شكل خبر اغتيال المناضل الرفيق “عمر النايف” صدمة لدى الشعب الفلسطيني، بعد ظهور قضيته منذ شهرين طالبًا الحماية من السفارة الفلسطينية في بلغاريا، بعد تقديم النيابة العسكرية الإسرائيلية منتصف ديسمبر 2015 طلبًا لوزارة العدل البلغارية بتسليم النايف.
النيابة البلغارية أوصت بوضع النايف رهن الاعتقال لحين اتخاذ قرار بشأن تسليمه للاحتلال، بدوره لجأ للسفارة الفلسطينية لحمايته واعتصم بداخلها، وذلك بعد تلقيه تهديدات بالقتل، وتعتبر السفارة المسؤول الأول عن حماية المواطنين الفلسطينيين في الخارج.
ولد النايف بمدينة جنين شمال الضفة الغربية عام 1963، ويعتبر النايف من قيادات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، يتهمه الاحتلال هو وشقيقه حمزة وصديقهما سامر المحروم، بقتل مستوطن عام 1986، حيث قبض عليهما فيما بعد، وحكم عليهما بالسجن المؤبد.
تعرض النايف لتعذيب مستمر من قِبل الاحتلال حتى 21 مايو 1990، خاض بعدها إضرابًا عن الطعام لنحو 40 يومًا نقل على إثره إلى المستشفى في بيت لحم، وتمكن من الهروب من داخله والاختفاء وبعدها مغادرة الأراضي الفلسطينية المحتلة.
عاش النايف متنقلاً بين الدول العربية حتى عام 1994، حيث سافر إلى بلغاريا وأقام فيها وتزوج من فلسطينية وأنجب منها ثلاثة أطفال كلهم يحملون الجنسية البلغارية.
أعلن عن استشهاد النايف يوم الجمعة 26 فبراير 2016 داخل السفارة الفلسطينية، دون وجود آثار أعيرة نارية على جثته، أنباء تقول إنه تعرض لضرب احترافي أدى لقتله.
الجبهة الشعبية تتهم
لا يمكن استبعاد الاحتلال في وقوفه خلف عملية اغتيال النايف، فبصمات جهاز الموساد الإسرائيلي واضحة على العملية، لكن كيف تمت وبالتنسيق مع من؟!
أكدت الجبهة الشعبية في بيان لها على لسان أمينها العام الأسيرأحمد سعدات، تحميل الموساد الإسرائيلي والسلطات البلغارية وقيادة السلطة الفلسطينية، ممثلة برئيسها محمود عباس ووزير خارجيته رياض المالكي والسفير في بلغاريا أحمد المذبوح المسؤولية الأولى والمباشرة عن جريمة الاغتيال.
وأوضح سعدات أن جريمة قتل النايف ستؤدي إلى نتائج وأبعاد خطيرة لا يمكن إبعاد السلطة عنها، وهي بمجملها جزء من استمرارها بالتنسيق الأمني والمراهنة على التسوية مع العدو المجرم.
جريمة اغتيال النايف تثير عدة تساؤلات وشبهات يجب الكشف عنها، حيث لم توفر الحماية الرسمية له من قِبل الأمن الخاص بالسفارة التابع لمخابرات السلطة الفلسطينية، وغاب أمن السفارة لحظة اغتياله.
السلطة تحقق في القضية
الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قرر تشكيل لجنة تحقيق لكشف ملابسات اغتيال النايف داخل مقر السفارة الفلسطينية في بلغاريا، واصفًا الحدث بالجريمة النكراء، وأصدر عباس تعليماته للجنة بالتوجه فورًا إلى بلغاريا، وأن الرئاسة ستتابع هذا الموضوع مع السلطات البلغارية والجهات ذات العلاقة.
السفير الفلسطيني يقول إنه تم العثور على المناضل عمر النايف مصابًا بجروح بالغة في الجزء العلوي من الجسم، وتم استدعاء الاسعاف، لكنه للأسف فارق الحياة.
كما اتهم رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين،عيسى قراقع، الموساد الإسرائيلي بالوقوف وراء اغتيال النايف، واعتبرها جريمة حرب وقرصنة دولية تقوم بها السلطات الإسرائيلية في ملاحقة المناضلين الفلسطينيين.
كل ذلك لا يعفي السلطة الفلسطينية من مسؤوليتها تجاه اغتيال النايف، كما لا يبرر تقصيرها الواضح في حمايته، وتبقى أصابع الاتهام مشارة إليها في تنسيقها مع الموساد الإسرائيلي والتسهيل له لتنفيذ عملية الاغتيال.
مؤامرة وحصلت
قالت عائلة النايف إن ما كانت تخشاه العائلة قد وقع، وأن اغتياله داخل مقر السفارة يعني تواطؤ عناصر من داخل السفارة في جريمة الاغتيال.
وأفادت العائلة أن الشهيد اشتكى لهم مرارًا وتكرارًا خلال الفترة الماضية من المضايقات التي يتعرض لها من السفير الفلسطيني وطاقم السفارة، ما بين تهديد له وضغط عليه لمغادرة السفارة، وكانوا يعدونه عبئًا يجب التخلص منه.
بعد تعرض النايف لأول تهديد من السفارة، اتصل بقيادته بالجبهة الشعبية وأخبرها بأنه لا يأمن جانبهم، وأنه يشعر بمؤامرة تحاك ضده.
بدوره أصدرت الجبهة الشعبية بيانًا بتاريخ 28 ديسمبر 2015 تحمل فيه السفير كامل التداعيات لقضية النايف، وقالت فيه: “مع الأسف الشديد يمارس السفير المذبوح كافة أشكال الضغط النفسي فضلاً عن أسلوب التهديد المباشر بتسليمه عمر للسلطات البلغارية خلال 24 ساعة القادمة أو مغادرة السفارة”، مؤكدة أن سلوك السفير يأتي في سياق التخلي الكامل عن دوره الوطني ورضوخه لإملاءات وشروط ومطالب الاحتلال الإسرائيلي.
وقال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، إن عملية اغتيال المناضل الفلسطيني عمر النايف داخل السفارة الفلسطيينة في بلغاريا من أعظم الخزايا، متسائلاً أين السفير وأين أمن السفارة وحراسها ولماذا تركوه وحده، داعيًا السلطة الفلسطينية لتحمل مسؤولياتها كاملة إزاء عملية الاغتيال، وليس تشكيل لجنة تحقيق صورية، بل معرفة خفايا الجريمة وتقديم المسؤولين عنها للعدالة الثورية والجهادية والوطنية.
تمثل قضية اغتيال النايف بصمة عار للمسؤولين في السلطة الفلسطينية، واستكمالاً لحلقات مسلسل التنسيق الأمني مع الاحتلال، ضاربة بعرض الحائط الكل الفلسطيني بأطيافه، مطبقة لسياسات الاحتلال بأيد فلسطينية فاخرة، فالاحتلال يغتال الفلسطيني بالفلسطيني على أعين الجميع، وبمباركة فلسطينية.