ترجمة حفصة جودة
تأتي بريطانيا في ذيل القائمة الأوروبية عندما يتعلق الأمر بالاستهلاك، لكن ينبغي أن لا ننظر للأمر بصورة سلبية، فقد نكون في طليعة الاتجاه الإيجابي نحو اتجاه شراء أكثر عمقًا.
أظهرت البيانات الأخيرة الصادرة من مكتب الإحصاء الوطني تناقص متوسط استهلاك الفرد للموارد عما كان عليه منذ عِقدٍ مضى، مسجلًا انخفاضًا من 15 طنًا للمواد الغذائية عام 2001 إلى 10 أطنان عام 2013، كما أننا نستهلك كميات أقل من المواد الغذائية للفرد أكثر من أي دولة أوروبية أخرى، عدا إسبانيا.
وفي حين أن المستشار جوروج أوسبورن (وزير الخزانة البريطانية) قد لا يعجبه وقع ذلك، لأنه، وبصرف النظر عن كل شيء، الاستهلاك له حصة الملك في عملية موازنة الحسابات، إلا أن الاستهلاك بصورة أقل ليس أمرًا سيئًا.
يرجع جزء من هذا الانخفاض إلى رقمنة الكتب (تحويلها إلى مصادر رقمية) والأقراص المدمجة وأقراص الفيديو، والتخلي عن الموارد الثقيلة مثل أجهزة الكمبيوتر المكتبية ومسجلات الفيديو، ولكن لا يمكننا إنكار أثر الاتجاه المتزايد لدى بعض الأشخاص الذين سئموا من الإنفاق والاستهلاك، وأنا منهم، في تخفيض نسبة الاستهلاك.
أحد رؤساء “إيكيا” أطلق على ما يحدث اسم “ستائر الذروة” – أي إدراك أنك لن تستطيع الاستمرار في شراء الأشياء بنفس المعدل ونفس الكمية كما كنت تفعل سابقًا، ومؤخرًا أصبح هناك اتجاه نحو التنظيم، بفضل المنظِمة المحترفة ماري كوندو.
قد يكون ذلك هو رد فعلنا على العالم الذي يخبرنا أن الكثير هو الأفضل، حيث نصبح منبهرين بشراء الأشياء الأحدث والألمع من الرفوف؛ إنه النظام الذي يشجعنا على إقحام أنفسنا في العمل لثمان ساعات في اليوم من أجل شراء المزيد من الأشياء، ثم يخبرنا أن هذه الأشياء ليست لامعة بما فيه الكفاية وأنها بحاجة للتحديث، لذا يجب علينا العودة إلى العمل مجددًا.
ربما قد بدأنا في إدراك أن الاستهلاك المستمر يماثل الجري في حلقة مفرغة- نحن نحصل على “لا شيء” سريعًا، وتطاردنا بطاقات الائتمان والسحب المالي الزائد.
في الثلاثينيات من القرن العشرين تنبّأ جون ماينرد كينيز أننا سوف نعمل 15 ساعة في الأسبوع، وأن الناس سيقضون أوقات فراغهم في الأنشطة الترفيهية لأن احتياجاتهم المادية ستكون قد تم تلبيتها.
وفي مكان ما على طول الخط، تغيرت قواعد اللعبة والاحتياجات المادية- أو ما ينبغي أن يكون من الاحتياجات – لقد تضخمت، وهذا يعني أن العمل لمدة 15 ساعة أسبوعيًا يبدو أمرًا مضحكًا، خاصة مع ارتفاع تكلفة الإيجارات والعقارات والخدمات.
بالطبع، يرجع جزء من انخفاض الاستهلاك إلى نقص الأموال المتاحة للإنفاق، والسبب في ذلك ارتفاع تكاليف المعيشة، وعقود العمل غير المحددة بوقت (أي أن تكون متاحًا للعمل طوال اليوم) وانخفاض الحد الأدنى للأجور، هناك الكثيرون ممن لا يملكون ما يكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية أكثر من ذلك، ناهيك عن الاحتياجات الإضافية.
إذا أردنا أن نطبق رؤية كينيز، فنحن بحاجة لأن تكون الأجور كافية بالفعل للمعيشة بينما نعمل لمدة 15 ساعة فقط أسبوعيًا، لكن في تلك اللحظة هناك من يكافحون للبقاء على قيد الحياة بينما يعملون ضعف هذا الوقت.
ومع ذلك، فهؤلاء الذين يستطيعون تغطية نفقاتهم الأساسية يمكنهم الاقتداء بكتاب كينيز، إذا استطعنا تحجيم الإنفاق، فلن نكون بحاجة للكثير من العمل، وحينها نستطيع استرجاع أوقات فراغنا من أصحاب العمل والمحالّ التجارية.
وبدلًا من العمل أكثر لشراء أشياء لا نحتاجها، يمكننا الإنفاق بشكل أقل، والعمل وقتًا أقل، لنحصل على المزيد من الوقت، وأنا أعلم أي من تلك السيناريوهات يجذبني أكثر.
لا يعني ذلك التوقف عن الإنفاق تمامًا، وترقيع الجوارب للأبد، فجزء من الاقتصاد في الاستهلاك يعني شراء أصناف أقل ذات جودة أفضل في أوقات هبوط الأسعار (التنزيلات)، بدلًا من الإنفاق على أصناف منخفضة التكلفة من مصادر مشكوكٌ فيها.
يمكننا الإنفاق على ما نحتاجه بالفعل بدلًا من شراء كل ما نريد.
عندما يتعلق الأمر باقتصاد المملكة المتحدة، فأرقام الاستهلاك لن تُطرب آذان أوسبورن، لكن عندما يتعلق بالاقتصاد المنزلي، فالاستهلاك بصورة أقل والحصول على ما نحتاجه فقط بدلًا من وجود “الكثير” دائمًا، قد يكون دفعة قوية.
المصدر : الغارديان