بين الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر من العام الحالي، وأداء الرئيس أو الرئيسة الجديدة اليمين القانونية في 20 من يناير 2017، سيكون باراك أوباما متحررًا من كل اضطرار سياسي أو قيود شعبية، فهل يترك إرثًا يُحسب له في القضية الفلسطينية التي أهملها على مدى 8 سنوات، فترة ولايتيه بالبيت الأبيض؟
التساؤل الذي يحير المحللين السياسيين هنا ماذا سيفعل أوباما في ظل علاقته المتوترة مع رئيس الوزراء بدولة الكيان بنيامين نتنياهو، وكيف سيكون رد الفعل، وهل سيكون لاتفاق المساعدات الأمنية دور فاعل في الأمر؟
استرضاء ومداهنة
من هنا لابد من تحليل سريع لسياسة أوباما الخارجية بشكل عام خلال السنوات الـ8 من حكمه، والتي ابتعدت كليًا عن المواجهة، وفضل فيها استرضاء الخصوم سواء الدب الروسي، أو العملاق الصيني، أو حتى إيران النووية.
ففي الصين فشل أوباما في الحفاظ على 70 عامًا من الهيمنة البحرية الأمريكية على المناطق المطلة على المحيط الهادي، حينما سمح لحكومة بكين بتركيب بطاريات مضادة للطائرات في بقعة تقع جنوب بحر الصين متنازع على سيادتها، وبعيدة عن حدودها، ثم تخاذل أمام إنشاء بكين جزيرة صناعية حطت عليها طائراتها، فوق سلسلة أخرى من جزر سبارتليز المتنازع عليها بينها وبين كل من الفلبين، ماليزيا، تايوان، وفيتنام.
وفي سوريا، ظهر ضعف وتردد أوباما جليًا، بعدما نجح القصف الروسي في إنقاذ نظام بشار الأسد الذي كان على وشك الانهيار، وسمح لموسكو باستعراض قوتها أمام الشرق الأوسط بأكمله، وفي أوكرانيا، اخترقت روسيا اتفاقيات مينسك لوقف إطلاق النار، وابتلعت منطقة القرم، فيما رفض أوباما حتى فكرة إرسال أسلحة دفاعية للأوكرانيين.
وفي إيران وقفت الولايات المتحدة موقف المتفرج من استلامها أول شحنة من بطاريات صواريخ إس ـ 300 المضادة للطائرات من روسيا، ما يعد خطوة متقدمة لحماية إيران من أي هجوم لمنشآتها النووية.
إذًا، ماذا عن إسرائيل؟
هناك عدة سيناريوهات يراها الخبراء حول الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية، أولها أن تسير إدارة أوباما على نفس النهج السابق الإشارة إليه، ولن يقدم الرئيس الأمريكي حتى نهاية ولايته شيئًا في الموضوع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، باستثناء خطوات لمنع التدهور، وهو سيناريو بالرغم من واقعيته إلا أن احتماليات تحققه تبقى منخفضة جدًا؛ لأن أوباما نفسه يبحث عن مجد شخصي له كرئيس للولايات المتحدة، مقارنة بسابقيه في البيت الأبيض.
أما السيناريو الثاني فيتعلق بخطاب أوباما قبل الأخير خلال الفترة المقبلة، وهو احتمال كبير إلى حد ما، يتوقع أن يقوم أوباما خلاله بعرض الرؤية الأمريكية لحل النزاع، وفق خطوط عريضة قائمة على جدلية الحدود والتواريخ، وليس الحل النهائي، وأزمة اللاجئين ومشكلات الاستيطان، ومن المتوقع ألا يخرج هذا الخطاب عن مسودة اتفاق الإطار التي كاد وزير الخارجية جون كيري ينجح في وضعها في بداية 2014.
قنبلة أوباما
هناك سيناريو أخير يرى أن أوباما قد يسعى في فترة الحرية من القيود ما بين لحظتي الانتخابات، وإعلان النتيجة وجلوس الرئيس الجديد على كرسي البيت الأبيض، إلى تفجير قنبلة تضع غريمه بالكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حرج كبير، عبر إقحام مجلس الأمن والأمم المتحدة في الأمر بقرار دولي جديد، تزكيه الولايات المتحدة، يحل محل قرارات مجلس الأمن 242 من العام 1967، و338 من العام 1973، ويكون بمثابة مرجعية جديدة لاتفاق السلام بين الجانبين، فحواه حل الدولتين وتنازلات كل طرف التي يتعين عليه تقديمها لاستئناف مسيرة السلام، وهي خطوة لا تستطيع إسرائيل منعها بأي حال من الأحوال، حتى وإن حركت حلفاءها الجمهوريين في الكونجرس.
ما يدعم ترجيح بعض المحللين لهذا السيناريو، هو أن تلك الخطوة تمت مناقشتها بالفعل لكن على مستويات أدنى في البيت الأبيض، وفي الخارجية الأمريكية ويدور حولها جدال حقيقي.
نقطة أخرى تدعم قوة موقف أوباما إذا رأى أن عليه أن يخطو تلك الخطوة، وهي صيغة القرار التي تُرفع للتصويت، ورؤية كل طرف سواء الجانب الفلسطيني أو دولة الاحتلال له، فبالنسبة للإسرائيليين فإن التنازل سيكون إقامة الحدود على أساس خطوط 67 مع تبادل للأراضي، وكون القدس عاصمة الدولتين، وبالنسبة للفلسطينيين، سيكون التنازل هو الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، وبالتالي إنهاء حلم العودة للاجئين.
الأمور كلها تتعلق بالزيارات المكوكية خلال الأسابيع المقبلة، واللقاءات المتوقع أن تتم بين المسؤولين الأمريكيين ونظرائهم من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن سيزور دولة الكيان في الـ7 من مارس، قبل أن يصل وزير الدفاع الإسرائيلي يعلون إلى واشنطن لبحث مآلات الاتفاق الأمني، بينما لا زال أوباما يرفض لقاء نتنياهو، حتى إنه حدد زيارته لكوبا في الـ20 من مارس الجاري، في نفس توقيت زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني لأمريكا لحضور مؤتمر اللوبي الإسرائيلي “إيباك”، وهو ما قد يعطل فكرة التوافق.
تعثر فلسطيني
على النقيض من تلك السيناريوهات، تبدو الخطوات الفلسطينية في ملف السلام وحق اللاجئين وترسيم الحدود متعثرة ومرتبكة.
تؤكد ذلك التحركات الفلسطينية المرتبكة على المسار الدولي في سبيل وقف تدهور وتهميش القضية، وإحياء المفاوضات على أسس قرارات مجلس الأمن غير المنفذة، والتي تظهر في إقرار التوجه والعدول عنه في الوقت ذاته، وعرض وجهة النظر والدعوة لدراستها وانتظار وجس نبض المجموعات الإقليمية والدولية، وكأن الأمور الفلسطينية لم تقتل بحثًا منذ العام 2009 وحتى الآن.
نقطة أخيرة تدعم تعثر الخطوات الفلسطينية، وهي ملف المصالحة، فتارة هناك تقدم في التقارب بوجهات النظر بين فتح وحماس، وأخرى اتهامات متبادلة بين الجانبين، وثالثة في انتظار وساطة عربية.
خلاصة القول أن انتظار هدية من الجانب الأمريكي فيما يخص ملف المفاوضات السلمية، قضية الحدود، وعودة اللاجئين، لابد أن يقابلها حراك فلسطيني مواز يعمل على رأب الصدع الداخلي بين الفرقاء في فلسطين أولًا، والاتفاق على إطار منهجي للسياسة الفلسطينية تجاه إمكانية الحل، والشروط المتوقعة لإنجاح التفاوض، آلية التفاوض ذاتها، وأوراق الضغط المتاح اللعب بها.
وفي المقابل لا بد للرئيس الأمريكي أن يترك بصمته في الأمر، فلم يعد لديه ما يخسره خوفًا من اللوبي اليهودي، لكنها خطوة صعبة المنال، لا نستخف بها ولا ندعو أحدًا للاستخفاف بها؛ كونها تعد خطوة هامة لإحياء مفاوضات السلام التي تلفظ أنفاسها الأخيرة في أدراج البيت الأبيض الخاوية منذ 7 سنوات ونيف، فهل تشهد الأشهر القادمة جديدًا، أم ننتظر خطوة جديدة من ساكن البيت الأبيض المنتظر؟ سؤال إجابته فقط بجعبة أوباما.