ترجمة وتحرير نون بوست
الحي هو خليط من المباني المهدمة والمحروقة والمنهوبة في ذروة الحرب الأهلية، إنه ذات المكان الذي كان من المفترض على قوات الأمم المتحدة أن تهبّ لنجدته، ولكن ضمن عدد من المنازل، تربي النساء والفتيات أطفالًا يقلن بأنهم أولاد القوات التابعة للأمم المتحدة الذين اعتدوا على النساء أو قاموا باستغلالهن.
تطلق الأمم المتحدة على هؤلاء الأطفال الرضع اسم “أطفال قوات حفظ السلام”.
“لقد كان الأمر فظيعًا”، قالت فتاة تبلغ من العمر 14 عامًا، واصفة قيام أحد جنود حفظ السلام من بوروندي بجرها إلى ثكنته واغتصباها وتركها حاملًا بطفل رضيع تحمله اليوم بشكل غير مريح.
تأتي هذه الادعاءات وسط إحدى أكبر الفضائح التي تؤرق الأمم المتحدة منذ سنوات؛ فمنذ أن باشرت بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة مهمتها في جمهورية أفريقيا الوسطى عام 2014، تم اتهام موظفيها بشكل رسمي بالاعتداء الجنسي أو باستغلال 42 أنثى من المدنيات المحليات، معظمهن من الفتيات القاصرات.
وصف الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، حالات الاعتداء الجنسي من قِبل قوات حفظ السلام بأنها “سرطان ينهش بنظامنا”، وفي أغسطس، سُرّح كبير مسؤولي الأمم المتحدة من مهامه في جمهورية أفريقيا الوسطى لفشله في اتخاذ إجراءات كافية لمعالجة حالات الاعتداء، كما تم فصل حوالي الـ1000 جندي ممن ارتبطت وحداتهم بهذه الانتهاكات، ومن بين هؤلاء فرقة بالكامل من جمهورية الكونغو الديمقراطية.
يبدو أن ضحايا الاعتداءات أكثر عددًا مما حددته الأمم المتحدة حتى الآن؛ ففي إحدى الزاويا المعروفة باسم كاستورز في العاصمة، وبالقرب من مقر الأمم المتحدة في البلاد، تقابلت صحيفة الواشنطن بوست مع سبع نساء وفتيات روين قصصًا عن اتصالات مع قوات حفظ السلام تنتهك أنظمة الأمم المتحدة فيما يخص الاستغلال والاعتداء الجنسي، حيث قالت خمس فتيات منهن بأنهن بادلن الجنس بالغذاء أو المال، بمبالغ تقل في بعض الأحيان عن 4 دولارات، وذلك في الوقت الذي كانت فيه الحرب الأهلية تعصف ببلادهن وتعاني أسرهن فيه من الجوع، ولم تقم إلا اثنتين من هؤلاء النساء بالتبليغ عن حالات الاستغلال الجنسي للأمم المتحدة.
خمس فتيات من أصل السبع اللواتي قابلتهن صحيفة الواشنطن بوست قلن بأنهن يحملن أطفال المعتدين، وعلى الرغم من أن الأم البالغة من العمر 14 عامًا وصفت تعرضها للاغتصاب على يد جندي بوروندي، إلا أن الأمم المتحدة سجلت قضيتها كقضية جنس “تبادلي”، أي الجنس الذي تتم مقايضته بالمال أو الطعام.
“أحيانًا عندما أكون وحيدة مع طفلي، أفكر في قتله”، قالت الأم المراهقة، وهي تحمل الصبي الصغير بين يديها، وأضافت: “إنه يذكرني بالرجل الذي اغتصبني”.
لا يمكن التأكد من صحة الروايات التي سردتها النساء والفتيات بشكل مستقل، ولكن قصصهن تتفق مع روايات أخرى تتحدث جميعها عن الاعتداءات الحاصلة في جمهورية أفريقيا الوسطى تم جمعها من قِبل جماعات مستقلة أو عن طريق الأمم المتحدة ذاتها.
تم انتقاد النظام التابع للأمم المتحدة المسؤول عن معالجة وملاحقة هذه الحالات لاختلاله الوظيفي واسع النطاق وفشله في معالجة القضايا حتى بعد الكشف عن فضائح مارستها قوات حفظ السلام في أجزاء أخرى من العالم؛ ففي الوقت الحالي، تم توجيه تهمة جنائية واحدة فقط فيما يتعلق بجميع حالات الاعتداء أو الاستغلال الجنسي الـ42 التي تم تسجيلها رسميًا في جمهورية أفريقيا الوسطى، وذلك وفقًا لمسؤولين تابعين للأمم المتحدة.
قام المسؤولون في الأمم المتحدة بتقديم تقرير عن حالة الأم البالغة من العمر 14 عامًا، حيث قالت المتحدثة باسم الأمم المتحدة، إسميني بالا، بأن المنظمة “تراقب حالة الفتاة عن كثب”، ولكن بعد تسعة أشهر من إبلاغ الفتاة عن حالة الاغتصاب المزعوم لم يبلّغ المحققون عن أي نتائج، ولم يعلّق مسؤولو الأمم المتحدة عن السبب الذي حذا بهم لتصنيف قضيتها باعتبارها قضية استغلال جنسي بدلًا من قضية اغتصاب.
آني (29 عامًا) تحمل ابنها البالغ من العمر شهرين، والذي تقول بأنها أنجبته من أحد عناصر قوات حفظ السلام من الغابون.
امرأة شابة تجلس في المنزل مع ابنتها البالغة من عامًا واحدًا، حيث تقول بأنها عندما كانت بعمر الـ17، قام أحد عناصر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من جمهورية الكونغو بالضغط عليها لممارسة الجنس مقابل المال والغذاء، وتركها حبلى.
فتاة تبلغ من العمر 14 عامًا تقول بأنها في العام الماضي تعرضت للاغتصاب من قِبل أحد عناصر قوات حفظ السلام من بوروندي وأصبحت حاملًا، فتركت المدرسة لرعاية ابنها بمساعدة عائلتها.
روزين مينغي، 18 عامًا، مع ابنها البالغ من عامًا واحدًا، تقول بأنها كانت بعمر الـ16 عامًا عندما أرغمها أحد عناصر قوات حفظ السلام المغربيين على ممارسة الجنس مقابل المال، ودفع لها ما مجموعه 8 دولارات ليمارس معها الجنس مرتين ويتركها حاملًا.
فضيحة الاعتداء الجنسي هي آخر التطورات المروعة في الحرب التي عُرفت سابقًا بوحشيتها البالغة، حيث باشر الصراع في أواخر عام 2013 عندما أطاح المتمردون، معظمهم من المسلمين، بالحكومة ضمن هذا البلد ذي الأغلبية المسيحية، مما أشعل سلسلة من جرائم القتل الانتقامية في بانغي والتي تم تنفيذها إلى حد كبير على أسس دينية، حيث قُتل نحو 6000 شخصًا حتى الآن؛ لذا تم جمع بعثة دولية تابعة للأمم المتحدة مؤلفة من 12.000 جندي منحدرين من 46 دولة، أضحت معروفة باسم (MINUSCA)، لتوفير الأمن وحماية المدنيين.
في الأشهر الأخيرة، ظهرت العديد من المزاعم حول انتهاكات قوات حفظ السلام الدولية المرتكبة ضد السكان الضعيفين، حيث أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريرًا هذا الشهر يوثق 8 حالات اغتصاب أو استغلال جنسي لنساء أو لفتيات على يد عناصر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في أواخر عام 2015 وسط مدينة بامباري، كما قالت منظمة العفو الدولية في أغسطس الماضي بأنها حصلت على أدلة على وقوع عملية اغتصاب من قِبل عناصر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ضد فتاة تبلغ من العمر 12 عامًا في العاصمة.
يعترف مسؤولو الأمم المتحدة بأنهم يتصارعون مع انهيار خطير ضمن قوات حفظ السلام، حيث أشاروا هذا الشهر بأنهم يحققون في قضية أربعة فتيات يزعمن بأنه تم استغلالهن أو الاعتداء عليهن جنسيًا في مخيم للنازحين داخليًا في مركز محافظة أواكا، وفي يناير المنصرم، أفصح مسؤولو الأمم المتحدة عن اتهامات تطال 4 عناصر من قوات حفظ السلام لقيامهم بدفع مبالغ تقل عن 50 سنتًا لممارسة الجنس مع الفتيات في مخيم في بانغي، كما قال بارفيه أونانغا أنيانغا، الرئيس المعين حديثًا لبعثة الأمم المتحدة، بأنه يخشى بأن الحالات المكتشفة حتى الآن قد تكون مجرد “قمة جبل الجليد”، حيث جاء في تصريح له: “سنُغمر قريبًا بسيل دعاوى الأبوة التي سيتم رفعها”.
مهمة الأمم المتحدة تلطخت بالاتهامات بسرعة فائقة
لا تعد بعثة الأمم المتحدة إلى جمهورية أفريقيا الوسطى الأولى التي تتلطخ باتهامات الاعتداء الجنسي المنفذة من قِبل القوات التابعة للأمم المتحدة؛ ففي البوسنة في تسعينيات القرن المنصرم، اُتهمت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بالتماس الجنس من النساء اللواتي تعرضن للاتجار والاسترقاق الجنسي في بيوت الدعارة المحلية، وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية في مطلع القرن الحالي، تم تسجيل أكثر من 150 اتهام بالاعتداء والاستغلال الجنسي الممارس من قِبل قوات حفظ السلام الدولية، حيث وجد المحققون التابعون للأمم المتحدة بأن العديد من الضحايا المزعومين كانوا يتامى، كما تلطخت بعثات الأمم المتحدة في كوسوفو وهايتي وليبيريا وغيرها من الأماكن باتهامات مماثلة، وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة أجرت تحقيقات داخلية وجددت برامج التدريب للقوات التابعة لها، إلا أن الشكاوى ما تزال تتوافد حول الانتهاكات الخطيرة لعناصر البعثات الدولية.
ربما لا يوجد إرسالية في تاريخ الأمم المتحدة الحديث تلطخت بتهم الاعتداء والاستغلال الجنسي أسرع من البعثة التي نُشرت في جمهورية أفريقيا الوسطى، والتي من المتوقع أن تبلغ تكلفتها حوالي 814 مليون دولار هذا العام، حيث ظهرت المجموعة الأولى من حالات الاعتداء الجنسي في غضون أشهر فقط من إطلاق البعثة في سبتمبر 2014.
وحتى قبل بدء البعثة الدولية رسميًا، تم اتهام القوات الفرنسية بالاعتداء الجنسي على عدد من الأطفال المحليين، وفي تقرير صدر العام الماضي، انتقدت لجنة المراجعة المعينة من قِبل الأمم المتحدة بشكل حاد المسؤولين الأممين في جمهورية أفريقيا الوسطى لفشلهم في اتخاذ الإجراءات أو الإبلاغ عن الحالات بعد الكشف عنها، حيث جاء في التقرير: “يبدو بأن موضوع شؤون الضحايا ومحاسبة الجناة هو موضوع ثانوي، هذا إن كان يتم أخذه بعين الاعتباره أساسًا بالدرجة الأولى”.
تفيض القواعد التابعة للأمم المتحدة في جمهورية أفريقيا الوسطى اليوم بالملصقات التي توضح القوانين التي من المفترض أن يعرفها عناصر البعثات مسبقًا، ومن تلك الملصقات “يحظر ممارسة الجنس مع أي شخص دون سن الـ18 عامًا”، “يحظر مبادلة الأموال والسلع أو الوظائف بممارسة الجنس”، “لا يتم التسامح مع أي حالات للاستغلال الجنسي”.
ولكن يسلّط حي كاستورز في عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى الضوء على الوقاحة الصادمة التي وصل إليها عناصر قوات حفظ السلام الدوليين، حيث يقول السكان بأن القوات تتسلل إلى جميع أنحاء المنطقة بحثًا عن الفتيات خلال النهار، ليقوموا باصطابحهن ليلًا إلى غرف مستأجرة أو منازل مهجورة، أو لنقلهن إلى الثكنات، ويشير شهود عيان بأن عناصر القوات المغربيين فتحوا ثقوبًا ضمن الجدار المحيط بقواعدهم، ليتمكنوا من مغادرة القاعدة دون أن يتم اكتشافهم.
“هناك الكثير من الفتيات هنا الذين مارسوا الجنس مع عناصر قوات حفظ السلام” قال تييري كارباندجي، أحد المقيمين في حي كاستورز، وأضاف: “يمكنك أن ترى أطفالهن في جميع أنحاء الحي”.
تزامنت معظم حالات الاعتداء والاستغلال الجنسي المزعومة مع وصول الصراع إلى ذروته بين عامي 2014 و2015، عندما دفع القتال الناشب في الدولة السكان إلى حافة البقاء على قيد الحياة.
“لم يكن هناك أي وسيلة للحصول على الغذاء أو المال في ذلك الوقت، لقد وعدنا العناصر بمساعدتنا إذا مارسنا الجنس معهم”، قالت روزين مينغي، وأردفت موضحة بأنها تلقت ما يعادل 4 دولار لقاء تقدمة لقاءين جنسيين مع أحد عناصر قوات حفظ السلام، وحينئذ كانت تبلغ الـ16من عمرها، وأنفقت المال الذي حصلت عليه لشراء أوراق الكسافا، التي ساعدت على إطعام عائلتها لمدة يومين.
لم تسمع مينغي، مثل بقية النساء، بالرجل الذي استغلها بعد أن أصبحت حامًلا، حيث تشير بأنه عاد إلى المغرب، في الوقت الذي تركت فيه المدرسة لتربية ابنها في منزل عائلتها، الذي تحيط به أشجار النخيل المحترقة وأنقاض المباني نصف المدمرة، “لم يكن لدينا ما يكفي من الغذاء للجميع”، قالت والدة مينغي لصحيفة الواشنطن بوست.
وفي ذات السياق، يشير مسؤولو الأمم المتحدة بأن وحدات حفظ السلام المنحدرة من نحو 10 بلدان متورطة في فضيحة الاعتداءات الجنسية، علمًا بأن معظم النساء الذين قابلتهن صحيفة الواشنطن بوست لم يقمن بالتبليغ عن قضاياهن الجنسية للأمم المتحدة لأنهن يشعرن بالخزي أو لا يعتقدن بأن المنظمة سوف تكون قادرة على مساعدتهن، وفي إحدى الحالات، قامت إحدى النساء بالتواصل مع الأمم المتحدة سعيًا للمساعدة المالية لطفلها بعد أن عاد والده إلى جمهورية الكونغو، ولكن مسؤولي الأمم المتحدة قالوا لها بأنها لم تقل بأنها تلقت أموالًا من عنصر قوات حفظ السلام، وهو الأمر الذي أخبرته للصحيفة في وقت لاحق، لذلك لم تُسجل الحالة على أنها تنطوي على الاستغلال الجنسي، علمًا بأن مثل هذا التصرف يخرق قواعد الأمم المتحدة التي تخص العلاقات الجنسية التي ينخرط فيها عناصر قوات حفظ السلام.
أطفال يعبرون جسرًا مهدمًا خارج قاعدة قوات حفظ السلام قرب كاستورز في العاصمة بانغي بجمهورية أفريقيا الوسطى.
الشعور بالحصانة من تطبيق العقاب
يقع حي كاستورز مقابل الطريق الذي يؤدي إلى مقر الأمم المتحدة المترامي الأطراف في العاصمة بانغي، وهناك، يسعى أونانغا أنيانغا، 55 عامًا ومسؤول الأمم المتحدة الغابوني المخضرم، جاهدًا لحل المشكلة؛ ففي مقابلة أجريناها معه هذا الشهر، جلس أونانغا أنيانغا أمام ورقة كُتب عليها بالبنط العريض: “نقاط الحديث: الاستغلال والاعتداء الجنسي”، وعندما نظر إلى الأعلى، تحدث إلينا بغضب قائلًا: “لقد ورثنا قوات لا يمكننا بحال من الأحوال وصفها باسم القوات، لقد أدركت بأن العناصر التي أُرسلت إلى هنا كانوا من الرعاع”.
يشير مسؤولو الأمم المتحدة والمحللون إلى وجود مجموعة من التفسيرات التي تشرح سبب الانتهاكات الهائلة التي حصلت في أفريقيا الوسطى، بما في ذلك سوء تدريب وانضباط العديد من الكتائب التي يتم إرسالها إلى الدولة لاتباع دورات تدوم لسنوات طويلة، حيث تم إرسال بعض القوات في عام 2013 كجزء من عملية للاتحاد الافريقي، وبعد ذلك تم إعادة تصنيف هذه القوات على أنها قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، بدون تزويدهم بأي تعليمات أو إرشادات إضافية، “لا يمكننا أن نضع فوق رؤوس هؤلاء خوذة زرقاء ونعتبر بأن عقليتهم ستتغير بين عشية وضحاها”، قال أونانغا أنيانغا.
حاول مسؤولو الأمم المتحدة في جمهورية أفريقيا الوسطى تشجيع النساء للإبلاغ عن حالات الاعتداء الجنسي من خلال افتتاح خط ساخن للتبليغ، وشراء الإعلانات الإذاعية التي تشجعهن على تقديم البلاغات، كما تُؤهل النساء اللواتي وثقّن حالات الاعتداء الواقعة ضدهن للحصول على المساعدة الطبية والنفسية وربما مساعدات أخرى، ولكن العديد من النساء لا يزلن غير مدركات لكيفية تسجيل الشكاوى.
رغم أن الأمم المتحدة حاولت تحسين تدريب عناصر البعثات على حالات الاعتداء الجنسي، إلا أن التجاوزات والأخطاء لازالت مستمرة؛ فعلى سبيل المثال، يتم تدريس عناصر البعثات باللغتين الإنجليزية والفرنسية فقط، رغم أن بعض القوات يفتقرون للإلمام اللازم في كلتا اللغتين، كما قال لنا أحد مسؤولي الأمم المتحدة، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول للتعليق على هذه القضية.
لعل الأمر الأكثر إشكالية في هذه القضية يتمثل بترك الأمم المتحدة لمهمة الفصل في مزاعم الاعتداء الجنسي للبلدان التي ينحدر منها عناصر قوات السلام المتهمين، وكما يقول المسؤولون التابعون للأمم المتحدة، تحقيقات هذه الدول غالبًا ما تكون ضعيفة، وهذا الأمر ساهم بخلق شعور بالحصانة من العقاب، وفقًا لمسؤولين تابعين للأمم المتحدة وخبراء خارجيين.
“بالنسبة لقوات حفظ السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى، الرسالة واضحة: يمكنك اغتصاب أو الاعتداء على النساء والفتيات، وستفلت من العقاب” قال لويس مودجي، باحث أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، وأضاف: “حتى تقوم البلدان المساهمة بقوات حفظ السلام بوضع المتهمين بارتكاب هذه الجرائم أمام العدالة، يمكننا أن نتوقع حدوث المزيد من هذه الحالات في المستقبل”.
الشعور بالاستغلال
لا تزال الأم البالغة من العمر 14 عامًا تراقب وصول سيارات عناصر قوات حفظ السلام قرب منزلها الأصفر المحطم، حيث قامت العائلة بلصق شظايا زجاجات البيرة المكسورة على أعلى جدار السور الخارجي للمنزل منعًا من دخول المتطفلين، وتتذكر الطفلة الأم بأنها اعتبرت، كغيرها من سكان المنطقة، وجود قوات حفظ السلام في البداية باعتباره علامة على الأمن، ودليلًا على أن العالم لم ينسهم، ولكن عندما وصل الجنود إلى الدولة المحطمة في عام 2014، استمر النقص الكبير في الأغذية، وحينها أدرك بعض عناصر قوات حفظ السلام النفوذ الذي يتمتعون به من خلال استغلال جوع النساء والفتيات.
أشارت فتاتان في سن المراهقة بأنهما وصلتا في إحدى الأيام إلى قاعدة مغربية مخصصة لقوات حفظ السلام لطلب الغذاء، حيث أوضحتا خلال المقابلة التي أجرتها معهما صحيفة الواشنطن بوست، بأنهما لم تمارسا الجنس قبل ذلك، ولكنهما وافقتا على ممارسة الجنس مع الجنود بعد أن عرضوا عليهم الماء والغذاء والمال.
تقول الفتاة الأكبر سنًا، والتي كانت حينئذ بسن الـ16 عامًا، بأنها التقت الرجل ضمن أحد المنزل الشاغرة، أما الفتاة الأخرى، التي كانت حينها بعمر الـ15 عامًا، فقد التقت جنديًا آخر بجانب القاعدة، وأعربت الفتاتان عن أنهما شعرتا بالندم لما قامتا به على الفور تقريبًا، “يتلخص شعورك بأنك خضعت للاستغلال فقط”، تقول الفتاة الأصغر سنًا.
أما الفتاة البالغة من العمر 14 عامًا، فتشير بأنها عندما ذهبت إلى قاعدة للأمم المتحدة في العام الماضي لطلب الطعام، اقترب منها جندي بوروندي بلطف من داخل الثكنة وهو يقول: “تعالي إلى هنا”، ومن ثم اصطحبها إلى غرفة مليئة بالأسرّة الفارغة، وجردها من ملابسها هناك.
تشير الأم المراهقة بأنها عمدت مع خالتها بعد ثلاثة أشهر، لتبليغ موظفين تابعين للأمم المتحدة بما حدث، ليتم بعدها نقل الفتاة الحامل إلى مستشفى تديره منظمة أطباء بلا حدود، ولكن عمال الإغاثة الذين تابعوا حالة الفتاة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، أشاروا إلى استيائهم من ضآلة مقدار المساعدة التي تلقتها الفتاة من الأمم المتحدة.
“لم يُتخذ أي تدبير فوري أو ملموس على الإطلاق لمساعدة هذه الفتاة” قال أوندين ريبكا، وهو مستشار قانوني دولي يعمل مع منظمة أطباء بلا حدود.
ومن جهته، قال المتحدث باسم اليونيسيف، جون بد، بأن المنظمة لا تعلّق على المساعدات المقدمة للأفراد، علمًا بأن الأم البالغة من العمر 14 عامًا أشارت إلى عدم تلقيها لأي استشارات نفسية أو مساعدات مالية.
اعترف تقرير داخلي صادر في عام 2005 بمشكلة “أطفال قوات حفظ السلام”، حيث نوّه مسؤولو الأمم المتحدة ضمن التقرير إلى “الحاجة لمحاولة تحمّل الآباء الذين يمكن تحديدهم، عن طريق اختبارات الدم أو اختبارات الحمض النووي، لبعض المسؤولية المالية عن أفعالهم”, ولكن غالبًا ما يكون من الصعب للغاية تحديد الجناة الذين عادوا إلى بلدانهم الأصلية؛ فحتى لو كانت الضحايا تعرف أسماء المعتدين عليهن، يبقى من الصعب ضمان تعاون الجيوش ضمن العديد من الدول مع هذه القضايا، حيث ثبت مسبقًا تقاعس العديد من الجيوش عن متابعة اختبارات الحمض النووي، وفقًا لما يقوله مسؤولو الأمم المتحدة.
وبالعودة إلى قضية الأم المراهقة، يتبين بأنه تم إحالة القضية إلى الجيش البوروندي، الذي عيّن محققًا، وفقًا للمسؤولين التابعين للأمم المتحدة، ولكن لم ترد أي تقارير عن النتائج التي تم التوصل إليها حتى الآن، وبالنظر إلى أن البلاد تعاني حاليًا من حرب أهلية استهلكتها في الشهور الأخيرة، يشير الخبراء إلى أنه من غير المرجح بأن يعمد الجيش البوروندي لمتابعة التحقيق بالقضية.
بالنتيجة، ما تؤول إليه الأمور حالياً يعني بأن فتاة كتلك المراهقة الأم البالغة من العمر 14 عامًا ستضطر إلى تربية طفلها على الكفاف تقريبًا في ظل استمرار دوران رحى الحرب في البلاد.
في وقت سابق من هذا الشهر، كانت الأم المراهقة تجلس خارج منزلها المكوّن من خمس غرف للنوم والذي يقطن فيه أكثر من 20 شخصًا من الأقارب، وفي مكان قريب، جلس رجل يبيع الخمور على طاولة من البلاستيك، وحلّق منطاد مراقبة أبيض تابع للأمم المتحدة في سماء المنطقة، وعلى بعد 200 ياردة، مرّت مجموعة من القوات البوروندية في دورية ترصد المنطقة، وحينها، قامت المراهقة بتسليم طفلها إلى والدتها، التي نظرت إلى الأرض بحزن، متأسفة على ابنتها التي دمرتها حادثة الاعتداء، وقالت: “إذا قام شخص ما بتدمير الشخص الذي تحبه، ما الذي يتوجب عليك فعله؟”.
عنصران من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من بوروندي يتحدثان إلى النساء والفتيات اللواتي يمشين بالقرب من قاعدتهما في 15 فبراير في حي كاستورز في بانغي.
المصدر: واشنطن بوست