بعدما كانت تونس تحتل المرتبة الثانية عالميًا بعد المغرب في إنتاج الفوسفات سنة 2010، وفق تقرير الاتحاد العربي للأسمدة، تليها الأردن وسوريا ومصر والجزائر، أصبحت اليوم غير مُصنفة بسبب تعطل الإنتاج في مدن الحوض المنجمي نتيجة عوامل عدة، حتى أصبح مصير شركة فوسفات قفصة الحكومية مهددًا بالإفلاس، مسببًا انخفاض النمو في البلاد.
وتواجه شركة فوسفات قفصة منذ سنة 2011 بسبب تنامي الحركات الاحتجاجية والمطلبية، صعوبات كبيرة أدت إلى توقف عملها لفترات في السنوات الخمس الماضية وتراجع إنتاجها تراجعًا كبيرًا، إذ إنها لم تحقق طيلة سنوات 2011، 2012، 2013، و2014 سوى إنتاج بلغ 11 مليون طن مقابل 8.2 مليون طن في سنة 2010 وحدها.
شركة فوسفات قفصة لم تنتج منذ بداية شهر يناير الماضي وحتى 6 فبراير من هذه السنة سوى 361 ألف طن من الفوسفات التجاري أي بنقص بلغت نسبته 41% بالمقارنة مع الهدف الذي وضعته هذه المؤسسة والرامي إلى إنتاج 615 ألف طن في نفس الفترة.
وكشفت بيانات صادرة عن الشركة أن إنتاج تونس انخفض سنة 2015 بشكل حاد بنحو 60%، حيث لم يتجاوز 2.6 مليون طن انخفاضًا من نحو 8 ملايين في 2010، وتقدر وزارة الصناعة التونسية الخسائر الناجمة عن تعطل إنتاج الفوسفات بنحو 2 مليون دولار خلال الفترة من 2011 إلى 2015.
ويتكون الحوض المنجمي من 4 مدن هي المظيلة والرديّف وأم العرائس والمتلوي التي تتبع إداريًا محافظة قفصة، وشركة فوسفات قفصة هي المشغل الرئيسي في جهة، وشهدت المحافظة عام 2008 (منطقة الحوض المنجمي) انتفاضة احتجاجية، إثر تزوير نتائج مسابقة توظيف في الشركة، وقمعت شرطة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي تلك الانتفاضة، ما أدى إلى قتل 4 متظاهرين، ومنذ ذلك الوقت تعيش قفصة على وقع الاحتجاجات المستمرة للمطالبة بفرص عمل لأبناء الولاية في شركة الفوسفات.
وبحسب بيانات وزارة الصناعة والمناجم في تونس فإن زيادة إنتاج الفوسفات في البلاد ستقود حتمًا بإنعاش قطاعات الصناعة المعملية وغير المعملية بصفة عامة بنحو 2% و6% في الصادرات الصناعية خلال سنة 2016.
وتأمل الحكومة التونسية في إعادة استقطاب الأسواق الخارجية التي كانت تصدر لها خاصة الأسواق الأوروبية التي تستحوذ على حوالي 75% من صادرات تونس.
في السابق كانت تونس تصدر حوالي 80% من إنتاجها من الفوسفات إلى أكثر من 20 سوقًا خارجية فيما تخصص الـ20% الباقية للسوق المحلية، إلا أن موجات الإضرابات في سنوات ما بعد الثورة إضافة إلى تنامي المطالب الاجتماعية من تشغيل ورفع في الرواتب ومنح الإنتاج، تسببت في فقدان تونس لعدد من أسواقها الخارجية.
وتعتبر الأسواق الآسيوية والأمريكية اللاتينية والأوروبية أبرز المستوردين العالميين لمادة الفوسفات من تونس، لكن العديد من الدول في هذه الأسواق حوّلت وجهتها إلى دول أخرى منتجة للفوسفات كالمغرب وغيرها بسبب توقف الإنتاج في تونس، وتراجعت حصة تونس من صادرات الفوسفات في الأسواق العالمية من 4.5% في 2010 إلى 3.2% في 2015.
وتقدر مساهمة قطاع الفوسفات والمنتجات المنجمية قبل ثورة 2011 بنحو 9% من إجمالي عائدات الصادرات التونسية.
وفي نهاية 2015 وقعت تونس مع الصين اتفاقية تتعلق بمشروع وحدة جديدة لإنتاج الأسمدة الكيميائية يقع في مدينة المظيلة التابعة لمحافظة قفصة بالجنوب التونسي يقدر معدل إنتاجها السنوي بحوالي 400 ألف طن من الفوسفات الرفيع، وبينت وزارة الصناعة أن الكلفة الإجمالية لإنجاز الوحدة يبلغ حوالي 320 مليون دولار وأنها ستدعم إنتاج تونس من الأسمدة الكيميائية.
وأبرم المجمع الكيميائي التونسي، مؤخرًا، عقدًا مع المؤسسة الحكومة للتنمية الفلاحية في بنغلاداش يتم بمقتضاه تزويد الحريف بكمية تبلغ حوالي 250 ألف طن من سماد ثلاثي الفوسفات الرفيع (TSP) خلال سنة 2016، بقيمة مالية تقدر بـ 200 مليون دينار.
كما كشف وزير الطاقة والمناجم منجى مرزوق أن شركاء تونس في الشركة التونسية الهندية للأسمدة وكذلك بعض الشركات الخاصة في دول أخرى ترغب في الحصول على كميات أكبر من الفوسفات التونسي لتحويله.
وأرجع خبراء تدهور قطاع الفوسفات في تونس إلى الاحتجاجات المتكررة التي ما انفكت تشهدها منطقة الحوض المنجمي، إذ كثيرًا ما يعمد الأهالي إلى تعطيل سير العمل بوحدات الإنتاج وقطع الطريق أمام شاحنات نقل الأسمدة وغلق السكة الحديدية المعدة لمنع مرور قطار نقل الفوسفات إلى معامل التكرير التابعة للمجمع الكيميائي التونسي الحكومي إلى محافظة قابس؛ وبلغت هذه الاحتجاجت مداها عام 2014، ما أدى إلى توقف الإنتاج نهائيًا في مصنع التكرير نتيجة صعوبة استخراج الفوسفات من المناجم.
وعادة ما يلجأ طالبو الشغل والمطالبون بتسوية وضعياتهم المهنية بجهة قفصة وخاصة بمعتمديات إنتاج الفوسفات وهي الرديف وأم العرائس والمتلوي والمظيلة إلى الاعتصام بمواقع استخراج وإنتاج الفوسفات وبمسالك نقله وبنقاط تزويد منشآت شركة فوسفات قفصة بالمياه الصناعية وهو ما يؤدي حتمًا إلى تعطل نشاط قطاعي الفوسفات والأسمدة.
نتيجة لهذه الاحتجاجات قامت الحكومات المتعاقبة في تونس بإضافة العديد من الوظائف في شركة فوسفات قفصة الحكومية لاستيعاب أكبر قدر من العاطلين غير أنها لم تفلح في كبح جماح الغضب الشعبي في المحافظات الفقيرة وفق خبراء الاقتصاد.
ويشغل قطاع الفوسفات في قفصة 30 ألف شخص بشكل مباشر وغير مباشر، وتمثل العائدات المالية لتصدير الفوسفات 10% من إجمالي إيرادات صادرات تونس، وفي 2010 أنتجت تونس أكثر من 8 ملايين طن من الفوسفات، لكن الإنتاج تراجع إلى 2.2 مليون طن عام 2011 وإلى 2.6 مليون طن في عام 2012 وإلى 3 ملايين طن في عام 2013 وإلى 3.5 ملايين طن سنة 2014، بحسب إحصاءات رسمية للشركة.
الشفافية في قطاع المناجم والطاقة
أثيرت في تونس بعد الثورة، عدة قضايا مرتبطة بالشفافية في قطاع الطاقة والمواد الاستخراجية (الفوسفات وغيرها) أدت إلى تحركات احتجاجية وحملات مساءلة دفعت الحكومات المتعاقبة إلى التأكيد مرارًا على سلامة رخص الاستخراج واحترامها للقانون.
وكانت تونس قد أعربت عن نيتها الانضمام لمبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية “أيتي” في أكثر من مناسبة، إذ عبر رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي في يونيو 2012 عن رغبة تونس في الانضمام إليها ليحيي وزير الصناعة والطاقة السابق زكريا حمد هذا المسار خلال مداولات ميزانية وزارته أمام البرلمان في ديسمبر 2015.
وكشف مرزوق أن تونس تتقدم في مسار انخراطها في هذه المبادرة في انتظار تعمق ذلك من خلال المشاركة فى مؤتمر بيرو والإطلاع على تجارب الدول الأخرى المنضوية تحت لواء “أيتي”.
تدفع السلطة التشريعية منذ الثورة في اتجاه تكريس الشفافية في قطاع الطاقة من خلال سن تشريعات في هذا المجال وكذلك مساءلة المشرفين على القطاع لتوضيح بعض المسائل المتعلقة بمنح رخص الاستغلال.
ينص الفصل 13 من الدستور التونسي على أن “الثروات الطبيعية ملك الشعب التونسي، تمارس الدولة سيادة عليها باسمه وتعرض عروض الاستثمار المتعلقة بها على لجنة مختصة بمجلس نواب الشعب وتعرض الاتفاقات المبرمة بشأنها على المجلس للموافقة”، ويضاف إلى ذلك المرسوم عدد 41 لسنة 2011 الذي يمكن من الإطلاع على جميع الوثائق الإدارية سواء الخاصة بالتصرف الإداري بصفة عامة أو ملف الموارد الطبيعية بصفة خاصة.
ويتساءل المجتمع المدني، في ظل تردد الحكومة إزاء مسألة انضمامها إلى هذه المبادرة، عن الأسباب الحقيقية وراء ذلك خاصة وأنه اتهم في وقت سابق وزارة الصناعة بتعطيل هذا المسار.