تدرجت حركة النهضة الإسلامية في تونس منذ نشأتها من السرية إلى العلنية، وعرف قادتها ومنخرطوها السجون والمنفى وكذلك كراسي الحكم والسلطة، مرت بـ 9 مؤتمرات وطنية وتستعد الى عقد العاشر خلال أيام قليلة.
واستعدادًا لهذا الحدث الذي وصفته الحركة بأنه “مناسبة وطنية تنتظرها الساحتين الداخلية والخارجية منذ فترة لما يكتسبه من أهمية كبرى للحزب وللمسار السياسي في البلاد ولما تعلق به من انتظارات”؛ أصدرت الحركة تقييمًا ونقدًا ذاتيًا لتجربتها.
أوضحت “النهضة التونسية” أنها تأثرت خلال نشأتها بهموم الإصلاحيين الأوائل، ولكنها كانت أكثر تأثرًا بأدبيات المشرق مقارنة بعلاقتها بفكر رواد التجديد والإصلاح في تونس،ومع تطور التجربة ازداد وعي الحركة السياسي والاجتماعي وعبّر عن نفسه في المطالبة بالحرية والديمقراطية وانخراط أبناءها في تنظيمات المجتمع المدني.
واعتبرت الوثيقة أن حركة النهضة نشأت من “رحم الشعب التونسي، تترسّم خطى المصلحين والمجددين الذين تعاقبوا على بلادنا عبر القرون، تستمدّ برامجها من الثوابت الوطنية التي نص عليها الدستور ومن المرجعية الإسلامية والكسب الإنساني في قيمه السامية”.
وبيّنت أنها تسعى إلى أن تكون حزبًا معاصرًا يوائم بين التحديث الإيجابي من جهة والتأصيل الثقافي من جهة أخرى، مما يقتضي العمل على تقديم رؤية جديدة للحداثة تجنب الوقوع في مأزق المحاكاة والتقليد والتبعية، وتقوم رؤيته الفكرية على مجموعة من القيم والمبادئ مثل الحرية والكرامة والعمل والعدل والتسامح والشورى والتكافل والوسطية والإصلاح والأمانة، وتعد هذه القيم مفتاحية جامعة ومتكاملة ومتضمنة للكثير من تفاصيل القيم الأخرى.
أكدت الوثيقة أن حزب حركة النهضة في رؤيته الفكرية لا يقف في طموحه عند حد المعالجة الآنية للمشاكل والأحداث وإنما يمتد برؤيته إلى الآفاق المستقبلية البعيدة ويهدف إلى أن يسهم مع الجهود الوطنية المخلصة في إحداث نهضة حضارية في بلادنا، مستفيدًا من الكسب الحضاري الإنساني العام وهو يطمح إلى أن يقدم قيمة مضافة من فعل رؤيته المرجعية وإبداعه الاجتهادي التجديدي.
وبيّنت الحركة أن “تاريخها في مجمله من سنة 81 إلى حدود قيام ثورة الحرية والكرامة تحت عنوان النضال ضد الاستبداد، ورغم أنها كانت واقعة تحت ضغط متواصل بحكم سياسة القمع والملاحقة التي سلكتها السلطة فإن الحركة لم تجنح إلى العنف بل آثرت المنهج السلمي المدني، والتمسك بقيم المدنية ونهج الإصلاح”.
وأكدت أسهامها بحيوية في تطوير الفكر الإسلامي وتجديده وبلورة أجوبة ومقاربات تجمع بين مقاصد الإسلام ومكاسب الحداثة، وتميزها بانفتاحها على مختلف المدارس الفكرية، وجهودها في دعم العمل السياسي المشترك بالبلاد، والحد من تغول السلطة وهيمنتها على المجتمع، وبينت أنها “استطاعت من خلال تنظيمها ومؤسساتها وبفضل صمود أبنائها في الداخل والمهجر، المحافظة على وحدتها ومراكمة التجربة على الرغم من مناخ الاستبداد والمطاردة الذي عاشته”.
وأكدت حركة النهضة في الوثيقة النقدية التي نشرتها على بعض المسائل الضروري مراجعتها وتطويرها وتجديد نظرتها فيها من ذلك مزيد من الانفتاح على المجتمع والاقتراب من همومه والتلاؤم مع خصوصيات واقعنا التونسي وترسيخ جذور الحركة في المشروع الإصلاحي الوطني المعتز بانتماء تونس العربي الإسلامي والمنفتح على العصر، وتجنب الشمولية في العمل التنظيمي ومراعاة التخصصات بين الجانب السياسي الحزبي وما سواه من مجالات العمل المدني.
وأوضحت أنه مازال أمام الحركة تحدي بناء التنظيم العصري القادر على الانفتاح على مختلف الفئات الشعبية والاجتماعية وخاصة الشباب والمرأة وهو ما يتطلب تجديدًا هيكليًا، وأن “هذه المرجعية النظرية الجديدة تمثل بالنسبة لحزب حركة النهضة بديلاً عن “الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي” التي صادق عليها مؤتمر الحركة سنة 1986.
وأوضحت الوثيقة النقدية أن الحركة واجهت بعد نجاح الثورة استحقاق البناء من ناحية والفعل السياسي من ناحية أخرى، وبعد دخولها تجربة الحكم واجهت صنفين من السياقات والإكراهات: داخلية تهمّ واقع الحركة والبلاد، وخارجية تشمل الواقع الإقليمي والدولي.
وأكدت حدوث بعض “الإخلالات رافقت تجربة الحكم تتعلق أساسًا بقلة الخبرة في إدارة شؤون الدولة وعدم النجاح في بناء أوسع التحالفات لإنجاح المرحلة الانتقالية، كما اختلت الأولويات بين إلحاحية المطالب الاجتماعية وضرورات الإسراع بإنهاء المرحلة الانتقالية وإنجاز الدستور”.
من جهة أخرى أوضحت الوثيقة أن رؤية حركة النهضة الإستراتيجية تقوم على ترسيخ مرجعية الدستور وبناء المواطن الصالح وتحقيق التوازن بين الدولة والمجتمع وضمان الحقوق والحريات والعدالة وتحقيق التنمية الاقتصادية وتجذير كلّ ذلك في تراث المدرسة التونسية الإصلاحية العريقة، ويختص الحزب السياسي بالعمل السياسي فيما يعود العمل المجتمعي لمنظمات المجتمع المدني التي يقوم عليها الأكفاء المتخصصون والتي تختص بمهام التربية والنشاط الديني والتثقيف والعمل الخيري …”.
وفي الشأن السياسي بينت الوثيقة النقدية أن “المشروع السياسي الإستراتيجي يمثل مقاربة جديدة في التموقع السياسي والانتخابي مبنية على قراءة تحليلية شاملة للمعطى الوطني والداخلي والدولي والتطورات المستجدة، حتى تتأهل النهضة أكثر للمساهمة في بناء المشروع الوطني الحضاري القادر على رفع التحديات الكبرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية، ويهدف المشروع السياسي إلى تموقع النهضة في الوسط المجتمعي العريض في إطار حزب ديمقراطي وطني اجتماعي ذي مرجعية إسلامية وتطمح إلى المشاركة في بناء ونهضة تونس الثورة والدستور سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا وحضاريًا وعلى مستوى الإشعاع الخارجي.
وتتمثل الأهداف الرئيسية للمشروع السياسي للنهضة في تثبيت الخيار الديمقراطي وتحقيق النمو الاقتصادي في إطار العدالة الاجتماعية وتوفير الأمن الشامل المجتمعي والثقافي والمادي والعمل على اندماج آمن للتجربة التونسية في محيطها الإقليمي والدولي.
وأكدت الوثيقة النقدية أن الهدف من المراجعات التي يتطلع إليها المؤتمر العام العاشر، الانتقال بتجربة الحزب إلى أفق يستجيب لتطلعات أبنائه وانتظارات عموم التونسيين والتونسيات في مجال الممارسة الحزبية الحديثة التي تقوم على الديمقراطية سلوكًا، وعلى عمل الفريق إدارةً، وعلى ثقافة المؤسسة إطارًا”.