ترجمة وتحرير نون بوست
في رسالة كتبها على ما يبدو أسامة بن لادن، ندد زعيم تنظيم القاعدة السابق بمصالح الشركات التي يُفترض بأنها تقود السياسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وأشاد بشجاعة الآباء المؤسسين للبلاد.
الرسالة هي جزء من دفعة كشوفات كبيرة، تتضمن حوالي 100 وثيقة، كشف عنها يوم الثلاثاء المنصرم مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، وتضم كنزًا من المواد التي تم جمعها بعد غارة عام 2011 على مخبأ بن لادن السري في أبوت أباد/ باكستان.
تشمل الوثائق المكشوفة خطابات أرسلها زعيم تنظيم القاعدة إلى شركائه، الردود الواردة، وكذلك مسودات الخطابات المتشدقة التي صاغها خلال السنوات الطويلة التي قضاها متخفيًا.
“تعزز الملفات المكشوفة الشعور الذي يوحي بأن بن لادن كان قلقًا على نحو متزايد من تدهور الأوضاع الأمنية في ظل تصعيد حملة غارات الطائرات بدون طيار التي تشنها وكالة المخابرات المركزية في خضم حرب مطاردة زعيم تنظيم القاعدة التي استمرت بالغليان لمدة عشر سنوات”، كتب غريغ ميلر في الواشنطن بوست، وأضاف: “كما تظهر هذه الوثائق انفصال بن لادن المتزايد عن حقيقة تدهور منظمته، حيث دعا نوابه للقيام بالعمليات وشغر المناصب، في الوقت الذي اعترف فيه هؤلاء بافتقارهم للمجندين الفاعلين”.
ولكن وثيقة واحدة من هذه الوثائق، موجهة “إلى الشعب الأمريكي”، بدت مثيرة للاهتمام والفضول بشكل خاص أكثر من غيرها.
تبدأ رسالة بن لان بالقول: “أخص بالحديث مناصري التغيير الحقيقي ولاسيّما الشباب”، قبل أن يعلن ضمنها بأن “طغيان رأس مال الشركات الكبرى” أضرّ بشكل واضح بالاقتصاد الأمريكي.
الرسالة غير مؤرخة، ولكن يبدو بأنها كُتبت في عام 2009، ويُستدل على ذلك بإشارة الرسالة إلى الانتخابات الأخيرة لـ”باراك حسين” و حرب “الست سنوات” التي شنها الرئيس جورج دبليو بوش في العراق.
يستمر بن لادن في رسالته بالتعبير عن استيائه من إنقاذ البنوك الكبرى من أزمتها خلال الكساد العظيم، ومن ثم يربط الأحداث الجارية بأجندة دعاة الحرب الأمريكيين والمصالح “اليهودية”.
“قد كاد نظامكم المالي برمته أن ينهار خلال ثمان وأربعين ساعة لولا أن الإدارة لجأت إلى أموال دافعي الضرائب فأنقذوا الجلادين من أموال الضحايا، وأما نحن فتم غزو عراقنا تبعًا لضغط أصحاب رؤوس الأموال طمعًا في الذهب الأسود، وتتم مناصرتكم للإسرائيلين الظالمين على احتلال أرضنا فلسطين تبعًا لما يمارسه اللوبي اليهودي من ضغوط على إداراتكم معتمدًا على قدراته المالية الكبيرة”.
هذا الاتهام الأخير بالكاد يبدو كمفاجأة، خاصة وأنه صادر عن بن لادن، ويحمل أصداء خطاب معاداة الإمبريالية المكرر منذ زمن طويل والذي يعمل على غرس الرسائل الجهادية.
ولكن الرسالة تستطرد بإعرابها عن بعض المخاوف الأكثر إذهالًا، وفي بعض المواضع، يبدو كما لو أن كاتبها سياسي مناهض للسلطات الحاكمة في الولايات المتحدة، حيث تستهل بنقد للحكم التاريخي الصادر عن المحكمة العليا في قضية مواطني الولايات المتحدة ضد لجنة الانتخابات الفيدرالية، وتستطرد بخطبة طويلة تتناول نقد النخب السياسية والمؤسساتية التي تتحكم في مقاليد السلطة.
“سير سياسات الإدارة الحالية على هذا النحو في أمور عدة يُظهر بوضوح وجلاء أن من يدخل البيت الأبيض حتى على افتراض حسن نواياه في تحقيق مصالح شعبه فإنه كسائق القطار لا يملك إلا أن يسير بالقطار على القضبان التي وضعتها اللوبيات في نيويورك وواشنطن بما يخدم مصالحهم أولًا وإن كان على حساب أمنكم واقتصادكم، فأي رئيس يحاول الانتقال بالقطار من سكة اللوبيات إلى سكة تحقيق مصالح الشعب الأمريكي يجد معارضة وضغوطًا قوية جدًا من اللوبيات”.
يدعو بن لادن الشباب الأمريكي في رسالته إلى عدم دعم الحزب الجمهوري ولا الديمقراطي، وإنما “القيام بثورة كبرى للتحرير”؛ مما قد يمكّن أوباما من إحداث التغيير، ويتابع ناصحًا “هذا التغيير ليس فقط تحسين اقتصادكم وحفظ أمنكم وإنما الأهم من هذا هو اتخاذ قرار راشد لإنقاذ البشرية جمعاء من انبعاثات الغازات الضارة التي تهدد مصيرها”، وتتوقف الرسالة عن هذا الحد بدون أن تقدم أي تفاصيل أخرى حول خطر تغير المناخ.
الآن، وفي هذه المرحلة، أي شخص سيتوقع بأن كاتب الرسالة الجهادي سينتقل ليعلن بأن الحل ببساطة هو تبني نظرته الدينية المتزمتة للإسلام، واعتناق الفتاوى كقوانين، ولكن هذا الاعتقاد الشائع مخطئ تمامًا، حيث يوصي كاتب الرسالة الأمريكيين بـ”العيش مع تاريخ آبائهم وماكان عليه وضع بلادهم قبل قرنين ونيف”، ويحث الشباب على قراءة كتاب “حسن الإدراك” للمفكر توماس بين، بدلًا من حثهم على قراءة القرآن.
“كما كان البرلمان الإنجليزي يقف مع مصالح الشركات ضد مصالح المواطنين فقد شاهدتم وقوف الكونجرس مع مصالح الشركات ضد مصالح المواطنين برفضه لإصدار قرار يحد من التدخل السافر للشركات في الانتخابات”.
ينتقل بن لادن بعدها إلى تمجيد الجرأة والإقدام اللتان كان يتمتع بهما أبطال الثورة في الولايات المتحدة، الذين رفضوا على ما يبدو اختطاف سياسات بلادهم من قِبل مصالح الشركات، كشركة الهند الشرقية البريطانية، التي كانت تمثل محور الشر في أواخر القرن الـ18، حيث تقول الرسالة “أنتم (الأمريكيون) بحاجة إلى رجال يملكون الجرأة والإقدام اللتان كانتا عند آبائكم في تلك المرحلة الذين رفضوا أن تُضِر بمصالح أمريكا شركة واحدة تحكمت في الشاي وثمنه”.
يستطرد الكاتب بعدها لتناول أرضية أكثر شهرة، حيث أدان ما أسماه بعصبة صناع السياسة والمصالح الغامضة اللتان تديمان بطريقة أو بأخرى الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
وأخيرًا، يختتم بن لادن رسالته ببيتين شعريين يمكن التنبؤ بهما، حيث قال فيهما : “فلسطين لن تُرى مأسورة….سنسعى نكسر أغلالها …. وستدفع أمريكا بغيها…. دماء النصارى وأموالها”، وفي النهاية التحية المعتادة: “والسلام على من اتبع الهدى”.
المصدر: واشنطن بوست