ترجمة وتحرير نون بوست
أجرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية العديد من الانتخابات خلال تاريخها الذي يبلغ 37 عامًا، وبعض من هذه الانتخابات فتحت الأبواب أمام الإصلاح، في حين أوصدت آخرى تلك الأبواب بشدة لصالح المحافظين المتشددين.
منذ اللحظة التي تم فيها انتخاب محمد خاتمي رئيسًا لإيران في عام 1997، وهي الانتخابات التي أوصلت الإصلاحيين إلى السلطة، إلى لحظة صعود المحافظ محمود أحمدي نجاد إلى السلطة في عام 2005، كان من الواضح بأن كل انتخابات في إيران كانت تشكّل تحوّلًا دراماتيكيًا سواء إلى الأمام أو إلى الخلف.
الانتخابات الأخيرة في 26 شباط، والتي تم خلالها انتخاب البرلمان (مجلس الشورى) ومجلس خبراء القيادة، استقطبت البلاد مرة أخرى، ولكن ليس بذات الطريقة التي كان عليها الأمر في الانتخابات الرئاسية لعام 2009؛ ففي عام 2016، اختار الإيرانيون العقلانية، الاعتدال، وتجنب الأعمال الاستفزازية؛ مما ساعد المرشحين المعتدلين على الفوز في هذه الانتخابات.
هل تُقْبِلُ إيران نحو عصر الاستقرار؟
السؤال هنا، هل تشير نتائج الانتخابات الحالية إلى أن إيران تُقبِل نحو الاستقرار؟ بجميع الأحوال، وبغض النظر عمّن يدير الحكومة أو يدخل البرلمان، الشعور بالاستقرار والسلام هو ما يبحث عنه الإيرانيون.
على الرغم من أن مجلس صيانة الدستور، وهو المجلس الأكثر نفوذًا في إيران، فحص المرشحين واستبعد الكثير من الإصلاحيين الأكثر شعبية، إلا أن هذه الاستبعادات لم تخيب آمال الجمهور بما فيه الكفاية لحملهم على مقاطعة الانتخابات، كما كان بعض النقاد يتوقعون، بل بدلًا من ذلك، شارك حوالي 60% من الناخبين المؤهلين، وفقًا لوزارة الداخلية، وهذا العدد كان شاهدًا على رغبة الجمهور الإيراني في التعبير عن إرادته من خلال صناديق الاقتراع.
كما أن زيادة معدل الإقبال عمّا كان متوقعًا أعطى الرئيس الإصلاحي، حسن روحاني، تفويضًا مطلقًا من خلال تعبير الجمهور عن رضاه بالطريقة التي تم بها التعامل مع الملف النووي، فضلًا عن أن التحسّن الطفيف الذي شهده اقتصاد البلاد شكّل سببًا آخر دفع الجمهور لتلبية مناشدات روحاني للتصويت.
بالنسبة للناخبين، كانت الانتخابات البرلمانية أكثر أهمية من انتخاب مجلس الخبراء، كون البرلمان الإيراني مسؤول بشكل رئيسي عن صياغة السياسة الداخلية للبلاد، ولكن على الجانب الآخر، كان انتخاب مجلس خبراء القيادة أكثر أهمية بالنسبة للقادة السياسيين، سيّما بالنسبة للمرشد الأعلى للجمهورية، آية الله علي خامنئي؛ فهذا المجلس الذي يُنتخب كل ثماني سنوات، مكلّف باختيار المرشد الأعلى، وهي وظيفة تُسند إلى المكلف طوال حياته، كما يعمل على رصد ومراقبة قيادته للبلاد.
إشاعات تردي صحة المرشد الأعلى
في خضم الشائعات التي تتناقل تدهور صحة الخامنئي، البالغ من العمر 77 عامًا تقريبًا، قد يلعب مجلس خبراء القيادة دورًا تاريخيًا من خلال اختيار المرشد الأعلى القادم؛ فبغض النظر عن الرئيس الإيراني أو عن أعضاء البرلمان، يتمتع المرشد الأعلى دستوريًا بسلطة تفوق جميع المؤسسات، وسواء أتم اختيار المرشد الأعلى القادم بدعم شعبي أو دعم عسكري، فإنه سيكون المسؤول الوحيد عن تحديد مستقبل إيران.
استبعاد كتلة الإصلاحيين المعروفين، أو المرشحين القريبين من الإصلاحيين، من ترشيح عضوية مجلس خبراء القيادة، يشير إلى رغبة الخامنئي بالحفاظ على وجود المحافظين في السلطة؛ فخامنئي ومؤيدوه في أوساط النخبة السياسية في قم، وقوات الحرس الثوري الإيراني يعارضون أي تغييرات كبيرة على النظام.
وفي هذا السياق، يجدر بالذكر أن الحرس الثوري قمع المتظاهرين الذين خرجوا في عام 2009، احتجاجًا على نتيجة الانتخابات الرئاسية، حيث قُتل عدة أشخاص في تلك الفترة، وأُلقي القبض على النشطاء بشكل جماعي، وتم وضع قادة المعارضة تحت حكم الإقامة الجبرية.
بشكل عام، ليس من السهل فهم التطورات السياسية في إيران بشكل دائم؛ فخارجيًا، رصد الكثيرون في المنطقة عن كثب الانتخابات الإيرانية لهذا العام، ومن جهة النظر العربية، ليس مهمًا ما إذا سيطر الإصلاحيون أو المتشددون، بل إن الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لهم، وجود دولة مستقرة وحكومة صديقة يمكنهم التواصل معها.
كما تدرك بلدان الجوار الإيراني بأن المرشد الأعلى يعد المؤشر الرئيسي على اتجاهات سياسة إيران الخارجية، وبطبيعة الحال، تحوز تلك البلدان مصلحة واضحة بنوع الزعيم الذي سيخلف الخامنئي.
البرلمان الداعم للمقاربات الإصلاحية، الاجتماعية والاقتصادية، كان الهدف الأكبر الذي يسعى إليه روحاني من هذه الانتخابات، ولكن المرشد الأعلى الإيراني المقبل يشكل مدعاة للقلق ليس فقط لجيران إيران من العرب، بل أيضًا بالنسبة للمجتمع الدولي برمته.
عندما أصبح خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية في يونيو 1989، قدّم فرصًا هائلة للحرس الثوري الإيراني الذي يعتبر قاعدة التأييد الرئيسية لسلطته، والمرشد الأعلى القادم، وبصرف النظر عن أهميته ضمن التسلسل الهرمي الإيراني، سوف يؤثر أيضًا على الحرس الثوري ومستقبله.
البعض، مثل الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني، توقعوا اشتباكات في الشوارع بين قوات النظام والمواطنين مرة أخرى في عام 2009؛ ففي خطاب ألقاه في عام 2009، تحدث رفسنجاني عن رؤيته للدخان المتصاعد من حريق بعيد، وكان محقًا في توقعاته حينئذ، فلعدة أشهر، دخلت البلاد في حالة طوارئ.
عسكرة الدولة
اليوم، يرى رفسنجاني شيء آخر في الفضاء الإيراني، وهو الخطر الذي يشكّله الحرس الثوري ضد الجمهورية والديمقراطية؛ فكثوري مخضرم يتمتع بفطنة سياسية، استخدم رفسنجاني نفوذه لتجنب جرّ البلاد إلى هذا المصير.
وجود مجلس خبراء قيادة قوي يمكن أن ينقذ البلاد من أي انقلاب عسكري إذا توفي الخامنئي خلال المدة المقبلة، علمًا بأن أحد الشخصيات التي تتمتع ببطء ولكن بثبات بشعبية هو آية الله صادق لاريجاني، والذي يخدم حاليًا في منصب رئيس السلطة القضائية، وهو شخص أثبت قدرته على سحق المعارضة كما أنه مقرب من خامنئي، ويوصف باعتباره المرشح المفضل للحرس الثوري لتسلم زمام سلطة المرشد الأعلى القادم.
ولكن ما يهم الأشخاص الإصلاحيين، كرفسنجاني، هو موضوع عسكرة الجمهورية في ظل غياب الزعيم الحالي، وتدخل الحرس الثوري في سياسة الدولة، ولتفادي مثل هذا التهديد، كان فوز رفسنجاني في مجلس الخبراء أمرًا حاسمًا لتشكيل التحالف الذي كان يسعى إليه، وبطبيعة الحال، وجود برلمان معتدل ومستقل يمكن أن يقف في صف الشعب، إذا تطلب الأمر ذلك، يعد أمرًا ضروريًا وهامًا في خصم صناعة التاريخ الإيراني؛ ففي ظل هذه الانتخابات المزدوجة، تسير إيران نحو نقطة تاريخية في حياة ثورتها.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية