أدت الانتخابات الإيرانية التي انطلقت يوم 26 فبراير المنقضي، إلى فوز الإصلاحيين الموالين للرئيس حسن روحاني على المحافظين في الانتخابات البرلمانية ومجلس خبراء القيادة، هذا الأخير الذي توكل إليه مهمة تعيين خليفة للمرشد الأعلى للثورة الاسلامية، وفي هذا الإطار تحاور الصحيفة دينيس بوشار، حول دور هذه الانتخابات في تحديد ملامح السياسة الداخلية والخارجية للبلاد خلال الفترة القادمة، والعوامل التي أدت إلى فوز الإصلاحيين.
شغل دينيس بوشار منصب الملحق المالي لفرنسا المسؤول عن الشرقين الأوسط والأدنى، وتولى مهمة مسؤول اقتصادي للبعثة الفرنسية الدائمة في الأمم المتحدة، كما تحمل مسؤوليات عديدة، من بينها رئاسة مؤسسة العالم العربي ومستشار لشؤون الشرق الأوسط في المؤسسة الفرنسية للعلاقات الدولية.
ما هي رهانات الانتخابات التشريعية في إيران؟
تكتسي الانتخابات التشريعية الإيرانية أهمية كبرى بالنسبة للمشهد السياسي الإيراني بصفة عامة، وبالنسبة للمستقبل السياسي للرئيس حسن روحاني بصفة خاصة، ويحتاج روحاني لتركيبة سياسية أكثر انسجامًا داخل البرلمان بما يتماشى مع نظرته الإصلاحية، وبما يسمح له بتمرير هذه الإصلاحات بسهولة، ورغم أن مجلس صيانة الدستور الإيراني الذي يعهد إليه تقييم ملفات المرشحين لعضوية مجلس الخبراء؛ تعمد إقصاء عديد المرشحين المحسوبين على التيار الإصلاحي، فإنه أبقى على مرشحين آخرين يساندون بنسب متفاوتة النهج الإصلاحي لحسن روحاني.
ما هو دور البرلمان الإيراني في المشهد السياسي؟
من المستبعد أن تكون هذه الانتخابات مزورة لمجرد أن نظام الانتخابات وتقييم الترشحات في إيران يختلف عن النظام المعتمد في الغرب، فالانتخابات الإيرانية لا تعتمد على ترشحات عن طريق الأحزاب السياسية، بل تكون بصفة مباشرة عن طريق تقديم المرشحين لبرامجهم بصفة فردية، وهو ما يضمن تعددية حقيقية بين الخلفيات الفكرية والأيديولوجية للمترشحين.
إن البرلمان الإيراني يتمتع بصلاحيات محدودة في السلطة، لكنه يستطيع أن يعيق البرامج الإصلاحية لحسن روحاني بطريقتين؛ تتمثل الطريقة الأولى في رفض المصادقة على مشاريع القوانين مثلما حدث مع الرئيس الإيراني محمد خاتمي خلال الفترة الممتدة بين سنة 1997 وسنة 2005، بينما تتمثل الطريقة الثانية في رفض تعيين بعض الوزراء مثلما حدث خلال فترة حكم أحمدي نجاد.
علي الخامنئي كان أبرز المؤثرين في المشهد السياسي الإيراني، كيف تقيم مردوده بعد مرور 26 سنة على توليه منصب المرشد الأعلى للثورة؟
رفع مرض الخامنئي وعجزه عن مواصلة مهامه كمرشد أعلى للثورة الإسلامية من سقف الرهانات خلال المرحلة القادمة، لكنه وضع البلاد أيضًا أمام تحد حقيقي؛ يتعلق بالخوف من وصول بعض المرشحين المعتدلين لهذا المنصب المهم، ولذلك قام المجلس الدستوري باستبعاد المرشحين الذين يخالفون سياسة الخامنئي من الترشح لمنصب المرشد الأعلى للثورة، وهكذا تم إقصاء حسن الخميني، حفيد آية الله الخميني الذي يعتبر الأب الروحي للثورة الإيرانية.
في الحقيقة، ينقسم رجال الدين الإيرانيون إلى تيارين مختلفين في موقفهما من التوجهات السياسية للبلاد؛ إذ يصطف التيار الأول الذي يعتقد في “ولاية الفقيه”، خلف الخامنئي، ويتمسكون بأحقية رجال الدين بالسلطة، بينما يعتقد التيار الثاني أن مهمتهم في السلطة تقتصر على ضمان التزام الدولة بالمبادئ الثيوقراطية للثورة الإيرانية، وتحديد الخطوط العريضة للتوجهات السياسية للبلاد، دون التدخل في السياسات الداخلية والخارجية التي هي من صلاحيات الرئيس لوحده.
تمسك الخامنئي منذ توليه لمنصب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية بنفس المبادئ، التي أدت في مرحلة أولى إلى فشل المحاولات الإصلاحية لمحمد خاتمي، ثم دعمت وصول أحمدي نجاد للسلطة وبقاءه فيها لولايتين متتاليتين، واتسمت هذه الفترة بالانسجام الكلي بين المرشد الأعلى ورئيس الدولة. وفي سنة 2009 أدرك خامنئي أنه في حاجة للانسحاب قليلا من المشهد السياسي بعد التوترات التي شهدتها البلاد في نفس السنة التي شهدت إعادة انتخاب أحمدي نجاد، ولذلك قام بدعم وصول حسن روحاني للسلطة.
انتهج حسن روحاني سياسة إصلاحية أدت إلى عديد النتائج الإيجابية اقتصاديًا وسياسيًا، هل تعتقد أنه سيواصل نفس السياسة الإصلاحية؟
مثلت الإصلاحات الاقتصادية تحديًا بارزًا بالنسبة لحسن روحاني الذي نجح في رفع العقوبات الاقتصادية، وهو ما ساهم في تحقيق انتعاش اقتصادي كانت البلاد على وشك الانهيار لو لم يحدث، لكن سياسته الاقتصادية لم تخل بدورها من عديد الأخطاء.
أما بالنسبة لأحمدي نجاد، فإنه أهمل المشاكل الداخلية للبلاد التي تفاقمت في السنوات الأخيرة لولايته، بعد ارتفاع نسبة التضخم الاقتصادي وتزايد البطالة في صفوف الشباب، بالإضافة إلى تواصل انتهاكات حقوق الانسان التي تواصلت بعد انتخاب حسن روحاني، لكن التشكيلة الجديدة للبرلمان الإيراني يمكن أن تكون الفرصة المناسبة التي انتظرها روحاني لاتخاذ الإجراءات الضرورية لإنهاء التتبعات القضائية ضد الصحفيين، وتعليق عقوبة الحكم بالإعدام.
إن الظروف الاقتصادية تحتم على حسن روحاني بذل مجهودات مضاعفة للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة، خاصة مع تراجع سعر البترول الذي يعتمد عليه الاقتصاد الإيراني، فرغم رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران منذ أشهر فإن ذلك لا يمكن أن تكون له نتائج فورية على الاقتصاد الإيراني، الذي لازال في حاجة لسنوات إضافية قبل أن يتمكن من استعادة ثقة المستثمرين الأجانب، وهو ما يراهن عليه روحاني بعد نجاح الإصلاحيين في الانتخابات الأخيرة.
تخضع عملية رفع العقوبات الاقتصادي لتعليمات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، الذي يضطلع بتقييم مدى جدية المسؤولين الإيرانيين في استعادة ثقة المستثمرين والبنوك الأجانب.
وانتهجت إيران سياسة الانفتاح الاقتصادي في علاقتها بالدول الأوربية منذ قدوم حسن روحاني للسلطة، الذي قام بزيارة العديد من الدول الغربية لأول مرة في تاريخ الدولة الإيرانية، وآخرها زيارته لباريس التي كانت تهدف لطمأنة المستثمرين وجلب الاستثمارات الأجنبية، ومن بينها شراء 118 طائرة إيرباص فرنسية، لكن ذلك لم يمنع بعض الشركات الفرنسية من التمسك بموقفها المتحفظ من الاستثمار في إيران، خاصة وأن هناك العديد من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران منذ سنة 1996، والتي لم يتم إلغاءها رغم الإعلان عن الاتفاق بشأن الملف النووي لإيران.
وتخضع العديد من الشركات الأوروبية لقوانين المحاكم الأمريكية، وهو ما جعلها عاجزة عن المبادرة بالاستثمار في إيران بمعزل عن المؤسسات الأمريكية، لأن ذلك قد يجعلها موضوع تبعات قانونية من طرف المحاكم الأمريكية.
هل استفاد التيار الإصلاحي من أصوات الناخبين النساء والشباب؟
تواجه البرامج السياسية للتيار المحافظ في إيران معارضة شديدة من طرف الشباب والنساء، وهو ما جعل أصواتهم مشتتة بين المرشحين الإصلاحيين، ومقاطعة الانتخابات، التي يعتقدون أنها لن تكون قادرة على تغيير المشهد السياسي العام للبلاد، فالأمر يتعلق بالنظام السياسي أكثر مما يتعلق بالأشخاص، ولازال الإيرانيون لم يلمسوا أي نتائج واقعية في حياة اليومية للاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى.
ما هو تأثير الانتخابات الإيرانية على العلاقات الخارجية؟
لا يمكن أن تؤدي الانتخابات الإيرانية بصفة طبيعية إلى تغيير السياسة الخارجية التي اتسمت بالتوتر منذ عقود، وذلك رغم نجاح الدول الغربية في اقناع إيران بالإمضاء على الاتفاق النووي، تدرك الدول الغربية أن المشهد السياسي الداخلي في إيران يمكن أن يشهد تغيرات عديدة، لكن ذلك لا يضمن أبدا أن تكون هناك انعكاسات على السياسة الخارجية، لذلك ستواصل الولايات المتحدة الأمريكية مراهنتها على “سياسة الاختراق لمحاولة إحداث تغيير نسبي أو جذري في السلطة الإيرانية”.
أما على المستوى الإقليمي، فإن الانتخابات الإيرانية لا يمكن أن تساهم في تغيير طبيعة التحالفات التي تربطها بالنظام السوري الذي يعتبر حليفًا إستراتيجيًا لها منذ قيام الثورة الإسلامية، كما لا يمكن أن تؤثر على طبيعة مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، لكن ذلك لن يمنع المسؤولين الإيرانيين من تقييم كل الخيارات المتاحة في سوريا، بما في ذلك اعتماد سياسة التوافق لحل الأزمة السورية.
المصدر: لوفيغارو/ ترجمة: إيوان 24