نشر موقع ميدل إيست آي البريطاني تقريرًا مطولًا يناقش أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، والتمييز الواقع بحق اللاجئين القادمين من قطاع غزة تحديدًا في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشونها داخل الأردن. كما يرصد أوضاع 2.4 مليون لاجئ فلسطيني داخل البلاد التي تعتبر المأوى الأكبر بالنسبة للفلسطينيين منذ حرب 1967.
وفق التقرير، فقد استقبل مخيم الأمير الحسن للاجئين الفلسطينيين بالأردن وفدًا من أعضاء البرلمان البريطاني، استعرض خلالها ممثل الحكومة الأردنية الإحصاءات التي تمثل ذلك العبء الثقيل الذي تتحمله الأردن، حيث تستوعب البلاد 2.4 مليون فلسطيني، يعيش 18% في 13 مخيمًا في البلاد، فيما يحمل 95% منهم جنسيةً وجوازَ سفرٍ أردنيًّا، حيث تُكلف استضافتهم البلاد وفق تصريحات مسؤول الحكومة مليار دولار سنويًّا.
خلال اللقاء الذي رصدته ميدل إيست آي، وجه أحد المتحدثين الفلسطينيين شكرًا رسميًّا للأردن قائلًا: “نحن كفلسطينيين نعيش مع الأردنيين كعائلة واحدة، لا نشعر على الإطلاق بكوننا لاجئين هنا لأننا نجد الدعم الكامل من أشقائنا الأردنيين”. إلا أنه أضاف: “على الرغم من ذلك، فنحن لا نرغب في البقاء هنا طويلًا، ما نريده حقًّا أن نعود إلى قرانا ومدننا في فلسطين، والجميع هنا يدعمون حقنا بالعودة، ويرفضون تلك الحلول التي لا تقترح سوى استمرارنا هنا فقط”، كما أكد الحاضرون من جميع الأعمار على حقهم ورغبتهم في العودة إلى بلادهم.
كانت هذه ربما الرسالة الرئيسية لهذا اللقاء، حيث ربما ساهم الأمر في توضيح علاقة الأردن “المعقدة” إلى حد ما بضيوفها الدائمين. وعقب مغادرة الوفد البرلماني، قامت مظاهرة أمام البرلمان في مشهد نادر الحدوث في الحياة الأردنية التي تخضع لسيطرة أمنية قوية، وبسؤال محمد عقرباوي، مدير عام دائرة الشؤون الفلسطينية في الحكومة عن أسباب المظاهرة، تردد قائلًا: “إنها احتجاجات على مجرد نقاش حول اقتراح ما، إلا أنه لم يتخذ قرارًا بعد بشأن هذا الاقتراح”. إلا أن الأمر يبدو أكبر من ذلك، حيث كانت الحكومة قد أصدرت مرسومًا منذ 4 سنوات يفرض على العمالة الأجنبية دفع مقابل مالي للحصول على تصريح للعمل كل عام طبقًا للتقرير.
لم تقرر الحكومة طوال تلك المدة تطبيق القرار على الفلسطينيين، إلا أنها قررت الشهر الماضي تنفيذ القرار بأثر رجعي على اللاجئين الفلسطينيين من قطاع غزة تحديدًا، حيث لا يتم منحهم الجنسية الأردنية دونًا عن غيرهم، فلن يُطلب منهم الآن فقط التقدم بطلب للحصول على هذا التصريح، بل ودفع مقابل السنوات الأربعة الماضية أيضًا.
بين عشية وضحاها، تحول 160 ألف لاجئٍ فلسطيني من غزة، يعيشون فيها منذ الحرب التي اندلعت عام 1967 من لاجئين في الأردن إلى معاملتهم كعمالة أجنبية، على الرغم من أنهم مسجلون في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وعلى الرغم من أن 70% منهم قد ولد في الأردن بالفعل. بناءً على القانون الجديد، يمكن أن يتعرض هؤلاء للترحيل مثل المصريين واليمنيين والليبيين في البلاد، ولكن يطرح التقرير سؤالًا هامًا يعد كارثة الحقيقية هي: إلى أين؟
تعامل الأردن اللاجئين الذين أتوا من غزة معاملةً مختلفةً عن القادمين من الضفة الغربية، حيث تعتبر الأردن غزة فيما قبل عام 1967 كمدينة مصرية، وبناءً عليه، لا يسمح لهم باستخراج بطاقة هوية قومية أو جواز سفر أردني، كما لا يسمح لهم بالعمل في القطاع العام، كما يتم حرمانهم من العمل في كثير من وظائف القطاع الخاص، ويُطلب منهم استخراج تصريح خاص من الأمن في الوظائف القليلة التي يسمح لهم بالعمل فيها، فحتى أصحاب المؤهلات العليا كالصيدلة أو الهندسة، لا تضمن لأصحابها وظيفة تليق بهم. لا يسمح للغزاويين أيضًا بالانضمام إلى النقابات العمالية. كل هذه الظروف تقود أغلبهم للعمل في وظائف متدنية كالزراعة والبناء في حال وجدوا أي وظائف من الأساس.
الواقع الأليم في مخيم جرش
يستقبل مخيم جرش اللاجئين الفلسطينيين من غزة، ويقع المخيم الواقع في منطقة جبلية على بعد 60 كيلومترًا من العاصمة عمان. من البداية، يمكنك أن تتخيل المأساة التي يعيشها من في المخيم بمجرد رؤيته، حيث يعيشن حوالي 40 ألف شخص في حدود أقل من كيلومتر مربع واحد تحت أسقف من الصفيح أو الأغطية البلاستيكية في مبانٍ متهالكة. مع تساقط الثلج، يصبح الأمر مأساويًّا، حيث يحاول بعض المتطوعين ترميم تلك المنازل بقدر المستطاع وفق التقرير.
يرصد الموقع خلال زيارته مشهد لإحدى سكان المخيم وتدعى فاطمة الخطيب، تقوم فيه بتجميع المياه من الحفر الموجودة في سطح منزلها لتوفير تكلفة استهلاك مياه الصنبور، حيث لا تحصل سوى على ما يعادل ثلاثة دولارات كل يومين من بيع الخبر في السوق، تقول: “ليس لدي أي دخل، زوجي معاق، وإذا ذهب ابني أو ابنتي إلى عمل ما يخبروهما أنهما فلسطينيان وليسا أردنيين”. وبسؤالها عما إذا كانت تحصل على أموال من الحكومة، أجابت “نحن ندفع للحكومة ويطلبون المزيد”. في الوقت الذي خرج فيه ابنها لتوه من المستشفى بعد إجراء عملية في الرئة كلفته 750 دينارًا اضطر للاستدانة بها، في الوقت الذي لا يدفع فيه الأردنيون مثل هذه التكاليف.
خالد أبو عبد الله، مدير هيئة الأعمال الخيرية في المخيم أخذ محرر ميدل إيست آي في جولة داخل منزل آخر داخل المخيم، حيث تعيش فيه أسرة مكونة من 7 أفراد في غرفة واحدة، وقال إن تلك الأسرة الكبيرة تضطر للعيش في غرفة صغيرة وليس لديهم أي مصدر دخل أو أي دعم مادي.
يبدو بعض سكان المخيم الآخرين أفضل حالًا، إلا أن مظاهر المعاناة تملأ أنحاء المكان. داخل منزل عبد الحكيم عبد الله، وهو مدرس متقاعد، عمل في التدريس بمدرسة الأونروا في المخيم، قال إنه لا يملك المال لدفع فاتورة الكهرباء، حيث يستخدم أسطوانة غاز واحدة للتدفئة وللطهي وغيرها من الأغراض المنزلية، ويقول: “التعليم أهم من الطعام”، إلا أن المعركة التي يخوضها لتعليم أبنائه تبدو صعبةً للغاية. حيث تستهلك ابنته التي تذهب للجامعة في عمان أغلب دخل الأسرة، حيث إنها تحتاج إلى 6 دنانير (8.5 دولار) لتستقل الحافلة من جرش إلى عمان.
الابن الآخر لعبد الحكيم -ويدعى محمد- يدرس إدارة الأعمال في جامعة إربد القريبة نسبيًّا من المخيم، إلا أنه لا يستطيع إنهاء دراسته التي استمرت لسبع سنوات حتى الآن لعدم توفر المال الكافي، إلا أن العائلة استطاعت الحصول على دعم لتعليمه من أحد المؤسسات قدره ألف دينار، ما ساعده لمواصلة الدراسة، في حين اضطر أخوه حاليًا للتوقف عن دراسة الهندسة لعدم توفر المصاريف اللازمة، حيث يحاول حاليًا الحصول على أي دعم لمواصلة الدراسة.
على الرغم من وجود 4 من حملة البكالوريوس داخل منزل عبد الحكيم الذي يعيش فيه 12 شخصًا، إلا أن الجميع في فقر مدقع، حيث بلغت ديونهم للكهرباء حوالي 350 دولارًا.
على الجانب الآخر، يحقق الطلاب داخل المخيم إنجازًا تعليميًّا متميزًا، حيث يمنح الملك سنويًّا 200 مقعد دراسي بالجامعات الأردنية للفلسطينيين (سواء من حملة البطاقات القومية أو غيرهم)، فيما يحصل طلاب مخيم جرش دائمًا على الكثير من تلك الأماكن على الرغم من المنافسة الشرسة عليها، إلا أن تلك المنح ليست كاملة، حيث يحتاج الطلاب للبحث عن مصدر دخل لتغطية نفقاتهم.
الضفة الغربية في مقابل قطاع غزة
فرج شلهوب، وهو غزاوي ويعمل في جريدة السبيل المعارضة، صرح لميدل إيست آي قائلًا: “الفلسطينيون في الأردن بشكل عام ضعفاء ومستهدفون، إلا أن البعض يبدو ضعيفًا أكثر من غيره، لقد منعت الحكومة اكتساب بعض الفلسطينيين للجنسية سابقًا، لذلك، فإن اللاجئين من غزة يتعرضون للضغط أكثر من غيرهم. هناك تمييز واضح بين الفلسطينيين في الأردن، كما أن وجودهم في مؤسسات الدولة نادرٌ للغاية”.
كما وصف شلهوب وضع الفلسطينيين في الأردن بالمباراة السياسية بين مراكز القوى في الحكومة، حيث يوجد مركزان للقوى داخل النظام الأردني، أحدهما مؤيدٌ والآخر ضد الفلسطينيين، وكلاهما يساهم في الضغط على اللاجئين من غزة، بعضهم بسبب رغبتهم في استبعاد الفلسطينيين بشكل عام، والآخرون بسبب رغبتهم في تمييز القادمين من الضفة الغربية.
يصف أحد الفلسطينيين الأمر لميدل إيست آي قائلًا: “المشكلة الحقيقية هي أن الفلسطينيين لا يشاركون في الحياة السياسية، لأنهم يملكون جواز سفر وهوية أردنية ولا يريدون أي صدام مع الأردنيين”. وذكر إلى وجود ما يشبه الاتفاق غير المعلن بهذا الشأن قائلًا: “أنت تعطينا الفرصة للعمل، ولديك الشرطة والجيش لتفعل ما تشاء، تستخدم الحكومة أيضًا نفس المبدأ، حيث تقول لنا إنه إذا كنت تريدون تعديل قانون الانتخابات، ففكروا في الوضع الأمني للبلاد قبل ذلك”.
مؤخرًا، قامت الحكومة بالتراجع عن مطالبة اللاجئين من غزة برسوم تصريح العمل عن السنوات الأربع الماضية، إلا أنها أصرت على تطبيقه من الآن، حيث ستكون الخطوة القادمة هي استصدار بطاقات إقامة لهم. يقول أحد سكان جرش: “لقد أتيت إلى هنا منذ 1967، حيث أخذت أرضنا (تقع حاليًا في بيرشيفا في إسرائيل) عام 1948 حيث انتقلت إلى غزة بعدها، ثم غادرت إلى الأردن منذ 39 عامًا، والآن يخبروني أني من غزة. أنا لست أردنيًّا ولكني تعبت للغاية”.
المصدر: ميدل إيست آي / تقرير ساسة بوست