تذاكر وتزاحم وانتظار.. فتْح الباب والتفكير في اقتناص مقعد مناسب لمشاهدة فصول المسرحية، ثم انتظار لحظة الإقلاع، ترقّب، فتح ستار المسرح، وشوق لمعرفة قصة المسرحية، وتارة التحديق بالممثلين والتساؤل: كيف لا يُخطئ الممثل بأداء المشهد المطلوب وكيف لا يضحك في أثناء التمثيل! سؤال يُروادنا؟
هذا المشهد نتذكره كلما تُذكر كلمة “مسرح” ونتذكر مشاهد داخله هي فصول قصة مسرحية أحببناها وضحكنا وبكينا وربما كانت مُحاكاة حاكت لقصص تُماثلنا!
أُطلق على المسرح (أبو الفنون)، بدايته منذ أيام الإغريق والرومان، وقدرته على الموالفة بين عناصر فنية متعددة حيث كانت المسارح هي الوسيلة الوحيدة للتعبير الفني بعد حلبات المصارعين والسباقات.
المسرح العربي
بدأ المسرح العربي بالظواهر الدرامية الشعبية التي ظلّ قسم منها مستمرّاً حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أما القسم الآخر فما زال يقدم حتى الآن مثل الكاولية، القراقوز، خيال الظل، السماحة، المقامات، السير الشعبية، وأيضاً المسرح الإخباري والسماح، حفلات الذكر، ومسرح البساط، صندوق العجائب، المداح، الحكواتي، وغيرها.
وقد كانت البداية الفعلية للحركة المسرحية العربية في لبنان وسوريا بمسرحية (البخيل) عن مولير، ثم مسرح الترجمات، وتبعها المسرح التاريخي، ثم مسرح الواقعية الاجتماعية.
المسرح الإسلامي
بدأ المسرح الإسلامي في مصر ما بين عام (1940-1961م). وقدم في هذه المدة القصيرة (34) مسرحية وفقاً للإحصائية الدقيقة التي ضمنها كتاب “المسرح الإسلامي” لأحمد شوقي قاسم. وهي تعتبر أول التجارب الحديثة في المسرح الإسلامي بريادة مصر، مسرحية بعنوان: “المروءة المقنعة” تأليف الشاعر “محمود غنيم”.
المسرح الإسلامي في الأردن
برزت أسماء شبابيّة عديدة اهتمت بالمسرح الإسلامي وقد كانت نشأتها على أيدي طلاّب جامعيين، التقت مع رائد من رواد المسرح الإسلامي المهندس هشام خريسات، وسرد تدرج المسرح الإسلامي.
وصف المسرح الاسلامي آنذاك بأنه نشأ في بيئة الجامعة الأردنية، التي كان فيها مجموعات من الشباب النشطاء في الحركة الطلابية، ممثّلين لما يسمى في ذلك الوقت “الجمعيات الطلابية”. وكانوا يقوموا بنشاطات مختلفة ثقافية واجتماعية وخدمية والنادي الأدبي وكان المسرح من تلك الأنشطة.
البداية الأولى للمسرح كانت في نهاية السبعينات؛ في مسرحية (عالِم وطاغية) للدكتور يوسف القرضاوي، بطلها الطبيب أحمد مرعي. عُرضت في الجامعة الأردنية وقصر الثقافة.
في عام 1985 – 1986 عاد المسرح الإسلامي الملتزم في الجامعة الأردنية مع مجموعة من الطلبة على رأسهم د.ماهر أبو الحمص، الذي كان له دور التأليف لمجموعة المسرحيات من عام 1985 إلى 1991 ، عدا عن تعاون (أبو الحمص) مع دائرة النشاط الطلابي وأهم شخص فيها كان الدكتور أشرف أباظة وكان دوره الأبرز في الإخراج وبطولة بعض المسرحيات.
كانت المسرحية الأولى (نور السلطان) تحكي قصة الشهيد عز الدين القسام وقصة السلطان عبد الحميد الثاني، وقد استخدمت فيها تقنيات جيدة وقتها.
ثم مسرحية (الهجرة النبوية) وهي مسرحية إنشادية، ومن المنشدين المشاركين فيها: فريد سرسك وإسماعيل عرفة وإسماعيل خلف ومحمد أبو راتب.
أعيدت مسرحية (عالم وطاغية) في عامي 1986-1987 باسم جديد (حجاج ثقيف).
مسرحية (ثورة السنابل) في عامي 1988-1989 تحكي قصة المواجهة الحضارية مع المستعمر والثورة الفلسطينية ضد المستعمرين والإنجليز، وقد كان لهذه المسرحية صدى طيب خارج الجامعة الأردنية؛ في جامعة اليرموك، وكذلك في (المسرح الكندي)، وقصر الثقافة، والمركز الثقافي الملكي، ونقلها التلفزيون الأردني.
مسرحية (قرية كان اسمها زيتونة)، عُرضت خارج الجامعة الأردنية، في قصر الثقافة والمركز الثقافي الملكي، والمسرحيّة تحكي قصة البيئات القروية والصراع ما بين المستعمر والناس أصحاب الهم الوطني، وتناولت أطماع الاستعمار في العالم العربي وسيطرته على مقدرات الأمة وكفاح الشعوب.
مسرحة (مدينة لا تعرف الحدود) عُرضت عام 1990 خارج الجامعة الأردنية برعاية نادي اليرموك الرياضي وقصر الثقافة والمركز الثقافي الملكي، ونفس السياق السابق تحكي الحالة الوطنية والصراع والتناقضات في المجتمع العربي.
يقول م. هشام خريسات: “قمت بأدوار تمثيليّة في المسرحيات، وكذلك من أبرز أسماء زملائي الممثلين؛ هاشم كفاوين، د.أشرف أباظة، صلاح راشد، محمد شاهين التميمي، م. صالح الحسيني، م.مدحت عامر، م.جمال راتب، م.محمود أبوغنيمة، زاهر البيراوي، سائد الضمور، د.ماهر أبو الحمص، عبدالكريم القواسمي.
نجاح المسرح
يرى خريسات أن نجاح المسرح الإسلامي في تلك الفترة كان بسبب وجود العناصر الشبابية، ووجود المسرح، ووجود نصوص المسرحيات، والتعاون من طرف الجامعة الأردنية ودائرة النشاط الثقافي في الإخراج والتقنيات، وأيضاً الجمهور؛ فقد كانت بعض المسرحيات تُعرض ما بين (30 – 40) مرّة ويمتلئ المسرح ومنهم من يأتي من محافظات بعيدة كإربد ومعان.
لماذا الاهتمام بالمسرح؟
يؤكد خريسات أن الشباب الجامعي مرحلة عمرية يملك الانسان فيها أقصى طاقات الإبداع والحماس وهي مرحلة الثقافة والتعلم والتحدي وإثبات الذات.
يضيف: “هذه المسرحيات وسيلة من وسائل مواجهة الفكر الآخر (الغربي والاستعماري والفكر الذي يدعو لتذويب الأمة) حيث تستبدل به فكراً يدعو إلى ثبات الأمة وإبراز الشخصية الحضارية، وكنا نرى حضور عشرات الآلاف، وكان هذا دافعاً كبيراً لنا نحن الشباب لنتحرك في نفس المدى”.
دور المسرح في ترويج الفكرة وتسويقها:
يركز خريسات أن فن المسرح يختلف عن الوعظ المباشر لأنه أبلغ تأثيراً وواقعاً كما يؤثر على سلوك الإنسان وضميره الداخلي. كما يرى أن للمسرح قدرة على غرس المفاهيم والأفكار عند الناس بشكل مباشر يخاطب العقل والعاطفة ويؤثر في الوجدان ويجعل الإنسان يعكس هذا التأثير إلى فعل على أرض الواقع أكثر من مجرد كلام ونصوص.
المسرح الإسلامي اليوم!
الطبيب (البراء الشرقاوي) ومدير مسرح (السنابل) أحد المسارح النشيطة في الجامعات الذي تأسس عام 2010 ؛ يرى أن أثر المسرح يكمن في العمل على عدة نطاقات فتتشكل حالة فنية في الناس في اللاوعي، وبشكل تدريجي تبني عند الناس وتغيّر وتشكل حالة ثقافية مرجعية لديهم فتشكل جزءاً من وعيهم.
يعتقد الشرقاوي أنه لا يستطيع قياس التأثير للقليل نسبيّاً من المسرحيات المعروضة من مسرح السنابل بل من خلال حالة مسرحية تكون جزءاً من الحالة الفنية في المجتمع.
ويضيف: “في العموم، المسرح له أثر مباشر في الضحك أو البكاء، لا أستطيع القول إن الشخص من خلال حضور مسرحية واحدة سيغير تفكيره بشكل كبير، وخاصة الأطروحات الحالية الموجودة للمسرحية، كما يعتمد التأثير على مضمون المسرحية”.
تسويق الفكرة المسرحية
يدلل الشرقاوي بما قاله مؤسس المسرح الفرنسي: “أنا الذي استطعت أن أجعل كلام الفلاسفة هو حديث المقاهي”.. بالتالي وظيفة الفنان في المسرح أو الأفلام أنه وسيط بين المفكرين والنخبويين وعامة الشعب، وهو (الفنان) الذي يستطيع أن يصيغ الأفكار الضخمة بشكل سلس ويتقبلها الناس وتصبح حديثهم فيرتقي بوعيهم.
ويعزو الشرقاوي ميل الشباب إلى المسرح لأسباب أخرى، فيقول: “المسرح مسلٍّ، والناس لا تقرأ الكتب لكن تحب حضور المسرح، والرسائل غير المباشرة تستقر في النفس، والحالة العاطفية متوفرة في المسرح”.
*نُشر في مجلة الفرقان الأردنية.