تصيبك الدهشة وأنت تقرأ تلك العناوين الصحفية في تونس حول تصنيف تونس لحزب الله اللبناني كمنظمة إرهابية، ويخيل لك وأنت تقرأ تلك العناوين من قبيل “هبة شعبية ضد تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية” أو :تنديد وطني ضد القرار” أنك تعيش في وطن آخر غير الذي يتحدثون عنه وبالنيابة عن شعبه، وتعتقد أنك بمجرد الخروج من منزلك ستجد المظاهرات قد أغلقت الطرقات احتجاجًا على هذا القرار وأن تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية هو الشغل الشاغل للتونسيين ومحور حديثهم الدائم.
في الحقيقة لا يوجد شيء من كل هذا وكل ما في الأمر أن كل ذلك مجرد تعبير عما تعيشه تونس من سيطرة لوبيات معينة على وسائل الإعلام وعلى مواقع الاتصال الاجتماعي، هي من تصدر الرسالة التي تريد وتجعل نظريًا من الشعب متبنيًا لمواقفها وقراراتها، فالواقع المعيش في تونس يختلف تمام الاختلاف عما يروج له، وما يتبناه التونسيون غالبًا لا تجد له صدى في برامج وسائل الإعلام وفي حديث النخب والسياسيين، فلا يذهبن في بالك وأنت ترى تلك العناوين الهلامية أن أغلبية التونسيين يرفضون قرار تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية ولا يغرنك ذلك التركيز المتعمد على تصوير موقف تلك الأقلية المدعومة بالإعلام كموقف الجزء الأعظم من الشعب التونسي.
بين 2006 و2016: تغير الكثير
صحيح أننا جميعنا وقفنا في 2006 وقبلها بفعل عاطفة الانتماء والعروبة في صف تلك الحركة التي كسرت شوكة العدو الصهيوني وجرته إلى هزيمة نكراء في حرب لبنان رغم ما خلفته تلك الحرب من دمار للبلد، ورسمنا قائدها كبطل من تاريخ هذه الأمة كان قادرًا أن يرجع بفضل ذلك النصر القليل من شموخنا واعتزازنا بالانتماء إلى الأمة العربية، لكننا لا نجهل أو نتجاهل أن بوصلة حزب الله قد تغيرت بعد تلك الحرب وأن فوهات مدافعه قد تغير اتجاهها تجاه الشعب اللبناني أولاً وتجاه الشعب السوري ثانيًا وتجاه أبناء الطائفة السنية ثالثًا.
يتجاهل جزء كبير من الرافضين لقرار تصنيف حزب الله كحركة إرهابية إما سهوًا أو عمدًا أننا نعيش اليوم زمن كشف العورات، وأن 10 سنوات بعد حرب لبنان وخصوصًا بعد ثورات الربيع العربي قد جعلتنا ندرك من يقف في صف هذه الشعوب ومن ينفذ إيديولوجيات الغيرعلى أرض العرب، فحزب الله الذي كان يخيل لنا أنه يدافع عن لبنان ضد العدوان الصهيوني اكتشفنا متأخرًا بفضل فائض العاطفة الذي نحمله أنه كان يدافع عن التواجد الشيعي في البلد وأنه لم يكن يعتبر لبنان يومًا بلدًا عربيا بل يعتبره جزءًا من الجمهورية الإسلامية الكبرى (الإمبراطورية الفارسية) والمرتبط أساسًا بولاية الفقيه (حكم صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الإمام الخميني)، ولأن ذاكرتنا قصيرة ولأن التاريخ قد تم تحريفه، تجاهلنا هذه الحقيقة التي صنع من أجلها حزب الله على يد إيران حتى يحين الوقت الذي يكشر فيه الفصيل المسلح عن أنيابه تجاه أبناء بلده وتجاه أبناء دينه.
جاءت ثورات الربيع العربي وظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود وانكشفت حقيقة هذا التنظيم الذي استبدل مقاومة الكيان الصهيوني بمقاومة الشعب السوري في ثورته الساعية إلى إسقاط نظام الطاغية بشار الأسد، وأرسل حزب الله بأمر مباشر من إيران مسلحيه إلى سوريا لدعم الأسد مرتكبين أفظع الجرائم في حق الإنسانية في مضايا والقصير من أجل إفشال الثورة السورية التي تعتبرها إيران كارثة عليها ولضمان التواجد الإيراني في سوريا وإبقاء هذا البلد خط الدفاع الأول لإيران.
لعل رجوعنا إلى تاريخ حزب الله سيخرج هذا المقال عن إطاره لكننا فقط سنذكر الداعمين لهذه المنظمة من المتبجحين بالعروبة بموقف حزب الله المحتفل بإعدام صدام حسين الذي كان أيضًا عدو الكيان الصهيوني وندعوهم أيضا إلى الإطلاع قليلاً على الشأن اللبناني لمعرفة حجم الإرهاب الذي يمارسه حزب الله في لبنان من أجل السيطرة على مفاصل الدولة وبسط نفوذ الشيعة عليها، لنضيف كل ذلك إلى جرائم الحزب في سوريا ونسألهم عن مدى اختلاف حزب الله عن تنظيم داعش الذي تصنفه الولايات المتحدة وإسرائيل كتنظيم إرهابي شأنه شأن حزب الله، وهل أن في اعتبارنا لداعش تنظيمًا إرهابيًا مساندة للولايات المتحدة وإسرائيل مثلما تزعمون بشأن تصنيفنا لحزب الله.
غوغاء الأقلية وصمت الأغلبية
لعله كان من العادي ألا يأخذ موضوع تصنيف حزب الله حركة إرهابية كل ذلك الزخم الإعلامي والسياسي في تونس بالنظر إلى أنه لم يمثل أمرًا مهمًا بالنسبة إلى أغلبية الشعب التونسي الذي يقف إلى جانب الثورة السورية وأصبح يعادي حزب الله بالنظر إلى دوره في سوريا، فوقوفه إلى جانب هذا القرار يأتي من ناحية المبدأ أولاً، وتجاهله للقرار يأتي بالنظر إلى عدم وجود اهتمام بهذا الملف الذي لا يعرض تونس إلى الخطر على الأقل حاليًا وبالنظر إلى أن مشاكل الإرهاب تتصدر قائمة مشاكل التونسيين حاليًا، لكن أقلية من المغرر بهم وبفعل الإعلام وعدد من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني المشبوهة استغلوا هذا الصمت لتصدير موقفهم الرافض لهذا القرار كموقف شعبي، مستغلين تعدد المنابر التي تمنح لهم وتمادي المواطن التونسي العادي في الاستماع إلى الخرافات التي يسوقونها وتجاهلها بالنظر إلى ما تعود به لديهم من سباحة خارج تيار اهتماماته ومواقفه.
لكن الغريب هذه المرة أن هاته الأقلية بغوغائها المعتادة فرضت على السلطات التونسية التراجع الجزئي عن قرارها المتماهي مع المواقف المبدئية للشعب التونسي، وخرج علينا رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي ووزير خارجيته ليلطفا هذا القرار المشترك مع مجلس وزراء داخلية العرب مستجيبين للضغط الإعلامي لهاته الأقلية ومذكرين بحرب حزب الله ضد الكيان الصهيوني، فكأن هؤلاء الغوغائيين أصبحوا الحاكمين في هذا البلد، وكأن الدولة أصبحت أداة طيعة في أيديهم رغم ما حدثنا به الرئيس طويلاً عن هيبة الدولة التي سيحكمها، وكل ذلك في ظل تحدٍ كبير لها بدعوة أمين عام حزب الله حسن نصر الله لتوجيه رسالة للشعب التونسي عبر إحدى القنوات الخاصة، فهل إلى هذا الحد وصل استهتار هاته الأقلية بالدولة ومصالحها بعيدًا عن المصالح الإيديولوجية الضيقة وإلى متى ستظل الأغلبية صامتة في ظل عجز الدولة؟