصر، وتونس ولم تفلح، والآن يتم التجهيز لها في ليبيا”.
الخطة الاستعمارية الجديدة لدول الغرب بالتوازي مع القطبين الأمريكي والروسي، وبدعم سخي من دويلات وحكومات إقليمية، تقضي باختراع مستنقع جديد للفوضى والاضطراب، في غرب أفريقيا تحديدًا في ليبيا، عبر خلق فراغ تملأه تلك الدول المدعومة ببعض حكومات الجوار.
ملامح الخطة التي نجحت أولاً بالعراق ثم اليمن، وعلى وشك النجاح بسوريا، تعتمد على التخلص أولاً من الديكتاتورية القائمة بالدول المشتعلة، ونموجها الحالي هنا ليبيا، مع ترك فراغ سياسي ترتع فيه الجماعات المتشددة المختلفة الميول، ليعم الدمار والعنف، ويبدأ سرطان داعش في الانتشار، لتبدأ الدول الغربية فصلها الثاني للخطة والذي يقضي بالتدخل العسكري لمحاربة تلك الجماعات، وهي الآن داعش وأخواتها، مثلما تريد الآن فرنسا وبريطانيا بليبيا.
“سايكس – بيكو” جديدة
الحرب هنا تبدأ بالتهديد بالتدخل، لتزيد من الشحن المعنوي لدى تلك الجماعات الإرهابية، التي تبدأ بدورها في حشد مريديها من كل الدول، وهنا فقط تأتي لحظة الفصل الثالث من الخطة، بإعادة التوزيع الجغرافي والتمثيل الطائفي مثلما فعلت بالعراق وسوريا واليمن؛ للتأسيس لـ “سايكس – بيكو” جديدة.
مؤخرًا أعلنت الحكومة الفرنسية نيتها الإسهام في التحركات العسكرية بقيادة إيطالية، ودعم لوجيستي أمريكي، لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في ليبيا، بهدف واضح للجميع هو منع التنظيم من التمدد خصوصًا بمدينة “سرت” النفطية، وما جاورها من منشآت بترولية تهيمن عليها الدول الغربية.
الإعلان الفرنسي – الإيطالي – الأمريكي، حاول جر بريطانيا ودول الخليج، بالإضافة لحكومات الجزائر وتونس ومصر، للتورط في الأزمة، قابله “داعش” بحشد ثلاثة آلاف من مقاتليه بالدولة المنهارة والمشرزمة بعد رحيل القذافي، وهو بالضبط ما سعت إليه الخطة.
برؤى المحللين، وعلى الرغم من فشل الحكومات المتعاقبة على قصر الإليزيه في إعادة الدور الفرنسي للتاريخ القديم، باعتباره شرطي الشمال الغربي بأفريقيا، تسعى فرنسا الآن لما هو أكبر عبر ليبيا في الشمال ومالي والنيجر وبعض دول الغرب الأفريقي بالجنوب، لترسيم حدود مناطق نفوذها في مستعمراتها السابقة، وتسعى عبر بوابة ليبيا الوصول لليورانيوم بالنيجر تحديدًا.
في المقابل يبدو المشهد الليبي الداخلي أرضًا خصبة لقرع طبول الحرب فيها، تدعمها فوضى كبيرة، وغياب للتوافق بين حكومتين ترى كل منهما أنها المعبر الشرعي عن المواطن الليبي الكافر أصلاً بإمكانية تحقيق أي من الحلول سواء الإقليمية أو الأممية، وبات التناحر والانفلات عاملي الحسم بالأمر.
وبعيدًا عن نظرية التشاؤم والمؤامرة الخارجية والإقليمية، الوضع الفعلي بليبيا يبدو مقبلاً على كارثة محققة، ربما بسبب ثرواتها النفطية والغاز والمعادن، التي كانت وبالاً عليها على مر التاريخ، دفعت بفصيلين المفترض أنهما وطنيان للتناحر على الحكم، فجر ليبيا في العاصمة طرابلس، ومكونها الأساسي جماعة الإخوان المسلمين، وحكومة طبرق التي ترى شرعيتها في الانتخابات التي لا يعلم أحد من شارك فيها، ولم تفلح الصخيرات المغربية في التقريب بينهما.
ماذا بعد؟
سيناريوهات المراقبين تخشى من كارثتين في ليبيا إذا نجحت الخطة الغربية التي في طريقها للنجاح بالفعل، أولى هذه الكوارث هي السماح بتمدد سرطان داعش والسيطرة على المناطق النفطية والمنشآت الليبية، لتصبح كارثة جديدة بالمنطقة الشمالية ككل، سواء على الحدود الغربية المصرية أو الشرقية التونسية، أو حتى دول الجوار البعيد المغرب والجزائر وموريتانيا، ومالي والنيجر، ومالطا وإيطاليا.
أما الكارثة الثانية التي يخشاها المراقبون فتتمثل في إفقار ليبيا لتزيد نسبة النزوح منها، لدول الجوار خصوصًا تونس وبالتالي انهيار النظام الاقتصادي والسياسي بملهمة الربيع العربي، لتبدأ حلقة جديدة من النيران المشتعلة بها.
عربيًا، يطالب البعض بعدم التدخل في الشأن الليبي، وترك الأمور لسياسيوها لحل مشكلاتهم الداخلية معًا، دون النظر لمرور خمس سنوات على الثورة الليبية، وهؤلاء السياسيون فاشلون في مجرد التوافق، بعدما أفرغت الحرب ليبيا من الكفاءات بقانون العزل السياسي 2013، خصوصًا وأن كل من حكومة طبرق وطرابلس، والمنفى، ثلاثتهم لا يسيطرون على نصف ليبيا، والباقي مقسم بين المتشددين والقبائل المحلية.
فيما يطالب آخرون بتحركات منفردة للدول العربية خصوصًا مصر وتونس والإمارات والمملكة، مدعومة من إيطاليا وفرنسا، بقصف محدد لأماكن داعش في سرت ودرنة ، لمنعها من السيطرة على المواقع النفطية وتكوين إمارة متماسكة، مع تشكيل منطقة عازلة خضراء حول العاصمة، ودعم حكومة “السرج”، واحتضانها أمميًا، للبدء في حكم البلاد، مع الاتفاق على شبه فيدرالية داخلية مع القبائل للوصول لحل نهائي، ربما يحتاج لسنوات للم شمل الدولة ككل، وهو حل إيجابي على المدى القريب، لكنه يعيد للأذهان السيناريو العراقي ومخاوف التقسيم على أسس مناطقية وقبلية قد تدفع بالمنطقة ككل إلى آتون حرب هي الآن أسوأ كوابيس حكام المنطقة.