بجانب أهداف اقتصادية وسياسية يعتبر مواجهة الإسلام السياسي الهدف الأبرز من تحركات روسيا في منطقة الشرق الأوسط حيث منبع الأفكار الإسلامية ومشاريعه السياسية والجهادية ، و تلجأ روسيا للتورط بقوة في صراعات من هذا النوع لما يمثله شيوع الرؤى الإسلامية المتجاوزة للوطنيات من خطر حقيقي على الأمن القومي الروسي ، فروسيا التي يشكل المسلمون ثلث سكانها و يقبع على حدودها نحو قرابة 115 مليون مسلم ذوي خصومات تاريخية مع موسكو وتجارب جهادية ونضالية وثورية ..
يمتاز خطاب الأفكار الإسلامية بقدرته على التجاوز فلا توجد لديه خصوصية جغرافية أو إقليمية ، ف أفكار الإسلام السياسي و اجتهادات الفقه الإسلامي وتجارب الإحياء الإسلامي التي نبعت من منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر القلب الإسلامي لم تلتزم بمحيطها وجغرافيتها وإنما كعادة الخطاب الإسلامي تجاوزت حدودها إلى عمق مناطق التماس والصراع مع الغرب والشرق ، و تلقفتها الحركات الإسلامية “الإحيائية” و “الجهادية” منها في تلك المناطق لتقود عمليات تحرر وثورات .
وبالتالي يمثل بروز أو نجاح تجارب من مثل هذا النوع في مناطق القلب خطرا كبيرا على الوعي “الإسلامي” بذاته في مناطق أوراسيا والقوقاز و آسيا الوسطى التي خرجت من أفران السوفييت تبحث عن هويتها وتحاول العودة الشديدة للدين كمرجع هوياتي يتجاوز حتى الهويات الضيقة ، و هذا يتسبب في تعظيم الحس الجمعي بـ “الكل” الإسلامي هناك ، مما يتسبب في إيجاد مشروع مشترك لمسلمي روسيا و مسلمي دويلات الاتحاد السوفيتي السابقة ، وقد يشعل نزعات إنفصالية حقيقية أو محاولات تنظيم الداخل الإسلامي الروسي للتأثير في المجرى السياسي الداخلي والخارجي .
كل هذه الأخطار تمثل حقيقة ذعرا “أمنيا” و “قوميا” للدب الروسي الذي يحاول القضاء على كل تلك النزعات أو تهدأتها من مناطق “المصدر” أولا كي لا تنطلق شرارة تلك التوجهات وتصبح “موضة” كـ “موضة” الجهاد السبعيناتي كما يسمونها ، مما يعني إنهيار أحلام روسيا في التعويل على استقرار داخلي وعلى حدودها للانطلاق بطموحاتها نحو العالمية .
ولذلك فقد عملت المخابرات الروسية على تبني خطاب علماني و آخر “اسلامي” معلمن يتجاوز فكرة المشاريع السياسية الإسلامية ويرتبط بصيغ سلام مع بيئة روسيا وهيمنتها ، و أيضا دعمت روسيا قيادات دينية بدأت في البروز في منطقة الشرق الأوسط وجماعات صوفية و خلافه ، وكذلك استمر هذا الدعم لاحتواء شباب الإنترنت من قيادات الربيع العربي عبر مشاريع صداقة مثل “سلام وورلد” وغيرها مما تقف خلفها المخابرات الروسية لتدجين توجهات التطرف في مناطق القلب الإسلامي .
وكذلك تشرف المخابرات الروسية على برامج السيطرة على الخطاب الديني في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة ومحاولة تخليق سكل علمائي وفقهي وصوفي متوطن داخل الدولة والهويات الجزئية والعرقية لا متجاوز لها ومحاربة ودفن أي محاولة إحيائية على حدودها ، وليس كل ذلك في إطار “حرب أيديولوجية” بل هي حرب على أساس “مصلحي – براجماتي” لمواجهة كل ما يهدد استقرارها السياسي والاقتصادي في نظرها
وقد يذهب البعض لطرح إشكال “الدعم” لطهران كونها نظام ديني ، والجواب أن روسيا من أذكى الدول في فهم التوجهات الدينية كون أن الشيوعية كانت تعتبرة خطرا أوليا بجانب الرأسمالية ، ولذلك فهم يفهمون خارطة التدين والمذاهب بشكل جيد ويعون ما تمثله لعبة الأحجام و مواقع انتشار المذاهب و محدودية الطائفة الشيعية كذلك أهمية دعم مشروع لا يتعارض مع تحسس روسيا من خطاب ديني سني ، ومتفق مع مصالحها الاقتصادية و السياسية .
هذه الأطروحات حول تفسير الدور الروسي ليست منبعها فقط توجهاتنا الإسلامية ، بل مراكز غربية وأمريكية تجنح لتفسير هذا “الجانب” وتوضيحه كمنطلق لفهم الدور الروسي بجانب طموحات الاقتصاد والسياسة و العسكرية .