ما إن تمر شبهة فساد، حتى نسمع بأخرى متعلقة بوزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي في تونس ياسين إبراهيم، اسم لم يكن التونسيون يعلمون عنه شيء قبل سنة 2011، سنة عين وزيرًا للنقل والتجهيز في حكومة محمد الغنوشي عقب الإطاحة ببن علي، ومنذ ذلك الوقت بقي اسم ياسين إبراهيم في أذهان التونسيين ليس لكفاءته بل نتيجة ما رافقه من شبهات فساد هو وحزبه الوليد “آفاق تونس”.
آخر هذه الشبهات هي تعاقد الوزير الأسبوع الماضي مع شركة إيطالية متخصصة في إنتاج مادة “الإيثانول الحيوي” ICL، ليتبين فيما بعد حسب العديد من الخبراء والمتابعين أن هذه الشركة ليست إلا جزءًا من الشركة الإسرائيلية الأم المتمثلة في المجمع الكيماوي الإسرائيلي “I.C.L.-Israel Chemicals Ltd“، وهو ما جاء في تعريف للشركة عبر موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت.
ووقعت وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي في تونس قبل أيام اتفاقية تعاون مع لوسيا غابياتي الممثلة القانونية للشركة الإيطالية ICL المتخصصة في إنتاج الإيثانول (الوقود الحيوي)، سيتم بمقتضاها الانطلاق في إنجاز مشروع زراعة قصب الشنشان وإنجاز محطة لتحويله لمادة الإيثانول الحيوي المستعمل كبنزين للسيارات، وتقدر قيمة المشروع بمئتي مليون يورو، وسيتم إنجازه في مناطق عدة وسط وجنوب البلاد، ويفترض أن يوفر أربعة آلاف فرصة عمل على مدى ثلاث سنوات.
ورغم تأكيد الوزارة في بيان لها على صفحتها الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي أن الشركة التي تم التعاقد معها تونسية الجنسية مسجلة بالسجل التجاري تحت رقم B2458092006 منذ سنة 2006 وتديرها السيدة لوسيا غابياتي، كما أن السيد الدو بونالدي الإيطالي الجنسية هو مساهم في الشركة التونسية المذكورة، وتأكيدها أنها “قامت بما يتعين للتثبت من جنسية الشركة طبقًا لما هو معمول به قبل توقيع أي اتفاقية، فإن العديد من الشخصيات الوطنية والأحزاب السياسية في تونس طالبت بإقالة ياسين إبراهيم والتدقيق في كل الصفقات التي قام بتوقيعها.
وينتمي الوزير ياسين إبراهيم (20 فبراير 1966) إلى حزب آفاق تونس (حزب ليبرالي)، ترشح لعضوية مجلس نواب الشعب عن دائرة المهدية (وسط)، بدأ مسيرته السياسية كوزير للنقل والتجهيز في حكومة الوزير الأول محمد الغنوشي سنة 2011، وعمل مع الباجي قائد السبسي في المنصب قبل أن يستقيل منه في يونيو 2011.
أسس سنة 2011 حزب آفاق تونس ثم دخل في تحالف مع حزب الديمقراطي التقدمي وكونا الحزب الجمهوري لينفصل هو وجماعته بعد ذلك من الحزب الجديد ويرجع إلى حزبه القديم آفاق تونس.
شغل إبراهيم العديد من الوظائف في شركات دولية عديدة من ذلك منصب المدير العام لشركة GLTrad العالمية، قبل أن يؤسس عدد من الشركات في تونس وفرنسا ولندن.
واجه ياسين إبراهيم مؤخرًا اتهامات بالمس بالسيادة الوطنية بسبب توقيعه على عقد مع بنك “لازار” الفرنسي بصفته وزير التنمية والتعاون الدولي في أكتوبر الماضي بقيمة نصف مليون يورو، يقوم بمقتضاه هذا الأخير بتحديد أولويات تونس التنموية للسنوات الخمس المقبلة، وهو ما اعتبره البعض “مساسًا بالسيادة الوطنية”، فيما حاول إبراهيم التقليل من أهمية الأمر، مشيرًا إلى أن الاتفاق ما زال مجرد مشروع.
عقد أثار جدلاً كبيرًا حول عدد من النقاط أولها تكلفته الباهظة جدًا، وغير مبرر، وعدم احترام الوزير التراتيب القانونية وكراس شروط التعاقد مع الشركات والبنوك، وارتهان تونس للأجنبي فلأول مرة في تاريخ البلاد يوكل فيها إعداد المخطط الخماسي إلى جهة أجنبية، أي أن الاقتصاد التونسي للخمس سنوات القادمة سيصمم بأيادي بنك فرنسي، وهو أمر رأى فيه عدد من النواب والسياسيين مس باستقلالية البلاد.
وذكرت مصادر إعلامية محلية سنة 2014 ممارسة وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي ياسين إبراهيم ضغوطات ضد رجل أعمال تونسي لدفعه إلى تزويد مقر حزبه آفاق تونس بمختلف التجهيزات الإعلامية والرقمية وفرض عليه ضرورة تشغيل أكثر من 150 من المنتسبين لحزبه، على أن يجازيه في صورة النجاح في الانتخابات التشريعية من حقيبة وزارية.
وأكدت مصادر أخرى مساهمة ياسين إبراهيم في مغادرة “البنك الأفريقي للتنمية” تونس بعد عمله على مقاضاة البنك أمام القضاء التونسي بسبب قرض حصلت عليه دولة الكونغو الديمقراطية ولم تقدر على الدفع، في حين يقتضي القانون الأساسي للبنك الأفريقي أن تتم مقاضاته أمام المحاكم البريطانية.
واتهمت عائلة المدير العام للتعاون الدولي في وزارة التنمية، عادل بن علي، في ديسمبر الماضي الوزير ياسين إبراهيم بالتسبب في وفاة ابنهم المدير، بعد كشفه لعدد من ملفات الفساد، حسب قول العائلة، وأضافت أن الراحل تعرض للإهانة والضغط على مدى 3 أشهر من قِبل الوزير ياسين إبراهيم نتيجة كشفه لعدد من ملفات الفساد، وهو ما تسبب في وفاته لاحقًا.
وأشار بلحاج منصور، أحد أفراد العائلة، في تصريح صحافي، إلى وجود شهادات لدى المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) وأطراف سياسية وإعلامية، اتصل بها عادل بن علي لإطلاعها على كواليس الوزارة وخاصة “محاولات ياسين إبراهيم من أجل تغيير تمويلات الدولة التونسية إلى بنوك غير حكومية”.
ويتهم سياسيون في المعارضة التونسية، ياسين إبراهيم باستغلال منصبه على رأس وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي للترويج لحزبه “آفاق تونس”.
زميل ياسين إبراهيم في الحزب والحكومة، وزير تكنولوجيا الاتصالات والاقتصاد الرقمي نعمان الفهري (قيادي بحزب آفاق تونس)، استقدم عند وصوله إلى الوزارة، هو أيضًا أغلب أعضاء فريق حملته الانتخابية، إذ عين بعد أسابيع قليلة ثمانية أعضاء من حزبه، آفاق تونس، بمن فيهم مرشحه على دائرة أمريكا وباقي دول أوروبا، في مواقع محورية، الى جانب شبهات الفساد المتعلقة به خصوصًا في مشروع “تونس الرقمية 2018”.
وأمام كل هذه الشبهات المتعلقة بوزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي ياسين إبراهيم، وإن تم نفي بعضها وتأكيد بعضها الآخر، فإن السؤال المطروح هو لماذا يتواصل صمت الحكومة ورئيسها والأحزاب المكونة لها ونواب البرلمان الذين تعهدوا بمحاربة الفساد والتدقيق في كل شبهة متعلقة به؟