ليس غريبًا أن تكون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لديها أعلى معدل بطالة في العالم بأسره كما جاء في تصريح للمدير العام أمس لمنظمة العمل الدولية غاي رايدر أثناء زيارة إلى المغرب تستمر ليومين على هامش مشاركته في أعمال المنتدى الدولي الثالث حول السياسات العمومية للتشغيل الذي تستضيفه مراكش، وأثناء الزيارة تم توقيع اتفاقية بين المنظمة والمغرب حول التربية المالية للمساعدة على خلق فرص عمل في البلاد.
غياب التخطيط الاقتصادي الممنهج في البلاد العربية وعدم تطابق برامج التعليم في معظم الدول العربية مع حاجات سوق العمل الفعلية و عدم تجاوب التكوين التعليمي في معظم الدول العربية مع التطورات التكنولوجية السريعة في عالم اليوم، من أهم الأسباب التي جعلت نسبة البطالة في العالم العربي الأعلى في العالم.
بالفعل تعد مشكلة البطالة إحدى أبرز المشكلات الرئيسية التي تواجه العالم بما فيها المنطقة العربية مع اختلاف مستويات تقدمها وأنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالبطالة في تفاقم مستمر بمعنى أن الأفراد القادرين على العمل والراغبين فيه والباحثين عنه دون أن يعثروا عليه في تزايد مستمر ومطرد.
غاي حث على العمل على المستوى العربي للرفع من نسب النمو إضافة إلى مساهمة القطاع الخاص في خلق فرص العمل: “لأنه من الخطأ اعتبار أن القطاع العام هو الذي يخلق فرصًا للعمل فقط”.
وتابع غاي “هناك أزمة تشغيل للشباب بالعالم، يعيش 200 مليون عاطل عن العمل حول العالم حاليًا والشباب هم الأكثر معاناة من هذه الأزمة الآخذة في التعمق”.
بلغت معدلات النمو في العالم ما بين 3 و3.5% وهي نسب غير متكافئة من أجل المساهمة في خلق فرص عمل لـ 40 مليون شاب يدخلون سوق العمل سنويًا، لذلك هناك حاجة ماسّة لسن سياسات تهم القطاعات الاقتصادية الكبرى بالدول العربية بهدف تحسين مناخ العمل وسياسة تستهدف الفئات المهمشة والشباب والنساء بحسب غاي.
ليس بخافٍ أن البطالة من أشد المخاطر التي تواجه المجتمعات العربية وتماسكها ولها تبعات اقتصادية واجتماعية سيئة، ومن أبرز العوامل التي ساهمت في تفاقم البطالة بالمنطقة العربية بالمجمل في العقود الماضية هي:
– فشل برامج التخطيط الاقتصادي وتفاقم أزمة المديونية الخارجية.
– نمو قوة العمل العربية سنويًا دون خلق فرص عمل للملتحقين بسوق العمل.
– انخفاض الطلب على العمالة العربية عربيًا ودوليًا.
– المنعكسات السلبية للمتغيرات الدولية على العمالة العربية.
تعد هذه الأسباب عامة في تحديد مشكلة البطالة في العالم العربي خلال العقود الماضية مع وجود تطور ملحوظ في بعض البلدان الخليجية لاتباع سياسات اقتصادية تساهم في رفع نسب النمو في البلاد وخلق فرص عمل جديدة.
على مدار العقود الماضية تبدت مشكلة البطالة في إخفاق خطط التنمية الاقتصادية في البلدان العربية وخاصة بعد الوفرة النفطية التي شهدتها فترة التسعينات، ففي دراسة أجراها مركز دراسات الوحدة العربية أوضحت أن من “أبرز مظاهر خطط التنمية الاقتصادية هو وقوع أغلب الدول العربية في مأزق المديونية الخارجية التي وصلت سنة 1995 إلى نحو 220 مليار دولار”، أضف إلى ذلك “هروب الأموال العربية إلى الخارج والتي تقدرها مصادر بأكثر من 800 مليار دولار”، فضلاً عن أن العالم العربي عانى ولا يزال يعاني نسبيًا من انتشار الأمية بين المواطنين حيث وجد أكثر من 60 مليون عربي أمي.
حتى عندما قررت الحكومات تنفيذ برامج الخصخصة لم توفق في القضاء على البطالة، كما أن الحكومات العربية لم تنجح في إدارة الشركات والمؤسسات التي انتقلت إلى الخصخصة ليتم تسريح أعداد كبيرة من العمال وخفض رواتب الآخرين الذين بقوا في وظائفهم ما أدى إلى رفع معدل البطالة لمستويات عالية، بسبب تخلي الحكومات عن دورها التخطيطي واتباع دور الإشراف والتوجيه عن بعد وهذا غيّب الأدوات الفعالة لتنفيذ الخطط التنموية من أجل الحد من البطالة، وما ضاعف من المشكلة قيام الشركات الأجنبية التي تولت إدارة المؤسسات بعد خصخصتها بترحيل أرباحها للخارج مما أثر سلبًا على موازين المدفوعات والقدرة التراكمية للبدان العربية.
كما جربت الدول العربية تطبيق برامج التصحيح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي سواء كانت مرغمة أم غير مرغمة على ذلك، من أجل مساعدتها على تحقيق معدلات نمو جيدة والتخفيف من حدة المشكلات الاقتصادية التي تواجهها، إلا أن البرامج أدت دورًا معاكسًا حيث زادت الفجوة في طبقات المجتمع وزادت من أعداد العاطلين عن العمل وأفقرت قطاعات كبيرة من الشعب نتيجة رفع الدعم عن السلع والخدمات الأساسية، فتوصيات صندوق النقد كانت سببًا في تفاقم المشكلة لا حلها من خلال:
– تخلي الدولة عن الالتزام بتعيين الخريجين وتقليص التوظيف الحكومي.
– تقليص معدلات الإنفاق العمومي الموجه للخدمات الاجتماعية والذي أدى بالتالي إلى خفض في طلب الحكومة على العمالة التي تشتغل بهذه الخدمات.
– تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي أدى إلى خفض الاستثمار الحكومي في خلق طاقات إنتاجية جديدة تستوعب الأيدي العاطلة.
– التوجيه غير السليم للموارد المالية العربية.
– وفي النهاية عدم استثمار الفوائض المالية الناجمة عن فورات النفط في مشاريع استثمارية وتوسيع قاعدة الإنتاج في مختلف المجالات بل توسعت الدول العربية في الإنفاق الجاري، والإنفاق أكثر على التسلح وتمويل الحروب التي اندلعت في المنطقة العربية على مر العقود الماضية، مما أدى إلى الوقوع في شراك المديونية وخدمتها.
أما الآثار التي تتركها فهي بين اقتصادية واجتماعية ونفسية؛ فمن حيث إنها آثار اقتصادية تتمثل بالهدر الكبير في الموارد البشرية الإنتاجية غير المستغلة وانخفاض مستوى دخل الفرد وما يترتب على ذلك من انخفاض القوة الشرائية والإنفاق الاستهلاكي وحجم الإدخار مع ما ينتج عنه من كساد في الاقتصاد.
في حين تلعب الآثار الاجتماعية دورًا محوريًا في انخفاض التقدير الشخصي للعاطل عن العمل وارتفاع معدلات الجريمة والانحلال الخلقي وتوجه الشباب العاطل نحو التطرف.
وتكون نفسية العاطل عن العمل منهارة ويُنظر إليه في المجتمع بأنه محتقر ويوسم بصفات غير جيدة وهذه تشكل الآثار النفسية .
أخيرًا مشكلة البطالة هي قضية متجذرة في الاقتصاد السياسي استنبط علماء الاقتصاد من أجل التخفيف من حدتها والقضاء عليها نظريات اقتصادية مختلفة استخدمت سياسات مالية في ذلك، ويعد مالتس وريكاردو وجون ماينارد كينز من أبرز الشخصيات الاقتصادية التي ناقشت هذه المشكلة وطرق حلها.
وعلى العالم العربي اليوم تطبيق جملة من المقترحات من أجل التخفيف من هذه البطالة منها ما يلي:
– زيادة الإنتاجية من خلال تنشيط النمو الاقتصادي وإصلاح النظام التعليمي بحيث يساهم التعليم في خلق اقتصاد خاص نشط.
– وضع سياسة شاملة متناسقة لمواجهة البطالة وعدم ترك القضية للوزارات والهيئات المختلفة كل يرى تشخيصًا مختلفًا وحلاً مختلفًا.
– ارتباط برامج مواجهة البطالة بالسوق ومتطلباته.
– ضرورة فهم ودراسة المستهدفين بالتدريب ورفع كفائتهم قبل تخطيط برامج تدريبهم.
– تفضيل المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم فهي تستوعب يد عاملة أكثر من المشاريع الكبيرة.
– الاهتمام بكل القطاعات دون استثناء وأهمها الزراعة التي توفر فرص عمل كثيرة.
– اتباع سياسات النمو المستدامة فهي أنجع سياسة للقضاء على البطالة والفقر.