قناة مكملين الفضائية، تلك الشاشة التي يرى القائمون عليها أنها رقم صعب في مواجهة النظام العسكري في مصر، هذه الفكرة التي بدأت عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في مصر في 14 من أغسطس عام 2013، بعدما أغلقت كافة المنابر الإعلامية غير الموالية للنظام الجديد.
لم يعد هناك أي صوت ينقل رأي الشارع المصري خارج إطار السلطة، اللهم إلا بعض الجهود الفردية التي قدمها نشطاء على الفضاء الإلكتروني، ومن هنا بدأت فكرة إنشاء قناة فضائية مصرية معارضة في الخارج.
اجتمعت مجموعة من الشباب المصري في المدينة التركية إسطنبول وبدأوا مناقشة الفكرة فيما بينهم، وخرجوا بتصور لإنشاء فضائية تتناول الشأن المصري، ولكن هذا التصور لم يكن تنفيذه من السهل بمكان بسبب تعدد الصعوبات والتحديات التي واجهتهم.
تحديات الإنشاء
في مطلع الأمر كان هناك توجس من طرف الممولين الذين عرضت عليهم الفكرة في مهدها خاصة وأن مقترحي الفكرة شباب دون سن الخامسة والثلاثين، لم يكن لديهم الخبرة الكافية في إدارة المؤسسات الإعلامية لا سيما العمل التليفزيوني، مما صعب أمر الاستثمار في الفكرة أثناء البداية.
ومع العمل على بلورة الفكرة أكثر اقتنع بعض الممولين من رجال الأعمال في الخارج بالبدء بصورة أولية بإنشاء قناة على موقع “يوتيوب” أي ليست فضائية، بمعنى أن يتحملوا تكاليف إنتاج برامج تبث من خلال قناة مجانية على موقع دون الحاجة للبث الفضائي، وكانت هذه الانطلاقة النواة الأولى لإنشاء قناة مكملين أبرز الفضائيات المصرية المعارضة في الخارج حاليًا.
في هذه الآونة كان البعض الآخر يستعد لإطلاق أكثر من مشروع فضائي معارض من الخارج كقناة “رابعة” التي قام على تمويلها مجموعات من “الجماعة الإسلامية” والتي تحولت إلى قناة “الثورة” فيما بعد، وقد انطلق مشروع آخر تحت اسم “الشرعية” لكنهم لم يستمروا طويلًا بسبب صعوبات التمويل بالإضافة إلى مشروع فضائية “أحرار 25” التابعة لجماعة الإخوان المسلمين والتي بثت من دولة لبنان فترة كأولى قنوات المهجر ثم أغلقت لظروف أمنية، والقاسم المشترك بين الجميع كان البث من الخارج وبالتحديد من تركيا فيما بعد بإنشاء إستديوهات القنوات هناك.
من هنا بدأ القائمون على قناة “مكملين” في اختيار اسم لها معبر عن الحالة “الثورية” في مصر، وقد تم الاتفاق على اسم “مكملين” رغم ردود الأفعال السلبية التي جاءت عليه في البداية خاصة من جانب السوشيال ميديا، ولكن توافقًا تم بين الأعضاء المؤسسين حسم هذا الجدل.
من هم القائمون على قناة مكملين؟
يحب فريق عمل مكملين أن يُعرف نفسه بأنهم مجموعة شباب مصري من مختلف التوجهات الفكرية، جمعهم عنصر واحد وهو تأييدهم للثورة المصرية ورفضهم للانقلاب العسكري، علمًا بأن غالبية هؤلاء الشباب المتواجدين في إسطنبول تعرضوا لاضطهاد من النظام في مصر أجبرهم على الخروج.
هؤلاء الشباب الذين بدأوا بالعمل من خلال قناة “يوتيوب” تبث مواد متعلقة بالحالة المصرية، ومع نجاح هذه الحالة بدأ بعض رجال الأعمال يقتنعوا بإمكانية تطوير الأمر ليتحول إلى بث فضائي، وهو ما قد كان في فبراير 2014، حينما بدأت القناة في البث المسجل ببعض حلقات من لقاءات مع أهالي الشهداء في مصر، وحلقات أخرى عن المعتقلين بالإضافة لبعض الأغاني المصورة عن الوضع المصري، مع الاستعانة بمواد مشابهة من “يوتيوب”.
ظل الوضع على هذا المنوال حتى يوم 6/6/2014 بعد أربعة أشهر كاملة، حيث بدأ فريق العمل بعدها في إجراء اختبارات داخلية للعاملين في القناة تمهيدًا لظهور المجيدين منهم على الهواء مباشرة، وقد تم الاستقرار على ثلاثة برامج رئيسية ستظهر على القناة.
في مقدمتها برنامج من نوع “توك شو” حمل اسم “مكملين النهاردة” قدمه المذيع أسامة جاويش في بدايته، وبرنامج آخر عن سيناء قدمه المذيع حسام الشوربجي، وبرنامج ثالث يتناول أبرز القضايا المثارة على الإنترنت “كلام إنترنت” قدمه أحمد سعد، وبرنامج تفاعلي مع الجمهور قدمه المذيع أحمد سمير باسم “ألو مكملين”، ومن هنا بدأت تتشكل أولى ملامح الخريطة البرامجية لقناة مكملين بجهود ذاتية من فريق عملها.
صعوبات فريق العمل
واجه فريق عمل مكملين صعوبة بالغة في إيجاد أشخاص محترفين سبق لهم العمل في قنوات تليفزيونية لتكوين الكادر المهني في القناة، مع الإصرار على ضابط محدد وهو اختيار فريق القناة من المصريين في الخارج فقط، وهو ما قلل فرص الاختيار لدى إدارة القناة، مع محاولة الاستعانة بكوادر فنية محترفة من مصر لكنه كان في نطاق ضيق متعلق بإدارة الأقسام داخل القناة والمناصب الحساسة.
أما البقية من العاملين فقد اعتمدت القناة على تكوين كادرها بنفسها من خلال خطط التدريب بالتنسيق مع مركز الجزيرة للتدريب والتطوير، وقد تم تخصيص جزء كبير من الميزانية في ذلك الوقت للتدريب، بدءًا من المذيعين مرورًا ببقية الأقسام، حتى أصبح هناك متدربين من القناة بشكل دوري في مركز الجزيرة للتدريب والتطوير، وقد وصل إجمالي عدد المتدربين إلى 55 عاملاً في القناة تم تدريبهم في وظائف مختلفة.
وبالتوازي مع هذا الأمر استقطبت القناة بعض الكفاءات التي خرجت من مصر، فكانت الاستعانة بهم للإشراف على متابعة وتطوير بعض البرامج بشكل مستمر.
كما عانت فضائية مكملين كما غيرها عدد كبير من الصعوبات والتحديات من قِبل السلطات المصرية أيضًا، التي دأبت على التشويش على تردد القناة تارة، وتحريض شركات البث لعدم التعامل مع القناة تارة أخرى، بالإضافة إلى حملات ممنهجة ضد القناة من قِبل وسائل الإعلام المصرية الموالية للنظام، ناهيك عن مطاردة فريق القناة في مصر من قِبل الأمن بشكل دائم.
أيدلوجية القناة
“يمكن أن نصنف القناة على إنها إسلامية، إذا ما كان الحديث في إطار أن الإسلاميين جزء من الثورة، لكن القناة لم تخضع في يوم من الأيام لرقابة جهة ما أو حزب أيًا كانت خلفيته”.
هكذا ينظر القائمون على القناة لتوجهاتهم بأنهم يدافعون عن المظلومين ويدافعون عن الثورة، لكن القناة ليست مرتبطة بالإسلام السياسي فحسب، رغم أن بعض الممولين قد يغلب عليهم الطابع الإسلامي لكنهم لا يتدخلوا في السياسة التحريرية بأي حال، فهم يحبون أن يعرفوا أنفسهم على أنهم قناة “الثورة المصرية”.
فيما نفوا أن تكون القناة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين بأي شكل من الأشكال، فجمهور القناة جزء منه من الإخوان المسلمين ولكنه ليس كله بالطبع، وهذا ليس كفيل لاعتبار القناة تابعة للجماعة، حتى أن بعض جمهور الإسلاميين ينظر إلى القناة باعتبارها “متحررة” أكثر من اللازم.
فإحدى المعلومات التي لا يعرفها الكثيرون عن القناة أنها ليست لديها أي موانع في مسألة ظهور مذيعات على القناة سواء كن محجبات أو غير محجبات، فليست هناك ضوابط سوى الكفاءة في المقدمة الأولى، ثم شرط دعم الثورة المصرية ثانيًا.
تمويل القناة
يؤكد القائمون على إدارة القناة التنفيذية أن رجال أعمال مصريين في الخارج هم من يقفوا خلف تمويل القناة، بحيث ينفي هذا شائعات عن تمويل القناة من قِبل جهة سياسية بعينها كالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، كما أن مصادر بالقناة تؤكد أن هؤلاء الممولين لم يتدخلوا في رسم السياسة التحريرية للقناة، أو في المحتوى المقدم على الشاشة، بالرغم من أن عمر القناة حاليًا تجاوز عامين، إلا أن الإدارة التنفيذية تؤكد أنه لم يحدث في يوم من الأيام مثل هذا التدخل أو وضع الخطوط الحمراء بخصوص الضيوف أو المحتوى المقدم، والمعيار الوحيد في هذا الأمر هو دعم القضية المصرية.
وفيما يتعلق بمسألة العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين فإن القناة بسياستها الحالية تنظر إليهم على أنهم جزء فاعل في الثورة المصرية وجزء رئيسي منها، فبالتالي تتناول القناة خلافاتهم ومشاكلهم وتصريحاتهم وبيانتهم كجزء من التناول الطبيعي لكل ما يتعلق بالثورة المصرية، لكن الأمر لا يمكن أن يُصور أن القناة داعمة للجماعة.
التسريبات.. النقطة الفارقة في تاريخ القناة
في شهر 12 من العام 2014 بدأت قناة مكملين الفضائية في بث مجموعة من التسريبات عرفت باسم تسريبات مكتب السيسي التي أذاعت القناة فيها مجموعة من التسجيلات الصوتية المسربة من داخل مكتب عبدالفتاح السيسي الرئيس المصري الحالي وقت كان يشغل منصب وزير الدفاع عقب الانقلاب العسكري الذي قاده في الثالث من يوليو 2013.
كانت هذه التسريبات هي النقطة الفارقة في تاريخ قناة مكملين الفضائية، حيث وصلت إلى القناة عن طريق مصدر محترف غير معلوم عبر البريد الإلكتروني دون أن يعرف كيف تم تسجيل هذه التسريبات في هذه البقعة الحساسة من الدولة، وقد كشفت هذه التسريبات عن وجه آخر للنظام في مصر ربما لم يكن يعرفه الكثيرون، وقد حازت القناة على شعبيتها الأكبر بعد أن أذاعت تلك التسريبات على عدة حلقات.
نجاحات وإخفاقات
نجحت قناة مكملين في خلق كادرها البشري بنفسها في ظل الأوضاع الصعبة التي عانت منها القناة أثناء الانطلاق، حيث دربت العديد من الشباب وأنتجت منهم كفاءات عدة انطلقوا منها لمشاريع إعلامية أخرى، كما أن القناة نجحت في تحدي الاعتماد على العنصر الشبابي في إدارتها، حيث يتكون الآن 80% من كادر القناة من فئة الشباب تحت سن 35 عامًا على كافة المستويات.
كما يرى فريق القناة أنهم نجحوا في عملية إثبات وجود الصوت المعارض للنظام بعدما عول النظام على إسكات صوت معارضيه بعد خطوة إغلاق كافة القنوات المعارضة عقب الانقلاب العسكري مباشرة.
كذلك نجحت القناة في الاستمرارية رغم التحديات المختلفة التي واجهتها، حيث يُحسب للقناة أنها الوحيدة منذ انطلاقتها التي لم تتوقف يومًا أو تتعثر مثلما حدث في قناة الشرق الفضائية المعارضة أو قناة رابعة “الثورة”، أو مشروع مصر الآن، تلك المشاريع التي عانت من تمويلها أو مشكلاتها الداخلية التي اضطرتها في النهاية للإغلاق، على عكس فضائية مكملين التي نجحت في تحدي الاستمرار حتى الآن.
وبسبب عثرات المشاريع الأخرى وجدت قناة مكملين نفسها أمام تحدي سد فراغ المساحات التي أغلقت لهذه القنوات، بالتحديد بعد إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر، فاضطرت القناة للبث عبر ثلاث أقمار مختلفة تغطي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج العربي وأوروبا.
في الوقت الذي تحاول فيه إدارة القناة دائمًا رفع كفاءة المحتوى المقدم على الشاشة وتخطي عقبات المشاريع الوليدة، وتدعيم القناة بعناصر ذات خبرة كضم المذيع المصري محمد ناصر مؤخرًا إلى فريق القناة.
أما في ناحية الإخفاقات فقد رأت إدارة القناة أنها مرت بالمراحل التي تمر بها التجارب الجديدة من نجاحات وإخفاقات، وتحاول القناة تخطي كل عثرة تواجهها، لكن ربما يمكن اعتبار أن الإخفاق الأبرز كان في محدودية نوعية الجمهور الذي يتابع القناة، لكن الجهود تبذل الآن من قِبل فريق عمل القناة لتحقيق نوع من الانتشار الأوسع للوصول إلى فئات أخرى من الجمهور من غير المؤدلجين.
تحاول القناة الآن أن تخطو في مربعات جديدة في التناول الإعلامي عن طريق خوض غمار تجربة الأفلام الوثائقية، فقد كانت هناك إنتاجات خاصة بالقناة مثل فيلم “النكسة الثانية” والذي كشف مشاهد تعرض للمرة الأولي عن التهجير القسري الذي حدث لأهالي سيناء، بخلاف الإنتاجات الأخرى المهمة، كفيلم “البرلمان” وفيلم “القناع المموه” اللذين أنتجتهما القناة.
لتروي قناة مكملين قصة قناة معارضة تبث من المنفى بعد أن منع النظام المصري أي صوت داخل مصر يغرد خارج سرب النظام، لتصنع حالة جديدة تولدت من القمع وهي “إعلام المهجر” الذي اضطرت إليه العديد من وسائل الإعلام العربية التي بدأت تبث من الخارج بعد تعرضها للتنكيل داخل بلادها، لا سيما الفضائيات الداعمة للثورات العربية.