المطالبة بانتخاب جميع أعضاء المجلس الوطني الاتحادي في الإمارات من قبل كافة المواطنين كما هو مطبق في الدول الديمقراطية حول العالم، وتعديل المواد الدستورية ذات الصلة بالمجلس الوطني الاتحادي بما يكفل له الصلاحيات التشريعية والرقابية الكاملة.
هذين المطلبين كانا جل أمل 133 مواطن إماراتي رفعا في 3 من مارس عام 2011 إلى رئيس الدولة الشيخ، خليفة بن زايد آل نهيان، وأعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات السبع المكونة للاتحاد، وقد طالب هؤلاء المواطنين في عريضتهم بالتجاوب مع المتغيرات الدولية والإقليمية وتبني نهج ديمقراطي نيابي كما نص على ذلك دستور الدولة الصادر في 1971.
عرفت هذه العريضة بـ”عريضة الإصلاح” والتي وقع عليها لفيف من ألوان الطيف الفكري والسياسي في الإمارات بينهم الرجال والنساء من أساتذة الجامعات وأعضاء سابقين في البرلمان ومسؤولين حكوميين سابقين ونشطاء حقوقيين وأعضاء في جمعيات المجتمع المدني وكتاب.
كانت مطالبهم متزامنة مع انطلاق ثورات الربيع العربي بداية من الثورة التونسية مرورًا بالمصرية والليبية واليمنية، فكان التطلع إلى ضرورة إجراء إصلاحات شاملة للنظام البرلماني المتمثل في المجلس الوطني الإتحادي، وذلك من خلال إتاحة الانتخاب الحر الكامل لجميع أعضاء المجلس من قبل كافة المواطنين، وإصلاح التشريعات المنظمة لعمله، بحيث تصبح له سلطة تشريعية ورقابية كاملتين مع إجراء التعديلات الدستورية الضامنة لذلك.
رد فعل النظام الإماراتي على هذه المطالب كان أعنف ما يكون منذ خمس سنوات، حيث أدرك أن طبول التغيير باتت تقرع بابه هو الآخر، ولعل هذا يكون أحد أسباب ظاهرة العداء اللامتناهي للثورات العربية من جانب النظام الإماراتي على مدار السنوات التي تلت هذه العريضة حتى اللحظة.
أطلقت الآلة القمعية في الإمارات العنان للأجهزة الأمنية لمحاولة تفسير هذا التجرأ على المطالبة بالإصلاح وقت ثورات تجتاح المنطقة العربية، إلا أنها لم تنجح في تفسير حتمية التغيير سوى باصطناع عدو وهمي لمحاربته وربما لإقناع رأس النظام بفعالية عمل تلك الأجهزة.
حيث اتهمت الإمارات جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف خلف هذه المطالب، وضغطت السلطات الأمنية على بعض الشخصيات الموقعة على عريضة الإصلاح لتكذيب توقيعهم واتهام العريضة بالتزوير، ومنذ ذلك اليوم بدأ الإعلان من جانب الأمن الإماراتي عن سقوط خلايا تستهدف قلب نظام الحكم، وانطلقت محاكمات سياسية، اعتقالات عشوائية، حجز على الأموال، منع من السفر، التهديد بسحب الجنسية، الزج بأجانب في قضايا سياسية داخلية.
كان هذا هو رد فعل السلطات في الإمارات على مجرد تخوف من رياح الربيع العربي، زج من خلال هذا التخوف بالمئات في السجون عبر محاكمات هزلية متعلقة بمحاولات لقلب نظام الحكم، أبرزها كانت قضية عام 2013 التي تم توجيه الاتهام فيها لمجموعة من النشطاء من أعضاء جميعة “دعوة الإصلاح”، وصدرت بحقهم أحكام تصل إلى 500 عام، وعقبها توالت الإعلانات عن سقوط خلايا مشابهة اعتقل فيها العشرات بينهم نساء، وقد أجمع الجميع على انتزاع الاعترافات تحت سياط التعذيب بعد الاختفاء القسري الذي يدوم لأشهر وسنوات في الإمارات، ومن ثم الظهور الذي ينتظر محاكمة هزلية تصدر فيها الأحكام دون دفاع طبقًا لما رصدته منظمات حقوقية دولية.
ما حدث بالضبط عبرت عنه صفوة عيسى، وهي رئيسة المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان، المنظمة غير الحكومية، ومقرها في جنيف في تصريحات صحفية تعليقًا على الوضع الحقوقي في الإمارات بعد هذه العريضة قائلة: “حدث انقلاب في سياسات دولة الإمارات سنة 2011، عندما طالبت مجموعة من الإماراتيين بإجراء إصلاحات داخل الدولة، وهؤلاء كانوا من داخل النخبة الحاكمة، وأساسا ممن يُعرفون بمجموعة الإصلاح (نسبة إلى جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي المحظورة حاليا)، ومعهم فئات أخرى من الليبراليين”.
وأضافت: “بدلا من أن تختار دولة الإمارات تعديل ساعتها وفقا لتطلعات الأجيال الصاعدة، من خلال إدخال إصلاحات محسوبة ونسبية مثلما فعلت ولا تزال السعودية وقطر والكويت، كان الرد الحكومي عنيفا وسريعا، حيث تحركت أجهزة الأمن الإماراتية فاعتقلت في البداية مجموعة صغيرة تشمل خمسة أشخاص ثم وسعت حملتها لتصل إلى 94 شخصا من بينهم 13 امرأة، بتهمة التآمر على أمن الدولة، ورافقت تلك الحملة عمليات سحب لجنسيات بعض الأفراد، وصدور أحكام بالسجن تزيد على عشر سنوات، فضلا عن تفاقم ظاهرة الاختفاء القسري، والسجون السرية”.
وأوضحت صفوة عيسى أن هذا الرد العنيف من طرف السلطات على مطالب الإصلاح يعود إلى أن “دوائر صنع القرار في الإمارات كانت مُحاطة بشخصيات من خارج الإمارات، ليست بالضرورة ديمقراطية، ولها حقد دفين على تيار سياسي وأيديولوجي بعينه”.
وقالت إنه في ذلك الوقت أصبح كل مقيم أو وافد في الإمارات يناصر الثورات العربية أو أي توجه من التوجهات الإصلاحية، هو هدف مشروع للمضايقات والمحاصرة ومختلف أنواع الانتهاكات.
الوضع الحقوقي في الإمارات أصبح في غاية السوء منذ التقدم بهذه العريضة، وهو الأمر الذي وثقته عشرات المراكز الحقوقية في مقدمتها المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان، ومنظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية، ومنظمة العفو الدولية، بالإضافة إلى وثائق آليات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان والمقررين الدوليين، كلها تعج بحالات انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات.
خمس سنوات مرت على ذكرى عريضة الإصلاح ازدادت خلالها حالات الاختفاء القسري للمواطنين الإماراتيين والأجانب، كذلك عانت العديد من الإمارتيات من ردود أفعال انتقامية تقوم بها أجهزة الأمن تجاه زوجات وبنات المعتقلين. ومن ذلك حرمانهن من الحصول على جواز سفر أو منعهن من التنقل إلى خارج البلاد. كما يمنعن من زيارة أقاربهن في السجون أو الحصول على مرتباتهم، وذلك وفقا لتقارير منظمة هيومن رايتس ووتش التي حاولت في الفترة الماضية تنظيم مؤتمر صحفي حول هذا الموضوع في الإمارات فمُنعت من ذلك.
وبعد مرور خمس سنوات على هذه العريضة لا زالت دولة الإمارات تدفع مليارات الدولارات لعداء ثورات الربيع العربي، حيث لم يكتف صانعو القرار في الإمارات بالقمع الداخلي فقط، بل ساندوا كافة الثورات المضادة في كل بلدان الربيع العربي بداية من مصر التي نجحوا فيها من خلال دعم انقلاب عسكري أطاح بأول رئيس مدني منتخب في مصر، وكذلك في تونس التي تعثر فيها التغيير ووقعت في قبضة رجل من النظام القديم بدعم إماراتي أيضًا، وكذلك في اليمن دعمت الإمارات علي عبدالله صالح حتى تحالف مع الحوثيين وانقلب على الخليج، ولا يزال الموقف الإماراتي من الثورة الليبية في غاية السوء بدعم كل المحاولات ماديًا وعسكريًا لعودة فلول القذافي إلى صدارة المشهد، وكذلك في سوريا تتمنى الإمارات أن تنتهي الثورة السورية بأقل نجاح في التغيير.
في ذكرى عريضة الإصلاح انطلقت الإمارات في عداء صفري مع حركات الإسلام السياسي وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، فباتت تحرض عليهم في كل محفل دولي، وتستخدم كافة أساليب الضغط على الحكومات الغربية لتصنيف الجماعة ضمن قوائم الإرهاب، ظنًا منها أن الجماعة تستهدف قلب نظام الحكم في الإمارات.
ولا تزال الإمارات تحاول تجميل هذا الوجه القبيح بالتسويق لمنجزات شكلية داخلية، والحرص على البقاء ضمن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للفترة المقبلة (2016- 2018)، بعدما ضغطت لتجاهل سجلها الحقوقي المتدهور.
كانت آخر محاولات التغطية على كل هذه الحقائق مسألة تعيين وزيرة للسعادة وتعيين وزراء شباب في الحكومة ودعوات تنطلق هنا وهناك، دون أن تمس جوهر الإصلاح الحقيقي في نظام الحكم الإماراتي الذي بات شريكًا لكل نظام قمعي في المنطقة، والذي بات متقنًا تمامًا لأدوار الدعاية والتسويق لكل هذه القشور.
ويمكن القول أنه في الحقيقة لم تتغير دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عريضة الإصلاح لكن تحولت إلى الأسوء تحت وقع الهواجس الأمنية للحفاظ على نظام استبدادي الطابع رفض أن يتجاوب مع أي حد أدنى من متطلبات الإصلاح الإقليمية، رافضًا دفع أي فاتورة إصلاحية متمسكًا بأجندته الاستبدادية ومحاولًا فرضها على الصعيد الإقليمي بشتى الطرق.