شاركت المرأة والفتاة الفلسطينية في النضال الفلسطيني في الثورة والانتفاضات الفلسطينية في صورة واضحة لا يمكن تجاهلها ونكران أثرها على القضية ومراحل الكفاح الفلسطيني.
هذه الأم منجبة الرجال هي من دعمت كفاحهم ضد عدوهم وقاتلت معهم جنبًا إلى جنب، كذلك أخت المرجلة ساندت المناضلين والمقاومين الفلسطينيين بكافة مراحل نضالهم ودفاعهم عن أرض اُحتلت من غاصب، لا يحتكر الدفاع عنها على طرف دون آخر، وطن ملك للجميع وهو مسؤولية الجميع، لا ينقص من دور أحدهم ولا يمكن تجاهله.
تاريخ ونضال
كانت المرأة الفلسطينية اليد الثانية للرجل التي شاركته كل شيء، حيث سارت معه وحب فلسطين لا يغادر قلبها، حب فطري ترعرع مع نسائم الوطن وشذى عطر ترابه الطاهر، فلحت الأرض مع زوجها، ورعتها وحدها بغيابه عند اعتقاله من قِبل قوات الاحتلال.
حرصت المرأة الفلسطينية على تقديم الغالي والنفيس في سبيل تحقيق الحرية لشعبها، فقدمت حليها للرجال ليشتروا بها البنادق لمقاومة المحتل، كما أنها حملت البندقية وواجهت عمليات الاستيلاء على الأراضي وتخريبها من قِبل المستوطنين عند احتلال فلسطين.
كما شاركت في تنظيم المظاهرات الاحتجاجية ضد الاحتلال، وكان لها الصوت الحر في قيادتها وتحفيز الجماهير للتظاهر والخروج في وقف المحتل لوقف سياساته، والدفاع عن الأرض والعرض، وأخذت على عاتق الرجال الوقوف والتصدي لهجمات العصابات الصهيونية.
تسارعت أحداث النضال الفلسطيني وارتكب الاحتلال المجازر بحق الأهالي وصادر الممتلكات، فأخذت المرأة على عاتقها الدخول بشكل فعلي في العمل المسلح واستمرار نضالها من أجل فلسطين، فشاركت في المجموعات الفدائية، وساعدتهم في نقل الأسلحة وتخزينها، ونفذت العديد من العمليات النوعية ضد العدو الإسرائيلي.
الانتفاضة الأولى والثانية
انطلقت شرارة الانتفاضة الأولى بعد قيام سائق شاحنة إسرائيلية بدهس مجموعة من العمال الفلسطينيين واستشهاد أربعة منهم في جباليا بقطاع غزة بتاريخ 8 ديسمبر 1987، ثم انتقلت إلى كل مدن وقرى ومخيمات فلسطين.
جاءت انتفاضة الشعب الفلسطيني الأولى بعد مرور 39 عامًا على احتلال فلسطين، حيث ذاق الويلات وظلم الاحتلال له، فتدهورت الأوضاع في البلاد فكان لا بد من انتفاضة تثور على المحتل للتخفيف من هذه المعاناة.
دعمت المرأة الفلسطينية بصمودها الانتفاضة الأولى، وكان لها دور أساسي في نجاحها وتهيئة الظروف المناسبة لها، وإيجاد بنية تحتية متينة لاستمرارها، فشاركت في اتحادات الجامعات وتكوين الأطر النسائية بمختلف المجالات، فأسست رياض الأطفال في العديد من القرى والمدن الفلسطينية لتأسيس جيل جديد قادر على قيادة النضال الفلسطيني ومقاومة المحتل، وأقامت العيادات الميدانية لعلاج جرحى الانتفاضة، وعملت على تزويد القرى والمخيمات المحاصرة بالخبز والحليب والمواد الغذائية، وذلك بعد تطبيق الاحتلال سياسة “الحصارالاقتصادي” للشعب.
مشاركة المرأة في الانتفاضة الأولى كانت قوية وظاهرة للجميع، وذلك على جميع المستويات، سواء بالإعداد والتعليم، أو الخروج بالمظاهرات وفك الحصار ومقاومة المحتل.
كما استمرت المرأة والفتاة الفلسطينية على ذات الطريق في مقاومة المحتل عند انطلاق الانتفاضة الثانية “انتفاضة الأقصى” بتاريخ 28 سبتمبر 2000، وكانت شرارة اندلاعها دخول رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون إلى باحات المسجد الأقصى برفقة حراسه، وسط تحدٍ واضح لمشاعر المسلمين وقدسية المكان، فتصدوا له.
كانت المرأة الفلسطينية في انتفاضة الأقصى المربية، المناضلة، الأسيرة، الشهيدة، وكانت هناك العديد من العمليات الفدائية ضد الاحتلال نفذتها خنساوات فلسطين، كما اعتقل الاحتلال الإسرائيلي العشرات منهن بتهمة العمل المقاوم ومحاولة تنفيذ عمليات طعن.
انتفاضة القدس
ووفاءً لفلسطين وقضيتها العادلة، وحمايةً للمقدسات والدفاع عنها، استكملت حرائر فلسطين مسيرتهن النضالية والدفاع عن الوطن، فكنّ قناديلاً بساحات المسجد الأقصى ورابطن على بواباته منعًا لتهويده وتقسيمه من قِبل الاحتلال، وعقدن الدورات التعليمية للتعريف بالمسجد الأقصى وأجر الرباط فيه، ونظمن حلقات تحفيظ القرآن الكريم ومدارسة السيرة النبوية وبطولات وتضحيات المجاهدين على أرض فلسطين.
كثف الاحتلال من اقتحاماته للمسجد الأقصى وتضييقه على المسلمين، وأصبح يطبق سياسته التهويدية في العلن، فمنع مصاطب العلم في ساحات المسجد الأقصى، ومنع المرابطات من الدخول إليه والمرابطة فيه واعتدى عليهن، ومنع من هم دون سن الأربعين من دخوله، وزادت الجولات اليومية للمستوطنين وحاخاماتهم باقتحام المسجد الأقصى، وأحرق المستوطنون الطفل المقدسي محمد خضير ومن بعده عائلة دوابشة، كل ذلك أدى لانطلاق شرارة انتفاضة القدس في بداية أكتوبر 2015 حتى الآن.
شاركت الفتاة الفلسطينية في انتفاضة القدس مشاركة فعالة ولافتة للجميع، حيث كانت مع الشباب في المقدمة عند نقاط التماس مع قوات الاحتلال في المظاهرات اليومية، وأمدت الشباب بالحجارة والقنابل الحارقة.
تميزت هذه الانتفاضة بالعمليات الفردية ما بين طعن ودهس وإطلاق نار، نفذت العديد منهن فتيات بمقتبل العمر، بعضهن لم ينهين المرحلة المدرسية. طالبات الجامعات الفلسطينية شاركن في مختلف المظاهرات اليومية، ونظمن المسيرات الاحتجاجية ضد الاحتلال المنتهية بنقاط التماس معه، فسقطت منهن الشهيدة والأسيرة والجريحة، ولم يثنهن ذلك عن مواصلة المسير ومقاومة المحتل.
عمليات الدهس والطعن التي نفذتها “حرائر فلسطين” في هذه الانتفاضة، هي دليل واضح على أن دور المرأة والفتاة الفلسطينية لا تحده حدود في سبيل تحرير الأوطان، وأن الواجب الديني والوطني هو الذي دفعهن للتصدي لممارسات الاحتلال اليومية، وأن طريق المقاومة لا يقتصر فقط على الرجال دون النساء، فالكل على ثغرة في حمى الوطن، وما جاء خروجهن ومقاومتهن للاحتلال إلا في زمن أصبحت فيه الخيانة وجهة نظر! وتقاعس فيه البعض عن تلبية نداء الوطن.