كونغرس الفيفا
مساء يوم الجمعة الواقع في 26 فبراير 2016، تسمر الملايين من محبي المستديرة أمام شاشات التلفاز، بانتظار ما سيسفر عنه الاجتماع الاستثنائي للجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم (كونغرس الفيفا)، والذي عقد في قاعة مجمع هالنستاديون بمدينة زيوريخ السويسرية حيث مقر المنظمة، من أجل انتخاب رئيسٍ جديدٍ لها خلفًا للسويسري جوزيف بلاتر.
وقد تمخضت النتائج عن انتخاب السويسري جياني إنفانتينو رئيسًا جديدًا للفيفا، بعد أن جمع 88 صوتًا في الجولة الأولى للانتخابات، قبل أن ينجح بكسب تأييد 115 اتحادًا من أصل 207 اتحاداتٍ محليةٍ في الجولة الثانية، وهو ما يتجاوز نسبة (النصف +1) التي تكفي لإعلان انتصاره على منافسيه الـ 4:
– البحريني الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة: رئيس الاتحاد الآسيوي الحالي، والذي حصد 85 صوتًا في الجولة الأولى و88 في الجولة الثانية.
– الأردني الأمير علي بن الحسين: عضو اللجنة التنفيذية للفيفا ورئيس الاتحاد الأردني، والذي جمع 27 صوتًا في الجولة الأولى، و4 أصواتٍ في الثانية.
– الفرنسي جيروم شامبين: نائب السكرتير العام للفيفا سابقًا، والذي جمع 7 أصواتٍ في الجولة الأولى، لم تكن كافيةً لخوضه غمار الجولة الثانية.
– الجنوب أفريقي طوني سكسويل: الناشط والمعتقل السياسي السابق، والذي أعلن انسحابه من المنافسة قبل بدء التصويت بدقائق.
تاريخ الفيفا ورؤساؤها السابقون
رئيسا الفيفا السابقان جواو هافيلانج وسيب بلاتر
يحمل إنفانتينو الرقم 9 بين الرؤساء المنتخبين للمنظمة العالمية، التي تأسست يوم 21 مايو 1904 في باريس، إثر اجتماع ممثلين عن 7 اتحاداتٍ محليةٍ للعبة من: فرنسا، إسبانيا، سويسرا، بلجيكا، هولندا، السويد، والدانمارك، وسط غيابٍ لممثلي الاتحادات البريطانية الـ 4، وعلى رأسهم الاتحاد الإنجليزي، أقدم اتحادٍ وطنيٍ في تاريخ الكرة (تأسس عام 1863)، ولتنتهي الجلسة بإعلان تأسيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (Federation International Football Association)، والذي يعرف اختصارًا بمنظمة (FIFA)، التي أصبحت منذ ذلك الحين الكيان المشرف على اللعبة الشعبية العالمية الأولى، والمسؤول عن إصدار قوانينها وتنظيم بطولاتها.
وقد تلا تشكيل المنظمة بأقل من 48 ساعة، الإعلان عن رئيسها الأول وهو الفرنسي روبرت غيران، الذي لم يستمر في منصبه أكثر من عامين، ليخلفه الإنجليزي دانييل ولفول، الذي انتخب عام 1906 وبقي في رئاسة الفيفا حتى وفاته عام 1918، ليشغل المنصب مؤقتًا الهولندي كارل إيرسشمان ثم الفرنسي جول ريميه، الذي انتخب رئيسًا دائمًا للفيفا عام 1921، وعمر في منصبه مدة 33 عامًا نجح خلالها في القيام بعدة إنجازاتٍ أهمها: تنظيم أول بطولةٍ لكأس العالم عام 1930 في الأورغواي، وإقناع الاتحادات البريطانية بالانضواء تحت لواء الفيفا عام 1946، ليترك منصبه للبلجيكي رودولف سيلدايزر، الذي انتخب عام 1954 ولم يلبث أكثر من عامٍ واحد، حيث وافته المنية عام 1955، ليشغل مكانه نائبه الإنجليزي آرثر دريوري بشكلٍ مؤقت، ثم بشكلٍ دائمٍ اعتبارًا من عام 1956، حيث بقي في منصبه حتى وفاته عام 1961.
في سبتمبر عام 1961، انتخب الإنجليزي ستانلي روس رئيسًا جديدًا للفيفا، وبقي حتى يونيو 1974 حيث خلَفَه البرازيلي جواو هافيلانج، الذي بقي في منصبه مدة 24 عامًا، ليترك المهمة من بعده للسويسري جوزيف بلاتر، الذي انتخب رئيسًا للمرة الأولى في يونيو 1998، وجدد ولايته 4 مراتٍ أعوام: 2002، 2007، 2011، و2015، حيث لم يصمد في منصبه للمرة الأخيرة أكثر شهرٍ واحد، أجبر بعده على تقديم استقالته في يونيو 2015، إثر ثبوت تورطه مع عددٍ من مسؤولي الفيفا بتهمٍ تتعلق بالفساد، ليتولى أكبر نوابه سنًا الكاميروني عيسى حياتو إدارة المنظمة بشكلٍ مؤقت، قبل أن يتم انتخاب إنفانتينو ليكمل فترة بلاتر حتى عام 2019.
من هو إنفانتينو؟ وكيف وصل إلى رئاسة الفيفا؟
المرشحون الـ 5 في انتخابات رئاسة الفيفا الأخيرة
ولد جياني فينسينزو إنفانتينو يوم 23 مارس 1970 في مدينة بريغ بسويسرا، لأبوين إيطاليين مهاجرين، وتلقى تعليمه في جامعة فرايبورغ بألمانيا، حيث درس الحقوق وإدارة الأعمال، ليبدأ مسيرته المهنية الرياضية أواسط التسعينات، بشغله منصب الأمين العام للمركز الدولي للدراسات الرياضية في جامعة نيوشاتل السويسرية، ثم عمل كمستشارٍ لدى مجموعةٍ من مؤسسات كرة القدم في سويسرا، إيطاليا، وإسبانيا، قبل أن ينضم إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (اليويفا) عام 2000، حيث تدرج في مكاتب الاتحاد حتى تولى إدارة شعبة الشؤون القانونية وتراخيص الأندية عام 2004، ومن ثم أصبح نائب السكرتير العام لليويفا عام 2007، ثم تولى منصب السكرتير العام للاتحاد الأوروبي لكرة القدم في أكتوبر 2009، ليصبح الرجل الثاني في اليويفا بعد الرئيس ميشيل بلاتيني.
في العام الماضي، وبعد توسع التحقيقات في تهم الفساد التي ضربت الفيفا، لتطال كلًا من بلاتر وبلاتيني الذين أوقفا مدة 8 سنواتٍ، أصبحت الظروف مهيأةً أمام إنفانتينو لإعلان ترشحه لخوض انتخابات الفيفا الاستثنائية، وخاصةً بعد اختياره في أغسطس الماضي ليكون عضوًا ضمن لجنة إصلاح الفيفا المنبثقة عن لجنة الأخلاق، ليقدم السويسري أوراق اعتماده كمرشحٍ لرئاسة الفيفا في أكتوبر الماضي، ويعكف على إدارة حملته الانتخابية بنفسه، مستفيدًا من كونه وجهًا إداريًا مألوفًا بعيدًا عن روائح الفساد، ليحظى بدعم أغلب اتحادات أوروبا وأمريكا اللاتينية، وبعض اتحادات أفريقيا وآسيا والكونكاكاف، في الانتخابات الأخيرة التي أسفرت عن تفوقه على بقية المرشحين الـ 4، وبلوغه قمة هرم كرة القدم العالمية.
من الناحية الشخصية، يعتبر إنفانتينو من الأشخاص اللطفاء ذوي العلاقات الطيبة بجميع من حولهم، كما يتميز بطلاقة لسانه وإجادته التحدث بـ 5 لغاتٍ فضلًا عن لغته الألمانية الأم، وهي: الفرنسية، الإيطالية، الإنجليزية، الإسبانية، والعربية، واللغة الأخيرة تعلمها من زوجته اللبنانية لينا الأشقر، التي تعرف عليها من خلال عملها السابق في الاتحاد اللبناني، حيث تزوجا عام 2001 وأنجبا 4 بناتٍ هن: أليسا، صابرينا، شانيا سيرينا، وداليا نورا.
أبرز التحديات المنتظرة
إنفانتينو، الوجه المألوف في قرعة البطولات الأوروبية
لن ينعم الرئيس الجديد للفيفا بالكثير من الراحة والرفاهية في منصبه الجديد، فالكثير من التحديات الصعبة تنتظره في الفترة القادمة، نلخصها بالنقاط التالية:
– استعادة مصداقية الفيفا بعد سلسلة الفضائح التي هزت كيانها، وذلك من خلال الشروع بحملة إصلاحاتٍ إدارية، هدفها توفير المزيد من الشفافية المالية والتنظيمية، وهذا ما بدأ فيه بالفعل حتى قبل انتخاب إنفانتينو، حيث صوت مجلس الفيفا قبيل الانتخابات بساعاتٍ على حزمة إصلاحات، تتضمن تعديلاتٍ إداريةً، وأخرى مالية تلزم بموجبها كل عضوٍ بالتصريح براتبه، إضافةً إلى وضع حدٍ أقصى لاستمرار كبار المسؤولين في مناصبهم، مدته 12 عامًا على 3 فتراتٍ انتخابية.
– النظر في ملف بطولات كأس العالم لمعالجة بعض القضايا الشائكة، كرفع عدد منتخبات المونديال، والاستضافة المشتركة، والمداورة بين القارات، إضافةً إلى طي ملف مونديالي 2018 و2022 القادمين، وحسم إقامتهما نهائيًا في روسيا وقطر، مع تحديد موعدٍ دقيقٍ لمونديال قطر يتناسب مع الحالة المناخية للبلاد، دون أن يتعارض مع استحقاقات الأندية.
– تسوية الأوضاع مع الأندية الأوروبية الكبرى، التي تشتكي من إرهاق وإصابة لاعبيها، نتيجة ازدحام جدول منافسات الموسم على صعيد بطولات الأندية والمنتخبات، مهددةً بإقامة دوري أوروبي ممتاز خارج إطار الاتحاد الأوروبي والفيفا، إضافةً إلى الامتناع عن السماح للاعبيها الدوليين بالالتحاق بمنتخباتهم.
– الوقوف بحزمٍ في وجه بعض الظواهر الخطيرة التي تنامت مؤخرًا في الملاعب، وأبرزها: التلاعب بنتائج المباريات، المراهنات غير الشرعية، عنف الملاعب، العنصرية، وتدخل السياسة في كرة القدم، الذي نجده جليًا في الانتهاكات الإسرائيلية الصارخة بحق الرياضيين الفلسطينيين.
– معالجة بعض المواضيع الأخرى المتفرقة، كموضوع تعليق عضويتي الكويت وإندونيسيا في الفيفا، وسبل دعم الدول المتأخرة كرويًا، وإمكانية الاستعانة بوسائل التكنولوجيا الحديثة في التحكيم.
فهل ينجح السويسري الأصلع صاحب الابتسامة العريضة في تبني ثورة الفيفا الجديدة نحو كرة قدمٍ أكثر جمالًا وعدلًا؟ أم يكون مصيره كمصير سلفه الفاسد بلاتر؟
هذا ما ستخبرنا عنه السنوات الـ 3 القادمة.