هل تقامر داعش على تخوم بغداد؟

afp-04af219ea07547d6d653eb2f9ec70fc0e67c9adf_453919_large

لم يتوقف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عن محاولات استهداف العاصمة العراقية بغداد منذ سيطرة التنظيم على مدينة الموصل في العام 2014، لكن المعارك الأشد وطأة مع الجيش العراقي والمليشيات الشيعية كانت بعيدة تمامًا عن قلب بغداد، وجل محاولات التنظيم استهداف بغداد كانت لإثبات الوجود ومحاولة صناعة شئ من الفوضى في العاصمة العراقية التي ربما ينجح في التمدد خلالها لا سيما وأن التنظيم يُجيد ذلك.

تفجيرات التنظيم كانت تستهدف التجمعات الشيعية مثل التفجير المزدوج الذي استهدف مسجدًا للشيعة منذ أيام في منطقة الشعلة شمال غربي بغداد، وأسفر عن مقتل 15 شخصًا وإصابة عشرات آخرين، وكذلك استهدفات تجمعات مليشيا الحشد الشعبي المقاتلة المتواجدة في الأحياء المختلفة.

ومع اشتداد القتال في نقط التماس بين الجيش العراقي مدعومًا بالحشد الشعبي بداية من معركة تحرير الرمادي التي أجبرت التنظيم على الانسحاب من المدينة، بدا أن التنظيم يُريد أن يفتح جبهات أخرى بحيث لا يكتفي بالدفاع عن مناطقه فقط، ولا تبعد استراتيجية داعش الجديدة عما يحدث في سوريا حيث الضغط العسكري على معقل التنظيم في الرقة، ومحاولات قطع الطريق الواصل بينها وبين الموصل، وهو الأمر الذي يُشكل تهديدًا حقيقيًا على خطوط إمداد التنظيم.

سارع التنظيم بالتحصن في في أطراف مدينة الفلوجة حيث دارت المعارك بين عناصر التنظيم والقوات العراقية، في محاولة لكل طرف للسيطرة على المناطق الحدودية ذات الأهمية الاستراتيجية، بينما تحاول القوات العراقية الاقتراب من الفلوجة وتضييق الخناق على التنظيم، لكن ليست هناك نية لاقتحامها بحسب التصريحات الرسمية.

وفي رد فعل غير محسوب لتنظيم الدولة هاجم القوات العراقية غرب بغداد واتجه نحو مدينة الصدر، كما شن تنظيم الدولة هجومًا واسعًا على منطقة أبو غريب غرب بغداد، أسفر عن مقتل عشرات العناصر من الجيش والحشد الشعبي، وسيطر عقبها التنظيم على منطقة المصنع ومديرية الجمارك وصومعة الحبوب وسايلو خان ضاري واللواء 24 ومقر الفوج الثالث وقريتي الحمدانية وكاظم العذاب، وأصبح بذلك على بعد عشرة كيلومترات فقط من مطار بغداد الدولي.

فسر مراقبون رد الفعل الداعشي بعد تعرض التنظيم للضغط من قبل القوات العراقية وكذلك مع اشتداد قصف التحالف الدولي، باتخاذه قرار فتح جبهة جديدة غير متوقعة بالمرة بعدما ظنت القيادة السياسية والعسكرية العراقية أن التنظيم بدأ في الانحسار خاصة بعد معركة الرمادي.

وعلى الرغم من تقليل المسؤولين العراقيين لما حدث إلا أن الإجراءات التي اتخذوها تناقض هذا التهوين، حيث نشرت السلطات العراقية قواتًا خاصة حول مطار بغداد وبالمحيط الغربي للعاصمة، فيما دعا رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر مقاتليه للتأهب للدفاع عن بغداد.

وفي هذا الصدد يستهدف التنظيم إشغال الحكومة العراقية بتأمين العاصمة بغداد، وهو ربما إشغال سيخفف الضغط عن  محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى والمناطق المحيطة ببغداد التي تدور فيها معارك الكر والفر بين مقاتلي التنظيم والقوات العراقية.

فيما يرى يرى خبراء عسكريون أن هجمات تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الأخيرة على بغداد وأطرافها تشكل مؤشرًا على نية التنظيم توسيع رقعة المعارك بالدفع بالمئات من مقاتليه ناحية بغداد وذلك لتشكيل عوامل الإنهاك لدى القوات العراقية التي تعرضت بالفعل للكثير منه بعد اتساع رقعة انتشارها في مساحة أكبر بعدما تمكنت من استعادة مدن مثل بيجي والرمادي من أيدي التنظيم.

السيطرة على مناطق استراتيجية من قبل داعش لمدة ساعات بالقرب من قلب بغداد مؤشرًا على إمكانية حدوث ذلك بنطاق أوسع في أي وقت قادم، وهي رسالة يبعث بها التنظيم إلى قادة العراق الذين يديرون المعركة معه، مفادها أن التحضيرات الجارية لعملية عسكرية محتملة لاستعادة الموصل بالتعاون مع قوات إقليم كردستان العراق والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة قد تكون أخطر على العاصمة بغداد منها على الموصل، إذا ما تكررت محاولة اقتحام بغداد من قبل التنظيم.

هذا مما عده البعض مقامرة من التنظيم بخلاف أهداف الإنهاك وفتح جبهات متعددة، حيث الدفع بمئات وآلاف المقاتلين صوب بغداد، وهو ما قد يترتب عليه انهيار آخر في القوات العراقية ستفقد معه السيطرة على العاصمة بغداد، وحينها لن تفيد نتائج المعارك الأخرى، وقد حدث بالفعل مقدمات لهذا الانهيار حين استطاع التنظيم التوغل بالقرب من مطار بغداد الدولي في ظل فرار القوات العراقية من أمامه.

فبينما كانت ترسل الحكومة العراقية مئات الجنود والأسلحة إلى بلدة مخمور في إطار تحضيرات لمعركة أخرى مع التنظيم قرب الموصل، كان تنظيم الدولة الإسلامية يجمع قواه في الفلوجة ويدعم مقاتليه بالسلاح ومن ثم انطلقوا إلى منطقة أبوغريب، ويرى عسكريون عراقيون أن السماح بالتقاط الأنفاس للتنظيم عقب كل معركة هو السبب الرئيسي لما حدث في بغداد، حيث قلت وتيرة العمليات في الرمادي وسحبت منها بعض قوات مكافحة الإرهاب ونشرت في مواقع أخرى وهو ما عد تشتيتًا للقوات، بينما كانت عناصر داعش تنسحب من بعض المناطق لتتجمع في الفلوجة والكرمة لتنطلق منهما إلى بغداد.

هذه المعارك والمعارك المضادة بين الطرفين تجعل تفكير تنظيم الدولة أكثر مغامرة ومقامرة الآن لتخفيف الضغط عنه في المدن الأخرى، لذا غامر التنظيم بمثل هذه المعركة على تخوم بغداد، والتي أرسلت رسالة شديدة اللهجة أن المعركة لن تكون في الموصل فقط كما توهم الجيش العراقي بعد تقدمه الملحوظ في المعارك أمام التنظيم بعد معركة الرمادي، بل إن بغداد يمكن أن تنضم إلى جبهات المعركة في الأوقات القادمة.