دلالات اقتراض وزارة الدفاع المصرية من البنوك الفرنسية

hqdefault

في الوقت الذي انشغل فيه الجميع بقرار مجلس النواب المصري بالأمس بإسقاط عضوية النائب المثير للجدل توفيق عكاشة الذي أفردت له مساحات شاسعة من التغطية الإعلامية، مرر المجلس قرارًا لم ينتبه له الكثيرون يتعلق باتفاقية اقتراض بين وزارة الدفاع ومجموعة من البنوك الفرنسية.

حيث وافق مجلس النواب خلال جلسته الصباحية التي انعقدت أمس، الأربعاء، على قرار رئيس الجمهورية بشأن توقيع اتفاقية اقتراض بين وزارة الدفاع ومجموعة من البنوك الفرنسية بضمان وزارة المالية المصرية تحت زعم “تدعيم القوات المسلحة لمواجهة الأخطار التي تهدد الوطن”.

اتفاقية الاقتراض قيمتها مبلغ 3 مليارات و375 مليون يورو، تمثل نسبة 60% من قيمة عدد أربعة عقود لتوريد معدات تسليح دون مزيد من التفاصيل حول أوجه الصرف، وهو قرار سابق لرئيس الجمهورية حمل رقم 156 لسنة 2015 المتعلق بحصول الجيش على قرض من مجموعة من البنوك الفرنسية.

هذا القرض الذي قرره الرئيس المصري يُعتقد أنه لتمويل صفقات سلاح سابقة أُبرمت مع دولة فرنسا لذا كان اختيار الاقتراض من بنوك فرنسية، حيث أعلنت الحكومة الفرنسية في فبراير من العام الماضي أنها أبرمت صفقة مع مصر تزودها بموجبها بـ 24 مقاتلة من طراز رافال وبقيمة بلغت 5 مليار يورو.

كما تشمل الصفقة أيضًا بيع مصر فرقاطة ومعدات عسكرية مختلفة، وقد كانت فرنسا فازت في العام قبل الماضي بمناقصة لتزويد مصر بأربع فرقاطات تبلغ قيمتها الإجمالية مليار يورو، في أول عقد كبير تبرمه مع مصر منذ عشرين عامًا.

هذا الاقتراض الذي يأتي في ظل تعاظم الدين الداخلي والخارجي للدولة المصرية، وفي ظل شكاوى متكررة من السيسي نفسه من عجز كبير في الاقتصاد المصري تظهر شواهده يومًا بعد يوم، وهو الأمر الذي يدعوه دائمًا للحديث بنبرة التقشف وضرورة مساعدة الشعب للحكومة من أجل ترشيد النفقات وكذلك التبرع لدعم الاقتصاد.

وصل الدين الخارجي للدولة المصرية 48.1 مليار دولار بنهاية العام المالي الماضي، ليصبح في أعلى مستوى له منذ 25 عامًا، وهي الفترة التي أسقطت فيها دول نادي باريس نصف مديونية مصر الخارجية، والتي تجاوزت 50 مليار دولار حينها عام 1991 بعد مشاركة مصرية في حرب الخليج الثانية.

ومع ذلك تستمر الحكومة المصرية الحالية بتوجيهات رئاسية في عملية الاقتراض الخارجي لأموال لن تؤثر بأي حال في اقتصاد المواطن لأنها موجهة إلى صفقات سلاح مبرمة في السابق أي أنها لتسديد دفعات عقود السلاح بديون سوف تُسدد في المستقبل بزيادة فوائد عليها من أموال الشعب المصري.

ومن الواضح أن النظام المصري لا يجد حلًا لأزمته الاقتصادية المتمثلة في تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي مع انعدام مصادر العملة الصعبة إلا الاستمرار في سياسة الاقتراض الخارجي ولكن قد يكون هذا مفهومًا لتسديد التزامات الدولة وتمويل مشروعاتها الأساسية أما أن يكون في إطار زيادة معدلات الانفاق على التسليح فهو أمر له دلالات خطيرة ويُشير إلى عدم الاكتراث بالأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

فتمويل صفقات القاهرة لتسليح الجيش في السابق أثارت جدلًا واسعًا في صفوف الاقتصاديين المصريين بسبب عدم حاجة الدولة إلى كل هذه العقود الضخمة في هذه الفترة التي يحتاج فيها الاقتصاد المصري إلى كل هذه الأموال، لكن موالين للنظام خرجوا من دائرة هذه الانتقادات بزعم أن السعودية والإمارات قدمتا دعمًا للنظام لمساعدته في عملية إعادة تسليح الجيش.

الأمر الذي يفتح تساؤلات عدة حول مصير هذه المساعدات النقدية الخليجية لمصر التي قال عنها السيسي قبيل ترشحه للانتخابات الرئاسية إنها تبلغ أكثر من 20 مليار دولار “أموال فقط” بحسب نص تصريح السيسي في مقابلة تليفزيونية في مايو 2014، دون الحديث عن الدعم البترولي وغيره من أشكال الدعم.

وعلى الرغم من التضارب الرسمي وغير الرسمي في أرقام هذه المساعدات إلا أن البعض قدر إجمالي الدعم الخليجي بمبلغ يتجاوز 30 مليار دولار بداية من وقت عزل الرئيس السابق محمد مرسي بانقلاب عسكري قاده عبدالفتاح السيسي الرئيس الحالي، وقد تحدث بعض المحللين عن إداراج 13 مليار دولار فقط في الموازنة العامة للدولة، بينما أودع باقي المبلغ في حسابات خاصة بالجيش.

إذن الجيش المصري لديه أموال غير معروف مصيرها داخل حسابات غير شفافة لا تخضع لأي رقابة لم يستطع الوفاء بالتزاماته التسليحية من هذه الأموال، مما اضطر وزارة الدفاع لإثقال الدين الخارجي المصري بديون جديدة متعلقة بصفقات السلاح، التي تؤكد انعدام رؤية الأولويات لدى هذا النظام.

كما يمكن الحديث هنا عن موازنة الجيش المخصصة لأمور التسليح وغيرها والتي بلغت في الموازنة العامة 2014 – 2015  قيمة مبلغ 48.9 مليار جنيه وتخطت هذا المبلغ في الموازنة الجديدة، بما يعني أن خلال سنتين فقط زادت ميزانية الجيش بنسبة 81% فقط دونًا عن القطاعات الأخرى، ولكن المفاجأة هنا أن كل هذه الأموال غير كافية لسداد عقود تسليح الجيش.

ربما في هذا الصدد أيضًا يمكن فتح ملف الصناديق الرئاسية “تحيا مصر” وغيرها من الأموال التي لا يُعرف على وجه التحديد بنود صرفها، وفي النهاية لا تكفي كل هذه الأموال من مساعدات خليجية بمليارات الدولارات، بالإضافة إلى ميزانية الجيش التي لا يعرف أحد أوجه صرفها بالتحديد حيث توضع رقمًا إجماليًا في الموازنة، ولا تكفي أيضًا بجانب هذه الصناديق الرئاسية التي تجمع فيها تبرعات المصريين ورجال الأعمال، ويضطر الرئيس لإقرار الاقتراض من الخارج لتمويل صفقات سلاح بقيمة 3 مليارات 385 مليون يورو على كاهل المواطن المصري.

ولا يعتقد بأي حال أن قيمة صفقات السلاح التي أبرمتها مصر خلال السنوات الماضية ستتخطي قيمة هذه الأموال المخصصة للتسليح وغيره التي حصل عليها الجيش في حسابات خاصة.

 لكن انعدام الشفافية والرقابة يؤكد أن ثمة فساد يشوب هذه الصفقات وهذا القطاع في الدولة التي يُسيطر الجيش فيها على أكثر من نصف الاقتصاد ومع ذلك لا يستطيع تمويل صفقات سلاحه ويضطر إلا الاقتراض من الخارج بضمانات من وزارة المالية، دون أن يسأل أحد عن مصير كل هذه الأموال التي يسيطر عليها الجيش، ليبقى التساؤل قائمًا أين ذهبت هذه الأموال لكي يضطر الجيش للاقتراض بهذه الصورة في ظل هذا الوضع الاقتصادي الكارثي؟