كتابتك لمنشور واحد على مواقع التواصل الاجتماعي، يكفي للزج بك في ظلمات ثلاث داخل سجون السلطة الفلسطينية في الضفة، التهمة جاهزة والعقوبة ستنفذ، فالقاضي والجلاد واحد، والمتهم الشعب!
شباب في مقتبل العمر رضعوا حب الأرض يعتقلون، شيوخ أثقلها هم الوطن وحبه والدفاع عنه يهانون ويضربون في الزنازين ويُظلمون، نساء حرائر، مصنع للرجال تستدعى للتحقيق وتذل، ولسان حالهم جميعا يقول: “وظلم ذوي القربى أشد مضاضة”، تهمتهم واحدة: حب الوطن والذود عنه.
تتخذ السلطة من الاعتقال السياسي ورقة ضغط في المناكفات السياسية بين شقي الوطن في الضفة وغزة، بعد كل تصريح للقادة السياسيين واجتماع يعقد للمصالحة الفلسطينية، تشن الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات واسعة تطال العديد من الشباب وسط ظروف قمعية لاستنزافهم نفسيًا وبدنيًا، لإيصال رسائل سياسية وأخرى أمنية وعسكرية تهدف لإحكام السيطرة والتفرد في القرار السياسي والعمل النقابي والطلابي.
حرمان أسري
الاعتقالات السياسية تشتت الأسرة الواحدة، وتبقيها في حرمان وفقد متواصل لأفرادها، سواء لأخ، أب، أو قريب، فالمعاني الإنسانية والنسيج الأسري يتحطم عند أول خطوة يخطوها أفراد الأجهزة الأمنية داخل البيت الفلسطيني لاعتقال ذويهم، أطفال صغار يفقدون أباءهم وسط تساؤلات منهم لا يُعطى لها جواب، وشباب حُرموا من ملازمة أهاليهم والعيش في كنفهم.
حالة نفسية سيئة تسيطر على أفراد الأسرة، أسباب الاعتقال غير مقنعة، شعور بالغربة داخل الوطن، عندما يكون المُعتَقِلُ والمُعتَقَلُ فلسطينيّين!
كما تعمل الاعتقالات السياسية على تدمير النسيج المجتمعي، وضرب السلم الأهلي، وإبقاء العائلة في أوضاع مزرية، وظروف اقتصادية قاسية، فرب الأسرة المعيل لهم معتقل ولا يوجد من ينفق عليهم، وابنهم الذي يساعد أسرته في مصاريف الحياة غيبته السجون وكثرة الاعتقالات المتتالية.
اللاإنسانية تسيطر
تتعامل الأجهزة الأمنية مع المعتقلين في سجونها بيد من حديد، وسياسة قمعية رادعة وسط ظروف ومعاملة لا إنسانية، تحقيق وتعذيب نفسي وجسدي، حرمان من النوم وشتم وتهديد، ابتزاز المعتقل للاعتراف بتهم لم يفعلها، كما تهدده باعتقال والده أو نساء بيته كوسيلة ضغط عليه.
كما تقوم بالضغط على المرضى منهم بعلاجاتهم اليومية، وتزيد من آلامهم بمعاملتهم القاسية لهم بحيث لا يراعون فيهم ظروفًا خاصة واستثنائية، وحرمانهم من المتابعة اليومية وعدم توفير كافة احتياجاتهم الدوائية والنفسية المطلوبة.
يخرج المعتقل من السجون وقد أثقلته الجراح، ولازمته الأمراض التي تبقى مرافقة له لشهور وسنوات طوال، وبعضها مزمنة لا تنفك عنه، كل ذلك بسبب الظروف القاسية والمعاملة غير الإنسانية التي يتعرض لها المعتقل داخل السجون من ضرب وشبح وتعذيب.
وجهان لعملة واحدة
يعتبر الاعتقال السياسي والتنسيق الأمني وجهان لعملة واحدة، فما تمارسه الأجهزة الأمنية في الضفة هو لب التنسيق الأمني مع الاحتلال، فالسلطة تتذرع بحماية الفلسطيني من اعتقال قوات الاحتلال له، لأجل ذلك هي تقوم باعتقاله وتقوم بدور الاحتلال بأيد فلسطينية.
تعمل الأجهزة الأمنية على ملاحقة أفراد الفصائل الفلسطينية المقاومة واعتقالهم والتحقيق معهم وتفكيك الخلايا العسكرية لإبطال أي عمل مقاوم ضد الاحتلال، وتصادر أسلحتهم الخاصة وأموالهم وكل ما يعينهم على مواصلة نضالهم.
تفخر السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية بالدور الذي يقومون به، ويعتبرونه ضرورة وطنية ومهمة أمنية لا يمكن الاستغناء عنها لتحقيق الأمن والسلام بين الشعب الفلسطيني والشعب اليهودي المحتل، وأن تحرير الوطن يكون بالجلوس على طاولة المفاوضات وتقديم آخر التنازلات وآخر حفنة من تراب وطن بِيع على تلك الطاولة.
حيث تعتمد سياسة السلطة والاحتلال، على سياسة “الباب الدوار” و”الكمبيوتر الواحد”، فهم يتبادلون الأدوار في اعتقال الشباب والتعطيل عليهم، والتنسيق الأمني لكل ملف معتقل وتهديد الأجهزة الأمنية للمعتقل بسجن الاحتلال له بعد خروجه من عندهم، وتهديد الاحتلال للأسير الفلسطيني باعتقاله من قِبل الأجهزة الأمنية وتعذيبه بعد خروجه من سجون الاحتلال.
فكما جاء على لسان رئيس جهاز المخابرات “الفلسطينية” ماجد فرج، أن الأجهزة الأمنية قامت بإحباط 200 عملية للمقاومة، واعتقال 100 مقاوم خلال انتفاضة القدس الحالية، في محاولة منها لإجهاض انتفاضة شعب حر لا يقبل بالهزيمة حتى وإن خانه الجميع، مع ذلك لم تتوقف عمليات المقاومة اليومية ويوميات الانتفاضة حبلى بكل ما هو جديد، رغم قيام السلطة بدور الاحتلال والوقوف معه جنبا إلى جنب لوأد هذه الانتفاضة.
حرية رأي مسلوبة
كما تنفذ الأجهزة الأمنية سياسة تكميم الأفواه، وإسكات كل رأي حر يعبر عن نفسه، فتمنع تنظيم اعتصامات الرأي، ونشاطات دعم الأسرى لدى الاحتلال الإسرائيلي، ومنع وقفات تأييد القضايا الوطنية الفلسطينية.
وكذلك تقوم بقمع اعتصامات أهالي المعتقلين السياسيين الذين يطالبون بالإفراج عن أبنائهم وذويهم.
وتعتقل الأجهزة الأمنية الصحفيين وتهددهم وتمنعهم من ممارسة عملهم الصحفي وتغطيتهم الأحداث والنشاطات، في تحدٍّ واضحٍ لحرية الصحافة والكلمة .
قتل الطموح والتعليم
تتعمد الأجهزة الأمنية عند اعتقالها الشاب، قتل كل طموح يسعى إليه في الحياة، فهي لا تدعه يمارس حياته اليومية كالمعتاد، والتخطيط للمستقبل وفتح المشاريع الخاصة الاستثمارية والاقتصادية، لبناء مستقبل آمن له ولذويه، تدمر له كل ذلك بكثرة اعتقاله لاستنزاف كل طاقاته الجسدية والنفسية وتحطيمها.
وتقوم بعرقلة العملية التعليمية لطلاب الثانوية والجامعات، حيث تعتقلهم عند الامتحانات وفي بداية الفصل الدراسي وعند نهايته، مؤخّرةً بذلك عملية تخرجه ومعرقلةً سَير حياته التعليمية، مما يضطر الطالب لترك مسيرته التعليمية بعد عدة محاولات للنجاح تُختَتَم بفشلٍ على يد السلطة، حيث يعتقل الطلاب المتفوقون وذوو المهارات التعليمية العالية، وتلجأ الأجهزة الأمنية معهم إلى أسلوب التهديد والتخويف بالمنع من التخرج أو التسجيل لفصل دراسي جديد.
ويطال الاعتقال السياسي بروفسورات ودكاترة الجامعات وذوي الشهادات العليا، فهو لا يفرق بين دكتور وطالب، الجميع متهم بوطنه ونضاله وحبه للحرية، ويخضع الجميع لمحاكم شكلية غير عادلة، لا يراعى فيها قانون ولا أعراف دولية، فالاعتقال السياسي محظور في جميع المعاهدات والاتفاقات الدولية وحقوق الإنسان، ويعتبر خرقًا خطيرًا للدستور الفلسطيني الذي نص على تمتع جميع المواطنين بحرية التعبير عن الرأي والإسهام في الحياة السياسة.
الاعتقال السياسي جرح غائر في خاصرة الوطن،آن له أن يندمل، ولا يمكن النهوض بوطن حر طليق وما زال الفلسطيني يعتقل الفلسطيني لأسباب وقضايا غير حقيقية، وإن ثبتت بعضها فهي تعتبر فخرا للجميع ووسام شرف يكلل به أبناؤنا ومقاومونا، لا أن يزج بهم في غياهب السجون.