كثيرًا ما عصفت الخلافات بالجماعات والأحزاب السياسية في العالم خاصة منها الأحزاب الهشة التي نشأت في واقع يتسم بالاستبداد واصطدمت فيما بعد بواقع ديمقراطي، أو تلك التي تفتقر لبرنامج مشترك يجتمع حوله كل منخرطيها وأنصارها وكان مؤسسها الضامن الوحيد لبقائها، في مقابل ذلك كانت هذه الاختلافات مصدر قوة لأحزاب أخرى وكانت سبيلًا لتجاوز بعض النقائص التي إن بقيت لزال الحزب وبقي اسمه محل تندر.
في تونس الثورة كان الأمر كذلك؛ أحزاب كثيرة بلغت القمة ثم انحدرت بسرعة وزالت عن الوجود أو تفتت وانقسمت، حزب الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي “المؤتمر من أجل الجمهورية” الذي تأسس في يوليو سنة 2001، وبلغ الحكم سنة 2011 بعد حصوله على المقعد الثاني في المجلس التأسيسي بـ 29 مقعدًا وتقلد مؤسسه المرزوقي رئاسة الجمهورية التونسية، انقسم إلى أربعة أحزاب (المؤتمر – حركة وفاة – التيار الديمقراطي – حزب الاقلاع) ليتم حله فيما بعد وينصهر في حزب الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي “حراك تونس الإرادة”، ويفقد مرتبته النيابية الثانية في برلمان تونس ويحصل على أربعة نواب فقط من جملة 217 نائبًا خلال انتخابات 2014.
صاحب المرتبة الثالثة في انتخابات 2011 “التكتل من أجل العمل والحريات”، بعد أن حظي مؤسسه مصطفى بن جعفر بمنصب رئاسة المجلس الوطني التأسيسي، بدأت حمى الاستقالات والانشقاقات في صفوف قيادييه ومؤسسيه تضرب كيانه، حتى انقسم وانبثق عنه حزب جديد هو حزب “الخيار الثالث”، كما عرف الحزب استقالات جماعية للشبان الذين ساهموا في إنجاح المسار الانتخابي للتكتل وتشتتهم عبر انتمائهم إلى عدد من الأحزاب الأخرى؛ الأمر الذي أفقد الحزب قاعدته الانتخابية وامتداده الشعبي لينال صفر بالمائة خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة.
بدوره، عرف الحزب الديمقراطي التقدمي (أول حزب تونسي تتولى أمانته العامة امرأة “مية الجريبي”) بزعامة أحمد نجيب الشابي، انشقاقًا قاده محمد الحامدي وعدد من أعضائه، قاموا حينها بتأسيس حزب “التحالف الديمقراطي”، حصل الحزب الأم على 16 مقعدًا في انتخابات المجلس التأسيسي، لتكون حصيلته صفر خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة في تونس.
بعد أن عرف الانقسام قرر الحزب الديمقراطي التقدمي الاندماج مع حزب آفاق تونس ضمن حزب جديد يحمل اسم “الحزب الجمهوري”، ولكن هذا الاندماج لم يصمد طويلاً، إذ عاد كل من الحزبين إلى هويته الأولى وبقيت تسمية الحزب الجمهوري لمجموعة الحزب الديمقراطي التقدمي.
الأحزاب الوليدة عن حزبي المؤتمر والديمقراطي التقدمي ونعني بذلك “التيار الديمقراطي”و”التحالف الديمقراطي” يدرسان في الفترة الأخيرة إلى جانب حزب التكتل من أجل العمل والحريات، الاندماج في حزب جديد يطمح مؤسسوه أن يكون بديلاً سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا يجمع العائلة الديمقراطية الاجتماعية.
حركة الشعب، التي تأسست في 2 مارس 2013، لتشهد بعد أشهر فقط من تأسيسها، استقالة القيادي محمد البراهمي (تم اغتياله في 25 يوليو 2013)، الذي أسس خلال حياته حزب “التيار الشعبي”، قبل أن ينضم الحزبان لـ “تحالف الحركة الشعبية (ائتلاف أحزاب يسارية).
بدوره لقي حزب “نداء تونس” نفس المصير، فبعد أن روج مؤسسه “الباجي قائد السبسي” لقدرة حزبه على تسيير 4 حكومات، عجز الحزب عن تسيير هيكله الداخلي وعرفت كتلته البرلمانية نزيفًا حادًا بسبب إعلان أمينه العام السابق محسن مرزوق الانشقاق برفقة عدد من القياديين، فبعد أن نال الحزب المرتبة الأولى خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة بحصوله على 86 مقعدًا، أضحى الآن في المرتبة الثانية خلف حركة النهضة بـ 64 مقعدًا، وترجع هذه الانقسامات في حركة نداء تونس إلى افتقارهم إلى برنامج يوحدهم ويلم شملهم بعد خروج مؤسس الحزب منه عقب توليه رئاسة الجمهورية.
في مقابل ذلك بقيت حركة النهضة متماسكة رغم بعض الاستقالات التي لم تؤثر في الهيكل العام للحركة وبعض الخلافات التي زادتها تجربة وخبرة، وكثيرًا ما أكد قياديو الحركة أن العمل الجماعي داخل أي حزب تتخلله اختلافات في وجهات النظر وتناقض في المواقف، مشددين على أن الاختلاف داخل حركة النهضة يُحسم عن طريق آلية التصويت داخل مؤسساتها وهو ما يجعلها “حركة ديمقراطية ومنسجمة”، معتبرين أن الاختلافات داخل الحركة “علامة ثراء وتنوع”.