تم تعيين علي محسن صالح الأحمر نائبًا للقائد الأعلى للقوات المسلحة والأمن – وهو منصب يحظى به رئيس الجمهورية في اليمن – وتم ترقيته إلى رتبة فريق، خطوة جديدة ومنصب جديد وتوقيت حساس وشخصية لا خلاف على قوتها ولا على قدرتها العسكرية أو نفوذها وعلاقتها بالشخصيات النافذة مدنيًا وعسكريًا وقبليًا.
علي محسن هو الرجل الثاني في الدولة منذ استقرار علي عبد الله صالح في الحكم، وهو الرجل الذي كان يستغل الخلافات التي كان دهاء علي صالح ينشبها بين القبائل، فكان الأخير يمر بمبدأ فرق تسد بين القبائل ويمر وراءه علي محسن باتفاق ما وراءي مع صالح بمبدأ التوافق الوهمي، فكان يظهر أنه الحريص على التوافق القبلي وإخماد الخلافات التي كانت تصل للحروب في معظم الأحيان، فكان يصلح بين القبيلتين ويجند أفرادها ويمدها بالسلاح والمال قيد بقيد مع علي عبد الله صالح.
يُعرف علي عبد الله صالح بغطرسته حتى وهو يعطي، بعكس علي محسن الذي كان يجعل الجميع مقربًا منه، فكان معظم زعماء القبائل المتحاربة بمناصب ضباط في الفرقة الأولى مدرع – التي كان محسن يرأسها – تتفاوت رتبهم، يستلمون رواتب هذه المناصب ويأخذون مستحقاتها المعيشية والمادية والغذائية من الدولة لمجرد الولاء و(كفاية الشر) وكان أفراد هذه القبائل بأسماء جنود في المعسكر ذاته، وهنا يتفاوت أمر المستحقات فمنها ما يذهب لأولئك الأفراد والبعض يتوقف عند باب زعيم القبيلة وتظهر مشكلة الأسماء الوهمية جلية من حين لآخر.
علي محسن والفرقة الأولى مدرع، عُرفت هذه الفرقة بعدة أسماء تبين مدى الخبث الذي كان يعمل علي محسن فيه، فكانت تسمى معسكر الإسلاميين، والحضن الأخير للاشتراكيين والناصرين، وكانت تعرف بمعسكر القبائل، هنا يظهر جليًا أن علي محسن جمع الجميع لديه، فكان الذراع اليمين لعلي عبد الله صالح وكان اسمًا ثابتًا في قوائم الأصدقاء لكل المعارضين.
في 21 مارس 2011 انضم محسن للثورة الشبابية وأنشأ ما سمي حينها بالجيش المؤيد للثورة – كون الثورة كانت ذات طابع سلمي بحت – فتولت حماية ساحة الاعتصام في صنعاء بشكل تام من جميع المنافذ، وكان لدهاء محسن هنا دور آخر؛ فقد جيّشت كثير من الأحزاب شبابها في المعسكر الرئيسي، فنصب عليهم قادة من عنده وسلمهم مهمة حماية المنافذ وتقدم المواجهات التي كانت في أرجاء المنافذ لمحاولة اقتحام الساحة.
انضمام علي محسن للثورة كان انكسارًا حقيقيًا لصالح، محسن يعرف كيف يفكر صالح ورجاله فاستغل علاقاته بشكل أبدى صالح ضعيفًا – لوهلة – وهو أمر لم يعتد عليه صالح، فكثير من ضباط صالح تحولوا لضباط محسن وكثير ممن أدانوا بالولاء لصالح لزمن أخذهم محسن في ليلة وضحاها، وكثير ممن كانوا ضمن فكرة الثورة ضد صالح بصمت انتظروا خطوة انضمام محسن ليقوموا بالانضمام تباعًا، وهو الأمر الذي فعلته عشرات القبائل واحدة بعد أخرى ابتداءً من عائلة الأحمر ذات الطابع القبلي الكبير والأمر الذي فعله كثير من ضباط الاشتراكي والناصري وحتى من الضباط المحسوبين على الحزب الحاكم حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يقوده صالح، كان علي محسن يعني الكثير للكثير، كان الصوت الأكثر ذكرًا في مجالس الطرفين، ما فعله محسن أوجع صالح ورجاله لفترة.
بالانتقال لما بعد تولي عبد ربه منصب الرئيس كان وجود علي محسن مهمًا جدًا لرجل مثل عبد ربه، وهو الصامت جوار علي عبد الله صالح طيلة 17 عامًا في منصب نائب الرئيس، النائب الذي لا مهمة له سوى مرافقة صالح في الاحتفلات الرسمية، حين اقترب محسن من عبد ربه في منصب مستشار عسكري استطاع وضع النقاط على الحروف حيث كان هو الوحيد الذي يعرف خبايا الجيش والأمن فمن يقود هذه المؤسسة هم – حرفيًا – عائلته ومن يرضون عنهم، فكان هناك تغيير بارز – تجاوز وزير الدفاع – في مناصب العديد من قيادات المؤسسة العسكرية والأمنية بشكل مؤلم هو الآخر لمن تربع على هذه المناصب لسنوات ظنوا ألا نهاية لها، وبحرية تجاوزت قوانين الدولة ومعايير المهنية بل والشرف العسكري.
كلف عبد ربه علي محسن الرجوع إلى معسكر الفرقة الأولى مدرع للدفاع عن صنعاء قبل دخول الحوثيين إليها بأيام! دونًا عن كل معسكرات الحرس الجمهوري المحيطة بصنعاء والتي كان يبدو أن يد الحوثيين أسبق في الوصول إليها، حين عاد محسن للمعسكر كان موعودًا من عبد ربه أن يصله الإمداد حال أن يصل للمعسكر ويتعرف على طبيعة الوضع هناك، وهو الأمر الذي لم يتم مطلقًا طيلة وجود محسن وضباطه المقربين داخل الفرقة تحت القصف نهارًا وليلاً، وكان عبد ربه يواصل وعوده مع كل اتصال يرده، وكان أمل محسن الكبير بعبد ربه يلفظ آخر أنفاسه مع اقتراب المليشيا من المعسكر بعد احتلالها صنعاء، الأمل الذي تبخر مع الشمس التي شهدت دخول الحوثيين للمعسكر لقتل محسن وضباطه، الأمل الذي كان سيحفظ ماء وجه الرئيس المندد بالخط الأحمر كلما اقتربت المليشيا الحوثية من مدينة لتدوس على الخط الأحمر بأقدامها، الأمل الذي كان آخر قنينة ماء تروي هيبة الدولة التي ماتت من العطش، غادر محسن للمجهول وبقي عبد ربه يعد الآخرين.
كان محسن أول الواصلين للسعودية في الوقت الذي كانت الميليشيا تقترب من بيت عبد ربه وتغير من حراسته وتبدلها بأخرى ممن تدين بالولاء التام لها، وتنتهك الدولة بكل أسمائها وصفاتها وتزيل بقايا قشور هيبتها، محسن هو الآخر يبدو أنه كان يقوم بالدور الذي أنتج عن وجود عاصفة الحزم التي بدت وكأنها مجرد استجابة لطلب عبد ربه فيما بعد، الأمر الذي لربما لم يكن ليكون لولا وجود رجل كمحسن وهو الصندوق الأسود لكل عبث صالح وكل ما أنتج وأفسد طيلة فترة حكمه، صالح الذي تحالف مع الحوثيين ليسترد كرامته ويشفي غليله، صالح الذي سلّم للحوثيين كل مخازن السلاح وكل معسكرات الحرس التي تدين له وكل أجهزة المخابرات ومعلوماتها، لقد سلم الرئيس السابق خبرته وما عليها للحوثيين فسقطت الدولة مرتين.
الميليشيا بدورها تعرف رجال القبائل الذين تميل ولاءاتهم للأقوى، فأبرزت قوتها لها واشترت الأخرى وأجبرت من استطاعت وبقي لديها البعض الذي لا تتجزأ مبادئهم فكانوا هم المطلوبون على الصعيد الأول في قائمة من يجب تصفيتهم، وفعلت ذات الأمر مع المدنيين والعسكريين، ونشرت شعارها في كل مكان وصلته.
أجبر الحوثيون كثير من رجال القبائل على ترك مبادئ القبيلة وتحقيق مصالح الجماعة خطوة تثبت أن الخوف أبو المبادئ في كثير من الأحيان، فرق الحوثي دم المعارضين بين رجال القبائل ثم جاء التحالف واستطاع في أيام قليلة إعادة ضبط الميزان الذي ظنت الميليشيا أنها رجحته لها للأبد، كان لمحسن دور كبير فلا أحد يعرف مخازن السلاح المكدس والأماكن الخفية للدولة مثله، لربما كان من أنشأها أيضًا، كان الأمر مخيفًا أكثر مما توقع الجميع، كان الأمر يعرض على ميزان الحرب، الميزان الذي لا يعدل سوى للأقوى.
محسن وخبرته العسكرية وإدارته للضباط والقبائل طيلة أعوام ماضية هي العامل الرئيسي والأساسي للزج به من مستشار عسكري وفلتر للمنضمين للشرعية إلى القائد الميداني الأول في عملية تحرير صنعاء ولربما وزير دفاع مؤقت أيضًا كون الوزير الصبيحي لا زال في سجن الحوثي، تعول السعودية على أن علاقة محسن بالحوثيين تشوبها 6 حروب مليئة بالدماء ومحاولات الاغتيال، ومحسن رجل مبغوض لدى الميليشيا الحوثية أفرادًا وقادة، محسن له رجاله داخل الصف الحوثي والذين سيخرجون للنور قريبًا وسيحتفظ بآخرين للمد المعلوماتي الذي يعتقد الحوثيون أنهم وحدهم من يملكونه، سيعبث محسن بتركيب جدول العناصر الحوثي وستكون الفوضى الحوثية حوثية هي مفتاح الحل لتسريع انتهاء عبث الانقلاب الحاصل، تجارب محسن كلها تشير أنه ممن يفضل النار الهادئة في المطبخ السياسي/ العسكري، فهل يستمر بهذا أم أن صاحب المطبخ هذه المرة له قول آخر؟