ترجمة وتحرير نون بوست
أضحى الوباء الأميركي المتمثل بإدمان الهيروين ومسكنات الألم الطبية قضية رئيسية في انتخابات عام 2016، حيث تحولت القضية إلى منحى أسوأ من أي وقت مضى؛ فالوفيات الناجمة عن تعاطي جرعات زائدة من المواد الأفيونية (وهي فئة المخدرات التي تشمل الهيروين ووصفات مسكنات الآلام مثل الفيكودين) وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في عام 2014، حيث ارتفعت بنسبة 14% خلال سنة واحدة، ولكن تبعًا لكون سياسة المخدرات تتعلق منذ فترة طويلة بالسياسة والثقافة المجتمعية، تم تدوال العديد من الخرافات حول إدمان المواد الأفيونية، وإليكم هنا بعضًا من أخطر هذه الخرافات، مع توضيح للأضرار الجمة التي قد تلحقها بنا
1- تبدأ معظم حالات إدمان الهيروين من خلال وصفة طبية مشروعة لأدوية المسكنات
وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، الأشخاص الذين يسيئون استعمال وصفات مسكنات الألم الطبية يكونون أكثر عرض بـ40 مرة ليصبحوا مدمنين على الهيروين من أولئك الذين لا يسيئون استخدام الأدوية، كما تبين البحوث أن 75% من مرضى علاج إدمان الهيروين باشروا إدمانهم على المواد الأفيونية من خلال استخدام وصفات الأدوية المسكنة، وليس الهيروين؛ إذن، يبدو هنا وكأن مسكنات الألم هي جذر مشكلة إدمان الهيرويين، علمًا بأن مركز السيطرة على الأمراض زوّد الأطباء بإرشادات جديدة بهدف كبح جماح إعطاء الوصفات الطبية المسكنة للآلام.
ولكن الأغلبية الساحقة من أولئك الذين يسيئون استعمال الوصفات الطبية المخدرة ليسوا من المرضى الذين يعانون من الآلام؛ فوفقًا للمسح الوطني حول تعاطي المخدرات والصحة، أكثر من 75% من مستخدمي المواد الأفيونية لأغراض ترفيهية (غير طبية) بين عامي 2013 و 2014 حصلوا على الحبوب من مصادر أخرى غير الأطباء، لا سيما من الأصدقاء والأقارب، وحتى ضمن هذه المجموعة، لا تنتقل سوى فئة صغيرة للغاية لإدمان الهيروين، حيث تشير الإحصائيات إلى انتقال 4% فقط من الاستعمال الترفيهي لمسكنات الآلام إلى الهيروين في غضون خمس سنوات، علمًا بأن 0.2% فقط من البالغين في الولايات المتحدة يستخدمون الهيروين.
فضلًا عما تقدم، تبدو نسبة المرضى الذين أدمنوا على أدوية المواد الأفيونية خلال علاجهم من الآلام منخفضة أيضًا، حيث تشير مؤسسة كوكران في مراجعة أجرتها في عام 2010 بأن معدل الإدمان ضمن هذه الفئة يقل عن 1%، كما وجدت دراسة شملت أكثر من 135.000 زيارة لغرف الطوارئ بحالات جرعة مواد أفيونية زائدة، بأن 13% فقط من المرضى كانوا مُشخّصين بأمراض الآلام المزمنة.
وعلاوة على ذلك، أظهرت دراسة صدرت في عام 2015 بأن 6% فقط من الأشخاص الذين حصلوا على وصفة طبية أولية تتضمن مسكنات أفيونية، استمروا باستعمال الأدوية لأكثر من أربعة أشهر، علمًا بأن معدي الدراسة لم يحددوا من ضمن هذه النسبة الأشخاص الذين تتطلب حالتهم الاستمرار بتعاطي هذه الوصفات، والأشخاص الذين يتعاطونها لأسباب مرتبطة بالإدمان.
عنصر الخطر الحقيقي في إدمان المواد الأفيونية هم فئة الشباب، فحوالي 90% من جميع حالات الإدمان يباشرون بتطوير مشاكل سوء استخدام الوصفات الطبية المخدرة جرّاء تجارب مرحلة المراهقة أو البلوغ، وعادة ما تتلازم هذه التجارب مع شرب الكحوليات بنهم، تدخين الماريجوانا والسجائر، وتعاطي الكوكايين؛ بمعنى إن وجود حالة إدمان سابقة أو حالية على دواء آخر، وليس علاج الألم، هي أفضل مؤشر على احتمالية سوء استخدام الوصفات الطبية المخدرة.
2- أفضل علاج لإدمان الهيروين هو إعادة التأهيل الداخلي
غالبًا ما تتضمن تغطية وسائل الإعلام لعلاج الإدمان بين الأغنياء والمشاهير إيضاح قيامهم بالإقامة الداخلية ضمن مراكز فخمة لإعادة التأهيل، وبرنامج الدكتور درو بنسكي “إعادة تأهيل المشاهير” أو “Celebrity Rehab” هو حالة نموذجية عن هذه البرامج الإعلامية؛ فكالعديد من الأشخاص الذين يديرون برامج إعادة التأهيل الدخلية، يرفض بنسكي الاستمرار باستخدام الأدوية المضادة للإدمان، رغم أن مركز هازلدن، وهو مركز نموذجي لعلاج إعادة التأهيل الذي يستمر لمدة 28 يومًا، باشر بتقديم أدوية مضادات الإدمان على بعض المرضى في عام 2012 بعد تسجيل ارتفاع معدلات الوفيات، وبالمثل، فإن معظم محاكم المخدرات والعديد من برامج المساعدة الطبية الحكومية ترفض استمرار وصول المدمنين إلى أفضل دوائين ثُبت نجاحهما في معالجة الإدمان، وهما الميثادون والبوبرينورفين.
موقف مراكز العلاج الداخلية وفلسفتها التي تركز على سياسة الامتناع الدائم عن الوصول إلى الأدوية تتجاهل ما كشفته معظم البيانات العظمى وتمنع العائلات من السعي للحصول على أفضل رعاية لمرضاها، ودعونا نبدأ هنا مع مرضى الدكتور درو؛ فحوالي 13% من المشاهير الذين ظهروا ضمن برنامج “إعادة تأهيل المشاهير” توفوا بعد فترة وجيزة، ومعظمهم كانوا من مدمني المواد الأفيونية، وإذا كان هذا الرقم لا يكفي، فربما سنقتنع بعدم نجاعة سياسة الامتناع عن الوصول إلى الأدوية بعد معاينة نتائج الدراسة البريطانية التي أُجريت على 150.000 مريض ممن يتلقون العلاج من إدمان المواد الأفيونية في بريطانيا، والتي وجدت بأن معدل وفاة الأشخاص الذين يتبعون برامج الامتناع عن الوصول إلى الأدوية كان يزيد بمقدار الضعف عن معدل الوفيات بين أولئك الذين يتلقون علاج الأدوية المستمر، كما تبين دراسات أخرى بأن الاستمرار بوصف أدوية علاج الإدمان يخفض معدلات الوفيات بنسبة 70% أو أكثر، وبالنظر إلى أن معدل وفاة حالات إدمان الهيروين غير المعالجة يصل إلى 2 إلى 3 في المئة سنويًا، تبدو فائدة استخدام أدوية معالجة الإدمان جوهرية حقًا.
لهذا السبب نرى منظمة الصحة العالمية، المعهد الوطني لتعاطي المخدرات، معهد الطب، ومكتب البيت الأبيض لوضع السياسة الوطنية لمكافحة المخدرات، يتفقون جميعًا على أن سياسة العلاج المستمر، إلى أجل غير مسمى أو ربما لمدى الحياة، تتفوق على سياسة إعادة التأهيل من خلال الامتناع عن الوصول إلى الأدوية فيما يخص إدمان المواد الأفيونية، وعلى الرغم من أن البعض يرى بأن الامتناع الكامل عن الوصول إلى الأدوية هو واجب أخلاقي، إلا أن الواقع يقول بأن موتى الإدمان لا يمكنهم التعافي للالتزام بهذا الواجب الأخلاقي، وللأسف، لا يوجد سوى نسبة صغيرة من الأشخاص المدمنين على المواد الأفيونية الذين يتلقون حاليًا علاجًا دوائيًا مستمرًا، وذلك بسبب القيود العديدة المفروضة على هذا العلاج من قِبل الفكر الخاطئ والسياسات الحكومية وشركات التأمين.
3- التعافي من إدمان الهيروين أمر نادر
مصير إدمان الهيروين يبدو قاتمًا حقًا جرّاء ارتفاع معدل الوفيات، ولأن مصحات إعادة التأهيل عادة ما تنشر تقاريرًا تظهر معدلات انتكاس تفوق الـ60% أو أكثر، ولكن مع ذلك، فإن احتمالات التعافي هي أفضل مما تبدو عليه.
الدليل على احتمالية التعافي جاء في وقت مبكر من خلال الدراسات التي أُجريت على قدامى المحاربين الأمريكيين في فيتنام، الذي كانوا كشبان يعانون من نسب إدمان مرتفعة بشكل خاص ومخاطر انتكاس عالية، حيث كانت أدوية الهيروين والأفيون رخيصة ومتاحة بسهولة للجنود الأمريكيين في الخارج، ولذلك جرّب نصف الجنود تقريبًا هذه الأدوية، وطوّر نصفهم حالات إدمانية، ولكن إبان عودتهم إلى الوطن، 12% فقط من أولئك المدمنين عانوا من انتكاسات في غضون ثلاث سنوات، و2% منهم فقط كانوا لا يزالون مدمنين في نهاية الدراسة، وهي نسبة بالكاد تقترب من نسبة الـ60% التي ترد في تقارير مراكز التأهيل، كما وضحت الدراسة بأن أقل من نصف هذه الحالات تلقت العلاج، ولكنها لم توضح من منهم تماثل للشفاء.
هذه الظاهرة، والمعروفة باسم “التعافي الطبيعي” أو “شفاء الإدمان من خلال النضوج”، هي ظاهرة مشتركة مع جميع الأدوية الأخرى أيضًا، حيث تشير المسوحات السكانية الكبرى إلى أن معظم الأشخاص المدمنين على الكحول والكوكايين أقلعوا عن إدمانهم بدون علاج، وفي دراسة من ذات النوع، يتبين بأن حوالي 60% من الأشخاص الذين كانت تنطبق عليهم معايير إدمان الوصفات الطبية الأفيونية، لم تعد تنطبق عليهم هذه المعايير في أحد الأوقات، وثُلث هؤلاء لم يتلقوا علاجًا للإدمان، حيث تخلص الدراسة بأن متوسط إدمان الوصفات الطبية الأفيونية يستمر لثماني سنوات، ومتوسط إدمان الهيروين يدوم لعقد من الزمان، أما متوسط إدمان الكحول فيستمر لـ15 عامًا.
طالما كان الأمر كذلك، فلماذا يظهر مدمنو الهيروين كيائسين ضمن المخيلة العامة؟ لأن الأشخاص الذين يتعافون من تلقاء أنفسهم لا يذهبون لتلقي العلاج، لذا فإنهم يُدرجون ضمن إحصائيات الدراسات الوبائية الكبيرة، ولكنهم لا يُضمنون في الدراسات التي تبحث تعافي المدمنين، وهذا يعني بأن مصحات إعادة التأهيل تستقبل أسوأ الحالات فقط؛ مما يؤدي بالضرورة إلى نشر صورة متشائمة، بلا مبرر، عن تعافي المدمنين، وعلى الرغم من أن إدمان المواد الأفيونية يمكن بالتأكيد أن يكون مميتًا، إلا إن ذلك لا يمثل ضرورة حتمية، وأولئك الذين يكافحون مع الإدمان ينبغي أن يسعوا للحصول على المساعدة، وبجميع الأحوال، هناك حاجة لإجراء المزيد من البحوث لفهم ما الذي يستطيع الأشخاص الذين يتعافون بدون مساعدة أن يقدموه لأولئك الأشخاص الذين يحتاجونها.
4- العقوبات القاسية هي الوحيدة الناجعة لعلاج الإدمان
فكرة أن الأشخاص الذين يعانون من الإدمان يجب أن ينحدروا إلى أسفل الدرك، أو يقاسوا من أسوأ العواقب المحتملة، قبل أن يتمكنوا من التعافي، هي فكرة سائدة بشدة بين أولياء الأمور وصنّاع القرار، حيث يقول أحد المسؤولين في محكمة المخدرات لأحد الباحثين بأن “العقوبات القاسية هي أفضل دواء” لعلاج الإدمان، كما أن برنامج الـ12 خطوة لعلاج الإدمان، المسمى بـ(Al-Anon)، يحذّر من احتمالية “تعزيز” الإدمان في حال تمت مساعدة المدمنين من خلال تجنيبهم عقوبة السجن.
ولكن الأبحاث تظهر أن العكس هو الصحيح؛ فالمدمنون، كباقي البشر، يستجيبون بشكل أفضل لمعاملتهم بكرامة واحترام، كما أن البرامج التي توزع، خارج نطاق القضاء، إبرًا نظيفة، توفر أدوية لعكس مفعول جرعات المخدر الزائدة، أو تقدم أماكن آمنة لحقن المخدرات، لا تطيل من عمر الإدمان، حيث وجدت دراسة كندية أن 57% من الأشخاص الذين دخلوا إلى مرافق حقن المخدرات الآمنة انتهى بهم المطاف إلى الانخراط ببرامج العلاج، كما وجدت دراسة أخرى بأن نهج مساعدة أفراد الأسرة المدمنين باستخدام اللطف، بدلًا من نهج المواجهة أو الفصل، هو أكثر فعالية بنسبة الضعفين من أساليب “التدخل” العلاجية التقليدية، فضلًا عن أنه لا توجد أي دراسة تبين بأن المعاملة القاسية أو السجن يتفوقان على الرعاية اللطيفة فيما يخص علاج الإدمان.
وبالمثل، ليس هناك أدلة على أن برامج علاج النالوكسون (وهو برنامج علاجي بدواء النالوكسون يعكس مفعول جرعة المخدرات الزائدة) يطيل من أمد الإدمان، ولكن الأدلة تشير إلى أنه يطيل من أمد العمر، حيث انخفض معدل الوفيات الناجم عن تعاطي الجرعات الزائدة بنسبة 50% في المجتمعات التي تطبق برامج علاج النالوكسون بشكل كامل.
5- البيض أصبحوا مؤخرًا النسبة الأكبر التي تعاني من إدمان الهيروين
في مقال نُشر مؤخرًا تحت عنوان “في أزمة الهيروين: العائلات البيضاء تسعى لتلطيف الحرب على المخدرات”، ادعت صحيفة نيويورك تايمز بأن “أزمة الهيروين تبدو اليوم مختلفة”، لأن “مركزها لم يعد ضمن المناطق الحضرية الفقيرة، التي يسود ضمنها المجتمع الأسود”، ولأن استخدام الهيروين “قد وصل إلى ذروته بين البيض”, كما أن صحف إن بي آر، ذا أتلانتك، ووسائل إعلامية رئيسية أخرى، عرضت قصصًا مشابهة، جميعها تقريبًا تقتبس عن الدراسة التي نُشرت في مركز جاما للطب النفسي، والتي وجدت أن 90% من مستخدمي الهيروين الجدد خلال العقد الماضي كانوا من البيض.
ولكن ما حذفته معظم وسائل الإعلام هو أن الدراسة ذاتها أظهرت بأن البيض كانوا يشكلون أكثر من نصف جميع مدمني الهيروين منذ أوائل السبعينيات، ووصلت نسبتهم إلى 80% قبل عام 2000، وفي عام 1981، ذُعرت صحيفة نيوزويك من موجة “مدمني الطبقة الوسطى” الجديدة، كما أنه وفي عام 2003، عنونت التايمز قائلة: “جيل الهيروين الجديد: الشباب، البيض، والطبقة الوسطى”؛ إذن، إدمان الهيروين من قِبل أصحاب البشرة البيضاء ليس بالشيء الجديد.
السبب خلف سوء الفهم هذا يرجع بمعظمه للسياسة؛ فالسياسيون الأوائل، ابتداء من قيصر المخدرات (لقب يطلق على مدير مكتب البيت الأبيض لوضع السياسة الوطنية لمكافحة المخدرات) في الثلاثينيات هاري أنسلنغير، وحتى رونالد ريغان في ثمانينات القرن المنصرم، صوروا الهيروين وغيره من المخدرات غير المشروعة كمشكلة “خارجية” أو معنية بالمجتمع الأسود لتبرير السياسات الصارمة؛ ففي أوائل القرن المنصرم، عندما كان الهيروين يباع دون وصفة طبية ودون علامات تحذيرية، كانت المستخدمة التي طوّرت إدمانًا للهيروين امرأة بيضاء من الطبقة المتوسطة، وكان يُنظر إليها على أنها ضحية للشركات المصنعة منعدمة الضمير، وليس كمجرمة، ولكن بعد أن أصبح استخدام الهيروين مُجرّمًا، تم تأطير مشكلة الإدمان باعتبارها مشكلة تسود في مجتمع الفقراء والأقليات، وبدأ القانون يُطبّق عليهم بقسوة، واليوم فقط، اعترف صناع القرار بفشل سياستهم التجريمية.
المصدر: واشنطن بوست