لعل أسوأ ما في موضوع مشروع القانون الجديد الذي صادقت عليه اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي، لإدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة المنظمات الإرهابية الأمريكية، هو رد فعل الجماعة في مصر، حيث بدا وكأن الزمن لم يمض بالجماعة، وهي تعبر – في بيان أصدرته بعد الحدث بأيام – عن “سلميتها في أحلك الظروف”، وأن لها “ثوابت حاكمة”، وأنها سوف تبدأ في التفكير في حملة للرد على هذه الخطوة التي ربما لم تكن مفاجئة للكثيرين.
فعلى أبسط تقدير، فقد كان من الواضح أن هناك العديد من المشكلات التي ظهرت في الأفق أمام الإخوان المسلمين في الغرب، منذ أن بدأت الحكومة البريطانية في مراجعة أوضاع الجماعة، وكان من المنتظر أن تتم هذه الخطوة في الولايات المتحدة كذلك، في إطار تطورَيْن أساسيَّيْن، التطور الأول هو أخذ الدولة العميقة في مصر، وفي دول عربية أخرى تمثل فاعلين رئيسيين في المنطقة مثل الإمارات والسعودية والأردن، زمام المبادرة في التعامل مع نشاط الأطر الثورية المصرية وجماعة الإخوان المسلمين بشكل عام، والحكومات التي تدعمها في العالم وخصوصًا في الغرب.
وكان أهم مظاهر ذلك، هو قرار الحكومة البريطانية بمراجعة أوضاع الجماعة في بريطانيا، ونتج عنها تقرير مثير للجدل صدر في منتصف ديسمبر 2015، وكان قرار تشكيل اللجنة التي أشرفت عليه بتأثيرات سعودية أساسًا إبان فترة حكم العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، لدرجة أن من أشرف على اللجنة التي قامت بإعداد التقرير هو السير جون جينكينز السفير البريطانى السابق لدى المملكة العربية السعودية، بينما صدر محتواه بضغوط من الإمارات التي رهنت عقود تسلح ضخمة مع بريطانيا بصدور التقرير بشكل سلبي ضد الإخوان.
وثمة ملاحظة هنا تبرز الأهمية التي كان يجب على جماعة الإخوان المسلمين التفكير المبكر بها فيما جرى ولا يزال يجري في أورقة الكونجرس الأمريكي، وهي أن التقرير البريطاني كان من المقرر أن يصدر في ربيع العام 2015 الماضي، من دون إدانة للإخوان المسلمين، بينما قادت ضغوط أبوظبي، التي تصدرت الملف بعد أشهر من التهدئة بين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وبين الإخوان المسلمين في تلك الفترة، إلى تأجيل صدوره حتى يتم تضمين ما جاء فيه في صدد “اعتبار أن الانتماء لجماعة الإخوان والارتباط بها ينبغي اعتباره مؤشرًا محتملاً على التطرف”.
وكان قد سبق ذلك في أغسطس 2014، حظر حسابات بنكية من بينها حسابات تابعة لأنس التكريتي، مدير مركز “قرطبة” في بريطانيا وأحد أهم حلقات الاتصال التابعة للإخوان المسلمين في الخارج مع الحكومات والبرلمانات ومؤسسات المجتمع المدني في الغرب.
كذلك تبدل موقف الحكومة الألمانية من الإخوان المسلمين بوضوح بعد الزيارة الشهيرة التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى ألمانيا في منتصف يونيو الماضي، لدرجة أن الأجهزة الأمنية في الحكومة الألمانية تعاونت مع نظيرتها المصرية ومع السفارة المصرية في برلين كذلك في تتبع نشطاء مصريين مقيمين في ألمانيا أو يتنقلون في أوروبا، وتم بالفعل القبض على عدد منهم عندما عادوا من ألمانيا، وأشهر حالة في هذا الصدد هي حالة الناشط إسماعيل الإسكندراني.
التطور الثاني الذي نشير إليه في هذا الصدد، وكان ينبغي أن يثير اهتمام المعنيين داخل الجماعة في صدد مثل هذه الخطوة التي تمت في اللجنة القضائية داخل مجلس النواب الأمريكي، يتعلق ببدء الانتخابات التمهيدية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي الأمريكيَّيْن، لاختيار مرشحَيْ الحزبَيْن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر المقبل.
ومن المعروف – وهذا تقليد عتيق في مثل هذه الحالات – أن المرشحين المحتملين للحزب الجمهوري سوف يعمدون إلى تبني مواقف صريحة مضادة لسياسات الحزب الديمقراطي، باعتبار أن الرئيس الحالي باراك أوباما، ينتمي إليه، والمبرر: الأمن القومي الأمريكي، بطبيعة الحال.
فإدارة أوباما استقبلت العديد من الرموز والقيادات الإخوانية خلال السنوات التي تلت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، بما في ذلك رموز من مكتب لندن وعلى رأسهم أنس التكريتي، وكذلك رموز من المجلس الثوري المصري مثل الدكتور محمد جمال حشمت، سواء من جانب الإدارة الأمريكية نفسها أو من جانب وزارة الخارجية الامريكية، حتى بعد الانقلاب الذي وقع في مصر في يوليو 2013، في خطوة دعم واضحة في حينه، قبل أن تتدخل الحكومة المصرية لوقف مثل هذه اللقاءات بعد ذلك.
ومن ثَمَّ؛ كان من المتوقع أن يقوم خصوم الديمقراطيين في الحزب الجمهوري الأمريكي بالعمل على حشد مجموعة من المواقف التي تتعارض مع سياسات إدارة أوباما الديمقراطية في الأمور الخارجية والداخلية، ومن بينها ملفات الشرق الأوسط التي تمثل الملفات الأسخن حاليًا أمام حكومات الدول الغربية والرأي العام فيها، بعد أن طالتها نيران الحروب والأزمات المندلعة في المنطقة، سواء في صورة أعمال عنف وتفجير أو في صورة موجات هجرة.
وظهر ذلك بالفعل في مواقف دونالد ترامب من قضية المهاجرين والأجانب وخصوصًا المسلمين في الولايات المتحدة.
ويدل على أنه كان هناك ضرورة للانتباه إلى مثل هذه الخطوة مبكرًا، التحولات الحاصلة في الرأي العام الأمريكي تجاه مثل هذه الأمور وأنها أصبحت أولوية لديه، في ظل ما يجري في سوريا وعلى حدود الدول الأوروبية بل وفي دول أوروبا نفسها، كما وقع في فرنسا في نوفمبر الماضي.
وهو ما يبدو واضحًا في التقدم الكبير الذي يحققه المرشح الجمهوري المحتمل دونالد ترامب الذي قهر منافسيه في غالبية الولايات الأمريكية التي جرت فيها الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري لاختيار مرشحه للانتخابات الرئاسية، بل إنه حقق فوزًا كبيرًا في ولايات الثلاثاء العظيم الأول من مارس، حيث جرت الانتخابات التمهيدية في 12 ولاية أمريكية.
المدهش في الأمر كذلك، أن مشروع القانون المعني قد تم التقدم به منذ فترة، 15 نوفمبر الماضي تحديدًا، ولم يتم اتخاذ أي رد فعل إزائه حتى تبنته لجنة الشؤون القضائية في مجلس النواب الأمريكي.
ويدل على ذلك، تصريحات للدكتور عبد الموجود الدرديري المتحدث باسم لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والذي يترأس مركز “الحوار المصري الأمريكي بواشنطن”، بأنه كان حاضرًا جلسة التصويت التي تمت في الثالث والعشرين من فبراير.
صدر بيان الجماعة في مصر في التاسع والعشرين من فبراير أي بعد حوالي أسبوع من الحدث الذي كان معروفًا منذ البداية أنه يتم تداوله في أروقة الكونجرس الأمريكي، ولم يحوِ أي شيء في صدد الإجراءات الفعالة التي سوف تقدم عليها الجماعة في مصر وخارجها في هذا الصدد.
الدرديري ورموز آخرين في تنظيم مصر وكذلك في لندن ومن بينهم محمد سويدان أحد أشهر وجوه الأزمة الحالية التي تضرب تنظيم مصر، ذكروا أن هناك “تخطيط” لتفعيل دور مركز الحوار المصري الأمريكي بالتعاون مع الجالية المصرية والعربية والإسلامية على أربع مرتكزات، من بينها التواصل مع الإدارة الأمريكية نفسها للتأكيد على أن مشروع القانون هذا، يضر بمشروع الديمقراطية، وهو تعبير غير موفق لأنه سوف يُفهم منه في مصر أنه استعانة بالأمريكيين في مشروع التغيير والإصلاح في مصر، وهي تهمة جاهزة للنظام المصري، منذ حتى أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وكان الإخوان يتحرصون للغاية من مثل هذه الأمور.
الطريف أن تصريحات الدرديري أشارت إلى أنهم سوف يخاطبون الإدارة الأمريكية بالقول أن مشروع القانون حال إقراره “سيكون هدية للجماعات المتشددة لتبرير رؤيتها أن أمريكا لا تهتم بالديمقراطية”، ولا أحد يدري من هي الجماعة المتشددة التي تهتم بصورة المشروع الديمقراطي الأمريكي!
يحتاج مشروع القانون حتى يصبح قانونًا نافذًا، التصديق عليه من مجلسي الكونجرس، النواب والشيوخ، قبل أن يتم إرساله للرئيس الأمريكي لإقراره.
وهنا ثمَّة أمر لا بد من التنويه إليه، وهو أن مصير هذا القانون سوف يحدده مصير الإدارة الديمقراطية الحالية؛ فلو فازت هيلاري كلينتون بالرئاسة الأمريكية وهي الأقرب لترشيح الحزب الديمقراطي لها في الانتخابات المقبلة في نوفمبر الماضي بعد نتائجها الإيجابية في الولايات التي تمت فيها الانتخابات التمهيدية؛ فإن مشروع القانون سوف يُرفَض من جانب الإدارة الأمريكية في الغالب، في ظل مؤشرات على مواقف إيجابية عدة للإدارة الديمقراطية الحالية، من الإخوان المسلمين منذ ثورة يناير 2011 وحتى ما قبلها.
وكان من هذه المواقف، مواقف صدرت بالفعل خلال تولي هيلاري كلينتون وزارة الخارجية الأمريكية في إدارة أوباما الأولى، خلال فترة تولي الإخوان للحكم في مصر حتى يونيو 2013.
أما لو كان الفائز في انتخابات الرئاسة الأمريكية جمهوريًّا، سواء تيد كروز أو دونالد ترامب، الذي تبدو حظوظه أفضل في هذه الانتخابات؛ فإن مشروع القانون في الغالب سوف يتم تمريره.
وهنا سوف تكون هناك مشكلة كبرى أمام عشرات المؤسسات التي أسسها الإخوان في الولايات المتحدة منذ الستينات الماضية وتخدم ملايين المسلمين في الولايات المتحدة وفي أمريكا الشمالية بشكل عام.
كانت أول هذه المؤسسات “رابطة الطلاب المسلمين”، وتأسست في العام 1963، ثم الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية “ESNA“، وتأسست عام 1981، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، الذي تأسس في نفس الفترة تقريبًا.
أما أهم هذه المؤسسات فيما يتعلق بخدمة المسلمين في هذا البلد الشاسع المعادي، فهي الجمعية الإسلامية الأمريكية “MAS“، وتتبعها عشرات المؤسسات الأخرى، ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية “CAIR“.
فلو تم إقرار هذا القانون؛ سوف يتضرر الملايين بالفعل من المهاجرين والطلبة المسلمين في الولايات المتحدة، فمشروع القانون ينص على أنه “يُمنع على أي أمريكي أو مقيم على أراض أمريكية من التعامل مع أي شخص أو جهة على علاقة بتنظيم الإخوان في أي بقعة من العالم”.
كما أنه “يمنع أي مواطن أجنبي على صلة بالتنظيم من دخول الأراضي الأمريكية”، بالإضافة إلى “حظر أية ممتلكات أو أموال في حوزة مؤسسات مالية أمريكية تخص الجماعة”.
أضف إلى ذلك، أنه لو تم إقرار هذا القانون من جانب الكونجرس وأية إدارة أمريكية مقبلة؛ سوف يؤثر بشكل كبير في المستويين السياسي والإعلامي، على حراك الأطر الثورية المصرية في الخارج، والتي يشكل الإخوان المسلمون عمودها الفقري؛ حيث سوف يكون للقانون صدى كبيرًا لدى حكومات الاتحاد الأوروبي وبرلماناتها.
وسوف تزداد حدة هذا التأثير في ظل أوضاع متوترة أصلاً يواجهها المسلمون في هذه البقاع من العالم!
إذًا الأمر خطير وليس “شو انتخابي” كما قال بعض أقطاب الجماعة في الخارج، وفي انتظار تحرك فاعل من الجماعة، وفي انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية؛ سوف تبقى مصالح ملايين المسلمين في الولايات المتحدة وخارجها، معلقة ومهددة، في انتظار أن يعالج “الكبار” في الجماعة، مشكلاتهم.