“إن أردت استجوابًا جادًا، فإنك ترسل السجين إلى الأردن، وإن أردت تعذيبه، فعليك بإرساله إلى سوريا، أما إن أردت أن يختفي شخص ما فلا يراه أحد مطلقًا بعد ذلك فإنك ترسله إلى مصر
روبرت باير، مسؤول سابق بوكالة المخابرات المركزية الأمر، ونقلته منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها الحفرة السوداء سنة 2005 على هذا الرابط
السبت 19 ديسمبر 2015
يصدر قرار وزير الداخلية بتعيين اللواء محمود سيد عبد الحميد شعراوي رئيس لجهاز الأمن الوطني، وسط ازدياد حالات الاختفاء القسري وتصفية بعض المختفين قسريًا.
تحذير هذا المحتوي يحتوى تفاصيل تعذيب وشهادات مروعة
حسمت حادثة تعذيب وتصفية الباحث الإيطالي جوليو ريجيني ومن قبله الأستاذ أحمد جلال ومحمد حمدان من قِبل جهاز الأمن الوطني “أمن الدولة” تردد بداخلي لا أعلم منه سوى عجزي وعلى مدار أسابيع كثيرة عن كتابة ما ستقرأونه الآن بعد مقابلة الكثير من الأشخاص وعشرات الساعات من العمل.
بدأ هذا الموضوع منذ سنوات كفكرة أخمدتها الثورة بداخلي متمنيًا ألا يعود الوضع لما كان، ولكنه عاد.
وبمساعدة الرابطة العالمية للحقوق والحريات ومركز الندوة للحقوق والحريات أجريت عشرات المقابلات مع بعض من اختفوا قسريًا داخل جهاز الأمن الوطني وأمن الدولة سابقًا لأتعرف على جوانب أخرى من فصول التعذيب التي تجري داخل هذا الجهاز.
أسابيع أجاهد قلمي وأحيانًا مخاوفي من تبعات هذا الأمر، بينما تطاردني في ساعات نومي القليلة صرخات المئات من المعذبين في أقبية الأمن الوطني المصري. لا أنكر أنني لم أستطع النوم لفترة بعد أن استمعت لإحدى شهادات من عُذب داخل مقر أمن الدولة بلاظوغلي وكيف أن أحدًا ممن عُذبوا قد تفحم رأس قضيبه الذكري من كثرة ما تم كهربته فيه، وكيف أن أحدهم فقد عقله وأصيب بالجنون من كثرة التعذيب.
أتذكر هذا وأنا أقرأ عشرات الرسائل كل يوم وبعض المكالمات وبكاء لأم أو أب أو زوجة أو أخ أو أخت أو طفلة، أحاول الهروب بالنوم لأستيقظ مفزوعًا على صرخة تعذيب مستنجدة بمن ينقذها.
أكتب الآن لعلي أستطيع النوم يومًا دون أن أستيقظ على صرخة تستنجد بلا مجيب. ما ستقرأونه الآن هو إهداء لكل من مات في أقبية التعذيب المصرية، هو إهداء لسيد بلال ومحمد حمدان وأحمد جلال وغيرهم الكثيرين ممن لم نعرفهم من الرجال أبناء الرجال أحفاد الرجال.
أقبية التعذيب التي لم تفرق بين مسلم كهؤلاء الرجال أو كالشاب الإيطالي جوليو ريجيني.
أولًا دعوني أعرفكم بمن هو رئيس جهاز الأمن الوطني الجديد وأكشف لكم اسمه الحركي.
اللواء محمود سيد عبد الحميد شعراوي، تم ترقيته وتعيينه في 19 ديسمبر 2015 من مساعد الوزير ومدير إدارة عامة بقطاع الأمن الوطني إلى مساعد لوزير الداخلية لقطاع الأمن الوطني.
مواليد سنة 1959 وتخرج في كلية الشرطة سنة 1980، تم تعيينه فور تخرجه بجهاز الأمن الوطني وهو شقيق اللواء محمد شعراوي أحد الذين تولوا منصب مساعد وزير الداخلية لقطاع أمن الدولة في عهد وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي.
كان من المطلوبين للثورة المصرية عقب 25 يناير نظرًا لاتهامه في جرائم تعذيب، وحين نشر اسمه كان يحمل رتبة عقيد، وارتبط اسمه بفترات سيئة من تاريخ مصر واشتهر اسمه كأحد أبرز ضباط التعذيب في عهد مبارك تحت رئاسة اللواء محمد سعيد رئيس مكتب قسم مكافحة التطرف الديني فرع القاهرة.
كان مسؤولًا قبل ترقيته عن الإدارة العامة لمكافحة النشاط المتطرف وكان أبرز نجاحاته قضية عرب شركس، ولكن فترته اشتهرت أيضًا وتميزت بازدياد أعداد المختفين قسريًا على مستوى الجمهورية كما وثقت ونشرت العديد من المنظمات الحقوقية.
ضحايا اللواء محمود شعراوي لا يعرفون اسمه الحقيقي، حيث إن ضباط أمن الدولة سابقًا والأمن الوطني حاليًا يتعاملون بأسماء حركية داخل الجهاز ومع ضحاياهم.
فما هو اسم اللواء محمود شعراوي الحركي؟
اسمه الحركي داخل جهاز أمن الدولة كضابط هو “محمد لاشين”، ويصفه بعض من عُذبوا تحت يديه بالشيطان، ويسميه آخرون بـ “النجس”.
حاولت البحث عن صورة له فلم أجد؛ حيث يتم إخفاء صور مديري جهاز أمن الدولة ولا يتم تداولها، ولكنني بمساعدة أحد الرسامين المتخصصين وجمع شهادات من مصادر متعددة عن شكله استطعنا أن نرسم تلك الصورة التقريبية عنه:
قد يستغرب البعض من سرعة تعيينه بجهاز أمن الدولة فور تخرجه، ولكن لعل ذلك الاستغراب يزول كما ذكرنا سابقًا عندما نعلم أن أخاه محمد سيد عبد الحميد شعراوي كان ضابطًا في جهاز أمن الدولة في ذلك الوقت قبل أن يصبح رئيس لجهاز أمن الدولة حتى تم عزله بعد أحداث قرية النخيلة بمحافظة أسيوط سنة 2003، ليكمل أخوه الطريق من بعده حتى أصبح الآن رئيس جهاز الأمن الوطني.
ترافق إعلان وزير الداخلية مجدي عبد الغفار عن تغييرات في وزارة الداخلية في 19 ديسمبر 2015، مع عملي جاهدًا على العديد من حالات الاختفاء القسري والتصفية ومحاولة معرفة ما يحدث خلف أسوار جهاز الأمن الوطني وأقوم بتوثيق وتجميع وربط كل ما أحصل عليه من معلومات لبناء لوحة متكاملة عن هذا الجهاز لأقابل حينها اثنين ممن تعاملوا مع هذا الجهاز في خدمات معينة قبل وبعد الثورة لأعلم التالي:
كان محمد شعراوي رئيس الجهاز الحالي أحد ضباط أمن الدولة المسؤولين عن منطقة شبرا الخيمة بعد تخرجه ومديرًا لمكتبها وعمل تحت اللواء محمد سعيد، اشتهر أنه بلا قلب في التعذيب حتى مع أبناء منطقته من شبرا الذي ترعرع فيها، حيث كانت أسرته من كبار تجار الفاكهة والخضروات هناك، وكان التعذيب يتنوع ما بين:
– الضرب بخشبه مبططه على الدماغ حتى تورم.
– ربط اليدين من الخلف وسحبها بجنزير حديدي أو حبل والتعليق في الحائط من الخلف.
– الكهرباء في الرأس وحلمة الصدر و القضيب الذكري والخصيتين.
– المد على الرجلين ثم امرهم بالتنطيط على رجليهم علشان الورم بتاع الضرب يروح قبل ما يتعرضوا على النيابة وإلا يضربوا تانى.
أثناء وجوده في جهاز الأمن الوطني قبل وبعد ترقيته رصدت المنظمات الحقوقية تزايد حالات الاختفاء القسري حتى أصبح الاختفاء القسري يسير بوتيرة 3 عمليات إخفاء قسري يوميًا في المتوسط، كما رصدت المفوضية المصرية للحقوق والحريات في تقريرها السنوي لسنة 2015.
ولكن معلومة أخرى وصلتني عن اللواء محمود شعراوي وهي أن من أسباب ترقيته هو حزمه وسيطرته ونجاحاته المتتالية في قطاعه بعد تصفية بعض الخلايا المسلحة والإعدام الميداني الفوري لبعض المشتبه بحملهم سلاح أو دعمهم لفكر الثورة المسلحة ضد النظام أو رفضهم الإفصاح عن معلومات حول أي حراك يراه النظام المصري العسكري الحالي مهدد له.
معلومة أكدتها الأيام؛ ففي 10 يناير 2016 تم اختطاف الشاب “محمد حمدان محمد علي” بمحافظة بني سويف على يد قوات من الأمن الوطني “أمن الدولة” وقدمت أسرته تلغرافًا رسميًا باختطافه كما يظهر في الصورة التالية:
لتنكر الداخلية هذا ثم تعلن بتاريخ 25 يناير 2016 أنها قد قتلته في اشتباك مسلح، لتظهر جثة محمد حمدان في المشرحة وهي مصابة بطلقات نارية ولكنها كانت أيضًا تحمل آثار تعذيب واضحة كما في الصورة التالية (اضغط على الصورة للتكبير):
لتنكر الداخلية هذا ثم تعلن بتاريخ 25 يناير 2016 أنه قد قتلته في اشتباك مسلح لتظهر جثة محمد حمدان في المشرحة وهي مصابة بطلقات نارية ولكنها كانت أيضاً تحمل أثار تعذيب واضحة كما في هذه الصورة (صورة مؤلمة)
ليست تلك الحادثة الأولى، فقد سبقها بشهور أكثر من حادثة منها إعدام شاب من محافظة الغربية اسمه أحمد محمد أحمد النجار بشقة بمحافظة الجيزة على أيدي قوات الأمن الوطني، ومجموعة من الشباب بمدينة الشروق بمحافظة القاهرة، واعتقال وتصفية شاب من محافظة القاهرة اسمه أحمد عبد الحكيم، وقبلهم تصفية أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين بإحدى الشقق بمدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة، ولكن هل كانت تلك الحوادث والإنجازات الأمنية من وجهة نظر النظام هي سبب ترقية اللواء محمود شعراوي ليصبح رئيس جهاز الأمن الوطني؟
يبدو ذلك، فلم تكن حادثة محمد حمدان هي البرهان الوحيد، بل تبعته حادثة خطف الشاب أحمد جلال أحمد محمد إسماعيل من مدينة الرحاب بمحافظة القاهرة يوم 20 يناير 2016 على أيدي قوات الأمن الوطني، لتسارع أسرته بتقديم بلاغ اختفاء قسري وترسل تلغرافًا بذلك كما في الصورة التالية:
ليظل مختفي لمدة تقارب ال 12 يوم اختفا قسري حتى تلقت أسرته تليفون يوم الأحد31 يناير 2016 من مشرحة زينهم تخبرهم أن ابنهم موجود بالمشرحة بعد قتله بطلقة نارية. لتصبح زوجته التى لم تكمل عامها الأول من الزواج أرملة وليصبح طفلهما الذي لم يكمل شهرين في بطنها يتيم الأب.
ولأن الدماء تصيب بالسعار، وغياب القانون يزيد البطش، ودعم النظام العالمي يعطي النظام المصري الشعور بالألوهية، امتد الاختفاء القسري والتصفية ليصيب هذه المرة الباحث الإيطالي الشاب جوليو ريجيني:
جوليو ريجيني باحث إيطالي وطالب دراسات عليا بجامعة كمبريدج البريطانية جاء لمصر لإجراء بعض الأبحاث المتعلقة بدراسته وأيضًا كتابة بعض المقالات التي تكشف حقيقة الأوضاع المترديه في بعض المجالات، لتلتقطه أجهزة الأمن المصرية وتخفيه قسريًا منذ يوم 25 يناير 2016 ليظهر بعدها الطالب يوم الأربعاء 3 فبراير بعد اختفائه بأيام جثة هامدة نصفها عارٍ وملقى بإحدى الحفر في طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي وعلى بعد كيلومترات من مقر أمن الدولة بمدينة السادس من أكتوبر.
ووفق ما نشره موقع عربي21 فإن التقرير التشريحي لجثمان الضحية أثبت أن سبعة من ضلوعه مكسورة، بالإضافة لعلامات صعق بالكهرباء في العضو الذكري، وإصابات داخلية في مختلف أنحاء جسمه، ونزيف في المخ، وجروح قطعية بآلة حادة، وسحجات وكدمات، وإعتداء بعصي، ولكم وركل.
ليستيقظ بعض العالم أخيرًا على وقع ما يحدث بدعم منه في مصر.
والآن وبعد أن كشفت الاسم الحركي لرئيس جهاز الأمن الوطني ووضعناه بجانب الاسم الحقيقي ليسهل على ضحايا هذا المجرم تسجيل ما حدث لهم ورفع قضايا وتتبعه في كل مكان، وتحدثنا عن بعض جرائم الجهاز الحديثة دعونا ننتقل حيث نبدأ قصة هذا الجهاز منذ البداية.
ثانيًا.. ما قصة جهاز الأمن الوطني، وما هو تاريخ هذا الجهاز في كلمات وأبرز رؤسائه؟
القصة بدأت سنة 1913 عندما أنشأ الاحتلال الإنجليزي جهاز الأمن السياسي بالتعاون مع بعض ضباط البوليس المصري لتتبع حركة المقاومة الوطنية وقادة الحراك الوطني في محافظة القاهرة والإسكندرية بشكل محدد، وكان من أقسامه فيما بعد قسم المخصوص.
أول رؤساء هذا الجهاز هو حكمدار القاهرة اللواء سليم زكي المقرب من الاحتلال البريطاني، والذي كان من مهامه تتبع أفراد المقاومة الذين يقومون بعمليات اغتيال ضد المحتل الإنجليزي وأعوانه، وكان من أوائل إنجازات الجهاز القبض على الشباب الوطنيين الذين اغتالوا السير لي ستاك القائد البريطاني.
للجهاز تسميات متعددة حسب الفترات الزمنية المختلفة والأنظمة التي تعاقبت عليه مثل “قسم المخصوص، القلم السياسي، المباحث العامة، مباحث أمن الدولة، قطاع مباحث أمن الدولة، جهاز أمن الدولة، والأمن الوطني”.
الملاحظ أن هذا القسم هو من الأقسام القليلة التي لم يقم القائمون على ثورة 23 يوليو 1952 بإزالته، بل تم إعادة تسميته وهيكلته بعد قيام تلك الثورة بأقل من شهر في أغسطس 1952 وتسميته باسم جديد وهو المباحث العامة، ثم أتى السادات فيما أسماه ثورة التصحيح في مايو 1971 ليغير اسمه ليصبح مباحث أمن الدولة، ثم تم تعديل اسمه تعديلات شكلية حتى أتت ثورة 25 يناير 2011 واقتحام جهاز أمن الدولة في 4 و5 مارس 2011؛ ليتم إصدار قرار بإلغاء جهاز أمن الدولة في 15 مارس 2011 وإنشاء جهاز جديد تحت اسم الأمن الوطني.
وأبرز رؤساء هذا الجهاز عبر تاريخه هم:
– اللواء سليم زكي.
– البكباشي أحمد رأفت النحاس.
– اللواء عبد العظيم فهمي.
– اللواء حسن طلعت.
– اللواء ممدوح سالم كمسؤول لأحد الأفرع.
– اللواء سيد فهمي.
– اللواء حسن أبو باشا.
– اللواء محمد عليوة زاهر.
– اللواء أحمد رشدي محمود عيد.
– اللواء صلاح سلامة.
– اللواء أحمد العادلي.
– اللواء هاني العزبي.
– اللواء حبيب العادلىي
– اللواء محسن مصطفي سليمان الفحام.
– اللواء محمد سيد عبد الحميد شعراوي.
– اللواء حسن عبد الرحمن.
– اللواء هشام عبد الفتاح محمود غيدة.
– اللواء حامد عبدالله.
– اللواء مجدي محمد عبد الحميد عبد الغفار.
– اللواء خالد عبدالوهاب محمد ثروت.
– صلاح الدين محمد فتحي حجازي.
– اللواء محمود سيد عبد الحميد شعراوي.
هذا بالإضافة إلى بعض أسوأ وكلاء الجهاز وهم اللواء أحمد رأفت واللواء فؤاد علام، وأيضًا اللواء عادل لبيب وزير التنمية المحلية الحالي ورئيس فرع الإسكندرية في التسعينات وأحد مسؤولي التعذيب حينها.
ولا ينتهي دور مديري جهاز أمن الدولة بانتهاء خدمتهم بالجهاز، فمنهم من يترقى ليصبح وزيرًا للداخلية وإما يتولى منصبًا وزاريًا أو محافظًا لإحدى المحافظات.
ووفق بعض التقديرات فإن عدد العاملين بهذا الجهاز يقارب الـ 100 ألف موظف أمن من ضابط لرتب أصغر كما جاء فيأحد تقارير الـ BBC، ولن أتكلم هنا على رواتب أفراد هذا الجهاز بداية من رئيس الجهاز مرورًا بالضباط وانتهاءً بالأمناء، ولكن يكفي أن تقرأ هذا الخبر لتعلم حجم الأموال التي يتقاضونها؛ حيث سدد اللواء محسن الفحام أحد رؤساء الجهاز السابقين والقيادي بحزب حماة الوطن مبلغ 37 مليون جنيه لخزينة الدولة كجزء من مبالغ سابقة حصل عليهم كحوافز، بينما سدد محمد عبدالسميع محمد أمين شرطة بالإدارة العامة لمباحث الأمن الوطنى حاليًا مبلغ 19 مليون 950 ألفًا 686 جنيهًا، وكرم أبو زهرة مندوب مباحث أمن الدولة فرع المطار سدد مبلغ 14 مليون 395 ألفًا و939 جنيهًا.
ولعلك بعد سماع تلك الأرقام تدرك لماذا لا يتورع أفراد هذا الجهاز في قمع أي معارض للنظام يحرمهم من تلك الملايين من الجنيهات في ظل دولة يعاني معظم أهلها من الفقر نتيجة سرقة موارد أرضهم.
ولعل الملاحظ أن في كل فترة رئيس جديد يتم تغيير اسم الجهاز فقط مع الاحتفاظ بمهامه، ومن الملاحظ محاولة استهداف بعض رؤساء هذا الجهاز منذ أول إنشاءه في العهد الملكي ثم في العهد الجمهوري، لذلك ولتأمين الرؤساء والضباط والعاملين في هذا الجهاز فإن أسماءهم وصورهم تظل سرية وغير متاحة للعلن.
ولقد ظل هذا الجهاز بمأمن من أي تهديد فعلي حتى أتت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ليعلو هتاف الجماهير بميدان التحرير ليزيل غشاوة الطغيان هاتفًا: “الشعب يريد إسقاط النظام”.
ثم تتوالى الأحداث بعد تنحي مبارك:
4 مارس 2011: يقتحم الثوار مبنى أمن الدولة في منطقة الفراعنة بمحافظة الإسكندرية.
5 مارس 2011: يقتحم الثوار مبنى أمن الدولة الرئيسي بمدينة نصر و6 أكتوبر ومباني أخرى، ولكنهم يعجزون عن اقتحام مبنى أمن الدولة بلاظوغلى داخل أسوار وزارة الداخلية المصرية.
16 مارس 2011: تعيين اللواء مجدي محمد عبد الحميد عبد الغفار نائب رئيس قطاع الأمن الدولة بعد تغيير تسميته ليصبح الأمن الوطني، ومن المعروف أن اللواء مجدي عبد الغفار المتخرج من كلية الشرطة 1974 كان أحد الضباط السابقين بجهاز أمن الدولة.
22 مارس 2011: ترقية اللواء مجدي محمد عبد الحميد عبد الغفار ليصبح مساعدًا للوزير لمنصب رئيس قطاع الأمن الوطني.
31 مايو 2011: اللواء مجدي عبد الغفار أحد مسؤولي وزارة الداخلية في عهد الرئيس مبارك والذي تم ترقيته بعد الثورة ليصبح رئيس جهاز الأمن الوطني “أمن الدولة سابقًا” يظهر على قناة الحياة المصرية ليعترف ويقول نصًا: “نحن نعترف أنه كانت هناك بعض الممارسات الخاطئة في ظل النظام السابق، نعترف أنه كان هناك تجاوزات في ظل النظام السابق”، ولكنه نفي التهمه عن أنفسهم وقال إن الأخطاء ده مش أخطاء شخصية ده أخطاء مؤسسية.
https://www.youtube.com/watch?v=LXByaYIJ4hw
وهنا اعتبر مجدي عبد الغفار أن تعذيب وقتل الشباب والمعارضين قبل 25 يناير 2011 هي أخطاء مؤسسية، ونعم لم يتم معاقبة هؤلاء بل تمت ترقيتهم بإسناد المناصب إليهم.
وتستمر المهزلة بتغافل نخب الثورة ومن وثق بهم الشعب من الإسلاميين عن هذا أيضًا، فكانت كارثة غياب تشريعاتهم بمجلس الشعب ثم الرئاسة عن معاقبة هؤلاء، ثم تحالف النخب الثورية الليبرالية واليسارية في موجة إعادة العسكر في 30 يونيو؛ ليعود أمن الدولة من جديد ويعود كل ضباطه وأمنائه ومنظومة المخبرين للعمل من جديد تحت ستار الأمن الوطني.
ثالثًا.. حان وقت إنارة الظلام: ماهي أشهر مقرات أمن الدولة وأين تقع؟
تعتبر مقرات أمن الدولة وأماكنها ومعرفتها من الداخل من المحرمات، ولكننا وبحق استمرار حوادث الاختفاء القسري وبكاء الأمهات على أبنائهن سنكشف ما استطعنا الوصول إليه عن أماكن أمن الدولة ومقراتها وتقسيماتها الداخلية.
مبنى الأمن الوطني “أمن الدولة” بلاظوغلي، محافظة القاهرة
يطل على شارع نوبار بمنطقة وسط البلد، وهو المقر الرئيسي الذي لم يتم اقتحامه في ثورة يناير ولم يستطع الثوار دخوله لشدة تأمينه وهو المقر الرئيسي قبل نقل الجهاز لمقر مدينة نصر، ليصبح بعدها هذا المقر هو مقر فرع القاهرة فقط والمسؤول عن محافظة القاهرة.
يقع مقر أمن الدولة بلاظوغلي داخل أسوار وزارة الداخلية المصرية، ولكن معظم من دخلوه وعذبوا بداخله قبل ثورة 25 يناير وبعد أحداث 3 يوليو 2013 لا يعرفون في أي مبانى وزارة الداخلية يقع مقر أمن الدولة.
ولكن بالسماع للكثير من الشهادات ومقارنتها بالخرائط والرجوع لبعض المصادر استطعت تحديد مبنى أمن الدولة داخل وزارة الداخلية بوضع دائرة حمراء عليه في الصورة التالية:
في البداية قادتنا المعلومات أن مبنى أمن الدولة بلاظوغلي هو إما المبنى المحدد بالدائرة الحمراء أو المبنى الذي على يساره الذي وضعنا عليه دائرة صفراء.
المبنى مكون من أربعة أدوار بخلاف الدور الأرضي ودور تحت الأرض حسب ما توصلت إليه:
الدور الأول للتحقيق واستخلاص المعلومات بالتعذيب ممن يشتبه بهم بالانتماء إلى جماعات جهادية أو تنظيمات مسلحة .
الدور الثاني للأجانب وخصوصًا الفلسطينين “حسب ما استطعنا التوصل إليه”.
الدور الثالث لجماعة الإخوان المسلمين وما أصطلح عليه بالعمليات النوعية داخل الإخوان وبعض الحركات الثورية.
الدور الرابع مكاتب أمناء شرطة أو التحريات وفيها حوالي 20 مكتبًا أو أكثر والمبنى شكله مربع والطرقة موصولة ببعض و المنور في النص والطرقة تطل على المنور والمكاتب كلها تطل على الخارج خارجي.
الدور الأرضي له بوابة تطل على الأسانسير وأنت خارج من المبنى بتنزل سلالم، وبيكون في غرفة بإتجاه اليمين وده بتاعت الأمن وفي رصيف كبير بلاطه أسمنتي عليه رسومات.
المبنى به حوالي عدد 2 أسانسير، ومعظم الحمامات تطل على المنور.
لم نستطع تحديد هل بالمبنى أكثر من دور تحت الأرض أم لا، ولكن توصلنا أن به حجوزات لوضع المختطفين والمختفين قسريًا، وهم 3 حجوزات: الكبير يتسع لحوالي 25 شخصًا، والثاني والثالث يتسع لحوالي 15 شخصًا، ويتم تجهيز زنازين احتجاز أخرى.
مبنى الأمن الوطني “أمن الدولة” بمدينة نصر، محافظة القاهرة
هو المبنى الرئيسي للجهاز الآن ومبانيه الأربعة الرئيسية المتصلة مصممة بشكل هرمي مقلوب، ويقع بالمبنى مكتب رئيس الجهاز وفيلته وتقع به كل الإدارات العامة للأمن الوطني ومنه يتم التنسيق مع كل مكاتب الجهاز وإدارته الفرعية على مستوى الجمهورية، ويقع هذا المبنى بالحي السادس بمدينة نصر ويطل على شارعين “شارع المخيم الدائم، وشارع الخليفة القاهر”، ويقع على مساحة تزيد على الـ 4 كيلو متر مربع، له أربعة مداخل للسيارات 3 منها تقع على شارع المخيم الدائم وواحد يقع على شارع الخليفة القاهر، هذا بالإضافة لمداخل الأفراد وهي بوابات صغيرة يتم الدخول منها للعاملين في الجهاز من الأمناء والمخبرين وغيرهم ويدخلون من باب حديدي ثم يقفون أمام بوابة حديدية دائرة بالداخل ليعبروا فرد فرد بعد السماح بذلك من الداخل، كما يظهر في الصورة التالية:
أما عن المبنى وتقسيمه فهو كالتالي كما يظهر في الصورة والشرح الذي يليها:
المبنى على يمين الصورة مكون من 4 مبانٍ متصلة ببعض وهم مبنى “أ” ويسمي بمبنى ممدوح سالم، و”ب” وهو مبنى الوزير سابقًا وهو مكون من دورين ومجهز باستراحة كاملة، ومباني “ج ود”، وهناك مبنى المتطرف ومبنى التدريب وخزان للمياه وفندق الضباط والمستشفى والمسجد وفيلا من دورين مستقلة مجهزة بملعب تنس وحمام سباحة ولها بوابة دخول وخروج مستقلة تطل على شارع امتداد رمسيس.
المبنى مؤمن بشكل جيد ومقاوم للانفجارات ومبني بالخرسانة المسلحة بما فيها الحوائط ومأمن بسور من الخرسانة المسلحة والشبك الحديدي المتعدد وارتفاعه يقارب الـ 6 أمتار ومزود بالعديد من أبراج الحراسة وشبكات الإنذار، ثم بعد الثالث من يوليو 2013 تم إضافة أسوار أسمنتية خارجية لزيادة التأمين وتم اقتطاع جزء من الشارع الرئيسي الخارجي ليصبح شارع داخلي ما بين العوارض الأسمنتية الجديدة ومبنى الجهاز مع بوابات حراسة جديدة لزيادة التأمين وتلافي أي هجمات محتملة.
المباني بداخل الجهاز يتراوح ارتفاعها ما بين دورين علويين بخلاف الدور الأرضي كمبنى الوزير “ب” أو أربعة أدوار علوية بخلاف الأرضي كمبنى ممدوح سالم “أ” كما يظهر في الصورة التالية والملتقطة من داخل المبنى:
هذا بخلاف الجراج تحت الأرض بالإضافة لأدوار تحت الأرض بها بعض الإدارات والزنازين التي يتم فيها وضع المختفين قسريًا ومساحتها لا تتعدى الـ 2 متر طولاً في 1.25 متر عرضًا وليس بالزنازين فتحات تهوية فقط شفاط هواء، وهذه صورة إحدى الزنازين:
تحت الأرض تقع الكثير من الزنازين ومقار التعذيب، ولكن يظل أخطر المباني هو مبنى المتطرف والذي وضع عليه حرف “م” في الصورة، ومبنى التدريب.
نبدأ بمبنى “م”، هذا المبنى هو الوحيد الذي لم يتوقف العمل به حتى بعد سيطرة المخابرات الحربية على الجهاز قبل تنحي مبارك وظل يعمل بعد اقتحامه من قِبل المخابرات الحربية تحت حراسة الجيش، والمبنى تستطيع الولوج من خلاله لشبكة وأرشيف الأمن القومي بخلاف أنه مركز اتصالات، وأسفل المبنى هناك جراج وزنازين تستطيع الوصول إليها من الجراج بشكل مباشر.
أما عن مبنى التدريب:
فهو مصمم لتفادي التفجيرات ومؤمّن بشكل جيد ويحتوي على قاعات تدريب الضباط وبه أيضًا قسم هو المختص بوضع امتحانات طلبة كلية شرطة كما علمنا من مصدر خاص، والأهم أن به مكاتب بعض مديري الإدرات العامة لجهاز الأمن الوطني بالإضافة لمكاتب ضباط أجانب من الأجهزة الأمنية الغربية التي تشرف على التنسيق مع ضباط الأمن الوطني وتوفر لهم التدريب والتنسيق والتحقيق في بعض الحالات.
نعم ما قرأته صحيحًا هناك مكاتب لضباط غير مصريين في جهاز الأمن الوطني من بعض الأجهزة الغربية للإشراف على بعض البرامج التدريبية وبعض التحقيقات المشتركة والتي يمارس فيها انتهاكات مجرّمة قانونًا، ومن المسؤوليين عن هذا القسم ومسؤول عن التنسيق مع الأجهزة الأمنية الغربية في فترة حبيب العادلي ثم بعد الثورة هو العميد آسر نجم الدين.
ويتبقى مبنى ملحق بالمبنى الرئيسي وهو فيلا من دورين يقع مدخلها على شارع امتداد رمسيس بمدخل ومخرج منفصل عن الجهاز ومجهزة بالعديد من وسائل الراحة ومنها ملعب تنس وحمام سباحة كما يظهر في الصورة التالية:
مبنى الأمن الوطني “أمن الدولة” بـ 6 أكتوبر محافظة الجيزة
هو مقر فرع الجيزة الآن والمسؤول عن محافظة الجيزة فقط، يقع على طريق محور 26 يوليو بمدينة 6 أكتوبر بعد نزلة طريق مصر إسكندرية الصحراوي وقبل مسجد الشرطة للمناسبات، والمبنى محاط بأراضٍ خالية ويقع بالقرب منه معسكرين للأمن المركزي.
المبنى مصمم على الطراز الفرعوني مكون من بوابة فرعونية وثلاثة مبانٍ رئيسية مرتبطة من المنتصف بدائرة مركز.
كتل وألواح خرسانية، هذه هي الحماية المضافة لتأمين هذا المبنى الذي تقع بوابته الرئيسية على بعد أمتار من طريق محور 26 يوليو والتي يتم منها دخول أفراد الجهاز العاملين بالمبنى وأيضًا المختطفين من المعارضين السياسيين والذي يتم إخفاؤهم قسريًا بالداخل بعد وضعهم في زنازين تحت الأرض يتم النزول إليها بالسيارة من جراج خلف أحد المباني الرئيسية كما هو موضح بالصورة التالية:
يتم إدخال المخطوفين والمختفين قسريًا من الجراج لوضعهم معصوبي الأعين في زنازين تحت الأرض عبر هذا المدخل في الصورة التالية:
المبنى من الداخل مكاتبه يسهل إعادة فكها وتركيبها لأن كثير من الحوائط الداخلية من مادة الجيبسون بورد وجميع الحوائط مبطنة بمواد عازلة للصوت لمنع خروج الصوت خارجها وخصوصًا أثناء التعذيب حتى يستطيع كل ضابط القيام بعمله على أكمل وجه مع المختفي قسريًا الذي يقوم بالتحقيق معه، ومن المعلوم أن المختفي قسريًا فور دخوله جهاز الأمن الوطني يتم تسميته برقم بدلاً من اسمه ويتم التعامل معه طيلة الوقت بهذا الرقم، وأيضًا مكاتب الضباط لا تحمل أسماءهم بل أرقام فقط وكذلك الزنازين كما في الصورة التالية:
لا يتم نقل المختفي قسريًا إلى الزنازين الجماعية داخل الجهاز إلا بعد انتهاء التحقيقات معه والتي قد تستغرق شهورًا ليتم إنزاله وإدخاله معصوب العين ليستلمه أمين شرطة ويقوم بوضعه في إحدى الزنازين الجماعية التي تقع على جانبي هذا الممرر الموجود بالصورة:
مبنى الأمن الوطني “أمن الدولة” بأبيس، محافظة الإسكندرية
هو مبنى حديث الاستعمال حيث لم يتم تفعيله كمقر تعذيب إلا بعد الثالث من يوليو 2013 وهو يقع على طريق إسكندرية طنطا الزراعي بمنطقة أبيس قبل مدخل منطقة سموحة وبجوار محكمة الاستئناف الجديدة وأمام الغابة الترفيهية، وهو مكون من عدة أدوار ويستخدم في استنطاق المختفين قسريًا من المعارضين للنظام العسكري بمحافظة الإسكندرية قبل أن يتم نقلهم لمديرية أمن الإسكندرية بالدور الرابع.
رابعًا.. طرق التعذيب داخل مقرات الأمن الوطني
ما ستقرأونه الآن من طرق تعذيب يحدث في مصر، وما اعترف به أحد المسؤولين الأمريكيين بأنهم يعلمون هذا ويتعاونون مع مصر فيه أحيانًا كما جاء بهذا الرابط، وهنا ما استطعنا جمعه من وسائل تعذيب من أقوال من تعرضوا للاختفاء القسري:
– التعليق كالذبيحة، الرأس لأسفل والقدمين لأعلى معلقتان في حبل.
– ربط رجل واحدة بحبل وسحبها لأعلى ليصبح المعتقل محلق من أسفل لأعلى عن طريق رجل واحدة.
– ربط يد المعتقل من الخلف مع بعضهما البعض بحبل ثم رفعه من الخلف لأعلى حتى يصير معلق في الهواء من يديه بالخلف.
– الصعق بالعصي الكهربائية في كل أنحاء الجسد.
– تعرية المعتقل وربطه على سرير معدني وتوصيل الكهرباء بهذا السرير بشكل متقطع.
– توصيل الجسد بأسلاك كهرباء ثم توصيلها بجهاز كهربائي وصعق الجسد.
– الصعق بالكهرباء في الأعضاء التناسلية.
– عصر الخصيتين باليد، وربط حبل رفيع بهما من أعلى.
– الكهرباء في فروة الرأس.
– الضرب بالعصي وأسلاك الكهرباء.
– التعرية التامة والتعذيب ثم إخراج المعتقل عاريًا مع ربط اللباس الداخلي في يديه ويسير في الطرقات ويتم وضعه في مكان الاحتجاز مع زملائه هكذا.
– إدخال عصا خشبية في فتحة الشرج مع تصوير هذا فيديو.
– العروسة وهو جهاز معدني على شكل صليب يتم ربط المعتقل عاريًا عليه ويتم وضع قدميه في إناء مياه وهي مكبلة ثم توصيل الكهرباء بها.
– وضع عدد 4 كلبش في باب حديدي اثنين أعلى الباب واثنين في المنتصف ويتم رفع المعتقل الضحية وكلبشة يده من الخلف كل يد على حده في الكلبشين العلويين ثم رفع رجله وكلبشتها في المنتصف ليصبح المعتقل معلق بين قضبان الباب الحديدي في وضع القوس حيث يكون ظهره مقوس وبطنه للأمام.
– الشواية وهي إحدى طرق التعذيب وتعتمد على ربط يد المعتقل من الأمام ثم جعله يثني ركبتيه ويضع يده المكبلتين أمامها ويتم إدخال عصا بين يديه ورجليه ثم رفعه وتعليقه بين كرسيين كالذبيحة وتركه هكذا لمدة نصف ساعة حتى يفقد الأحساس بأطرافه تمامًا ويحتبس الدم فيهم ويبدأ في الصراخ وهنا يتم استنطاقه مع تعذيبه بالكهرباء.
– الصعق بالكهرباء في رأس القضيب الذكري.
– خلع أظافر القدمين.
– تعرية المعتقل وشده على أرضية الغرفة وقيام ضابط أمن الدولة بوضع كرسي بين أكتافه وربط يديه، وقيام ضابط آخر بوضع كرسي بين قدمي المعتقل المقيدتين، ثم وضع أرجلهما على كتفيه ورجليه لتثبيتهما ثم بدء التحقيق معه وتعذيبه بالكهرباء، والسبب في تثبيت المعتقل بهذه الوضعية أن شدة الكهرباء تجعل جسد المعتقل يقفز إلى الأعلى أثناء التعذيب.
– الحرمان من النوم عن طريق كلبشة المعتقل في ماسورة علوية بالحائط من يد وكلبشة معتقل آخر بماسورة علوية مقابلة ثم كلبشة يديهما الأخرتين من المنتصف ببعضهما البعض مع ربط رجليهما كي يظلا واقفين لا يستطيعون الاستناد على الحائط أو الوقوع أرضًا.
– ومؤخرًا رصدت حالات تم قطع أجزاء من جلدهم بألة حديدية لإجبارهم على الاعتراف بأسماء معارضين للنظام، وفي بعض الحالات تم تصفية أعين للمعارضين في سبيل أن يتكلمو ويعترفوا.
ومما رصدناه أن في أغلب حالات من يرفضون التحدث فإنه يتم تصفيتهم ونشر أنهم قد قتلوا في اشتباكات مع قوات الأمن حتى لو كان هؤلاء القتلى هم شباب قصر لم يبلغوا الـ 18 عامًا، وهذا ما حدث في إحدى الحوادث بتاريخ 25 أكتوبر 2015 حيث أعلنت وزارة الداخلية المصرية تصفية ثلاثة شباب بمنطقة الجبل بدائرة مركز القصاصين بمحافظة الإسماعيلية، ونشرت صورًا لثلاثة شباب تظهر أن أعمارهم صغيرة وهم مصابون بطلقات نارية متعددة وفي صورة أحدهم إحدى الطلقات دخلت ولم تخرج من الناحية الأخرى للرأس ولكنها بارزة كما يظهر في صورة الثلاثة شباب القتلى (الصورة مؤلمة للغاية) وتحديدًا في الشاب يمين الصورة من أعلى
خامسًا.. طرق الإيقاع بالضحية ولماذا؟
ينقسم ضحايا الاختفاء القسري لنوعين: الأول فيهم هو معارض للنظام والثاني هو ضحية ليس له أي اهتمام سياسي ولكن تم القبض عليه خطأ، وهؤلاء إما يتم الإفراج عنهم لاحقًا أو يتم استخدامهم كحقول تجارب لتعليم الضباط الجدد بجهاز الأمن الوطني، أساليب التعذيب.
وأشهر طرق الإيقاع كالتالي:
– تتبع بصمة الصوت حتى لو قام الضحية بتغيير رقم جواله أو الهاتف.
– تتبع من يقومون باستخدام برامج الـ VPN ورصد ما يكتبوه وفيما يستخدموه.
– رصد مواقع التواصل الاجتماعي كالـ Facebook و Twitter ورصد ما يكتب في المنشورات والتعليقات وتتبع أصحابها.
– تتبع حسابات المعارضين المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي واختراق إيميلاتهم الشخصية ورصد من يتواصل معهم من الشباب للقبض عليه.
– الإيقاع بناشط واستخدام جهازه المحمول وحساباته الشخصية في إرسال رسائل لأصدقائه وطلب مقابلتهم ثم إلقاء القبض عليهم.
– إجبار المختطف والمختفي قسريًا على التواصل مع الناشطين للإيقاع بهم.
– نشر المخبرين بأي منطقة يتم الشك بوجود معارضين يختبئون بها أو يتحركون بها لرصدهم والقبض عليهم.
– البلاغات الواردة من المواطنين المؤيدين للنظام عن أي معارض يرصدونه.
– دس أفراد أمن أو تجنيد بعض من تم اعتقالهم بعد الضغط عليهم كي يقوموا بالاندساس وسط المعارضين والإيقاع بهم.
– مراجعة عقود شقق الإيجار الجديدة في كل المناطق بصفة دورية والكشف أمنيًا على من يقوم بالاستئجار لتتبع المعارضين والقبض عليهم في حالة تغيير سكنهم.
– تفتيش أجهزة المحمول والحاسب في الكمائن الأمنية والبحث عن أي صور لمظاهرات أو أي برنامج من برامج التواصل التي تقوم بمحو البيانات والقبض على كل من يشتبه به وترحيله للأمن الوطني.
وقد رصدت وحدة جديدة مكونة من أكثر من سيارة تم تزويد جهاز الأمن الوطني بها وأجهزة أخرى تقوم بالتتبع والرصد وتوجيه الضباط للاعتقال.
سادسًا.. الاختفاء القسري قصص حقيقية، وجولة داخل مقرات جهنم
يسمون أنفسهم الكفار، دلالة على عدم التزامهم بأي أعراف دينية أو مبادئ أخلاقية وأنهم لا يخشون شيئًا وأنك عندهم مفقود حتى يقرروا عكس هذا، هذه هي الكلمات التي يسمعها المختطفون، ولهذا فعند سماعك هذه الكلمات السابقة فإنك الآن قد صرت مغمى العينيين وتقبع في أحد مقرات الأمن الوطني.
البعض يظن أن هذا يحدث بمعزل عن دعم من الأنظمة الغربية وأجهزتها الأمنية ولكن الواقع يثبت غير ذلك؛ فوفقًا لتقرير نشرته هيومن رايتس ووتش HRW في 2005 بعنوان “Black Hole الفجوة السوداء، فلقد نقل فيه قول روبرت باير مسؤول سابق بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية قال فيه:
“إن أردت استجوابًا جادًا، فإنك ترسل السجين إلى الأردن، وإن أردت تعذيبه، فعليك بإرساله إلى سوريا، أما إن أردت أن يختفي شخص ما فلا يراه أحد مطلقًا بعد ذلك فإنك ترسله إلى مصر”
هذا التعاون الأمني بين الجهاز الأمني المصري والأجهزة الغربية أتت ثورة 25 يناير 2011 لتفسده في ظل ثورة طالبت بالعدل والحرية والكرامة لتغلق أحد منافذ التعذيب في الشرق الأوسط والتي كانت تستغلها الأجهزة الأمنية الغربية في ممارسات لا تستطيع تطبيقها على أراضيها حيث هناك بقايا سلطة قانون تطارد مرتكبي تلك الانتهاكات.
ولا أدل من رجوع هذا التعاون من زيارة جون برينان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في 18 يناير 2016 لوزير الداخلية المصرية حسب الصفحة الرسمية للوزارة على Facebook، هذا اللقاء الذي أبدى فيه وزير الداخلية رضائه عن مستوى التعاون بين أجهزة وزارة الداخلية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى مجال تبادل المعلومات والخبرات المتعلقة بمكافحة العناصر المتطرفة ومقاومة الأفكار التكفيرية الهدامة التي تسعى لخداع الشباب وتجنيدهم من أجل تحقيق أهدافهم التي تهدد استقرار دول المنطقة.
ليظل الإرهاب هو الشماعة التي تنتهك بها حقوق شعوب الشرق الأوسط، ولكن هذا اللقاء كان السبب في تسريب معلومات من مصادر موثوقة عن أن هناك ضباط من الأجزة الأمنية يشرفون على برامج التدريب داخل جهاز الأمن الوطني بل وهم من طور بعض وسائل التعذيب بداخله وتحديدًا داخل مبنى التدريب في مبنى الأمن الوطني بمدينة نصر والذي يظهر في الصورة التالية:
وعند هذا الحد بدأنا بعقد عشرات المقابلات مع من تم اعتقالهم سابقًا لنسمع منهم ونتجول داخل مقرات الجهاز، وسأبدأ بقصتي الشخصية بصفتي مختفٍ قسريًا سابقًا لمدة خمسة أيام داخل جهاز أمن الدولة:
أكتوبر 2010
اقتحم أمن الدولة منزلي وسط حراسة قوة من العمليات الخاصة للأمن المركزي تحيط بالعمارة وتنتشر بداخلها ليتم اقتيادي من قِبل أحد ضباط أمن الدولة للمجهول الذي لا أعرفه ولكني سمعت عنه كثيرًا، بينما يقف أبي مذهولًا وأختي مرعوبة، وتودعني نظرات أمي في ثبات وحزن على ما تعلم أنني سأواجهه.
ليلة لا أعرف منتهاها، يمضي الوقت في زنزانتي لا أعلم فيها كم مر عليّ من وقت وهل أشرق الصباح أم أن هذا الليل لن ينجلي، ليفتح باب الزنزانة بعد وقت لا أعلمه ليتم اصطحابي للمكان الذي سيتم فيه التحقيق معي.
فيلا مهجورة بمدينة نصر تطل على شارع علي أمين، كنت أمر بجوارها كثيرًا دون أن أعلم أن خلف أسوارها يقبع الرعب، كنت أظنها مهجورة ولكنها لم تكن كذلك، وهذه صورة لها:
وبداخل هذا المجمع الصغير الذي تقبع الفيلا بداخله تم اقتيادي وأمري بخلع الفانلة الداخلية ليتم تغميتى بها وإدخالي للمجهول، لأقف أمام ضابط عرفت من صوته أنه هو نفسه الذي اعتقلني من منزلي ليبادرني بقوله:
“أنت دلوقتي في أمن الدولة مفيش حاجه رسمية تثبت إننا اعتقلناك، يعني رسميًا على الورق أنت معتقلتش ومفييش حاجه تثبت كده وأهلك مش هيعرفوا يثبتوا حاجه ولو عاوزين نفضل خافيينك هتفضل مخفي طول عمرك من غير ما حد يعرف أنت فين، ولو عاوزين نموتك هنموتك وندفنك كمجهول ومحدش برضه هيعرف أنت مين، فلو ريحتنا وبسطنا هنخرجك أو نسجنك وأهلك يعرفوا أنت فين، ولو عندت أنت عارف اللي هيحصل”.
حينها أدركت أنني قد أصبحت مفقود أو مختفٍ قسريًا.
وحينها بدأ تعذيبي الذي كان من ضمنه تعريتي ماعدا الشورت الداخلي واستخدام بعض طرق التعذيب، مازلت أذكر كيف رجعت في مرة شبه محمول وكيف تعاطف معي السجناء وقاموا باستلامي ووضع كل البطاطين في الزنزانة فوقي لأني كنت شبه معرى منذ الصباح ولأكثر من 7 ساعات في غرفة شديدة البرودة مسلط فيها علي تكييف على أقل درجات الحرارة كإحدى وسائل التعذيب في التحقيق.
لازلت أتذكر أنه في اليوم الخامس وبعد أن يئسوا من تصنيفي أو إثبات شيء عليّ كان قرارهم بالإفراج عني، ليجلس معي أحد الضباط الذي أشرف على تعذيبي ليعتذر لي قائلًا: “إحنا عملنا كده علشان مصر”.
نظرت له يومها ساخرًا غير مبالٍ بالرد، ليقوم من أمامي ويأتي الضابط الرئيسي ليجلس معي ويقول لي أنني سأخرج اليوم ولكن إن تحدثت مرة أخرى عن قضية التوريث أو الانتخابات الرئاسية أو خرجت في مظاهرة فـ “أنت عارف هيتعمل فيك إيه”.
ولكنني حينها كنت أفكر في معتقل آخر معي في الزنزانة معتقل منذ أكثر من أسبوعين وهو صعيدي صاحب محل مغسلة ملابس “دراي كلين” وغلبان وكل تهمته أن أمن الدولة ذهب للمنزل الذي به المحل ليقبض على أحد الشباب فلما لم يجدوه وقبل رحيل الحملة الأمنية وجدوا هذا المحل مازال مفتوحًا وتلك ليست تهمة ولكن التهمة أن صاحب المحل قد سمى المغسلة باسم “الأقصي” فأخذوه بسبب الاسم.
قلت للضابط قصته فقال لي “يااااه هو إحنا لسه قابضين عليه؟! كويس إنك فكرتني بيه، خلاص هيخرج معاك النهاردة”.
نعم عزيزي القارئ لقد نسي الضابط أن هناك إنسان قد اعتقله يبحث عنه أهله، نسيه بكل بساطة.
ليست هذه هي القصة الوحيدة
مارس 2014
لم يكن يعلم الأستاذ محمد وجيه عيد طمان أنه سيكون آخر يوم له وسط أحبته وهو يغادرهم مودعًا في طريقه لشركته المشتركة مع أخيه في حي الدقي بمحافظة الجيزة.
التوقيت ما بين الثامنة والتاسعة من مساء نفس اليوم، قوة من ضباط الأمن الوطني تقتحم العمارة معتدية على حارس العقار لتصعد إلى الشركة وتقتحمها باحثة عن أخيه عبد الله وجيه، أمين محافظة الجيزة وعضو الهيئة العليا بحزب مصر القوية، ولكنه كان غير موجود ولكنهم وجدوا أخاه محمد وجيه وثلاثة من العملاء فقاموا بتكسير محتويات الشركة وأخذ ما وقعت عليه أيديهم من أموال ولاب توب وأشياء خاصة بعملاء الشركة ثم أعتقلوا كل الموجودين وانصرفوا.
واختفى محمد وجيه.
عشرة أيام، وأخوه ووالدته وأحبته يبحثون عنه دون أي خيط يقود إلى مكان احتجازه رغم تقديمهم بلاغ للنائب العام بتاريخ 4 مارس باختفائه، وبدأت قضية اختفاء محمد تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي حتى حدث تدخل من أحد الشخصيات الحزبية المعروفة وقام بالاتصال بالنائب العام حينها هشام بركات..
وفي الثاني عشر من مارس 2014 يأتي هاتف ليخبر أهله أن محمد محتجز وأنه قد تم ترحيله لمعسكر الأمن المركزي بالكيلو 10 ونص بطريق القاهرة إسكندرية الصحراوي.
يذهب أهله له فيتم رفض إدخالهم للزيارة.
13 مارس 2014 يعلم أهله بعرض محمد وجيه على نيابة أمن الدولة العليا التي تبدأ تحقيقاتها في الساعات المتأخرة من الليل، يهرع أخوه عبد الله والمحامي كي يحضر المحامي التحقيق ولكن الأمن يرفض إدخالهم ويدعي أنه لا يوجد أحد اسمه محمد وجيه.
ولكن الحقيقة بعد ذلك أظهرت أن محمد وجيه كان يعرض بالداخل بالفعل وأنه من المتعارف عليه في بلد “اللاقانون” أن العرض الأول للمعتقل على نيابة أمن الدولة العليا يتم بدون وجود محامٍ.
يوم الجمعة 14 مارس 2014 تم السماح لعبد الله وجيه بدخول معسكر الأمن المركزى ليرى أخاه .
أين محمد؟ كان هذا ما يبحث عنه عبد الله، فمن أمامه ليس بأخيه محمد وجيه الذي يعرفه، من أمامه إنسان يسير بصعوبة ولا يستطيع تحريك يديه ليسلم عليه.
لم يكن يعلم عبد الله أن 9 أيام من التعذيب في سلخانات أمن الدولة كفيلة بتحويل شكل أخيه محمد إلى ما يراه الآن أمامه.
يصف عبد الله حاله وما شاهده قائلًا: “كان محمد وجيه أخي لا يستطيع رفع يديه كي يسلم عليّ، كانت يداه الاثنتين متورمة وبها تجمع دموى وآثار جروح شديدة، كان هناك أيضًا باليد اليسري بروز واضح وغير معروف هل هذا كسر أم تهتك في العضلة، وكان من الواضح أيضًا أن هناك كسر في أحد ضلوع القفص الصدري لأخي وكان لا يستطيع حتى أن يجلس”.
“كان لا يشعر جيدًا بأصابع يديه وقدميه فبهما تنميل، وكان وجهه يحمل آثار كدمات وآثار تعذيب، وكانت برأسه من الخلف جروح قطعية”.
لحظات مرت كالدهر على عبد الله وهو يسمع أخاه محمد وجيه وهو يحكي له كيف تم اقتياده إلى قسم بولاق الدكرور في غرفة تابعة للأمن الوطني وكيف تم تعذيبه لمدة 9 أيام متواصلة تخللها ربطه بحبل سميك شديد لمدة 5 أيام متواصلة دون رحمة وتم ضربه بالآلات الحادة والشوم وصعقه بالكهرباء.
قدم بعدها عبد الله بلاغًا للنيابة يطلب فيه عرض أخيه على الطب الشرعي وأيضًا علاجه، وتم رفض الطلب من النيابة.
السبت 22 مارس 2014: النيابة قررت تجديد حبس محمد وجيه 15 يومًا آخرين ورفضت الموافقة على عرضه على الطب الشرعي للمرة الثالثة بالرغم من حالته الصحية السيئة.
تم ترحيل محمد وجيه إلى سجن طره والذي رفض استقبال محمد لسوء حالته الصحية.
وهذا مثال صريح آخر لما يحدث، ولكن للحكاية فصول أخرى ولكن بطلتها هذه المرة فتاة.
ابريل 2014
السبت 29 مارس وفي حوالي الساعة الـ 8 والربع مساءً قامت قوة أمنية مكونة من عدد 2 بوكس شرطة تويوتا لوكس 2 كابينة محملين بفرقة من قوات العمليات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية وضابط أمن وطني وعدد 1 بوكس شرطة عادي تابع لقسم شرطة ثاني القاهرة الجديدة محمل بمجموعة من أفراد مباحث القسم بزي مدني بمحاصرة العمارة رقم 93 بإسكان الشباب الشمالي بالتجمع الأول محطة الحضانة.
في تمام الساعة الـ 8.21 كانت الطالبة كريمة أمين عبد الحميد أمين الصيرفي، الطالبة بالفرقة الثانية بكلية شريعة وقانون جامعة الأزهر، والبالغة من العمر 20 عامًا تجلس في غرفتها تحدث أحد زملائها في الهاتف لتسمع صوت باب الشقة يكسر ثم اقتحام غرفتها ليكون آخر ما يسمعه زميلها صوتها وهي تستنجد بأن ترتدي حجابها وإسدالها كي تستر جسدها، قائلة مجموعة من الكلمات كان منها “بعد إذنك بس ألبس الطرحة”، و”حد بس معلش يجيبلي الإسدال.. حد يجيبلي الإسدال” ليعقبه أصوات شد وجذب غير مفهومة وكلمات أخرى بينها وبين المقتحمين ثم ينقطع الاتصال.
على مدار ما يقرب من الثلاث ساعات حاول بعض الشباب من المنطقة التدخل ليكون المصير ضرب أحدهم واحتجاز اثنين في أحد البوكسات.
في حوالي الساعة الـ 12 منتصف الليل يستطيع أخوها الوصول إلى محيط العمارة ليرى قوات الداخلية وهي تغادر المكان مسرعة بعد أن أفرجت عن الشابين اللذين سبق احتجازهما.
يستفسر أخوها عما حدث ليعلم أنه تم اقتحام منزلهم وأن قوات الأمن احتجزت أخته بالداخل لما يقارب الثلاث ساعات لتخرج بعدها معتقلة وتحمل الكثير من الحقائب الممتلئة بمقتنيات ومتعلقات تم أخذها من منزلهم.
يدخل أخوها المنزل ليجد أنه قد قلب رأسًا على عقب وسط الكثير من الحطام، بعد قليل يجد أخوها “جاكت” كانت كريمة تحب أن ترتديه وهي في المنزل، ممزقًا في أكثر من موضع وملقى على الأرض.
“كريمة مش موجودة هنا”، كان هذا رد قسم ثاني القاهرة الجديدة بالتجمع الأول على أخيها عندما ذهب إلى هناك مع أحد المحامين.
“أنباء عن احتجاز كريمة في أحد مباني أمن الدولة.. أنباء عن احتجاز كريمة في قسم ثاني القاهرة الجديدة.. أنباء عن ترحيل كريمة لسجن القناطر”، كان هذا كل ما يسمعه أخوها وأصدقاؤها على مدار 24 ساعة.
“أنباء عن عرض مفاجئ لوالد كريمة الأستاذ أمين الصيرفي السكرتير الخاص لرئيس الجمهورية محمد مرسي على نيابة أمن الدولة العليا في نفس يوم اختطاف كريمة من منزلها”.
أسئلة تثار هل تم الاختطاف بهدف تخويف والدها وابتزازه أو الضغط عليه وجعله يرى ابنته وهي معتقلة مكبلة؟!
يوم الإثنين 31 مارس يخرج محمد إبراهيم وزير الداخلية ليعلن عن كشفه قضية جديدة متهمة فيها كريمة الصيرفي.
في نفس اليوم مساءً “يطلب من الجميع إيقاف الحديث حول اختفاء كريمة وسيتم الإفراج عنها من قِبل أمن الدولة”.
الثلاثاء 1 أبريل “أمن الدولة لن يفرج عن كريمة بسبب أن أحد أصدقائها قد نشر عنها”.
كان النشر والتحدث عن كريمة الصيرفي حينها جريمة في نظر الأجهزة الأمنية تستوجب العقاب، أمضت كريمة الصيرفي شهورًا طويلة بعد ذلك محتجزة في سجن القناطر للنساء قبل أن يتم الإفراج عنها لاحقًا.
ليست هذه القصة الوحيدة فحتى الأطفال لم يسلموا من الاختفاء القسري.
الربع الثاني من سنة 2015
الطالب “م. ح” أقل من 18 سنة يتم إلقاء القبض عليه من منزلة بمحافظة القاهرة ليتم اقتياده لمبنى الأمن الوطني بلاظوغلي داخل وزارة الداخلية.
يحكى أن هناك لا يوجد لديك جسد؛ فأنت منتهك وجسدك مستباح ماعدا عيناك فهذه هي عورتك الوحيدة التي يتم تغطيتها.
يقول “م. ح”: “وأنا هناك في الدور الثالث قابلت حد اسمه علي حسب الله وحد اسمه بدر أو بدري راجل كبير في السن أكبر من 50 سنة دول كانوا بقالهم أكثر من 120 يومًا متغميين ومتحققش معاهم خالص واتقبض عليهم علشان علي كان عنده سوبر ماركت ومشغل اثنين واحد فيهم طلع مطلوب القبض عليه فلما اعتقلوه اعتقلوهم معاه .
وكان معانا في الدور الثالث أربعة أطفال ما بين 11 سنة لـ 14 سنة وكان الأمناء بيتريقوا عليهم لما يطلبوا يخشوا الحمام ويقولوا لبعض هاتلوه قصرية علشان يعمل فيها حمام إلى مبلغش ده.
وفي حجوزات كبيرة تحت، ودول بيحطوا فيهم اللي خلصوا معاهم تحقيقات والحمام جوه الحجز وفي كاميرا صوت وصورة جوا الحجز بتراقبهم وبيكونوا متغميين وممنوع عنهم الكلام وممنوع صلاة الجماعة وفيه وجبة فطار قبل الظهر جبنة وفول وعيش، والغذاء رغيف عيش جوا رز وطبيخ حاجه بسيطة وممكن حتة فراخ أو لحمة صغيرة جدًا، والعشاء مربى وعدس وعيش ويوم في الأسبوع حلاوة صغيرة.
وكان فيه ناس معانا حوالي 20 واحد واخدين ما بين إخلاء سبيل وبراءة في قضايا وأمن الدولة أخدهم من الأقسام ونقلهم للاظوغلي.
وأنا موجود هناك كان فيه أكثر من 100 شاب وطفل وراجل كبير معتقل، وكان معانا في الدور الثالث اثنين مجندين جيش اسمهم محمد النجار والثاني اسمه شوكت، الاثنين من منطقة الزيتون بالقاهرة وهما في فترة تجنيدهم كانوا بيكلموا بعض في التليفون وبيهزروا إن السيسي رايح عند معسكر الثاني زيارة بكرة فخلص بقه وريح البلد منه والثورة تكسب، فاتقبض عليهم مخابرات حربية 3 شهور، ولما كنت في أمن الدولة كان بقالهم برضه 3 شهور، وبيحكوا إن في المخابرات الحربية واحد منهم كان حبسه عبارة عن زنزانة صغيرة لدرجة متعرفش تفرد فيها رجلك ولا تعرف تقف فيها كويس وفيها جردل يعمل فيه الحمام والأكل بيخش ليه من نظارة الزنزانة والزنزانة ضلمة تمامًا وقعد شهر مبيشوفش حد ولا بيتكلم مع حد، وكان فيه تعذيب جامد في المخابرات لدرجة إنه كان بيقول الشباب الحمد لله إننا في أمن الدولة هنا فندق بالنسبة لهناك.
ولما اتعرضت على نيابة أمن الدولة كان معايا اثنين من الدور الأول حكولي إن في ناس تحت في الدور الأول بلاظوغلي بقالها أكثر من سنة مرمية في الدور الأول متغميه وبتتعذب، وأن المعاملة في الدور الأول جحيم.
وحكالي أنهم في الأول دايمًا متكلبشين ومرة ضابط معدي رايح الحمام لقى اثنين بيهمسوا لبعض راح مكهربهم بالإلكتريك في الكلابش اللي ماسك إيديهم الاثنين.
الأساسيات في التعذيب إنهم يقلعوك ويكهربوك في كل حته، وفي الدور الأول الضابط قال لواحد وهو بيكهربه “أنا معنديش حاجه اسمها منطقة حساسة الحاجه الحساسة الوحيدة فيك هيا عينيك”.
مرة وهما مطلعينا فوق علشان نقعد فوق شوية واخدوا مننا اثنين يحققوا معاهم في الدور الثالث وشوية وكنا بنسمع أصوات صريخهم جامد ، ولما طلعوا سألناهم فمرضوش يحكوا تفاصيل بس عرفنا إنهم اتعذبوا جامد.
أنا قعدت 6 أيام، وبعد 6 أيام لقيتهم بينادوا عليا علشان اتعرض على نيابة أمن الدولة والأمين أخدني لضابط فقاله طلعه فوق تاني يظبط هدومه ويشطف نفسه كويس علشان يتعرض على النيابة منظره كويس.
كل هذه التوثيقات دفعتني للبحث عن معتقلين تم اعتقالهم قبل الثورة وخصوصًا في فترة الثمانينات والتسعينات وعن طريق مركز الندوة للحقوق والحريات استطعت الوصول لبعضهم والجلوس معهم وسمعت منهم التالي:
“م. س” حكي لي عن معتقل من محافظة الإسكندرية اسمه “علاء”، قُبض عليه من قِبل مباحث أمن الدولة في التسعينات وحوكم بقضية عسكرية أخذت مسمى حينها “قضية حزب الله”.
“م. س” يحكي عن المعتقل علاء بأنه تم اختطافه وإخفاؤه قسريًا وتعذيبه لكي يعترف باعترافات معينة، ولكنه رفض ذلك ورفض أن يذكر أسماء أصدقائه، ومن شدة التعذيب فقد عقله وكان في محبسه يحدث الفراغ ويصاب بالهذيان كثيرًا، ورفض أمن الدولة إخراجه حتى بعد انتهاء محكوميته، ولم يخرج إلا بعد مدة طويلة ليتم إيداعه بمستشفى الأمراض النفسية في المندرة بمحافظة الإسكندرية.
* وأنا اسمع تلك القصة تذكرت وأنا عمري 18 عامًا وقمت مع أصدقاء لي بتنظيم زيارة خيرية لمستشفى الأمراض النفسية بالعباسية بمحافظة القاهرة وكيف قابلت يومها أشخاصًا مهذبون جدًا ولكنهم مصابون بالجنون وكان يظهر عليهم أنهم أبناء الجماعات الإسلامية من تصرفاتهم المحترمة، ولكنهم كانوا في النهاية فاقدين لعقولهم، وعندما استفسرنا عنهم قيل لنا إن هؤلاء معتقلون سابقون قامت وزارة الداخلية المصرية بإرسالهم هنا.
أما “م. أ” فلقد تم اعتقاله سنة 1997 وتم اقتياده لأمن الدولة فرع القاهرة بلاظوغلي، تم ضربه ثم تعريته ماعدا الشورت الداخلي وبدأ التحقيق معه عن طريق جعله ينام على ظهره على الأرض وتم وضع كرسي بين رجليه من الأمام و كرسي بين ذراعيه وربطه وتثبيت جسده من قِبل فردي أمن، قال لي “عندما رفضت التجاوب معهم تم إنزال الشورت وتم كهربتي في الخصية والقضيب وحلمات الصدر”، ثم استكمل قائلًا: “لكنني الحمد لله أحسن حظًا من غيري، فهناك معتقل آخر تورمت خصيتيه من كثرة التعذيب بالكهرباء فيهم حتى صارت بحجم البرتقالة”.
وذكر لي أنه أثناء تعذيبه وهو مغمى العينين سمع ضباط أمن الدولة وهم يعذبون معتقل اسمه عادل علي بيومي، وكان عمره حينها 45 عامًا ويقولون وهم يضحكون إن الدهون في بطنه ساحت من كثرة التعذيب الكهرباء، وقد نفذ حكم الإعدام به لاحقًا.
وقال إنه وهو بالداخل كان هناك معتقلين تحدثوا عن معتقل اسمه “محمود الديب” متهم في قضية رقم 60 عسكري، تم اعتقاله وتم الذهاب به لفرع أمن الدولة بلاظوغلي وعندما رفض التعذيب تم إعدامه بإطلاق الرصاص عليه، ثم الادعاء أنه مات في اشتباكات أثناء القبض عليه.
ثم ذكر لي أن أحد معتقلي الجماعات الإسلامية في تلك الفترة واسمه “طارق” كان تقرير الطب الشرعي الذي صدر بعد خروجه من أمن الدولة وعرضه على النيابة يقول “إنه يوجد تفحم كامل في رأس العضو الذكري نتيجة التعذيب بالكهرباء”، وقد صدر بحقه حكم إعدام ونفذ لاحقًا.
هذه الانتهاكات حدثت في فترة كان فيها رئيس جهاز الأمن الوطني الحالي اللواء محمود سيد عبد الحميد شعراوي هو أحد مسؤولي فرع القاهرة في التسعينات واسمه الحركي كما تم توضيحه هو محمد لاشين.
هنا أكون قد ختمت مع احتفاظى بالكثير من المعلومات مما ارتأيت أنه لا فائدة لنشرها حاليًا أو لأنها قد تضر الأمن القومي، أو يمكن الاستدلال بها على مصادر معلوماتي مما قد يعرضهم للخطر.
وأخيرًا لقد عزمت كتابة ما ترونه الآن في شهر يناير 2016 بعد تزايد أعداد المختفين قسريًا وعشرات الرسائل والمكالمات الباكية من أهالي المختفين قسريًا بي، وعزمت على إنهائه بعد اتصال هاتفي علمت من خلاله بقيام أفراد جهاز الأمن الوطني بإلقاء أحد المختفين قسريًا بعد أسابيع من اختطافه أمام باب منزله ليجده أهله وقد فقد عقله وصار كالطفل الصغير، بكاء من أبلغني وانهياره كان هو مداد قلمي الذي أنجز ما تقرأونه الآن.
الآن أكون قد أديت جزءًا من الأمانة التي في عنقي تجاه كل شاب وفتاة مصرية اختفوا قسريًا ولأهاليهم، ويكون جزء من الأمانة قد انتقل لأعناقكم لنشر هذا وفضحه حتى تتوقف تلك الانتهاكات وينال المجرمون القصاص العادل يومًا قريبًا بإذن الله.