ربما حان الوقت لأن نعتبر مشاعر الحيوان مهمة كما نفعل مع مشاعر الإنسان، فكما لنفسية الإنسان دراسات طبية وعلمية منذ القدم تحلل أبسط وأدق التفاصيل عن أسلوب حياته وطريقة تعامله مع البيئة ومع علاقاته البشرية، فهناك أيضًا اهتمام بدراسة مشاعر الحيوان، حيث إن بعض الحيوانات يمكنها فهم مشاعر الإنسان، الكلاب يمكنها أن تحس بما يشعر به الإنسان، وكذلك الأحصنة، كما أن للحيتان لهجات مختلفة بحسب المناطق التي يعيشون فيها، والغربان يتمتعون بخاصية لطالما اعتبرها العلماء خاصة بالإنسان فقط، وهي “نظرية العقل”؛ فقد أثبتت بعض التجارب أن يمكن للغربان أن تقرأ أفكار بعضها، فربما الآن يجب على البشر أن يعيدوا حساباتهم، فالحيوانات لديها بعض الخصائص البشرية بالفعل.
هل تمتلك الحيوانات مشاعر بالفعل؟
“القرود تنتحر أيضًا” ، هكذا كان عنوان أحد الأخبار في الأربعينات من القرن الماضي، عندما شوهد قرد في حديقة حيوان حديثة المنشأ يقوم بربط حبل في جذع الشجرة والطرف الآخر يعقده كأنشوطة ليضع رأسه فيها ويموت في الحال، ليبدو المشهد من الخارج كمشهد لإنسان ينتحر بذات الطريقة! أثارت صورة ذلك القرد جدلًا حول قضية حديقة الحيوانات في ذلك الوقت، وهل على الإنسان أن يستمر في إنشاء حدائق الحيوانات ويقوم بحبسهم فيها.
لا يُعد الإنسان الكائن الحي الوحيد الذي يمكنه أن يعبر عن السعادة، فكل أصحاب الحيوانات الأليفة في البيوت يعرفون جيدًا متى يعبر الكلب عن سعادته على سبيل المثال، أو عندما يحرك القط ذيله معناه أنه يعبر عن فرحته.
بدأ علم سلوك الحيوان في عام 1910 بالتركيز على وصف سلوك الحيوان وتفسيره لإنهاء الخرافات التي يخترعها البشر عنهم، مثل أن القطط ساحرات، أو أن السلحفاة حيوان عنيد أو بأن الجراد كسول، وفي النهاية عمد العلماء إلى وصف سلوك الحيوانات بأدق تفاصيله، وكان الوصف وسيلتهم فقط لشرح علم سلوك الحيوانات.
تطور الأمر من العلم السلوكي إلى الوعي الإدراكي الخاص بالحيوانات، حيث صدر كتاب في السبعينات بعنوان “وعي الحيوانات الإدراكي” للكاتب دونالد جريفن، وهو العالم ذو المكانة العالية في ذلك الوقت؛ فهو الذي اكتشف خاصية تحديد الموقع بصدى الصوت والتي تتبعها الخفافيش لتحديد الأماكن حولها، ولكن بعد إصدار هذا الكاتب لاقى الكاتب سمعة سيئة في الوسط العلمي، وتم اتهامه بأنه يقوم بأنسنة الحيوانات، حيث وجدوا أنه يعطي الحيوانات أسماء بشرية في أبحاثه، كما أعلن العلماء في ذلك الوقت بأنهم لا يحبذون العمل أو التشجيع على العمل في ذلك المشروع البحثي الخاص بإدراك الحيوانات.
تم ملاحظة سلوكيات كالتعاطف والمواساة بين الحيوانات، فإذا أخذنا الفيل على سبيل المثال، سنجد بأن الفيل يميل إلى مواساة الفيل المرتبك والقلق إذا ما أصدر صوتًا يدل على الغضب والهياج، ويعمد إلى لمس الفيل القلق بجذعه، ويصدر صوتًا بسيطًا كالذي تصدره الأم لتنويم طفلها.
أثبتت دراسة حديثة وجود التعاطف وما يُسمى بالسلوك المريح(comforting behavior) لدى الحيوانات، فكانت التجربة العلمية على بعض القوارض داخل قفص، وصعق العالم أحدهما بصعقة كهربية خفيفة، وتم ملاحظة أن الآخر ذهب للتعاطف معه ومواساته ومساندته بعد أن تعرض لذلك الألم.
هناك العديد من الدراسات العلمية التي تفسر سعادة الحيوانات، إلا أن العلماء يفضلون تسميتها بالسلوكيات الإيجابية بدلًا من السعادة، إذ إن السعادة في وجهة نظر العلم هي عبارة عن ثلاث مراحل؛ الأولى هي تحفيز الإنسان على الانبساط عن طريق محفز، ثم التعبير عن هذا الانبساط، والقيام برد فعل يوضح السعادة والانبساط، أقر العلماء أن معظم الحيوانات لا يمكنها أداء الثلاث مراحل، وبالأخص المرحلة الأخيرة، فليس للحيوانات قابلية الضحك مثل الإنسان مثلًا، على الرغم من اكتشاف بعض الأصوات والتغريدات لدى الحيوانات والتي يمكن اعتبارها تعبيرًا عن الضحك.
ساعدت التكنولوجيا الحديثة العلماء في اكتشاف جوانب أخرى من العلم السلوكي للحيوانات؛ حيث استطاع العلماء تدريب الكلاب على الخصوع لأشعة الرنين المغناطيسي، ومنها استطاع العلماء تحديد استجابة الحيوانات الدماغية لبعض المؤثرات البصرية والسمعية، ووجدوا العديد من التشابهات بينها وبين الاستجابة الدماغية للإنسان عند التعرض لمشاعر معينة.
الحيوانات مثلنا، يخضعون لتلاعب العلم بهم، حيث يكون العلم متحيزًا للغاية عند الحديث عن الحيوانات، ولكن في الحقيقة تتشابه الحيوانات في الكثير من المشاعر مع الإنسان، ليس يعني هذا أنسنة الحيوانات، ولكن في النهاية، الإنسان هو حيوان كذلك!