أطلق محمد بن راشد آل مكتوم حاكم إمارة دبي مطلع هذا الشهر مشروع مدينة لتجارة الجملة بتكلفة 8.2 مليار دولار، حيث ستضخ في المدنية استثمارات على مدى السنوات العشر المقبلة لتعزيز دورها في التجارة العالمية، هدف المشروع هو “الاستحواذ على نسبة من قطاع اقتصادي عالمي يبلغ حجمه 4.3 ترليون دولار سينمو خلال السنوات الخمس المقبلة ليبلغ 4.9 ترليون دولار”، وسيتم إنشاء معارض دولية دائمة على مدار السنة وربطها بميناء جبل علي ومطار آل مكتوم الدولي.
التجارة والسياحة والتسوق والخدمات اللوجستية، من خلال مداخيل هذه القطاعات استطاعت دبي خلال العقود الثلاثة الماضية أن تحقق مستويات مستقرة من النمو والتوسع والتنوع لتحقيق خططها الإستراتيجية لعام 2021 وتطوير الإمارة لتكون رائدة في هذه المجالات على المستويين العربي والدولي، وتستقطب اهتمام الشركات والمؤسسات العالمية إليها وتجذب السياح لزيارتها، وتعمل الإمارة بخطى حثيثة لتطوير اقتصاد الخدمات مع استعدادها لاستضافة معرض “إكسبو 2020” الذي تأمل أن يجذب زهاء 25 مليون زائر.
انتقلت دبي من صحراء قاحلة يتمتع أهلها بالتجارة البسيطة والنشاط البحري إلى مركز رئيسي في الشرق الأوسط بعد اكتشاف النفط في الإمارات العربية المتحدة، ولم يثنها قلة موارد النفط عن المضي قدمًا في مسيرة التنمية فوجدت لنفسها موطئ قدم في التجارة العالمية فبرزت كمركز طليعي لإعادة التصدير في المنطقة وأصبحت في السنوات القليلة الماضية مركزًا مهمًا لعدد لا يستهان به من النشاطات المتنامية والمزدهرة مثل:
– السياحة من كل أنحاء العالم؛ حيث استقبلت في عام 2014 ما يقرب من 12 مليون سائح من كل أنحاء العالم.
– إقامة المعارض الدولية في كافة المجالات فضلاً عن عقد المؤتمرات والاجتماعات فيها.
– استقطبت المراكز الرئيسية الإقليمية للشركات العالمية.
– المركز الإقليمي للنقل والتوزيع والأمور اللوجستية من خلال ما تقدمه من مطارات وموانئ وشحن وتسهيلات مالية وتجارية، حيث تملك دبي سبع مناطق صناعية ومجمع شركات وثلاث مناطق حرة متخصصة ناجحة للغاية ومتميزة دوليًا وميناءين بحريين عالميين ومطار دولي رئيسي وقرية شحن وشبكة طرق سريعة حديثة وشركات شحن إقليمية وشركات ملاحة وتأمين ومحاسبة ومحاماة واستشارات وأمور أخرى.
– التوسع في الأعمال المصرفية والتأمين والتمويل.
– التقدم الحاصل في قطاع المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات.
– الصناعات التحويلية الخفيفة والمتوسطة.
وبالفعل استطاعت الإمارة عمل قاعدة خدماتية لوجستية بمميزات تتميز بها عن غيرها من قبيل التكلفة التنافسية للشركات التي تزاول نشاطاتها في دبي والإعفاءات الضريبية التي تحصل عليها وقوانين التملك وتوفر العمالة الرخيصة من جنسيات مختلفة.
مستوى المعيشة المرتفع الذي باتت تتمتع به الإمارة والذي ساهم في الاستثمار بقوة في مجال التطوير العقاري كالفنادق والمنشآت السكنية والتجارية ومرافق الترفيه والاستجمام مع ما رافقها من انخفاض لمعدل الجريمة والبيئة النظيفة وأسلوب الحياة العصري.
كما تتباهي دبي بشبكة تجارية خارجية واسعة تمتد إلى 179 دولة تتيح للمستثمر خيارات هائلة من منافذ التسويق العالمية لمجموعة واسعة من السلع والخدمات، وتعتبر دبي ثالث أكبر مركز في العالم للصادرات وإعادة التصدير بعد هونج كونج وسنغافورة.
وفي النهاية بنت دبي خطة شاملة من ستة محاور حتى العام 2021 وهي:
- موطن لأفراد مبدعين ومتمكنين ملؤهم الفخر والسعادة.
- مجتمع متلاحم ومتماسك.
- المكان المفضل للعيش والعمل والمقصد المفضل للزائرين.
- مدينة ذكية ومستدامة.
- محور رئيس في الاقتصاد العالمي.
- حكومة رائدة ومتميزة.
ولكنها ليست النهاية، فدبي إمارة من الإمارات العربية المتحدة التي تعادي الربيع العربي منذ انطلاقه وتسعى لضرب القوى الثائرة ولجم حركاتهم في البلدان التي شهدت حركات احتجاجية ضد الحكام، فحينما قرر الشارع المصري من خلال انتخابات نزيهة اختيار محمد مرسي القادم من الإخوان المسلمين سعت لتغذية الحركات المضادة للحؤول دون استمراره في السلطة وإسقاطه حتى كان لها هذا فسعت لإعادة اصطفاف القوات المسلحة من جديد وتكرار سيناريو محمد حسني مبارك عن طريق المشير عبد الفتاح السيسي.
أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش – المنظمة المعنية بحقوق الإنسان حول العالم – تقريرها السنوي عام 2015 وقالت فيه نصًا “إن سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة قيدت بشدة في عام 2014 الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، وشنت حملة على المعارضين وعلى أي شخص يعتبر تهديدًا للأمن القومي حسب ادعاء السلطات، كما أخفقت السلطات في التحقيق في مزاعم ذات مصداقية بأن قوات الأمن اعتقلت المعارضين تعسفًا وعذبتهم”.
وبحسب المديرة التنفيذية في المنظمة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سارة ليا “فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تعلن عن نفسها كمنارة للتسامح في المنطقة، ولكن الحقائق تكشف عن وجود حقيقة أقبح من ذلك بكثير تنم عن ازدراء لمبادئ حقوق الإنسان وأولئك الذين يدعمونها، وأنه يتوجب على الحكومات والمؤسسات الساعية لتطوير علاقات أوثق مع دولة الإمارات العربية المتحدة إلقاء نظرة فاحصة على سجلها الحقوقي مؤخرًا”.
وتبعًا لصحيفة فايننشال تايمز فإن عددًا من رجال الأعمال مسجونين بسبب تعثرهم المالي أو تعرض شيكات لهم لعدم الصرف من البنك، فبحسب الصحيفة فإن رجال الأعمال يواجهون ظروفًا مأساوية في سجون إمارة دبي وأنهم جميعًا من غير المواطنين الإمارتيين، وحسب صحيفة ذا ناشيونال الإمارتية الناطقة بالإنجليزية فإن ثلاثين من السجناء من دول مختلفة مثل الولايات المتحدة وإنجلترا والنهد وإيران والأردن وباكستان ولبنان.
تعاني الإمارات اليوم من خلل في التركيبة السكانية وتأخر في الزواج لدى المواطنين الإماراتيين وانخفاض معدل الإنجاب عن المعدل الطبيعي؛ فعند تأسيسها بلغ عدد سكانها أقل من 300 ألف نسمة واليوم هي موطن لأكثر من 10 مليون نسمة 88% من غير المواطنين، حيث انتقلت أسر عربية بأكملها منذ عشرات السنين للعيش فيها وساهمت في بناء نهضتها الاقتصادية ولكن إلى الآن لم يحصلوا سوى على إقامة عليهم تجديدها سنويًا، وقد حصل في الأشهر الأخيرة أن طردت شركات إمارتية تابعة للحكومة مئات الموظفين العاملين لديها وأعطتهم إنذار بمغادرة البلاد دون ذكر أسباب؛ لذلك بات العيش في الإمارة منعدم من الأمان الوظيفي ولا يتمتع الموظف أو الأسرة بالاستقرار في ظل هكذا قوانين تعسفية قد تؤدي لترحيله دون إبداء أسباب.
إذن الخلاصة أن إمارة دبي والإمارات عامة طورت جانبًا ماديًا ولم تكترث بالجانب الإنساني، اهتمت بالمعاني المجردة للحضارة وتركت المعاني السامية التي تخلد الحضارة في التاريخ، فالمال لا بد له أن يندثر يومًا ما آخذًا معه كل ما سعت دبي لإنجازه في السنوات الماضية، بينما العلم والمعرفة وحقوق الإنسان والمصالحة مع شعبها ومع الشعوب العربية الأخرى وتعزيز الانفتاح وحرية التعبير وغيرها هي التي تبقى وتدوم وكل ما سواه يزول.