ترجمة وتحرير نون بوست
تقدم العالم خطوة صغيرة أخرى تجاه تحوّله إلى معمورة مرتبطة بشكل كامل في عام 2015، حيث تشير الإحصائيات إلى استعمال 3.2 مليار شخصًا لشبكة الإنترنت اليوم، بارتفاع ملحوظ عن الـ3 مليار شخص الذين كانوا يستعملونه في عام 2014، وذلك وفقًا لتقرير جديد نشره موقع الفيسبوك.
ولكن على الجهة الأخرى، يوضح هذا التقرير أيضًا أن ما ينوف عن 4 مليارات نسمة، أي أكثر من نصف سكان العالم، ما زالوا لا يتمتعون بأي ولوج إلى شبكة الإنترنت على الإطلاق.
يأمل جدول أعمال “اتصال 2020” الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات بتحقيق زيادة لا تقل عن 50% في ولوج الأسر بالدول النامية إلى الإنترنت بحلول عام 2020، وذلك من خلال خفض تكاليف الوصول والتمييز الممارس واللذان يقفان في وجه ولوج الكثيرين إلى شبكة الإنترنت العالمية، ولكن بدون اتباع نهج منسق، فإن تقديرات الاتحاد الدولي للاتصالات تشير إلى بقاء حوالي 3 مليارات نسمة بدون اتصال في عام 2020، جميعهم تقريبًا في الدول النامية.
في دراسته حول التواصل العالمي، حدد موقع فيسبوك أربعة عوائق رئيسية تقف في وجه تحقيق الخطة الطموحة للاتحاد الدولي للاتصالات، وسلّط الضوء على الطرق التي يمكن اتباعها للتغلب على هذه التحديات، حيث يشير التقرير إلى أن “هذه العوائق لا تنشأ بمعزل عن غيرها، ولا يمكن التصدي لها في عزلة عن بعضها، لأنها جميعًا تعمل ككتلة واحدة، وكل واحدة منها تؤثر على الأخرى”.
التوافر
توفّر شبكة الإنترنت يعتمد على قدرة الناس على الوصول إلى شبكة الإنترنت من خلال عدد من الوسائل المختلفة، بما في ذلك الوصول السلكي أو اللاسلكي أو وصول الأقمار الصناعية، وعلى الرغم من الطرق المختلفة للاتصال بالإنترنت، إلا أن تغطية الشبكة ما زالت محدودة بالنسبة للكثيرين.
ساعد وجود شبكة الاتصالات الخليوية على سد فجوة كبيرة في عقبة التوافر، حيث يقدر بأن 96% من سكان العالم يتمتعون، من الناحية النظرية، بالوصول إلى شبكة الجيل الثاني (2G)، ولكن هذه التكنولوجيا لا تغطي سوى معطيات البيانات الأساسية، حيث يقدر وجود 1.6 مليار شخص على الأقل لا يتمتعون بأي وصول إلى شبكة الجيل الثالث (3G) أو شبكة الجيل الرابع (4G).
في هذا المجال، لا يبدو من المستغرب أن يكون الوصول إلى أفضل شبكة بيانات خليوية متعلق بالناحية الاقتصادية إلى حد كبير؛ فتوفير خدمة جيدة وبتكلفة معقولة تبقى معادلة بعيدة عن متناول الكثيرين، وتغيير هذا الأمر وضع مزودي الخدمة ضمن سيناريو البيضة والدجاجة؛ فبغية تأسيس شبكة أكثر كفاءة في الأداء، يحتاج مزودو الخدمة للاستثمار في بنية تحتية جديدة ومتطورة، فضلًا عن حاجتهم لإنفاق تكاليف كبيرة للحفاظ على بنية شبكة الهاتف المحمول في المناطق الريفية، وهذا الأمر يتطلب استثمارًا كبيرًا من غير المرجح أن يلقى مزودو الخدمة عائدته في الوقت الحاضر، فناهيك عن كون المناطق الريفية تتمتع بدخل منخفض نسبيًا، يُظهر سكان هذه المناطق انخفاضًا بالطلب على خدمات الإنترنت إلى حد ما، لعوامل عديدة أهمها أنهم لا يدركون كيف يمكن للإنترنت أن يثري حياتهم.
بشكل عام تفوق تكلفة تأسيس أبراج الاتصالات في المناطق النائية بمرتين أو حتى ثلاث مرات تكلفة التأسيس في المناطق الحضرية، علمًا بأن عائدات الاستثمار في المناطق الحضرية تكون أعلى أيضًا تبعًا لارتفاع الطلب.
ولكن مع ذلك، يتم حاليًا طرح حلول جديدة ومبتكرة لمعالجة تحديات البنية التحتية المذكورة؛ فتقليديًا، كانت مولدات الديزل المصدر الرئيسي لكهرباء الشبكات الخليوية في المناطق التي لا تتوفر فيها شبكة الكهرباء، ولكن هبوط تكلفة وحدات الطاقة الشمسية بنسبة 75% منذ عام 2009، يمكن أن يساعد على تخفيض تكلفة الطاقة، خاصة إذا انخفض سعر هذه الوحدات إلى 40% كما هو متوقع بحلول نهاية عام 2017.
فضلًا عن ذلك، يجري استبدال الاستخدام المكلف لتكنولوجيا الأقمار الصناعية بالمزيد من الحلول الإبداعية بما في ذلك الطائرات بدون طيار، البالونات، الأقمار الصناعية التي تدور ضمن المدار الأرضي المنخفض أو المتوسط للأرض، والأقمار الصناعية عالية الانتاجية الثابتة بالنسبة للأرض.
القدرة على تحمل التكاليف
يشكّل الدخل العائق الرئيس بالنسبة للكثيرين في الوصول إلى الإنترنت؛ فسعر خطة البيانات، جنبًا إلى جنب مع تكلفة امتلاك الجهاز والشاحن وغيرها من الملحقات، هي جزء مما يبقي الناس حاليًا غير متصلين بشبكة الإنترنت.
يقدّر تقرير الفيسبوك بأن تكلفة خطة البيانات التي تتضمن استهلاك 500 ميغابت شهريًا لا تزال بعيدًا عن متناول حوالي 2 مليار شخص بسبب العوز المالي، علمًا أنه وبالنسبة للدول المتقدمة، التي تستهلك حوالي ثلاثة أضعاف هذا المقدار من البيانات وسطيًا، تبدو خطة البيانات التي تتضمن 500 ميغابت شهريًا غير كافية، فهي لا تسمح للمستخدم إلا بالولوج إلى 17موقع إلكتروني أو 8 دقائق من الفيديو يوميًا.
على الرغم من تواجد فجوة كبيرة في استهلاك البيانات بين الدول النامية والدول المتقدمة، فإن تكلفة الاستهلاك تبدو متعاكسة تمامًا؛ فبالمتوسط، أي شخص يعيش في البلدان النامية ينفق أقل من 4% من دخله الشهري على نفقات الإنترنت بينما ينفق الأشخاص الذين يعيشون في الدول المتقدمة نصف هذا المبلغ، وإذا نظرنا إلى أقصى الحدود لطيف نفقات استهلاك الإنترنت، فإن الشخص الذي يعيش في المملكة المتحدة قد يستهلك نصف دخله لدفع تكاليف الإنترنت، بينما تبلغ الحدود القصوى في نيجيريا مثلًا حوالي الـ7%.
يقدّر تقرير الفيسبوك أن نحو 500 مليون شخصًا كانوا قادرين على الوصول إلى الإنترنت في عام 2015 نتيجة لارتفاع نسب الدخل العالمي جنبًا إلى جنب مع انخفاض أسعار توافر الإنترنت.
التحسّن المستمر بالتكنولوجيا، المتلازم مع التحسّن المطرد في نسب الدخل العالمي، سيساعدان على استدامة هذا الاتجاه، ولكن يمكن لنماذج الأعمال المبتكرة أن تساعد أيضًا على تسريع هذه العملية؛ ففي الفلبين، على سبيل المثال، يتم ترتيب حزم البيانات الخليوية بطريقة تستوعب واقع الحياة اليومية للفقراء، فمن خلال توفير بديل عن نماذج الأعمال التقليدية لشبكات الإنترنت يمكن للأشخاص الولوج إلى شبكة الإنترنت بأسعار يمكن تحمل نفقتها.
الأهمية
في الوقت الذي يُنظر فيه إلى الإنترنت في البلدان المتقدمة في كثير من الأحيان كقاتل للوقت، لا يرى الكثير من مواطني الدول النامية مدى أهمية الحصول على الإنترنت؛ وبغية جعل شبكة الإنترنت هامة لهؤلاء، يجب أن تصبح مفيدة، متصلة بهم، ويمكنهم الوصول إليها.
تشكل اللغة أكبر مشكلة قابلة للتحديد فيما يخص أهمية الإنترنت على مستوى العالم، كون 89% من محتوى الشبكة على المستوى العالمي مكتوب بـ10 لغات فقط، وتتمتع اللغة الإنجليزية بأغلبية ساحقة ضمن المحتوى تصل إلى 56%.
موقع الفيسبوك متاح حاليًا بـ139 لغة، وترجمة غوغل (جوجل ترانسليت) متاحة بـ103 لغات، بينما تتيح ويكيبيديا قراءة مواضيعها بـ55 لغة.
على أرض الواقع يوجد أكثر من 7000 لغة يتم التحدث بها في جميع أنحاء العالم، وللوصول إلى 98% من سكان العالم، يحتاج الإنترنت لاستيعاب 800 لغة ضمن المحتوى.
تم اختراق هذا الانقسام اللغوي، بشكل جزئي، من خلال التوسع في تعليم اللغات الثانوية؛ فعلى سبيل المثال، ويكيبيديا توفّر 100.000 مقال أو أكثر مكتوبة بـ55 لغة، حيث تشكل هذا اللغات اللغة الأم لحوالي 58% من سكان العالم، وإذا تم أخذ اللغة الثانوية بعين الاعتبار، يتوسع الوصول إلى هذه المعرفة ليشمل 67% من سكان العالم.
ولكن الطلب من السكان التحدث بلغة ثانية قد يكون طلبًا داعيًا لتخليهم عن الوصول إلى الإنترنت، وقد يحمل في طياته، بأسوأ الأحوال، إساءة صريحة؛ لذا فإن النهج الأكثر تعاونية ونجاحًا يتمثل بدعم إنشاء محتوى جديد من خلال دعم الأجهزة والبرمجيات التي تتضمن اللغات المحلية، وهذا التسهيل في إنشاء المحتوى يمكن أن يؤدي إلى تأسيس نظم إيكولوجية لغوية جديدة على شبكة الإنترنت.
خذ على سبيل المثال، تنزانيا، التي يتحدث 98% من سكانها اللغة السواحلية؛ فعندما قدم الفيسبوك برنامجه بهذه اللغة، ازداد عدد المستخدمين في تنزانيا بشكل كبير، أما في نيجيريا، فبالكاد لوحظ ضمنها أي زيادة في عدد المستخدمين، وهذا الأمر على الأرجح راجع لعدم قيام الفيسبوك حتى الآن بتقديم حل للغات المحلية المستخدمة في نيجيريا.
اللغة هي طريقة واحدة فقط من طرق خلق وتشجيع أهمية الإنترنت، فعندما يتم تقديم محتوى للسكان يتعلق بهم بشكل مباشر، تطّرد نسب الاستخدام، حيث يشير التقرير إلى أن نسبة انتشار الإنترنت في ميانمار لم تكن تتجاوز الـ 2% في عام 2012،ـ ولكن بحلول عام 2015، وبالتزامن مع تغطية الانتخابات بشكل كبير، ارتفعت نسبة انتشار الإنترنت بين السكان إلى 35%.
الاستعدادية
جميع هذه التحديات الثلاثة يمكن التغلب عليها، فيمكننا في يوم من الأيام أن نرى الإنترنت في متناول جميع سكان العالم تقريبًا، ولكن عندما يحدث ذلك، هل سيكون الجميع على استعداد لذلك؟ هنا يتمثل التحدي الأكبر بالتأكد من أن الناس يتمتعون بالمهارات، الوعي والاستيعاب، والقبول الثقافي والاجتماعي للإنترنت.
على الرغم من عدم وجود وسيلة ملموسة للربط ما بين البيانات الموجودة ونسبة “أميّة الإنترنت”، إلا أنه من الممكن أن نلمس وجود بعض التحديات الواضحة؛ فمعدل الأميّة في العالم، على سبيل المثال، سوف يستمر في كبح السكان في الهند وأفريقيا والشرق الأوسط من الاستفادة من الإنترنت، بغض النظر عن قدرتهم للوصول إليه.
في الوقت عينه، لا يزال التعليم بشكل عام يشكل عائقًا في وجه انتشار الإنترنت؛ ففي استطلاع أجرته الفيسبوك على 11 دولة، تبين أن أكثر من ثلثي الأشخاص الذين لا يتمتعون بالوصول إلى الإنترنت لا يعرفون ما هو الإنترنت أساسًا، وفي نيجيريا، لم يسمع 75% من الأشخاص غير المتصلين بالإنترنت بكلمة “إنترنت” بتاتًا من قبل.
فضلًا عما تقدم، تشكّل المعرفة الأساسية بالأجهزة المستخدمة للوصول إلى شبكة الإنترنت تحديًا آخر أيضًا؛ فأولئك الذين يستخدمون الإنترنت بالفعل كانوا أكثر احتمالًا بشكل كبير لمعرفة كيفية استخدام الكمبيوتر من أولئك الذين لا يستخدمون الإنترنت.
هناك فجوة واقعية أيضًا ما بين وصول الجنسين إلى الإنترنت؛ ففي البلدان النامية، تصل أرقام انعدام المساواة بين مستخدمي الإنترنت من الذكور والإناث إلى أرقام مذهلة، ففي الهند، تبدو الإناث أقل احتمالية لاستخدام الإنترنت من الذكور بنسبة تتراوح بين 60% إلى 70%، بينما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تتراوح الفجوة ما بين الجنسين ما بين 45% إلى70%.
بالرغم مما تقدم، تعمل العديد من المبادرات حاليًا لمكافحة أوجه اللامساواة المفروضة؛ ففي بعض الحالات، تتماشى حلول مشاكل الفقر الشائعة مع حلول الاستعدادية الرقمية جنبًا إلى جنب، فمثلًا، في بابوا غينيا الجديدة، حيث تبلغ نسبة الأمية 35% من السكان، يعتزم مشروع يدعى (قصة رسالة نصية قصيرة) أو (SMS Story) ليس فقط لتغيير نسبة الأمية من خلال تعليم الناس القراءة، بل للقيام بذلك من خلال الرسائل النصية أيضًا.
وفي باكستان، يعمل حاليًا أكثر من 120 مشروع قرية إلكترونية على تدريب أكثر من 3000 أنثى على مهارات الحاسوب، وسيتوسع هذا المشروع ليصل إلى حوالي 20.000 أنثى في المستقبل القريب.
الوصول إلى عام 2020
لا يمكن أن نعتبر أهداف الاتحاد الدولي للاتصالات بعيدة عن الواقع، ولكنها تتطلب عمل مستمرًا ودؤوبًا من جانب العديد من الأطراف المعنية؛ فإذا كان يتوجب أن تتم تلبية ومعالجة الكثير من التحديات الراهنة خلال السنوات القليلة المقبلة، فإن ذلك سيتطلب جهود الصناعات الخاصة، الحكومات، المنظمات غير الربحية، والمبادرات الوطنية، لتحقيق الهدف المشترك، ومن خلال تبادل وتطبيق واستعراض أفضل الممارسات، من الممكن أن نتخيل عالم متصل بأكمله حقًا.
المصدر: المنتدى الاقتصادي العالمي