من أين تعلم الأطفال التفرقة العنصرية بين اللون الأبيض واللون الأسود، أو الفرق بين طبقات المجتمع، تقديس الشخص الوسيم وتحقير الذميم، خلق هالة مقدسة حول الفتاة الجميلة والنحيفة، وتهميش دور القبيحة البدينة، كم من عقد استمر فيه توم آند جيري على إخفاء وجه الخادمة البدينة السوداء عن كادر الصورة، كم فيلمًا شاهده الأطفال حتى تعلموا أن الفتاة الفقيرة لا ينقذها شيء من فقرها سوى جمالها، بالطبع كان للسينما تأثيرًا مباشرًا على طريقة تفكير الأطفال، وذلك لأنها الشيء الرئيسي الذي كان يستخدمه الآباء والأمهات لإلهاء أطفالهم عنهم في نهاية القرن العشرين وبداية الواحد والعشرين مع زيادة الطبقة العاملة وانشغال كل من الأب والأم في العمل، وذلك بالتزامن مع تطور أفلام الكرتون التي أصبحت تستهدف شريحة ضخمة من الأطفال في ذلك الوقت.
من أين تعلم الأطفال التفرقة بين طبقات المجتمع، هل من المنطقي أن يتعلم طفل في السابعة من عمره أنه كان ومازال في بعض المجتمعات صراعًا بين الطبقة البرجوازية والطبقة البروليتارية “الطبقة الكادحة أو طبقة العمال”؟ كيف استطاعت السينما العالمية في كثير من أفلام الرسوم المتحركة من القضاء المُتعمّد على الطبقة المتوسطة أو ما تحت المتوسطة، فكانت 56% من الأفلام تعتمد على عرض الطبقة البرجوازية والطبقة الفوق متوسطة (حتى سانتا كلوز “بابا نويل” لم يسلم من هذا التصوير وتم ضمه للطبقة الفوق متوسطة في الأفلام).
عرضت السينما الكثير من مشاهد تخص الطبقة الفقيرة في أفلامها، إلا أن التصوير لم يُركز عليها كليًا ولم يجعلها جزءًا محوريًا في الفيلم كما يفعل مع الطبقات الأخرى، كما تم محو المشاكل التي تواجهها تلك الطبقة من أجل أن يخدم الفيلم المشاهد التي تختص بالطبقة الراقية أكثر، فهناك فيلم “ratatouille” على سبيل المثال، والذي اختزل مشاكل الفقراء المادية في أنهم لا يستمتعون بطعام جيد كمثل الذي يستمتع به الأغنياء متناسيًا الظلم الاجتماعي الذي يشمل مشاكل أكثر من الطعام بالنسبة للطبقة الفقيرة.
يأتي فيلم علاء الدين مثالًا لوجود طبقتين فقط في المجتمع، بل حاول التركيز أن الفقر هو الوجه الآخر والوحيد للثروة والطبقة الراقية، فهنا مشهد بين علاء الدين وياسمين يوضح ذلك:
علاء الدين: يبدو أن حياة القصر رائعة.
ياسمين: نعم إنها رائعة.
علاء الدين: كم أتوق لأن أعيش هناك لأنعم بالرفاهية ووجود عبيد حولي يخدمونني في كل وقت.
ياسمين: هذا لا يبدو جيدًا عندما يحيط بك من يقول لك ماذا تلبس وإلى أين يجب عليك أن تذهب دومًا.
علاء الدين: لكن ذلك أفضل بكثير من أن تكدح من أجل الحصول على المال، وأن تهرب دومًا من الحراس كما نفعل هنا.
ياسمين: ألست حرًا في اختيار قراراتك؟
علاء الدين: أحيانًا تشعرين أنك..
ياسمين: فقط تعيش في..
ياسمين وعلاء الدين: سجن.
تصوير ما سبق يختلف كليًا في الأفلام التي تستهدف البالغين، فالطبقة الفقيرة في أفلام البالغين هي أقرب للحقيقة من تلك المصوّرة في أفلام الرسومات المتحركة، فما تصوره أفلام الكرتون للأطفال بأن الطبقة الفقيرة أكثر ترابطًا ودفئًا واتحادًا، وهو الذي تفتقده الطبقة الراقية التي تميل إلى القسوة، كما أن ذلك التصوير والذي تم تعزيزه في كثير من الأفلام بتحول أحد أفراد الطبقة الراقية إلى الطبقة الفقيرة لما وجده من حب ودفء أكثر هناك، جعل ذلك التصوير من المشاكل المادية عامل مُهمش بالنسبة لمشاكل الطبقة الفقيرة على العكس من كونها كل ما تدور حوله الطبقة الراقية، كما صورت الأفلام من أن أمر انتقال الفقير من طبقته إلى طبقة متوسطة او حتى إلى طبقة غنية أمرًا صعبًا ولا تجده في الواقعية في أغلب الأمر.
العنف هو من أحد تلك الدروس التي من الممكن أن تكون مقصودة أن تُعلمها السينما العالمية للطفل في سن مبكرة، فتعاني الولايات المتحدة حاليًا من ازدياد نسبة العنف في المدارس بين الأطفال، والذي يعود أسبابه إلى العديد من العوامل منها السينما والتلفزيون، فعقل الطفل الأوليّ لا يتجه إلى العنف أو الحقد والكراهية إلا بعد التأثير عليه سمعيًا وبصريًا.
يصبح الطفل مدمنًا لأفلام الرسومات المتحركة والتلفزيون بشكل عام منذ بلوغه عامين أو ثلاث، فعلى سبيل المثال، يقتنع الطفل بالدروس المستفادة في الفيلم أكثر مما يقتنع بها من والده أو معلمه، ويصدق ما تفعله شخصيته الكرتونية المفضلة ويبدأ في تقليدها، الأمر يبدو بسيطًا اذا اتجه الطفل لتقليد سوبرمان في حبه لفعل الخير ومساعدة الناس، ولكن لا يبدو حماسيًا بالمرة إذا اتجه الطفل لتقليد مشاهد الجريمة التي يتعلم فيها كيف يمكنه استخدام السكين أو السلاح.
من الممكن أن يكون أقبح ذنب ارتكبته السينما قديمًا هو أن تحقر من قيمة الرجل الأسود أو الرجل القبيح في سبيل مكانة الرجل الأبيض “السيد” في ذلك الوقت، وذلك الذي تسبب في اختلاق المشكلات العنصرية الموجودة في تلك الأجيال وحتى الجيل الحالي، تقنعك السينما بما تحب أن تضعه في رأسك، وأن تجعل اللاوعي عندك يفكر فيه من حين لآخر، لتستطيع في النهاية أن تقنع المُشاهد بأن يقبل كل ما يراه على الشاشة، لتصبح أفكارك التي تعتقد بأنها خاصة بك هي مجرد أفكار مزروعة من الإعلام والسينما منذ صغرك، والتي مازلت تلعب دورها ببراعة بل وبطريقة أكثر شراسة من ذي قبل.