فلسطين في الوجدان
فلسطين، وكفى باسمها وجدًا يسكن الروح، وكفى بذكرها ألمًا يهز الوجدان، وجدان كل عربي ومسلم يعنيه أمر إخوته في العروبة والدين، بل ووجدان كل حر له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد.
لن أطيل المقدمات، فكل ما قيل وسوف يقال في حق مأساة شعبنا العربي الفلسطيني، أجده ضئيلًا إذا ما قورن بمقدار القهر والظلم والإجحاف الذي مورس في حقه ولم يزل، من قِبل مجرمي العصر ومارقيه الصهاينة المعتدين، الذين بنوا كيانهم الدخيل على باطل، وما بني على باطل فهو باطلٌ ومصيره الزوال كما قال تعالى: {كَذَلكَ يَضْرب الله الْحَقَ وَالْبَاطلَ فَأَمَا الزَبَد فَيَذْهَب جفَاء وَأَمَا مَا يَنفَع النَاسَ فَيَمْكث في الأَرْض}.
بطاقة تعريفية
الحارس رمزي صالح صاحب أكبر عدد مباريات دولية مع منتخب فلسطين
تعتبر فلسطين من أوائل الدول العربية التي دخلت إليها لعبة كرة القدم، وذلك في أوائل فترة العشرينات إبان الاحتلال البريطاني، حيث انضمت فلسطين إلى منظمة الفيفا عام 1929، ولعب (المنتخب الوطني لفلسطين المنتدبة) أولى مبارياته تاريخيًا في 16 مارس 1934، وكانت ضمن تصفيات كأس العالم أمام شقيقه المصري، حيث خسر حينها بنتيجة 1-7 في القاهرة، قبل أن يخسر مجددًا في لقاء الإياب بنتيجة 1-4، ليمنح شقيقه المصري فرصة الظهور العربي الأول في تاريخ كؤوس العالم.
فقدت فلسطين عضويتها في منظمة الفيفا بعد نكبة قيام دولة إسرائيل عام 1948، ولم تستعد مقعدها حتى عام 1998، حيث أصبح بإمكانها المشاركة في جميع فعاليات كرة القدم العالمية منذ ذلك التاريخ.
أكبر فوز في تاريخ منتخب (الفدائي) تحقق في داكا عاصمة بنغلاديش في 1 أبريل 2006، وكان على حساب منتخب غوام بنتيجة 11-0، أما أثقل هزيمة فحدثت في طهران على يد منتخب إيران بنتيجة 0-7، وذلك في 5 أكتوبر 2011.
أفضل مركز بلغه المنتخب الفلسطيني في التصنيف الشهري للفيفا كان الـ 85 في يوليو 2014، فيما كان المركز 191 هو الأسوأ في تاريخه وبلغه في أبريل 1999، أما في التصنيف الحالي الصادر مطلع فبراير 2016 فيحتل المركز 110 عالميًا.
ينفرد حارس المرمى رمزي صالح بصدارة اللاعبين الأكثر مشاركةً مع المنتخب عبر تاريخه برصيد 107 مباريات دولية، فيما يتصدر المهاجمان فهد عتال وأشرف نعمان ترتيب هدافي الفدائي عبر تاريخه برصيد 14 هدفًا لكل منهما.
يقام في فلسطين حاليًا دوريا كرة قدم منفصلان، أولهما خاصٌ بقطاع غزة، وأبرز أنديته: اتحاد الشجاعية، شباب رفح، شباب خان يونس، وهلال غزة، وثانيهما خاص بمدن الضفة الغربية، وأبرز أنديته: ترجي وادي النيص، شباب الأمعري، ثقافي طولكرم، إضافةً إلى شباب الظاهرية وأهلي الخليل، اللذين يمثلان فلسطين ضمن بطولة كأس الاتحاد الآسيوي لهذا الموسم.
السجل الدولي والقاري للفدائي
المنتخب الفلسطيني بطل كأس التحدي الآسيوي 2014
لم يتمكن منتخب الفدائي من تجاوز حاجز التصفيات التأهيلية لبطولات كأس العالم، في أي من مشاركاته الـ 4 التي بدأت اعتبارًا من تصفيات مونديال كوريا واليابان 2002، بعد نيل فلسطين عضويتها المستقلة في منظمة الفيفا، كما لم ينجح الفدائي في بلوغ نهائيات أي من دورات الألعاب الأوليمبية، عبر مشاركاته الـ 4 التي بدأت في تصفيات أوليمبياد أثينا 2004.
بعد 4 مشاركات غير موفقة في تصفيات كأس أمم آسيا منذ عام 2000، نجح الفدائيون في نيل شرف الظهور في أول بطولة قارية كبرى، بعد تأهلهم إلى نهائيات البطولة الأخيرة التي استضافتها أستراليا مطلع عام 2015، حيث تلقوا 3 هزائم أمام كل من: اليابان بنتيجة 0-4، والأردن بنتيجة 1-5، والعراق بنتيجة 0-2، ليودعوا البطولة من دورها الأول مكتفين بإنجازهم الفريد، وهو رفع العلم الفلسطيني الحبيب ضمن المحفل الآسيوي الأبرز.
يتضمن سجل فلسطين القاري إنجازًا آخر، تحقق في بطولة (كأس التحدي الآسيوي)، وهي بطولةٌ مؤهلةٌ لنهائيات كأس أمم آسيا تقام بين المنتخبات الآسيوية الأقل تصنيفًا، حيث نجح الفدائيون بحمل لقب البطولة الأخيرة التي استضافتها جزر المالديف عام 2014، بفوزهم في النهائي على الفلبين بهدف ثمين أحرزه المهاجم أشرف نعمان.
فلسطين في قلب العروبة
من مباراة السعودية وفلسطين في كأس العرب 2012
لم يمنع حرمان فلسطين من عضوية منظمة الفيفا، أشقاءها العرب من دعوتها للمشاركة في بطولات كأس العرب، حيث سجل منتخب الفدائي حضوره في بطولات: العراق 1966، سورية 1992، الكويت 2002، والسعودية 2012، دون أن يتمكن من تجاوز الدور الأول في مشاركاته الـ 4.
كما كان للفدائي تواجده ضمن دورات الألعاب العربية، حيث شارك في 6 من الدورات العربية الـ 10 اعتبارًا من عام 1953 في الإسكندرية، وسجل أفضل نتائجه في دورة عام 1999 التي احتضنتها الأردن بحلوله في المركز الثالث، فيما كانت آخر مشاركاته في دورة قطر 2011 حيث احتل المركز الرابع.
نجوم وأبطال وشهداء
الأسير المحرر محمود السرسك
بحكم تأخر انضمام الكرة الفلسطينية إلى الفيفا، لا تمتلك الجماهير الفلسطينية الكثير من الذكريات الكروية القديمة، حيث يعتبر أقدم الأجيال جيل أواخر التسعينات بقيادة أسماء كصائب جندية، محمد الجيش، فادي لامي، وزياد الكرد، ومن بعدهم جاء دور جيل منتصف الألفية، الذي لا تزال عطاءات بعض لاعبيه مستمرةً حتى الآن، كفهد العتال، أشرف نعمان، إسماعيل العمور، مراد اسماعيل، والحارس رمزي صالح، والذين أثروا بخبرتهم تجارب من جاءوا بعدهم من الأجيال الصاعدة، كعبد الحميد أبو حبيب، مصعب البطاط، سامح مراعبة، أحمد ماهر، وتامر صيام، إلى جانب استعانة القائمين على الكرة الفلسطينية بجهود بعض اللاعبين الأجانب ذوي الأصول الفلسطينية، كجاكا حبيشة، ماتياس حذوة، بابلو تامبوريني، وأليكسيس نورامبورينا.
وبعيدًا عن صخب الملاعب وضجيج المدرجات، حلق بعض اللاعبين عاليًا في عالم الشجاعة والبطولة، فتحولوا من مجرد أبطال رياضيين إلى رموز للمقاومة الباسلة، بوقوفهم في وجه آلة القتل الصهيونية الهمجية، التي لم تعرف يومًا سوى العدوان والدمار وسفك الدماء منهجًا، فدفع أبطالٌ كأيمن الكرد، وجيه مشتهى، شادي سباخ، ماجد رضوان، وطارق القطو، حياتهم ثمنًا للدفاع عن قضيتهم العادلة، وتعرض رفاقٌ لهم على درب النضال إلى الاعتقال والسَجن والتعذيب، كما حدث مع نجم المنتخب زياد الكرد، وحارس المرمى عمر أبو رويس، والبطل محمود السرسك، الذي اعتقل عام 2009 بتهمة الانتساب للمقاومة الفلسطينية، ولبث أسيرًا مدة 3 سنوات نفذ خلالها إضرابًا عن الطعام، فسانده جميع لاعبي منتخب الفدائي، لتصل قضيته إلى منظمة الفيفا التي تدخلت للإفراج عنه.
ويبقى الأمل
فرحة لاعبي فلسطين بفوزهم على ماليزيا في التصفيات الحالية
ورغم كل القهر والظلم والتعنت الذي عانته الكرة الفلسطينية بمختلف مفاصلها ولم تزل، بقيت إرادة الحياة فيها حيةً ترزق، موقدةً دروب الأمل أمام أعضاء منتخب الفدائي، الذين خرجوا من رحم المعاناة، وتحدوا أحلك الظروف، وخاضوا أصعب المسالك، في سبيل إعلاء راية بلادهم الحبيبة، وإيصال صوت قضيتها العادلة إلى أبعد مدى، وهذا ما فعلوه بفوزهم ببطولة التحدي الآسيوي عام 2014، ومن ثم بلوغهم نهائيات كأس أمم آسيا عام 2015، وأخيرًا عبر مشوارهم المشرف في التصفيات الآسيوية المشتركة لكأسي العالم 2018 وأمم آسيا 2019، حيث سجلوا نتائج طيبةً، وضعتهم في المركز الثالث لمجموعتهم قبل مرحلتين من نهاية التصفيات، عبر فوزين كبيرين على ماليزيا بسداسيتين للذكرى، و3 تعادلات مع كل من السعودية والإمارات وتيمور الشرقية، مقابل هزيمة وحيدة ضيقة أمام السعودية في الدمام، ليصبح منتخب الفدائي على أعتاب تأهل آسيوي جديد، يرسم بسمة الرضى على محيا جماهير فلسطين الحبيبة، ويزرع في قلبها زهرة أمل وتفاؤل وسط أشواك الظلم والقهر.