بدأت قصة البحث عن المعاناة التي تلقاها أسر المعتقلين والشهداء في مصر في حال كان عائل الأسرة، قد سُجن أو قُتل، بمنشورٍ عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، يقول إن هناك زوجة معتقل بالإسكندرية، قامت ببيع إحدى كيليتيها لتُعيل نفسها وأسرتها، وتصبح قادرةً على تجهيز زيارةٍ لزوجها، بسرعة، قمنا بسؤال أكثر من مصدر موثوق، ليؤكدوا جميعًا أن القصة مختلقة، وحين تمت مواجهة صاحب الحساب الناشر للقصة، قام بحذف المنشور.
لكن هذا المنشور دفعنا للسؤال هل هناك مواقف كهذه قد صارت بالفعل أو يمكن لها أن تصير لكن أصحابها لا يريدون الحديث؟
هل المعاناة تقع على المعتقل وحده؟
في اتصال أجريناه مع أسرة أحد المعتقلين بالمنصورة، أخبرتنا في البداية زوجته أنها لا تسطيع الحديث إلينا الآن، بسبب أنها تتوجه بطفلها الرضيع الذي أصيب في حادث سير إلى أحد مراكز الأشعة، وللأسف تتوجه به وحدها إلى الأطباء، نتيجة اعتقال زوجها وهو عائل الأسرة وعائل والديه الذين تجاوزوا سن الستين.
لم أقم بزيارته منذ أسابيع، كانت هذه هي الإجابة على سؤالنا عن حال الزوج، وسبب عدم الزيارة، هو الانشغال بالطفل الرضيع المصاب، وأخته التي لم تتجاوز الرابعة بعد.
قبل الزيارة بيوم، أخبرتنا أنهم يبدأون بالتجهز من الحادية عشرة مساءً ليصلوا أمام السجن ربما في الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، لحجز دور في الدخول لزوجها، ويكون الانتظار عادة على التراب، نتيجة عدم وجود أماكن للجلوس، ما يدفع بعض العساكر إلى التعاطف معهم، بإعطائهم بطانية أو شيء من هذا القبيل لاستخدامها، لكن هذا التعاطف لا يكون دائمًا، وإذا حدث مع أسرةٍ لن يحدث مع الأخرى، لكن هذه الزيارة التي تكبد ذوي المعتقلين هذا الكم من العناء، تصير في النهاية رهينة رغبة الباشا الضابط، فربما يدخلون ويجلسون مدةً لا تزيد على بضع دقائق، ومرات يعطوهم التصريح ليتنظروا حتى المساء، ثُم يخبروهم أنه لن يمكنهم الزيارة هذا اليوم، ومراتٍ أخرى، يخبرهم الضابط من البداية بعدم فتح الزيارة.
مشاهد من العقرب
تحكي لنا (أ. أ) زوجة المعتقل، والتي يقبع زوجها داخل سجن العقرب، سيء السمعة، أن هناك زوجة لأحد المعتقلين مع زوجها في نفس القضية كان يعمل في مجال صناعة الأحذية وتصليحها، تم اعتقاله منذ أكثر من عامين، لم تقم زوجته بزيارته سوى مراتٍ معدودة، مرتين منهما كان بينهما تسعة أشهر، والسبب في ذلك عدم مقدرتها على تجهيز زيارة أو الذهاب لزوجها من الإسكندرية إلى سجن العقرب والذي يقع ضمن مجمع سجون طرة جنوب محافظة القاهرة.
الزوج المعتقل كان هو عائل الأسرة الوحيد، وكان محله الصغير لبيع الأحذية وتصليحها هو مصدر دخلهم الوحيد، وبالتأكيد تم إغلاق المحل، لتجد الأم وأبناؤها الأربعة أمام حالةٍ من عدم القدرة على الاكتفاء بحاجاتها اليومية.
أزمة السيول الأخيرة في الإسكندرية منذ أشهر، شكّلت معاناة جديدة بحق الأسرة، حيث انقطت الكهرباء عن البيت تمامًا قبل أن ينهار المنزل، فتتضرر الأم وأولادها مرة أخرى، بفعل فشل الدولة.
الأمهات لهن حكاياتٌ أخرى، ففي العقرب، يقبع شابٌ لم تزره أمه في محبسه ولو مرة واحدة، نتيجة إصابتها بانهيار عصبي على خلفية اعتقاله، تضاعف المرض لديها حين رأته في أحد عروض المحكمة، ومنذ ذلك اليوم لم تزر الأم ابنها الوحيد نتيجة توجيهات الطبيب، ليتم إخبارها بين الحين والآخر، أن السلطات، ربما ستقوم بفتح الزيارات قريبًا في العقرب، إحدى القريبات منها أخبرتنا أنها لا تستطيع اصطحابها لزيارة ابنها من وراء قفص لأن هذا لن يزيدها إلا مرضًا.
وتتجاوز معاناة المعتقلين في سجن العقرب وأسرهم حد الاعتقال وتقويض الحرية، معتقل تسوء حالته الصحية يومًا بعد الآخر نتيجة الإهمال الطبي المتعمد من قِبل إدارة السجن دون عِلم أسرته بأي شيء لأن زوجته لا تقوم بزيارته منذ شهور بسبب عدم قدرتها على تجهيز الزيارة لزوجها، ما دفع مجموعة من المعتقلين بإخبار زوجاتهم باصطحابها معهم في الزيارة أو بمساعدتها لزيارة زوجها.
هل ذهبت الكفالة مع رياح الصراع؟
موقع مصر العربية، ربما أجاب على جزء من هذا السؤال، حين انفرد الموقع قبل أسبوعين، بوثيقة تمت كتابتها في 11 فبراير2016، قال الموقع إنها موجهة من مكتب الإخوان في محافظتي بني سويف، إلى القائم بأعمال المرشد، دكتور محمود عزت، يطلبون منه عدم استخدام أموال الجماعة، التي هي أمانةٌ لديه، كورقة ضغط على المكتبين، وأن ما يتم إرساله لا يغطي سوى 40% من الاحتياجات.
ومن المعروف أن مكتبي الإخوان ببني سويف والفيوم محسوبان على تيار الدكتور محمد كمال، المعارض لتيار الدكتور محمود عزت والدكتور محمود حسين.
بدورنا، حاولنا التواصل مع محمد منتصر، المتحدث الإعلامي باسم الجماعة في الداخل، لكننا لم نصل لأي إجابةٍ حول وجود أزمة لدى بعض مكاتب الجماعة في التمويل الذي يغطي جزء كبير منه احتياجات ما يسمى نظام كفالة أسر المعتقلين والشهداء.
وهو الأمر الذي أكده لنا مصدر بالداخل، يعتبر نفسه محايدًا في الأزمة الداخلية للإخوان، لكنه أكد أن من بداية الأزمة في مايو الماضي لا يتم إرسال المستحقات الكاملة للمكاتب، تحت زعم استخدامها في العمليات النوعية التي تعتبرها جبهة عزت، خروجًا على نهج الجماعة وفكرها.
فى المقابل نقلت جريدة الشروق المصرية، رد قيادي إخواني بمكتب إدارى الفيوم محسوب على جبهة القيادة الشبابية على اتهام عزت بالقول بأنها ادعاءات لتبرير توظيفه للدعم المالى فى معركته مع معارضيه.
وأنه حينما تم الترويج لهذا الاتهام من قِبل جبهة الدكتور محمود عزت، وصلنا لحل أن يقوم هو بتسليم الدعم لشخصيات يثق بها في المكاتب محل النزاع ليضمن بنفسه توزيعها على مستحقيها من أسر المعتقلين، والضحايا بشكل عام، لافتًا إلى أن هذا البند يستنزف جميع الدعم.
مصدر بالخارج مقيم في تركيا، قال إن المسؤولين عن التمويل داخل التنظيم العالمي، أو ما يعرف برابطة الإخوان في الخارج، يتعللون في كثيرٍ من الأحيان بوجود أزمة في مصادر التمويل، وهو الأمر الذي أكد عدم صحته، لأن أقطارًا تتبع الرابطة في كثير من الدول منها دول خليجية، ضاعفت اشتراكاتها منذ فترة بعيدة.
واحتفاظًا بحق الرد تواصلنا مع المتحدث الإعلامي للجماعة بالخارج الدكتور طلعت فهمي، لإبداء رأيه فيما تم تناوله في وسائل الإعلام من تأثير الأزمة الداخلية للجماعة على نظام الكفالة الإخواني من عدمه، فكان رده أن “أسر الشهداء والمعتقلين في القلب والعين، وأرواحنا لهم فداء، وهم ليسوا محل مفاوضات أو تنازع بين آراء وتوجهات”.
مؤكدًا على أن الإخوان جماعة تنتهج الشورى، وتعمل وفق قراراتها وأن العمل يسير بمؤسسية، وقد يختلف أفراد في الرؤى والتوجهات ولكن هذا لا يمنعهم حقوقهم المعنوية أو المادية ولا يحجبهم عن آداء واجباتهم الدعوية.
وعن نظام الكفالة داخل الجماعة، قال فهمي، إن رعاية الأسر تتم وفق نظام دقيق يقوم على تكافل الإخوان كما قال الإمام البنا “فتكافلوا وليحمل بعضكم عبء بعض وذلك صريح الإيمان ولب الأخوة، فليتعهد بعضكم بعض بالسؤال والزيارة والبر وليبادر إلى مساعدته ماوجد إلى ذلك سبيلا”.
مصدر خاص، ينتمي إلى جبهة الدكتور محمود حسين، أخبرنا من باب العلم بالشيء، أن هناك أسر إخوانية بالفعل لديها أزمة مالية نتيجة تعرض عائل الأسرة إلى أي شكل من أشكال المنع من اكتساب الرزق، وأن هناك بالفعل أسر قد تضررت نتيجة الأزمة الحالية، لكنها ليست بالأعداد الكبيرة.
جهود فردية
مصدر مستقل يعمل في ملف رعاية أسر المعتقلين والشهداء بشكل عام، أكد لنا أن الجهود الفردية التي يقومون بها بعيدًا عن النظام الأساسي للإخوان لها دور كبير وفعال في هذا الملف، تحديدًا في إعالة الأسر غير المنتمية للجماعة، ويضيف بأنه أحيانًا يرسل أحد مندوبي المسارات الرسمية للجماعة، يسألهم عن وجود فائض لديهم في الأموال، لسد بعض العجز في المسار الرسمي.
وعن كيفية عمل تِلك المجموعات، يقول المصدر، إن أهم شيء، هو إثبات أن الحالة حقيقية، وأن هناك بالفعل لدى الأسرة أزمة في توفير احتياجاتها الأساسية، فيبدأ العمل بمجرد الحصول على معلومات عن هذه الأسرة، بمعرفة الضرر الذي تعرضت له، وعدد الأفراد، والاحتياجات التي يجب توفيرها لهم، دون النظر إلى الانتماء، لكنه يعود ليؤكد أن أغلب الحالات التي يقومون برعاياتها تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، لكن لا يستطيع النظام الرسمي للجماعة كفالتها.
الأمر الذي يعكس مدى ضعف هذا النظام وعدم قدرته على كفالة أبناء التنظيم أنفسهم، في ظل انتقادات واسعة لدى قطاعات كبيرة من أفراد الجماعة، بشأن ما يصفونه بعدم العدالة في توزيع أموال الجماعة.