تونس تنوي إنشاء هيئة دستورية لحقوق الإنسان

تسعى تونس إلى استكمال إرساء هيئاتها الدستورية التي نص عليها الباب السادس من دستورها الجديد، حيث تعمل في الفترة الأخيرة على إرساء هيئة حقوق الإنسان، حيث انطلقت أمس الإثنين بتونس أولى الاستشارات حول مشروع القانون الأساسي لهذه الهيئة الدستورية، وينص الفصل 128 من الباب السادس للدستور التونسي على “تراقب هيئة حقوق الإنسان احترام الحريات وحقوق الإنسان، وتعمل على تعزيزها، وتقترح ما تراه لتطوير منظومة حقوق الإنسان، وتُستشار وجوبًا في مشاريع القوانين المتصلة بمجال اختصاصها، تحقق الهيئة في حالات انتهاك حقوق الإنسان لتسويتها أو إحالتها على الجهات المعنية، وتتكون الهيئة من أعضاء مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة، يباشرون مهامهم لفترة واحدة مدتها ستّ سنوات”.
وأكد كمال الجندوبي وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان في تونس، خلال كلمة له بمناسبة انطلاق الاستشارة، سعي بلاده لاستكمال المسار التشريعي بإرساء الهيئات الدستورية المستقلة المنصوص عليها في الباب السادس من الدستور، لا سيما هيئة حقوق الإنسان باعتبارها فاعلاً أساسيًا في حماية حقوق الإنسان والحريات والنهوض بها، وذلك بغية التأسيس لنظام جمهوري ديمقراطي تشاركي تضمن فيه الدولة علوية القانون واحترام الحريات وحقوق الإنسان.
وأكد الجندوبي أن هذه الهيئة سيكون لها “دور أساسي في مراقبة وتعديل الأعمال الحكومية والتعاون معها ومع مختلف الهيئات المستقلة والمتخصصة في مجال حقوق الإنسان وتيسير عملها من جهة والتفاعل والالتقاء والتقارب وتنشيط الحوار بين مختلف الفاعلين الحكوميين والمجتمع المدني لحماية وتعزيز حقوق الإنسان من جهة أخرى، وتوجيه خطاب معتدل ومتوازن في خصوص حقوق الإنسان”.
ويضمن مشروع القانون الأساسي لهيئة حقوق الإنسان في صيغته الأولى استقلالية الهيئة ويحجر التدخل في صلاحياتها من أي جهة كانت، وتختص الهيئة في القيام برصد انتهاكات حقوق الإنسان التي تم تحديدها في المشروع بالأفعال التي تمثل اعتداءً على أي حق من حقوق الإنسان، والذي تقوم به الدولة أو من يمثلها أو أفراد يتمتعون بحمايتها أو منظمات أو مجموعات، وتشمل الانتهاكات أيضًا امتناع الدولة أو سلطاتها عن القيام بفعل منبثق عن التزاماتها الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان.
وتتولى هيئة حقوق الإنسان وفق المشروع المقدم، القيام بزيارات مفاجئة لأماكن الاحتجاز والسجن وأماكن إيواء الفئات الهشة (دور المسنين، حضانات الأطفال، مراكز رعاية الأطفال، أصحاب الإعاقة) والمؤسسات التربوية والصحية والاجتماعية، للتأكد من احترامها لحقوق الإنسان ولها حق النفاذ إلى أرشيف هذه المؤسسات، علاوة على التزام مؤسسات الدولة بتسهيل أعمال الهيئة، وليس لها أن تمتنع أو ترفض زيارات هيئة حقوق الإنسان أو إطلاعها على الوثائق.
ومن جهته دعا رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية في تونس توفيق بودربالة إلى ضرورة أن تكون هذه الهيئة مستقلة ومحايدة وتعمل على تطوير المنظومة القانونية من ديمقراطية واحترام الذات البشرية.
وبيّن بودربالة أن تركيبتها لا يجب أن تعكس التوازنات السياسية، حيث يحتم الابتعاد عن المحاصصة الحزبية مع ضمان الاستقلالية في تعيين أعضائها وكذلك في المراقبة، كما شدد توفيق بودربالة على ضرورة ضمان استقلاليتها المالية والإدارية، بالإضافة إلى أن تعمل بكامل الشفافية وتقدم مشاريع لتطوير المنظومة القانونية التونسية التي يجب أن تتماشى مع الدستور والمواثيق الدولية، ورغم تأكيد كمال الجندوبي على عدم تداخل الهيئات والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان فيما بينها، فإن العديد من المتابعين يؤكدون إمكانية هذا التداخل بما من شأنه أن يقلل من نجاعة هذه المؤسسات، كما يعيب البعض تشتت الهيئات والمنظمات العاملة في هذا المجال الحساس الأمر الذي يحد من نجاعتها ويؤدي إلى تضارب المصالح بينها.
ويوجد في تونس بالإضافة إلى هذه الهيئة التي شارفت على التأسيس، هيئة أخرى تحت اسم الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية برئاسة توفيق بودربالة (16 جوان 2008)، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تأسست في7 مايو 1977، ويرأسها الآن عبد الستار بن موسى، بالإضافة إلى العديد من الجمعيات والمنظمات الأهلية التي تشغل في هذا المجال.
ورغم العمل على إرساء هذه الهيئة والحديث عن احترام تونس لحقوق الإنسان، فقد أجمع الائتلاف المدني من أجل الحريات الفردية في تونس، على أن وضع الحقوق، خاصة الاقتصادية والاجتماعية وكذلك وضع الحريات عمومًا لم يشهد تغييرًا ملموسًا بتونس.
شهدت سنة 2015 “ردّة خطيرة وهجمة شرسة على الحريات تحديدًا الفردية منها، وذلك في تنكُّر واضح لقيم المواطنة والمساواة، التي أرستها الثورة ولمختلف المبادئ التي كرّسها الدستور”، بحسب البيان الموحد الذي أصدرته حوالي ثلاثين منظمة وجمعية.
ووجه الائتلاف نداءً عاجلاً للسلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية التونسية لإيقاف ما اعتبره اعتداءات متصاعدة على الحريات الفردية، مطالبًا بالاحترام المطلق للدستور، وأكد أعضاء الائتلاف في وقت سابق أن مجرّد التكريس الدستوري للائحة هامة من الحقوق والحريات لا يكفي وحده لتمتع التونسيات والتونسيين بها، طالما لم تصحبه إرادة سياسية وتشريعية وجزائية تقود أولاً إلى ملائمة كافة التشريعات مع الدّستور، خاصّة تلك التي اعتمدها النظام السابق لقمع الحريات والتنكيل بخصومه ومعارضيه، وتقود ثانيًا إلى الكف عن انتهاك تلك الحقوق ومحاسبة مقترفيها والمسؤولين عنها في سبيل إرساء دولة القانون.
ووفق منظمة العفو الدولية، وحسب التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية، فقد استخدمت قوات الأمن في عام 2015 “العنف المبالغ فيه” لفض عدة مظاهرات، هذا بالإضافة إلى الانتقادات الواسعة لقانون مكافحة الإرهاب الجديد والذي يرى فيه حقوقيون أنه يضاعف من خطر التعرض للتعذيب وسوء المعاملة على يد قوات الأمن، ففي سياق متصل، نقلت آمنستي عن متهمين بأنهم تعرضوا خلال الاعتقال للتعذيب من خلال استخدام “الإيهام بالإغراق” خلال التحقيق معهم.
ونشرت المنظمة تقريرًا نهاية العام الماضي نددت فيه بـ “القمع الوحشي” في السجون التونسية في إطار مكافحة الإرهاب، وقالت المنظمة إنه وخلال مهمة جرت في ديسمبر الماضي أحصى فريقها “على الأقل عشرة وفيات في الاعتقال منذ 2011 في ظروف لم يتم التحقيق فيها بجدية أو لم تفض إلى ملاحقات جزائية”، وأضافت أنها جمعت شهادات حول “أعمال تعذيب وسوء معاملة” حديثة في إطار مكافحة الإرهاب.
وفي إطار حالة الطوارئ التي فرضت بنهاية نوفمبر بعد اعتداء انتحاري، أوقع 12 قتيلاً بين الحرس الرئاسي في تونس، قالت المنظمة إنه تم تنفيذ “آلاف المداهمات والتوقيفات” في حين وضع “مئات آخرون” قيد الإقامة الجبرية.