في ظل صراع المملكة العربية السعودية وإيران على السلطة في الشرق الأوسط، تمكّن لبنان من الحفاظ على توازن غير مريح بين البلدين، لقد كانت هناك علاقات وثيقة بين المملكة العربية السعودية والسياسيين السُنة في لبنان وبعض المسيحيين أيضًا، في حين تدعم إيران الشيعة اللبنانيين، وعلى رأسهم حزب الله، وتحتضن أيضًا بعض الجماعات المسيحية اللبنانية، ومع ذلك، سادت حالة من الهدوء النسبي بين لبنان والقوتين الإقليميتين، لكن يبدو أن هذا الهدوء انتهى الآن.
في 19 فبراير الماضي، قالت السعودية إنها علّقت إرسال 4 مليار دولار للفرنسيين والأمريكيين لتدريب وتجهيز قوات الجيش والأمن اللبنانية، ظاهريًا، تعترض المملكة على النفوذ المتزايد لحزب الله وإيران الذي ظهر بعد فشل لبنان في إدانة الهجوم على السفارة السعودية في طهران، ولذلك، حذّرت السعودية مواطنيها من السفر إلى لبنان، واتهمت حزب الله بتهريب المخدرات إلى المملكة وإرسال المرتزقة إلى اليمن وسوريا، وفي 2 من مارس الحالي، أدرج مجلس التعاون الخليجي حزب الله ضمن قائمة المنظمات الإرهابية.
بالتأكيد، يمثل حزب الله وإيران قوة كبيرة في الشرق الأوسط، ولكن بطرق بغيضة؛ لقد دعموا بشار الأسد، الطاغية الذي يريق دماء شعبه في سوريا، كما قدموا المقاتلين والأسلحة لمساعدة العراق في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، إلى جانب مساعدة المتمردين الحوثيين في اليمن، ولكن على الرغم من أن حزب الله منع ترشيح رئيس جديد للجمهورية، لكنه فعل القليل لإشعال الغضب السعودي هناك، ربما ترتبط هذه الخطوة بالسياسة الخارجية الأكثر جرأة في عهد الملك سلمان وابنه المفضل، محمد، وهناك توترات بين المملكة وإيران منذ الصفقة النووية مع أمريكا والقوى العالمية الأخرى.
تحركات المملكة العربية السعودية ضد لبنان تفتقر إلى الخبرة، وحتى إذا أرادت الأحزاب اللبنانية الحدّ من دور حزب الله فلا يمكنها فعل الكثير حيال ذلك؛ فالحزب يعمل بمثابة دولة داخل الدولة ويهيمن على الحكومة، ويقول رامي خوري من الجامعة الأمريكية في بيروت: “تتصرف المملكة العربية السعودية بعجرفة وعنف في بعض الأحيان لدرجة أنها تشبه دونالد ترامب في العالم العربي”.
ومن المرجح أن تكون النتيجة هي خسارة السعودية لنفوذها في لبنان، لصالح إيران، يخاطر هذا الصراع بزعزعة استقرار دولة منقسمة تقع تحت وطأة اللاجئين السوريين، وهناك انقسام أيضًا بين الساسة في لبنان بشأن مواقفهم تجاه المملكة العربية السعودية وإيران، من بين أمور أخرى كثيرة، ويتبادلون الاتهامات ضد بعضهم البعض، ولذلك، قد يلغي حزب الله وتيار المستقبل وهو الحزب السُني الرئيسي الذي يقوده سعد الحريري، اجتماعاتها المنتظمة.
وهذا ربما يجعل لبنان أقل أمنًا؛ فالدولة تواجه تهديدات من الحرب في سوريا ومن الإرهابيين في الداخل، وقد أعربت الأمم المتحدة عن قلقها ودعت الدول الأخرى لجمع 4 مليارات دولار التي لم تدفعها المملكة العربية السعودية، ويخشى كثير من اللبنانيين أنه إذا حدث تصعيد للأزمة، سيعاني اقتصاد البلاد، ويشعرون بالقلق من أن دول الخليج ستطرد اللبنانيين الذين يرسلون تحويلات كبيرة إلى أسرهم، وربما يتجاهل السيّاح السعوديون والخليجيون تحذيرات السفر ويستمرون في إنفاق أموالهم في أيام العطلات في بيروت، ولكن لم تأت سوى أعداد قليلة منهم منذ أن بدأت المذبحة في سوريا.
من غير المرجح أن ينتهي هذا الصراع بين المملكة العربية السعودية وإيران، لقد زاد حسن نصر الله، زعيم حزب الله، من خطابه المعادي للسعودية في بداية هذا الشهر، واتهم المملكة بارتكاب الجرائم والمجازر في سوريا واليمن، ولا يعتقد الكاتب السعودي حسين شبكشي أن المملكة ستتراجع عن موقفها ضد حزب الله، ويقول: “إن أي ارتفاع في دور إيران يضر اللبنانيين أكثر منا”.
وقد اقترح حزب الله أن تخفض السعودية معونتها المالية لأنها على وشك الإفلاس نتيجة لانخفاض أسعار النفط، وبالطبع استغلت إيران هذه الفرصة وعرضت تقديم المساعدات المالية للبنان، وقد يكون هدف الإيرانيين شيئًا أكثر من إغاظة السعودية.
المصدر:إيكونوميست/ ترجمة:إيوان 24