برز نجم توفيق عكاشة في أعقاب الثورة المصرية في يناير من العام 2011، بعد أن كان أحد أبرز أعضاء الحزب الوطني المنحل وعضو برلمانه المزور في العام 2010، وذلك من خلال شخصيته المثيرة للجدل.
عكاشة الذي كان يعمل في التليفزيون المصري كمقدم برامج، حيث كان يقدم برنامج “أحزاب وبرلمان”، وبعد فترة قصيرة قام بتدشين قناته الفضائية ”الفراعين” فى صيف عام 2009 وخاض من خلالها عدد لا نهائي من المعارك الشخصية، متبنيًا وجهات نظر متناقضة دائمًا ومعادية في العموم لثورة الخامس والعشرين من يناير.
ظل توفيق عكاشة في عداء مع أي منتج يخرج عن ثورة يناير سواء برلمان 2012 أو انتخابات الرئاسة التي فاز بها الدكتور محمد مرسي الرئيس السابق، حيث اتخذ موقف المحرض الصريح ضد حكم مرسي مستدعيًا الجيش في كل وقت وحين للتدخل في العملية السياسية وإسقاط الرئيس، حتى كان لعكاشة ما أراد بعد أن أصبح أحد أبرز الوجوه التي تخاطب العامة وتحشد ضد نظام الرئيس السابق محمد مرسي وجماعته “جماعة الإخوان المسلمين”.
ظهر عكاشة عقب انقلاب الثالث من يوليو كبطل متصدر لمشهد الثلاثين من يونيو الذي كان التمهيد الأول للانقلاب على الرئيس السابق، وقد بدا الرجل مدعومًا من إحدى الجهات السيادية التي منعت عن عكاشة تنفيذ أحكام قضائية وأنقذته من إغلاق قناته طوال عهد مرسي رغم مخالفاته لكافة المواثيق الإعلامية وصدور أحكام واجبة النفاذ ضده.
لغز عكاشة والجهة التي تقف ورائه تم حله عن طريق توفيق عكاشة نفسه الذي أكد في أحد لقاءاته الإعلامية أنه كان ضمن مخطط أمني للإطاحة بالرئيس السابق عبر التحريض الإعلامي، واستخدام لغة شعبية للتقرب من الجمهور لتقليب الرأي العام ضد حكم جماعة الإخوان، مشيرًا إلى أن هذا الأمر جاء عبر تنسيق مع جهات سيادية.
ثم صعد عكاشة بمعاركه إلى البرلمان الجديد الناتج عن انقلاب الثالث من يوليو كأحد أكثر نواب البرلمان الجديد حصولًا على أصوات شعبية في دائرته، بعد أن أتم مهمة الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، ومن ثم تثبيت حكم الجنرال عبدالفتاح السيسي بعد صعوده إلى الرئاسة.
وقد ظهر عكاشة في كافة هذه المراحل كأحد الأذرع الإعلامية التي تحركها الأجهزة السيادية في الدولة والتي تستخدمه في تمرير مخططات إعلامية بعينها تجاه الرأي العام، وذلك طبقًا لأحد تسريبات مكتب السيسي التي أُذعيت وأوضحت كيفية التعامل مع وسائل الإعلام من جانب رجال السيسي، ومن قبلها تسريبات أذاعتها شبكة رصد اعترف فيها السيسي بمفهوم الأذرع الإعلامية.
بدا عكاشة مدعومًا من إحدى الجهات السيادية للدرجة التي جعلته لا يخشى الوقوع تحت طائلة أي قانون، وقد انعكس ذلك على تصرفاته في مهاجمة الخصوم بكل أريحية تامة، لا سيما وإن كانوا خصومًا للنظام الحالي، حتى أنه كان أحد العوامل التي اعتمد عليها النظام الجديد في تشويه ثورة يناير عن طريق اعتماد روايته في مسألة اقتحام السجون وإشاعة تدخل حركة حماس في الوضع المصري، حتى وصل به الحال إلى دعم دولة الاحتلال الإسرائيلي أثناء قصفها لقطاع غزة.
وقد خرج عكاشة على المصريين بآخر تصرفاته المثيرة للجدل حينما استقبل السفير الإسرائيلي في مصر بمنزله حيث تناولا العشاء سويًا، وخرج بعدها عكاشة مدافعًا عن موقفه ومؤكدًا أنه لصالح مصر مدعيًا أنه دعا إسرائيل للتدخل لدى إثيوبيا لحل مشكلة سد النهضة، كما أكد أنه طلب من إسرائيل بناء مدارس في مصر تعويضًا لمذبحة مدرسة بحر البقر في الشرقية التي قام بها سلاح الجو الإسرائيلي إبان حرب الاستنزاف.
كل تبريرات عكاشة لموقفه لم تنجح في وقف سيل الاتهامات التي لحقت به لا سيما وأنه عضو في البرلمان المصري، حيث اتهم بالتطبيع مع إسرائيل من قبل العديد من أعضاء البرلمان، وبدأت معاركه مع إعلاميين آخرين محسوبين على النظام أيضًا لكن يبدو أن من يحركهم جهة سيادية أخرى غير تلك التي ترعى عكاشة.
لاقى عكاشة من المنتمين إلى الفكر الناصري اتهامات بالخيانة والعمالة بعدما أصر على صحة موقفه، متباهيًا بزيارته لإسرائيل أكثر من مرة، ففي أول رد فعل في البرلمان تعرض عكاشة لاعتداء بالحذاء من قبل أحد الأعضاء الناصريين يُدعى “كمال أحمد”، ولم تقف ردود الأفعال عند هذا الحد بل تصاعدت مطالبات بإسقاط عضويته نهائيًا من البرلمان قادها النائب الناصري مصطفى بكري المعروف عنه موالاة النظام والذي لا يبتعد كثيرًا عن دائرة أذرع النظام الإعلامية المقربة من الجيش.
واصطدمت بهذه الصورة أذرع إعلام النظام الموالية لجهاته السيادية ببعضها البعض، بعدما صوت أعضاء مجلس النواب، اليوم الأربعاء، على إسقاط عضوية النائب توفيق عكاشة، على خلفية استقباله للسفير الإسرائيلي بالقاهرة، بإجمالي أصوات بلغت 403 صوت، وبذلك تم إسقاط عضوية عكاشة بعد أن وافق ثلثي أعضاء المجلس وفقًا للدستور.
وقد شهدت هذه الجلسة حضورًا مكثفًا لنواب البرلمان للتصويت على بند إسقاط العضوية عن النائب عكاشه الذي اشتهر بأوصاف كنائب التطبيع والخائن ، على حد وصف الإعلامي مصطفى بكري الذي خاض المعركة ضده بشكل شخصي.
المفارقة أنه لم يتدخل أحد لانقاذ توفيق عكاشة في اللحظة الأخيرة كما يحدث دائمًا، وهو ما قد يُنبئ أن ثمة إرادة أخرى داخل النظام نفسه تغلبت على داعمي عكاشة في حرب داخلية طاحنة بين أركان النظام تظهر في معارك كهذه.
فعلى الرغم من غرق الدولة المصرية بمؤسساتها الرسمية وبعض الشعبية منها في مسألة التطبيع مع دولة الاحتلال، إلا أنهم فضلوا الإطاحة بعكاشة بهذه التهمة، وهو الأمر الذي استدعى عكاشة للتعريج على علاقة السيسي بتل أبيب التي لا يخفيها الإعلام العبري على أي حال.
وقد ظهرت متانة علاقة الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي بإسرائيل في كثير من تصريحات الثناء المتبادلة بين القيادة الإسرائيلية والسيسي، التي كان آخرها وصف السيسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بالزعيم، وكذلك تصريح أكثر من مسؤول إسرائيلي بأن العلاقة الأمنية بين مصر وإسرائيل في أقوى مراحلها التاريخية في عهد السيسي.
كل هذه الشواهد لا تجعل استقبال عكاشة للسفير الإسرائيلي جرم في أعراف رجال الدولة والنظام المصري، لا سيما وأن العلاقات الاقتصادية بين رجال أعمال مصريين وتل أبيب فاقت حدود التنسيق وأصبحت شراكة علنية دون أن يجرؤ أحد من النظام في مصر على اتهامهم بالعمالة أو بالتطبيع.
كما يمكن قراءة هذا المشهد الذي انتهى بإسقاط عضوية المثير للجدل توفيق عكاشة بأنه أحد إرهاصات التطاحن الداخلي بين أجهزة النظام وطوائف الحكم في مصر المكونة من المؤسسة العسكرية الحاكمة بمندوبها في الرئاسة والجهات السيادية وتحالف المصالح ورجال الأعمال والدولة العميقة بجهازها البيروقراطي، بما يُشير إلى كون عكاشة ضحية لهذا الصراع أكثر منه ضحية لموقف لا يفرق كثيرًا عن موقف رئيس الجمهورية فيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل.