أفادت وكالة رويترز عن مصادر مطلعة في الممكلة العربية السعودية أن الحكومة طلبت من بنوك عالمية دراسة إقراضها قرض دولي قد تصل قيمته الإجمالية نحو 10 مليار دولار، فيما يعد أول اقتراض للمملكة من الخارج منذ أكثر من عشر سنوات.
السبب العريض وراء اقتراض المملكة لهذا المبلغ، يعود للضغط المتزايد على المالية العامة بعد انهيار أسعار النفط إلى حوالي 30 دولارًا للبرميل ما نجم عنه تسجيل الرياض عجزًا قياسيًا في الميزانية بلغ نحو 100 مليار دولار العام الماضي.
وتقترض المملكة من الخارج وليس من الداخل لأن الاقتراض الداخلي وصل حده الأقصى، حيث بدأ يضغط على السيولة في النظام المصرفي المحلي ما دفع أسعار الفائدة في السوق للصعود وهو بحد ذاته مدعاة للقلق لأن الائتمان يصبح ذي تكلفة أعلى ما يؤدي إلى قلة الإقراض وينعكس بالسلب على المشاريع والإنفاق بالنهاية.
طبعًا ستجد المملكة مؤسسات مالية دولية كثيرة لإقراضها هذا المبلغ بسبب انخفاض دينها أولاً، ولديها احتياطي ضخم من النقد الأجنبي ثانيًا، فضلاً عن الاحتياطيات النفطية الهائلة التي تمتلكها المملكة، أضف إلى ذلك التصنيف الائتماني المستقر للمملكة عند A– حسب وكالة سناتدرد آند بورز التي خفضت التصنيف الائتماني للدين السيادي الطويل الأجل نقطتين مع العلم أن وكالات التصنيف الائتماني لديها تصنيفات للرياض أعلى بكثير.
على العموم ليست السعودية أول دولة تطلب قرضًا خارجيًا؛ حيث حصلت قطر في يناير الماضي على قرض دولي لأجل خمس سنوات بقيمة 5.5 مليار دولار، واقترضت كذلك سلطنة عمان مليار دولار من السوق الدولي، وغالبًا ستزيد الحكومات التي تعتمد على إيرادات النفط بالإضافة للشركات العاملة في تلك الدول من الاقتراض الدولي هذا العام بعدما وصل الاقتراض الداخلي حده الأقصى.
والحقيقة إن هذا الأمر كانت المملكة قد أعلنت عنه أواخر السنة الماضية ومطلع العام الحالي وتوقع الجميع أن تبدأ المملكة بطرح سندات خزينة للاقتراض، فخطة التحول الوطني حمل فحواها خفضًا في الإنفاق الجاري وترشيدًا في المشاريع المطروحة من قِبل الحكومة وخفضًا في دعم مواد أساسية وفرض ضرائب جديدة وبرنامجًا لزيادة الإيرادات من مصادر دخل جديدة في إطار التكيف والتعايش مع أسعار نفط رخيصة وعجز في الموازنة.
وحسبما توقع العديد من الخبراء الاقتصاديين فإن المملكة اتبعت سياسة تقشفية نسبيًا في خفض الإنفاق الحكومي على مشاريع التشييد والبناء، أدى لعرقلة وتعثر الشركات الكبرى ماليًا في هذا القطاع لأنها غير معتادة على هذا الأمر فهي تعتمد على الإنفاق الحكومي بشكل كبير ومن بين الشركات “بن لادن” و”سعودي أوجيه” و”العجل” وقد أرغمت هذه السياسة العديد من الشركات على تسريح موظفيها للتقليل من النفقات كما فعلت شركة “بن لادن” حيث سرحت خلال الأشهر الأربعة الماضية 50% من موظفيها، والجدير بالذكر أن الشركات الثلاث تلك تمتلك أكثر من 70% من حصة المقاولات في البلاد.
وتشير التقارير أن أكثر من 5 مليون عامل يعملون في السعودية في مجال البناء والتشييد يواجهون أزمة بسبب عدم تسلمهم للرواتب لعدة أشهر بسبب الركود الذي يعانيه القطاع العقاري نتيجة قلة الإنفاق الحكومي هذا العام، ويعد قطاع البناء والتشييد من أكبر القطاعات حيث يوظف نصف العاملين في القطاع الخاص تقريبًا، علمًا أن الشركات العملاقة تحصل على المشاريع الحكومية الضخمة بالأمر المباشر ثم تسند تنفيذها لعدد كبير من المقاولين لأنها لا تستطيع تلبية كل المشاريع والتي تزيد قيمتها عن 85 مليار دولار سنويًا، وكانت دراسة اقتصادية حديثة كشفت أن سوق المقاولات في السعودية كان من القطاعات الأكثر نموًا بأرباح تصل إلى 80 مليار دولار سنويًا.
والآن لنناقش قليلاً مسألة الاقتراض من الخارج والفرق بين العجز الحكومي والدين القومي ومن ثم نحاول أن نقيم ما تفعله المملكة.
تعد الحكومة كأي شركة خاصة، تجمع الحكومة إيرادتها من القطاعات المختلفة وتستخدمها في الإنفاق على التكاليف الجارية والاستثمارية، ومثلما تمر الشركة الخاصة بفترات تزداد فيها النفقات عن الإيرادات تشهد الحكومة أيضًا فترات مشابهة بالضبط.
فقد تضطر الحكومة خلال إحدى فترات الموازنة أن تنفق على البرامج الاجتماعية والأغراض العسكرية أو الحروب وغيرها نقودًا أكثر مما تجمعه من الضرائب والرسوم لاستخدام ما تقدمه الحكومة للمواطنين.
وفي حالة المملكة التي لا تعتمد على الضرائب والرسوم لرفد الموازنة بالأموال و إنما تعتمد على بيع النفط – السلعة الإستراتيجية الأهم في العالم -، حيث تنتج يوميًا قرابة الـ 10 مليون برميل تبيع معظمها في الأسواق العالمية، عندما كانت الأسعار مرتفعة حققت المملكة فوائض مالية كدستها في الصندوق السيادي، واليوم هبط سعر البرميل إلى ما يقارب الـ 30 دولارًا.
أدى هذا الانخفاض إلى قلة الموارد المالية لرفد الموازنة بالنفقات المطلوبة خصوصًا وأن المملكة تشن حربًا في اليمن وتدعم المعارضة في سوريا وتقدم دعمًا ماليًا لمصر وغيرها، فتحقق للملكة عجز في الموازنة، أي أنفقت الحكومة أكثر مما جمعت.
وأيضًا الحكومة هنا مثل الشركة الخاصة؛ فحالما تقع الشركة في عجز في سداد التزاماتها تلجأ للدين (الحكومي أو القومي) فقد تقترض من شخص معين أو تأخذ قرضًا من بنك أو تحصل على هبة، والحكومة كذلك من أجل تغطية العجز في الموازنة تفعل كما الشركات تصدر دينًا بمعنى أنها تبيع سندات خزانة إما للمستثمرين و البنوك الداخلية, أو المستثمرين والبنوك الدولية وقد تترك الخيارين وتلجأ للسحب من احتياطياتها في الصندوق السيادي.
حالما تصدر الحكومة دينًا يترتب عليها فائدة تستحق الدفع في مواعيد معينة وما يحدث تحديدًا أن المستثمرين يدفعون مقابل السند قيمة أقل من القيمة الإسمية للسند حيث يساهم الفرق في رفع معدل العائد على السند، فلو كانت حكومة أصدرت سندًا إذنيًا تتعهد فيه بأن تدفع للمستثمر 10.000 دولار في غضون عام فإن المستثمر سيدفع 9524 دولارًا ويجني عائدًا نسبته 5% على أمواله.
مع زيادة عجز الموازنة تزداد أيضًا مدفوعات الفائدة المقررة على الدين؛ فيسخط المواطن من مدفوعات الفائدة التي تمثل أكبر أوجه الإنفاق الحكومي والتي لا تترك سوى القليل من المال لتمويل برامج الحكومة الأخرى، وتزداد المشكلة تعقيدًا عندما تتوسع الحكومة في الإنفاق الجاري وتترك المشاريع الاستثمارية، وعندما لا تلقي بالاً لاتباع سياسة مالية منضبطة من أجل الحد من العجز في الموازنة، ولا تقوم بتنويع مصادر دخلها.
السعودية تواجه هذا السيناريو اليوم؛ فهي تكبدت عجزًا ماليًا في الموازنة بسبب اعتمادها على إيرادات النفط بشكل كبير التي انخفضت بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية، وبسبب النفقات التي تواجهها الموزانة سحبت من الصندوق السيادي أموالاً، ومن ثم أدركت أن أسعار النفط ستبقى طويلاً منخفضة وهذا سيؤدي لاستنزاف أموال الصندوق، فعملت على الاقتراض الداخلي ولكن وصل لحده الأقصى الذي لا تستيطع تجاوزه حفاظًا على السيولة فكان لها أن تقترض من الخارج.
الاقتراض من الخارج أمر طبيعي وعلى العكس أراه حافزًا للممكلة من أجل التحرك بسرعة في خطة شاملة للاصلاح الاقتصادي وتلافي الأخطاء التي وقعت بها في الماضي، وتسريح الموظفين وتقليل الرواتب وتخفيض العلاوات وإلغاء كثير من المناصب الوظيفية للحد من البطالة المقنعة وتقليص المشاريع وإلغاء العديد منها كلها سمات هذه المرحلة وهذا أمر لا مفر منه.
على المملكة اليوم التوجه نحو رفع الدعم عن الكثير من المواد الأسياسية وأهمها المشتقات النفطية وفرض ضرائب على الخدمات والسلع التي تقدمها الحكومة للمواطن، والبدء رويدًا رويدًا بالانسحاب من قطاعات وتسليمها للقطاع الخاص، على المملكة اليوم القيام بإجراءات جذرية من أجل اللحاق بركب الدول المتقدمة والخروج من هذا الوضع المالي.
بالطبع هذه السياسة ستزعج الشعب الذي طالما تعود على الرفاة المصطنع وقلة الإنتاجية وعدم دفع القيمة الحقيقية للسلع والخدمات، ولكن مثلما تذوق حلاوة العيش في السنوات الماضية عليه أن يشارك حكومته العبء ولو قليلاً للخروج من عنق الزجاجة.