تعميم المنحة المسندة لدعم المحروقات بالمنطقة الشمالية حتى تشمل البحارة العاملين بمنطقتي الوسط والجنوب والتعجيل بإصلاح منظومة التغطية الاجتماعية وكذلك إلغاء التقسيم الحالي لمناطق الصيد، تلك هي أبرز المطالب التي أججت البحارة هذه الفترة وجعلتهم يطلقون صيحات فزع و يدخلون في إضراب عام مفتوح نتج عنه غلق الموانئ في كافة البلاد التونسية والمؤسسات الإدارية التابعة لها وذلك بسبب تردي أوضاعهم المهنية وتصاعد حدة المشاغل المتراكمة على مر الحكومات المتعاقبة فضلًا عن تهميش مطالبهم وتجاهل مقترحاتهم الرامية إلى النهوض بمردودية قطاع الصيد البحري والمحافظة على مخزون الثروة السمكية.
وللأسبوع الثالث على التوالي، مازالت حالة الاحتقان والاحتجاج السلمي والإضراب تخيم على موانئ الصيد البحري بكل من محافظة جرجيس، قابس، صفاقس، المهدية، طبلبة، قليبية، وبنزرت، وأمام عدم رد الدولة باتخاذ قرارات عاجلة تمتص غضب البحارة يبقى الحال على ما هو عليه بل ومرجح للتصعيد حسب تصريحات البعض حيث شدد المضربون على أن إضرابهم المفتوح لن يتم رفعه إلا بعد تحقيق مطالبهم.
اعتصام جاء على خلفية ما اعتبره البحارة المحتجون الوضعية المزرية التي يعيشها القطاع أمام مواصلة تسويف الحكومة ومماطلتها؛ حيث طالبوا بضرورة النظر في منحة التقاعد والحيطة الاجتماعية التي قالوا إنها لا تفي بالحاجة كما طالبوا بالتراجع في الإتاوات والضرائب الخاصة بالرفع في القيمة المضافة على صيد السمك الأزرق التي تم توظيفها على القطاع مؤخرًا، معتبرين ذلك محاولة لمزيد من إغراق القطاع وإفلاسه.
مطالب أخرى احتج من أجلها البحارة وتتمثل في التخفيض في قطاع المعدات البحرية، الإعفاء من الضريبة الموظفة على قطاع الصيد البحر، تفعيل الزيادة في منحة الاستثمار المقررة بـ 45% لفائدة مراكب الصيد الساحلي، مراجعة مختلف النصوص المتعلقة بممارسة نشاط الصيد البحري، التمتع بحقهم في منحة الراحة البيولوجية، بالإضافة إلى مراجعة الصيد الترفيهي وإصلاح البنية التحتية بالموانئ، إلى جانب المطالبة بإحداث صندوق مجابهة الكوارث يكفل حق أرامل موتى البحر.
وبالرغم من صدور جملة من القرارات والإجراءات في جلسة المفاوضات المنعقدة بين وزارة الفلاحة والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري يوم الإثنين 22 فبراير 2016، إلا أن هذه الإجراءات لم ترتق إلى مستوى تطلعات هؤلاء البحارة الذين ملوا الوعود الزائفة وفاض كأسهم ولم يعد بإمكانهم الصبر أكثر على تجاهل الحكومة ومماطلة الإدارة وفق تعبيرهم فيما اعتبرها آخرون أنها تخدم مصالح فئة معينة وفي جهات معينة ولا تنطبق على كافة موانئ البلاد، وقال البعض الآخر إن وزير الفلاحة استهزأ بالقطاع باتخاذه مثل هذه الإجراءات الأمر الذي قرروا على إثره الدخول في إضراب عام مفتوح حتى تتحقق مطالبهم.
ومن بين هذه القرارات تكوين فريق مشترك بين مهنة قطاع الصيد البحري والوزارة وإعداد ملف خاص بالضمان الاجتماعي واستكمال الإحصائيات اللازمة وذلك في أجل أقصاه شهر أبريل 2016.
كما تم الاتفاق على تحيين قائمة المعدات المتمتعة بالإعفاء على القيمة المضافة مع تسهيل الإجراءات لصغار البحارة في غضون أسبوعين من تاريخ الجلسة، وإعداد تقييم للتقسيم الجغرافي الحالي والمنح المسندة من المحروقات قبل نهاية شهر مارس 2016، لاتخاذ القرارات الملائمة لذلك.
وأمرت الوزارة خلال تلك الجلسة بالإسراع في تجهيز المراكب التي يفوق طولها 15 مترًا بالأجهزة الطرفية وذلك انطلاقًا من أواخر شهر يونيو 2016 مع إعداد ملف خاص بالمنطقة الحدودية مع ليبيا قصد تفعيل التعاون المشترك بين القطرين متى تسمح الظروف لذلك.
وتعليقًا على هذه الإجراءات، أوضح نور الدين عياد نائب رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري المكلف بالصيد البحري في تصريح صحفي أن ما أسفرت عنه الجلسة كان دون انتظارات المهنيين على اعتبار أن بعض النقاط أو المطالب العاجلة التي تقدمت بها المهنة كان يفترض أن تجد تفاعلاً فوريًا ولا تحتاج إلى مزيد من الإمهال وإمعان النظر وحصرها بتقييمات ودراسات تستغرق وقتًا بعد تلبيسها جدولاً زمنيًا، والحال أنها تعد من القضايا القديمة المتواتر عرضها منذ سنوات وليست وليدة اليوم من بينها ملف التغطية الاجتماعية للبحارة وإلغاء العمل بمناطق الصيد وتعميم منحة دعم المحروقات، مستغربًا من عدم تفعيل الإجراءات الصادرة عن المجلس الوزاري المنعقد في نوفمبر 2015 لفائدة القطاع رغم مرور ثلاثة أشهر.
كفانا من سياسة التسويف
وعن هذه التحركات الاحتجاجية والاحتقان الذي يشمل كافة موانئ البلاد،علق نور الدين بن عياد في تصريح لعدد من وسائل الإعلام قائلاً إنها مطالب شرعية قوبلت بالتسويف وهي في الحقيقة نتيجة لتراكمات قديمة، مضيفًا أن الإدارة المسؤولة على قطاع الصيد البحري لا مبالية بهذه المطالب واليوم وجد البحارة أنفسهم في خسارة كبرى بسبب تدني المردودية والحكومة تنظر لهم بنظرة التسويف والمجهود الذي تقوم به الدولة تجاه هذا القطاع غير كاف بالمرة.
وأوضح بن عياد أن المطلب الملح اليوم هو موضوع المحروقات خاصة أنها تمثل 62% من جملة مصاريف البحارة وبالتالي تمثل جزءًا كبيرًا في القطاع بالإضافة إلى أن قطاع الصيد البحري يفتقد إلى العديد من الامتيازات منها بالخصوص الأداء على القيمة المضافة، وأردف متابعًا نأمل أن تسارع الحكومة بضبط حدودنا والترفيع في مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة لتفادي عمليات الاحتجاز التي تطال بحارتنا في كل مرة.
كما أشار إلى أن التراكمات هي التي أججت أصحاب المراكب وهو ما جعلنا اليوم نجد أنفسنا أمام مجموعة كبيرة من الملفات التي بقيت تتداول عليها الحكومات دون الخوض فيها ومعالجتها، مشددًا على أن الحكومة قادرة على تحقيق هذه المطالب دون أن يكلفها ذلك شيئًا أمام المجهود المبذول من قبل البحارة وأمام الصعوبات التي يعانون منها وكذلك أمام الخسائر البشرية التي تلحق بهم، قائلاً اليوم وصلنا إلى حلقة لا تستطيع المهنة أن تواصل في هذه الخسارة.
وتابع بن عياد قوله كل ما لاحظناه هو تسويف للملفات والمطالب وإلى يومنا هذا حتى وإن دخلنا في حوار مباشر مع الوزارة إلا أنها أرجعتنا إلى نفس خطاب الحكومات المتتالية ولم نجد تجاوب من الإدارة كي نواصل في ملفاتنا بعد إلغاء كتابة الدولة، صحيح أن المجلس الوزاري تبنى جملة من المطالب ولكن تبقى المسائل الجوهرية مثل المحروقات وارتفاع الكلفة والضمان الاجتماعي لشريحة ضعيفة في القطاع أكبر المعضلات التي تكبل طموحات البحارة.
مطالب قيد الدراسة
من جانبه، أكد وزير الفلاحة سعد الصديق في عدة تصريحات صحفية أن قطاع الصيد البحري هو خطة من بين الخمس خطط التي اختارتها وزارة الفلاحة للاشتغال عليها في الفترة الراهنة، معلنًا أن مصالح الوزارة قامت بإستراتيجية كاملة تحتوي على عشرين نقطة وتمت المصادقة عليها يوم 12 نوفمبر 2015 وانطلقت الوزارة في إنجازها.
وبالنسبة إلى المحروقات، أعلن سعد الصديق أن الوزارة تعهدت بإنجاز هذا الملف عاجلاً وأنه تم الاتفاق على أن تتم دراسته بجميع تفاصيله وإعداده في نهاية مارس وعلى ضوء نتائج هذه الدراسة هناك إمكانية لإعادة النظر في منحة دعم المحروقات.
وفيما يتعلق بملف التغطية الاجتماعية الذي يعد كذلك من الملفات الحارقة، أفاد الصديق أن هذا الملف يتطلب مسح ميداني دقيق بحكم أنه يضم حوالي 54 ألف منتفع انطلقت فيه الوزارة وتم تحديد آخر أبريل كآخر أجل للانتهاء من هذا المسح وبعد ذلك يتم النقاش مع وزارة الشؤون الاجتماعية للنظر في توفير قاعدة معطيات حول كل أصناف البحارة.
وأما بالنسبة إلى نقطة توحيد مناطق الصيد وإلغاء التقسيم الحالي، ذكر الوزير أن هذا الملف ستتم كذلك دراسته بين الإدارة والبحث العلمي والمهنة على أن يقوم البحث العلمي بتقييم لكل ما تم في السنوات السابقة متعهدًا بأن يتم بسط هذا الملف في أقرب وقت والنظر في إعادة تفعيل وتوسيع المجال.
وبخصوص المنطقة الاقتصادية الخالصة، أفاد سعد الصديق أنها من بين المحاور التي أبدت الوزارة استعدادًا لدراستها وفتح ملفها، مصرحًا أن الموضوع سيكون محل تشاور مع وزارتي الدفاع والخارجية، لافتًا النظر إلى أنه سيدافع عن هذا المطلب، لكنه نبه إلى أنه ليس بالأمر الهين ولن يفض في أجل قصير بل سيستغرق وقتًا.
كما أكد وزير الفلاحة استعداده التام لمواصلة الحوار مع البحارة ووعد بأن تكون مشاغل القطاع والأوضاع بالموانئ نقطة أساسية بجدول نشاطاته المبرمجة في زياراته الميدانية إلى مختلف الولايات، وستكون المناطق الساحلية قريبًا أولى محطاتها.
وأضاف أن الوزارة لديها برنامج كبير لتوسعة الموانئ وإعادة تهيئتها مثل ميناء قليبية والشابة وجرجيس وقابس، وتم رصد أكثر من 90 مليون دينار لإنجاز ذلك قائلاً هناك أشغال جارية وهناك أشغال أخرى مبرمجة لهذه السنة، مؤكدًا أن هذا البرنامج سيتم بالتنسيق مع المهنة.