يبدو أن اللعبة الدولية قد عادت إلى سابق عهدها.. قطبية ثنائية، بينما لا قيمة للآخرين، حتى من أصحاب المصلحة الحقيقية فيما يجري في الشرق الأوسط، وهي الشعوب، ففجأة، وبين يوم وليلة طوال، وبالرغم من كل التراشق الإعلامي والدبلوماسي؛ فوجئ العالم بأسره باتفاق لوقف العمليات العدائية في سوريا، ترعاه واشنطن وموسكو.
وعندما نقول “فوجئ” العالم؛ فإننا لسنا مبالِغين في هذا؛ حيث خرجت الصحافة الفرنسية في اليوم التالي للإعلان عن المبادرة الأمريكية الروسية التي دفعت الهدنة إلى حيز التنفيذ، بالرغم من كل التعقيدات الميدانية والسياسية القائمة؛ خرجت لكي تتساءل: أين كانت وزارة الخارجية الفرنسية مما جرى، بينما تساءلت صحف أوروبية أخرى عن موضوع الاتحاد الأوروبي من هذا كله، ومن معادلة القوة العالمية!!
وباعث ذلك، أن العالم الذي اجتمع في ميونيخ قبل ذلك بأيام قليلة، فشل في فرض هذه الهدنة، قبل أن يتوافق عليها الروس والأمريكيون؛ فتصبح حقيقة واقعة بين يوم وليلة!
المؤسف في هذا الصدد الغياب الكامل لأصحاب الشأن والمصلحة الرئيسية، وهم الشعب السوري، وأطراف أخرى، من بينها المعارضة المسلحة التي تقاتل النظام السوري، بالإضافة إلى تركيا، التي تُعتبر وفق “كافة” المراقبين ووسائل الإعلام الدولية – كافة بالفعل – المتضرر الأكبر من وقف العمليات العدائية في سوريا.
وقبل تناول ذلك كله بشيءٍ من التفصيل؛ فإننا نود تحرير بعض المفاهيم أولاً، حتى يكون هناك أرضية مفاهيمية مشتركة لهذا الذي نتحدث عنه.
فالهدنة المعلنة في سوريا تخص الأعمال العدائية فقط، أو ما يُعرف في القانون الدولي بـ”Cessation of hostilities“، وهي تعني العمليات التعرضية، أو الهجومية في ميادين القتال، ولكنها لا تخص العمليات الجوية.
وهو ما حرصت عليه روسيا، وهو ما يأتي بنا إلى أحد الأمور المفاهيمية المهمة التي أريد لها الاستقرار في ذهنية المتابعين لما يجري في سوريا في هذه المرحلة، وهو أن ما ساد وتحقق في الملف السوري إلى الآن، هو ما فرضته روسيا على الطاولة، واستجابت له الولايات المتحدة بشكل كبير.
فتحديد مصطلح “وقف الأعمال العدائية”، ضَمِنَ لروسيا الاستمرار في توجيه ضرباتها الجوية ضد التنظيمات التي تُصنَّف إرهابية بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي، وهي “جبهة النُّصرة”، ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، وتنظيم الدولة “داعش”.
وهو كان مطلبًا روسيًّا منذ بداية التدخل الروسي في الأزمة السورية بشكل واضح ومباشر في صيف وخريف العام 2015م؛ أنه من الضروري تحديد قائمة بالتنظيمات “الإرهابية” المقاتلة في سوريا، وتمييزها عن المعارضة المسلحة.
ولكن لم تنجح روسيا في إدراج بعض الفصائل الأخرى، مثل لواء السلطان مراد، و”جيش الفتح”، و”أحرار الشام”، وكان المبرر الروسي في ذلك، أن “جبهة النصرة” جزءٌ من هذه الفصائل، ولكن “جبهة النصرة” عملت في الفترة الماضية على الانسحاب من بعض هذه الفصائل التي تشكلت من ائتلاف بعض الفصائل الأخرى الأصغر، من أجل تفويت الفرصة على روسيا لاستهداف هذه الفصائل بحجة أنها تضم “النصرة”.
موسكو وترتيبات الهدنة
الثبات الذي عرفته الهدنة في ساعاتها الأولى، يقول بأن هناك بالفعل إرادة روسية أمريكية لفرضها، مهما كانت العقبات التي واجهت الأمريكيين في فرض هذا الواقع على الحلفاء في المنطقة، والمنخرطون في الملف السوري، وهما تحديدًا: السعودية وتركيا.
ولكن في المقابل لن نقول العقبات التي واجهتها روسيا في فرض الهدنة على حلفائها في الأزمة، مثل إيران والنظام السوري؛ حيث إن ما تم يتوافق تمامًا مع مصالح ومخططات هذا الجناح من الأزمة.
ونقطة الحديث الرئيسية في هذا الإطار، هي أثر فترة وقف إطلاق النار على أطراف الأزمة، وعلى واقع ومستقبل الأزمة نفسها.
فيبدو أن ما جرى مرتَّب له جيدًا في أروقة الكرملين، الذي صار بحسب مراقبين، وحتى محللين سعوديين تحدثوا لشبكة الإذاعة البريطانية، هو المتحكم الرئيسي في الأزمة الروسية، حتى من دون شركائه في الأمر، في دمشق وطهران.
الإرادة الروسية والاستجابة السورية والإيرانية للهدنة، كاملة الوضوح في عدم انجرار هذا التحالف إلى استفزازات تنظيم “داعش” الذي حاول بشتى الطرق إفشال الهدنة قبلها بأيام، عندما عمد إلى التفجير في كل من حمص والسيدة زينب في ضواحي العاصمة السورية دمشق الأحد والإثنين الماضيَيْن.
وكلاهما له مغزىً سياسي وعقيدي لدى التحالف المضاد؛ حيث حمص باتت تحت سيطرة النظام السوري، وأحد رموز “انتصاراته”، في الأشهر الأخيرة، بمساعدة الحليف الروسي، بينما السيدة زينب – التي شهدت تفجيرًا آخر قبل بضعة أسابيع – هي أحد أهم معاقل حزب الله، وواحدة من أقدس البقاع لدى الشيعة؛ حيث ضريح السيدة زينب الكبرى، ابنة الإمام عليٍّ رضي الله عنهما، وحفيدة الرسول الكريم “صلَّى اللهُ عليه وسلَّم”.
كما عمد التنظيم إلى تحقيق مفاجأة استراتيجية بالاستيلاء على بلدة خناصر الاستراتيجية التي تقع على الطريق الوحيد الذي يربط بين دمشق وحلب، ومعنى ذلك، عدم قدرة النظام السوري وحلفائه على الأرض على عدم تقديم الإسناد البري للقوات النظامية المقاتلة في حلب.
وبحسب مصادر سورية على الأرض، فإن “داعش” قصد بذلك أن يجبر النظام السوري على الدخول في معركة أرادها التنظيم طويلة وحتمية؛ حيث لا يمكن للنظام ترك خناصر في قبضة التنظيم، وإلا كان ذلك معناه عزل قواته المقاتلة في حلب، وتركها تواجه الفصائل الإسلامية المسلحة هناك، من دون إمدادات، وبالتالي؛ يفقد النظام أهم مكاسبه في الأسابيع الأخيرة على الأرض.
ولذلك كان الرد الروسي الجوي حاسمًا، مما سمح للنظام باستعادة البلدة الاستراتيجية قبل ساعات من الإعلان عن الهدنة.
دبلوماسيًّا، حرصت روسيا على حصر الأمر بينها وبين الأمريكيين، وبالتالي إبعاده عن أية مماحكات لأطراف أخرى، قد تقود إلى إفشال الهدنة بسبب تضارب مصالح الأطراف المختلفة، وخصوصًا الأطراف الإقليمية التي ليست لها مصلحة في تثبيت تهدئة في سوريا، تسمح للنظام السوري بالتقاط أنفاسه والعمل على إعادة ترتيب قواته على الأرض، بعد نجاحه في تجنيد ستين ألف مقاتل جديد.
وبالرغم من أن النظام كان يستهدف تجنيد مائة ألف؛ إلا أنه يبقى لهذا العدد أهميته الكبرى بالنسبة للنظام الذي عانى من تفكك جيشه بعد انشقاق عدد من عناصره عنه، مكونين ما يُعرف بـ”الجيش السوري الحر”، ومقتل حوالي 50 ألفًا من عديده في العمليات خلال سنوات الحرب الطويلة الماضية.
كما أن الروس حرصوا على أن يتم تمغ الهدنة بخاتم مجلس الأمن الدولي؛ حيث تم الإعلان عن سريان الهدنة رسميًّا ليلة الجمعة/ السبت، 26/ 27 فبراير، بقرار من مجلس الأمن؛ بحيث يكون حجةً على منتهكيه.
المأزق التركي
تدل هذه الحوادث التي سبقت الإعلان عن الهدنة، عن أن الأمر تم الترتيب له بشكل دقيق من جانب الروس، وهو ما يدل على مصلحة حقيقية للتحالف الذي تقوده روسيا في الأزمة السورية في الهدنة.
على الجانب الآخر، بدا الدور الأمريكي في فرض الهدنة، مخالفًا لمصالح حلفاء واشنطن في المنطقة؛ حيث مارست واشنطن ضغوطًا عديدة على كل من الرياض وأنقرة للحيلولة دون تنفيذ قرار اجتياح بريٍّ أحادي الجانب في شمال سوريا.
وكانت تركيا الأكثر ميلاً إلى ذلك، بعد أن استطاعت قوات سوريا الديمقراطية، والتي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري، وتدعمها واشنطن بشكل مباشر بالسلاح، وقوات الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري – تتهمه أنقرة بأنه الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي – اجتياح مناطق الشمال السوري، والتواجد في مناطق كانت تعتبرها أنقرة بمثابة خطٍّ أحمر لأمنها القومي، غربي نهر الفرات.
وقف إطلاق النار أو وقف العمليات العدائية في سوريا، أوقف كل العمليات على الأرض، وفي الجو، باستثناء العمليات الروسية، وعمليات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، ضد تنظيم “داعش”، وتنظيمات أخرى تعتبرها روسيا إرهابية، وتضعها على قائمة أهدافها، مثل “جبهة النُّصرة”.
ولو وضعنا ذلك بجانب ما سبق بشأن أن الهدنة فرصة شديدة الأهمية لالتقاط الأنفاس وتثبيت المواقع على الأرض، والتهيؤ لما هو قادم، سواء كعامل إسناد خلال مفاوضات “جنيف- 4” التي أعلن الوسيط الدولي في الأزمة السورية، ستيفان دي ميستورا، أنها سوف تكون في السابع من مارس المقبل، أو لما بعد “جنيف- 4” فيما لو فشلت المفاوضات؛ فإننا سوف نجد أن الموقف لا يُعتبر مفيدًا بالنسبة لتركيا على وجه الخصوص، وحلفائها على الأرض في سوريا.
فالهدنة، بما تتضمنه من وقف لعمليات القصف المدفعي التركي على مناطق تمركز الأكراد في شمال سوريا، سوف يسمح للأكراد بتثبيت مواقعهم في المناطق التي سيطروا عليها في حلب وشمال سوريا، وبعضها مناطق في غرب الفرات، مما يغلق دائرة تواصل بينهم وبين الأكراد في جنوب شرق تركيا، وهو ما يضرب الأمن القومي التركي في مقتل، في ظل تصاعد التمرد الكردي في الداخل التركي.
وكان تفجير أنقرة الأخير الذي استهدف مقر رئاسة الأركان التركية، بعد أن أثبتت تحقيقات السلطات أن منفذه كردي تركي؛ أحد أبرز عوامل العصبية التركية الأخيرة في تصريحات المستوى السياسي، وخصوصًا الرئيس رجب طيب أردوغان.
هذه الصورة حول الهدنة، كانت غائبة جزئيًّا عن الأتراك ربما في البداية، لذلك رحبوا بها وقالوا إنهم سوف يعملون على فرضها على الأرض على حلفائهم من الفصائل المقاتلة في سوريا، ثم عادت رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية في تركيا إلى إصدار تصريحات ومواقف واضحة، مفادها أنه لا التزام بالهدنة إذا ما هددت أمن تركيا، ولكن من دون توضيح ماذا يقصدون بذلك، فيما رصدت حشود جديدة للقوات التركية على الحدود.
إلا أن هذه الحشود، تأخذ أوضاعًا دفاعية وأقرب إلى أشكال التأمين منها إلى كونها في أوضاع هجومية تؤشر إلى عملية برية متى اتخذ المستوى السياسي قرارًا بذلك.
وهو قرار مشكوك فيه في ظل الممانعة الأمريكية، ورفض الجيش التركي الدخول في عملية برية غير مأمونة العواقب العسكرية، وكذلك العواقب السياسية والأمنية لها على الداخل التركي، وهو ما أعلنه وزير الدفاع مسعود يلماظ أمام البرلمان التركي في خطوة لم تغب على المراقبين، من أن الجيش التركي حرص على أن يكون موقفه أمام نواب الشعب التركي، منعًا لأية إشكالات قد تنتج عن إصرار الجيش على موقفه في مواجهة مغامرات الساسة!
تبدُّل موقف المستوى السياسي التركي من الهدنة يشير إلى معلومات جديدة وردت الأتراك – والسعوديون كذلك الذين رحبوا بالهدنة في البداية، ثم عادوا فشككوا في أهدافها علنًا – في صدد الأهداف الحقيقية للهدنة في سوريا، وأنها بالفعل مصلحة للتحالف الذي تقوده روسيا، والأطراف المرتبطة به على الأرض في سوريا.
الأهم من ذلك، أن الهدنة بالفعل، في ظل ما فرضته من قيود على تعامل الأتراك والتحالف الإقليمي الداعم للمعارضة المسلحة في سوريا، وتثبيتها للمكاسب التي حققها النظام السوري والأكراد في شمال سوريا، مع توقف موجات تدفق اللاجئين باتجاه معبر “باب السلامة/ أونجو بينار”، يعني أمران، الأول هو وقف مخطط الأمر الواقع الذي كانت تسعى تركيا إليه استغلالاً لمعارك حلب الأخيرة، وهو فرض منطقة عازلة في شمال وسوريا.
ولكن تأخر تركيا في فرض ذلك بالأدوات السياسية والعسكرية، حال دون تحقيق هذا الهدف.
الأمر الثاني، هو إخراج تركيا من معادلة الأزمة السورية؛ حيث إن أي تحرك عسكري تركي مباشر، أو حتى دعم الفصائل المقاتلة بالسلاح والأفراد، أو تسهيل حركتها على النحو الذي تم خلال معارك حلب، عندما سمحت تركيا لحوالي ألفين من المقاتلين الأجانب والسوريين بالخروج من شمال سوريا والعودة إليه في مناطق القتال عند أعزاز وعفرين وتل رفعت، من خلال المعابر التي يسيطرون عليها؛ سوف يتم رصده من خلال الروس والتوجه به إلى مجلس الأمن الدولي، وهو أحد أهم الأسباب التي دفعت روسيا إلى وضع خاتم المجلس على الهدنة.
موقف الفصائل
الفصائل السورية المعارِضة بدورها توجست من الهدنة لهذا السبب، وشعر بعضها أن الأمر يتعلق بمخطط لتفتيت جبهة المعارضة، وبدأ ذلك بالفعل بانسحابات للنصرة – كما تقدَّم – من بعض الفصائل السورية المقاتلة التي تشكلت من فصائل أصغر، بجهد قاده القطريون والأتراك والسعوديون، خلال العامَيْن الماضيَيْن، من أجل توحيد الجهد العسكري على الأرض ضد النظام.
وكان بالفعل هذا الأمر، أحد أهم التطورات التي كادت أن تطيح بنظام الأسد لولا الإسناد الروسي في الأشهر الأخيرة.
وهو ما يقول بأن هذه المخاوف التي تبادلها الأتراك والسعوديون وقادة المجموعات المسلحة الكبرى في سوريا، لها موضعها؛ فطالما أن توحيد جبهات الفصائل المعارضة لبشار على الأرض كان عامل حسم ضده؛ فإن نقض هذه التكوينات الكبرى، سوف يكون أحد أهم الأهداف التي يسعى الخصوم – الروس والنظام ومن يدعمونه – إلى تحقيقها.
وبالتالي؛ فقد عبَّرت هذه الفصائل المنضوية تحت لواء الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمرؤ الرياض، عن تخوفها من أن هذه الهدنة تقودها إلى فخ.
السعوديون بدورهم لم يكونوا بعيدين عن هذه الهواجس، ولكن الضغوط الأمريكية كانت كبيرة.
كما أن السعوديين وجدوا أنها بمثابة فرصة لإثبات وجود جبهة موحدة للمعارضة السورية، تعمل على تسويقها أمام الرأي العام الدولي قبل مفاوضات جنيف الجديدة، وبالتالي وأد المزاعم الروسية والسورية الرسمية، بأن الحلول السياسية مع الفصائل المسلحة في سوريا غير واردة، بسبب أنه لا يوجد إطار جامع لها يلزمها بأية اتفاقيات آنية أو مستقبلية.
وفي غمرة هذه التطورات، فإن هناك ملاحظة شديدة الأهمية أخذها بعض المراقبين على سلوك “داعش” بعد الإعلان عن الهدنة.
فأول عمليات للتنظيم بعد الإعلان عن الهدنة كانت في جبل الأكراد في اللاذقية، لاستفزاز الكرد للرد، وبالتالي يكون الأكراد مسؤولين عن كسر الهدنة، وهو – من دون أي تأكيد لما طرحه مراقبون في هذا الصدد من وجود تنسيق ما فيه مع مستوىً سياسي تركي – يصب بشكل تلقائي في صالح تركيا؛ حيث سوف يعطيها ذلك فرصة لاستئناف عملياتها عبر الحدود السورية، ضد الأكراد.
وما يضع الكثير من علامات الاستفهام في هذا الصدد بالفعل، أن المنطقة التي اختارها “داعش” لكسر الهدنة، من أصعب المناطق التي يمكن لهم اختراقها لكونها منطقة حشود كثيفة للنظام، وسوف تستفز روسيا للتعامل الجوي معها؛ حيث أهم قواعدها العسكرية في الشرق الأوسط قاطبةً هناك، كما أن هناك مناطق تماس أسهل بكثير منها بين “داعش” وبين قوات النظام السوري؛ فيبقى التساؤل المشروع ها هنا، وهو: لماذا جبل الأكراد؟!
الحل السياسي المستحيل
بعد هذا التطواف الواسع، يبقى تساؤل آخر مشروع، وهو: كيف يمكن تصور حلاًّ سياسيًّا في سوريا؟!
والإجابة بالنفي، في حقيقة الأمر، صحيحة إلى درجة كبيرة، فالأزمة صفرية، لأن أطراف الأزمة تتمسك بمواقفها، وبينها خلافات عقيدية ومصالح غير قابلة للتقسيم، وبالتالي هي غير قابلة للتفاوض.
فهل يتصور أحدٌ انخراط الفصائل المسلحة الحالية بتكوينها الأيديولوجي والسياسي الراهن، في عملية سياسية مع نظام الأسد؟!، ثم لو هذا حصل؛ ماذا سوف يكون موقفهم من “جبهة النصرة” التي حاربت معهم طيلة الفترة الماضية؟!
هل يمكن أن يقوم “جيش الفتح” أو “أحرار الشام”، بالانضمام لنظام سياسي جديد في سوريا – حتى لو من دون بشار الأسد – يفرض عليهم بعد ذلك، بمحاربة “النصرة”؟!
من ناحية أخرى، هل يتصور أحدٌ عملية سياسية توافق عليها روسيا وإيران من دون الأسد ونظامه؟!.. لماذا؟!، وما هي المصلحة التي يمكن أن تلزمهم بذلك؟!، ولو أن هناك قابلية عندهم لهذا؛ فلماذا كل ما قاموا به وقدموه من كلفة بشرية وسياسية وعسكرية واقتصادية لحماية الأسد ونظامه؟!
في هذا الإطار، هل من المتصوَّر أن تقدِم موسكو وطهران على دعم وفرض عملية سياسية تسلم سوريا لأحرار الشام وحلفاء السعودية وتركيا على الأرض؟!.. هذا ضرب من الخيال في حقيقة الأمر.
وهو ذات المنطق الذي يعترض عملية المصالحة الفلسطينية، فلو وافقت “حماس” على ما تطلبه منها السلطة الفلسطينية وحركة “فتح”؛ لكان ذلك معناه خسارتها الكاملة لمصداقيتها أمام جمهورها؛ لأن الطرف الآخر يطلب منها ما يجعلها ليست “حماس” التي نعرفها، وبالتالي سوف تخسر كل شيء.
من جهة أخرى، طرف المصالحة الآخر، لا يملك قراره، ولو ذهبت “فتح” والسلطة لـ”حماس” وأجندتها؛ لكان في ذلك نهايتهم من جانب تل أبيب وواشنطن.
نفس المنطق لو تم تطبيقه على الأزمة السورية؛ سوف نجد أن أية تسوية سياسية هناك؛ لن تتحقق بأية صورة، إلا لو تخلت تركيا والسعودية عن الفصائل المسلحة على الأرض، بتأثير من الولايات المتحدة، بيعًا منها لحلفائها لصالح علاقاتها – واشنطن – مع موسكو!
فقط في هذه الحالة؛ تنجح تسوية سيكون الأسد جزءًا منها، بعد كل ما ارتكبه من جرائم.
الأكثر مرارة من ذلك، أن الموقف الأمريكي باعثه الرئيسي هو العمل على “تجميد” الأزمة السورية، لحين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نهاية العام الجاري.
الحلفاء العرب في الجناح الذي تقوده الولايات المتحدة في الأزمة، تركوا ملف التفاوض على الهدنة للأمريكيين، قبل أن يدركوا متأخرًا أن الروسي حققوا غالبية ما يريدون استغلالاً لرغبة واشنطن في وضع الأزمة السورية في ثلاثة المفاوضات والمماطلات لحين انتهاء الانتخابات.
ومن نافلة القول إن الموقف الأمريكي لن يكون فيه أي جديد قبل مارس 2017م؛ لأن الرئيس الأمريكي الجديد يظل حوالي ثلاثة أشهرـ أو المائة يوم الأولى من فترته الرئاسية الأولى، منشغلاً في تسلم السلطة من سلفه، وترتيب الوظائف الحكومية لإدارته، وقراءة تقارير المستشارين للإلمام بكل التفاصيل المخفية في الكواليس في كل الملفات التي تعني واشنطن في العالم!
ووهو ما يعني أن قضايا العرب والمسلمين التي فيها الآن ملايين الضحايا من القتلى والمشردين والدول المفكة، ليست أولوية كملف انتخابي أمريكي.
وهي حقيقة مؤلمة عبر التاريخ، ولكن للأسف الشديد تجد أن بعض الساسة العرب وفي دولنا الإسلامية؛ لا يزالون مصدقين أو يعتمدون على الأمريكيين!