منذ اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011، لم يتوقف حكام الأنظمة العربية على اتهام الثوار بالعمالة والتنسيق لصالح جهات أجنبية، مقدمين أنفسهم باعتبارهم حماة للسيادة الوطنية.
لكن توالي الأحداث كشف عن انتهاكات عديدة لمفهوم السيادة الوطنية قام بها هؤلاء الحكام على مدار السنوات الماضية، عن طريق الاتفاق مع حلفائهم للتدخل في بلادهم لحمايتهم، بالتوازي مع استمرار اتهاماتهم لمعارضيهم بالخيانة.
سوريــا
اعتبر الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في خطابه الذي ألقاه منتصف فبراير الماضي، أن اعتزام تركيا والسعودية إرسال قوات برية إلى سوريا “إنما هو ذريعة لهما لاكتساب موطئ قدم هناك”.
يأتي هذا التصريح رغم أن لحزب الله “موطئ قدم” منذ عدة سنوات في سوريا، إذ يحارب إلى جانب القوات النظامية ضد المعارضة، رغم حديثه الدائم السابق عن تركيزه على محاربة إسرائيل بهدف تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة فقط، ولا يرى الحزب مشكلة أو تناقضًا في رفضه تدخل دول خارجية في سوريا في الوقت الذي يقدم فيه الدعم الكامل لبشار الأسد.
وكان الحزب قد رحب بالثورة المصرية التي أطاحت بالرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، لكنه رأى في الثورة السورية “مؤامرة خارجية”، نظرًا لتحالفه الوثيق مع نظام بشار الأسد ووالده من قبله، اللذين يحكمان سوريا منذ عام 1970.
أما وليد المعلم، وزير خارجية النظام السوري، فقد اعتبر أن قيام تركيا بإسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر من العام الماضي يمثل “عدوان على سيادة سوريا”، وهو تصريح يمثل رؤية النظام السوري وحليفيه الروسي والإيراني.
فدائمًا ما تؤكد روسيا في تصريحات مسؤوليها رفضها ما تسميه “التدخل الخارجي” في سوريا، رغم تدخلها العسكري المباشر هناك لصالح النظام، ودعمها السياسي المستمر له منذ اندلاع الثورة السورية، وهو نفس الموقف الذي تعبر عنه إيران دائمًا، رغم تواجدها بقوات الحرس الثوري ومليشيات أخرى إيرانية وأفغانية.
كما لم يمانع النظام السوري في قيام التحالف الدولي بتوجيه ضربات جوية لمواقع تنظيم الدولة الإسلامية داخل أراضيه، مشترطًا وجود تنسيق مسبق للحصول على اعتراف دولي بشرعيته.
وقد كشفت روسيا أوائل العام الجاري عن بنود اتفاقية سرية وقعتها مع نظام الأسد (الذي يسيطر على أقل من ربع مساحة البلاد وفقًا لتقديرات غربية)، بعد نحو 5 أشهر من توقيعها في 26 أغسطس 2015، تفيد بأن تدخلها العسكري في سوريا كان بطلب من الأسد لحمايته من تراجع قواته أمام المعارضة خلال الأشهر التي سبقت التدخل الروسي، وهي الاتفاقية التي اعتبرتها موسكو بمثابة تبرير قانوني لتدخلها، كما أنها تعفي الجنود الروس من أي ملاحقة قانونية على خلفية نشاطهم.
وتتضمّن المعاهدة 11 مادة، منها منع دخول السوريين إلى القواعد العسكرية إلا بموافقة قادتها الروس، وضمان حرية تنقل القوات الروسية عبر الحدود السورية وداخلها من دون عوائق، ولا توقيف عناصرها أو تعريضهم لتفتيش من جانب أي سلطة سورية، ويمنح هؤلاء وعائلاتهم حصانة كاملة من أي ملاحقات قضائية أو إدارية، كما لا يجوز مصادرة أو تفتيش معداتهم وممتلكاتهم، ويتحمل النظام السوري مسؤولية أي شكوى من أي طرف في حال تعرّض هذا الطرف لأضرارٍ، بسبب نشاط القوات الروسية في سوريا، كما ينص الاتفاق على استمراره لأجل “غير محدد”.
ووفقًا للاتفاق أيضًا، يقدم الجانب السوري قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية مع بنيتها التحتية، فضلاً عن الأراضي المطلوبة المتفق عليها بين الطرفين من دون أي أجور.
كما تتحدث الاتفاقية في ديباجتها عن اتفاقات سابقة بين الجانبين، تعطي الجانب الروسي حق إدخال أو إخراج أي أسلحة أو ذخائر أو معدات أو مواد لازمة، لتلبية أغراضه العسكرية وضمان أمن أفراد وضباط القوات الروسية، مع إعفائهم كليًا عن دفع أي ضرائب أو رسوم.
العــراق
أما في العراق، فقد هاجم رئيس الوزراء حيدر العبادي دخول قوات تركية إلى بلاده في ديسمبر الماضي، مؤكدًا رفضه “دخول قوات برية أجنبية”، مهددًا باتخاذ إجراءات إذا لم تسحب أنقرة جنودها، كما تقدم العراق بشكوى رسمية ضد تركيا أمام مجلس الأمن الدولي بدعوى انتهاك أحكام ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، حيث وصفت بغداد نشر تلك القوات على أراضيها “بالعمل العدائي”، رغم تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن قوات بلاده موجودة في قاعدة عسكرية بشمال العراق بناء على طلب رئيس الوزراء العراقي منذ عام 2014.
من ناحية أخرى، لم يعد خافيًا التواجد الإيراني العسكري الكثيف في العراق، وسيطرتها على جانب مهم من القوات العراقية، إضافة إلى تكوينها العديد من المليشيات التي تدين لها بالولاء، إضافة إلى إرسالها مستشارين وخبراء عسكريين لتعزيز موقف بغداد في مواجهتها لتنظيم الدولة الإسلامية.
ومنذ سيطرة تنظيم الدولة في العراق على عدة محافظات عراقية تزايد ظهور قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في بغداد بشكل معلن على العكس مما كان عليه في سوريا، الأمر الذي دفع محللين للقول أن هذا الظهور ضمن خطة مدروسة لزيادة النفوذ الإيراني في العراق وتؤكدها تصريحات المسؤولين الإيرانيين التي تقول “نحن نسيطر على العراق”.
ودائمًا ما يظهر قادة مليشيات الحشد الشعبي في العراق وهم يقدمون الشكر لإيران لدعمها العراق في الحرب ضد تنظيم الدولة، ويهاجمون التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، ويعلنون مساندتهم للتحالف الرباعي الذي يضم روسيا وإيران والعراق وسوريا، في المقابل تؤكد الحكومة على أن إيران أرسلت مستشارين عسكريين فقط للمساهمة في محاربة الإرهاب.
وكان العبادي قد أكد في تصريحات منتصف يونيو الماضي أمام مؤتمر جماهيري أنه لا يقاتل على أرض العراق إلا العراقيين، معتبرًا أن هذا متفق عليه بإجماع من الكتل السياسية والحكومة ومجلس النواب.
وفي أغسطس الماضي، قال عبد الرحيم سادتي القنصل الإيراني في محافظة النجف العراقية إن إيران هي الدولة الوحيدة التي قدمت “شهداءً” في العراق وهي تدافع عن العراق وحكومته ضد تنظيم الدولة.
وأكد الكاتب والباحث السياسي العراقي وليد الزبيدي، في حلقة من برنامج “ما وراء الخبر” على قناة الجزيرة الإخبارية أواخر أغسطس الماضي، أن تصريحات القنصل الإيراني صادقة “مائة بالمائة” وكشف عن حصوله على معلومات تفيد بمقتل 154 جنديًا إيرانيًا في سامراء وفي مناطق أخرى بالعراق، وأن هناك 7000 على الأقل من الحرس الثوري الإيراني يقاتلون في العراق.
بدوره، رأى الدكتور غسان العطية مدير المعهد العراقي للتنمية والديمقراطية أن العراق أصبح ساحة مكشوفة لتدخل كل الدول، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وأكد أن التدخل الإيراني في كل من لبنان واليمن وسوريا والعراق حول هذه الدول إلى ساحات للحرب والمآسي.
على الجانب الآخر، لازالت هناك قواعد عسكرية أمريكية في العراق منذ الاحتلال الأمريكي لها عام 2003، وترتبط الولايات المتحدة مع العراق باتفاقية إطار إستراتيجي تتركز أغلب بنودها على المجالين الأمني والعسكري.
ليبيــا
بعد بروز اللواء المتقاعد خليفة حفتر على الساحة بصورة مفاجئة عام 2014، لمحاربة قوات “فجر ليبيا” الموالية للمؤتمر الوطني العام، دعا نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة إلى التدخل العسكري في ليبيا بزعم محاربة ما يسميها “الجماعات الإرهابية”.
وبعد الضربة الجوية المصرية لمدينة درنة شرق ليبيا في فبراير 2015، أبدت حكومة عبد الله الثني الموالية لمجلس النواب المنحل تأييدها للضربة، داعية إلى الاستمرار فى توجيه ضرباتها الجوية لـ “أوكار الإرهاب فى ليبيا بعد التنسيق مع القيادة الليبية” على حد قولها، معتبرة أن تلك الضربة لا تمثل انتهاكًا للسيادة.
مصــر والإمــارات
في سبتمبر عام 2013، احتجت دولة الإمارات على تصريحات الرئيس التونسي السابق “المنصف المرزوقي” التي طالب فيها بإطلاق سراح الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، وقامت باستدعاء سفيرها في تونس للتشاور.
ووصفت صحيفة الخليج الإماراتية تصريحات المرزوقي بأنها “كانت تدخلاً فجًا وغير مدروس في شأن دولة ذات سيادة بحجم مصر، إضافة إلى أنها تشكيك في إرادة الشعب المصري”.
واللافت أن الإمارات اعتبرت تلك التصريحات “تدخلاً في الشأن الداخلي المصري” رغم أن ما تقوم به الإمارات يدخل أيضًا في هذا الإطار، كما أن النظام المصري لم يعلق على رد الفعل الإماراتي وكأنه أمرًأ طبيعيًا ومتوقعًا ولم يعتبره تدخلاً في شؤونه الداخلية.