انتشر في الآونة الأخيرة ما يسمى بـ “معارك الأمعاء الخاوية”، هذا الاسم الذي أطلق علي إضراب الأسرى عن الطعام كوسيلة سلمية لتحسين أوضاعهم داخل السجون، وتعد هذه الطريقة هي وسيلة الضغط الأبرز والأصعب وخصوصًا بعد فشل كل السبل الأخرى، وفيها يواجه المضرب عن الطعام آلام الموت البطيء، وهذه الطريقة يستخدمها السجناء في جميع أنحاء العالم ولكننا لم نعرفها إلا عن طريق إضرابات الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وما يواجهونه من انتهاكات تهدف في البداية إلى الانتقام؛ حيث يتم إخضاع السجين إلى كافة الأساليب التي تضر به نفسيًا وجسديًا والهدف من ذلك هو إيصاله لحالة من اليأس والندم على مقاومته للاحتلال خارج السجون.
بدأت الإضرابات الجماعية في العام 1968 في سجن الرملة ولمدة 3 أيام احتجاجًا على سياسة الضرب والإذلال التي تتبعها سلطات الاحتلال، تلاها عدد من الإضرابات، وفي العام 1969 قام الأسرى بأول إضراب منظم بين سجنين في نفس التوقيت (سجن الرملة ومعتقل كِفار يونا) واستمر الإضراب في السجن الأول لمدة 11 يومًا وفي الثاني 8 أيام.
أما سجن عسقلان فكان له نصيب الأسد في عدد الإضرابات؛ ففي العام 1970 خاض المعتقلون إضرابًا مدته 7 أيام، وفي العام 1973 حدث إضراب آخر استمر 26 يومًا، أما في العام 1976 استمر الإضراب 45 يومًا حقق على إثره الأسرى معظم مطالبهم، وفي العام 1988 أعلن جميع الأسرى في سجن عسقلان الإضراب وتضامن معهم الأسرى في جميع السجون الإسرائيلية في واحد من أكبر الإضرابات حيث شارك في هذا الإضراب نحو 3000 أسير واستمر 20 يومًا ولكن دون جدوى.
وفي العام 1992 تم التنسيق بين جميع الأسرى في أكبر الإضرابات ومن أنجحها حيث شارك في هذا الإضراب 7000 أسير واستمر لمدة 18 يومًا نجح خلالهم الأسرى في تحقيق أغلب مطالبهم مثل إلغاء قسم العزل ووقف التفتيش العاري (تفتيش الجنود للنساء وذوي الأسرى بعد خلع ملابسهم) وإعادة الزيارات بل وزيادة وقت الزيارة.
ومن العام 1994 إلى العام 2012 قامت العديد من الإضرابات التي كانت تهدف إلى تحسين أوضاع الأسرى في السجون الإسرائيلية إلى أن جاء الأسير خضر عدنان في العام 2012 معلنًا عصر جديد من الإضرابات الفردية تلته الأسيرة هناء شلبي وبلال ذياب وثائر حلاحلة والذين وصل إضرابهم إلى 77 يومًا.
إلى أن جاء الأسير سامر العيساوي محققًا رقمًا قياسيًا في أيام الإضراب عن الطعام والتي بلغت 9 أشهر، تم على إثرهم إطلاق سراحه ولكن بشرط أن يقضي 8 أشهر في محبسه وقد وافق على هذا الشرط.
في العام 2015 قام خضر عدنان بإضرابه الثاني والذي استمر لمدة 56 يومًا إلى أن أفرج عنه بعد تعليق إضرابه بأسبوعين، والجدير بالذكر هنا أن الأسير خضر عدنان قد قامت السلطات الإسرائيلية باعتقاله 10 مرات كان آخرها يوليو 2014.
ومنذ أيام علق محمد القيق الصحفي الفلسطيني ومراسل قناة المجد إضرابه والذي دام 93 يومًا في سجون الاحتلال بعد أن تم إعلان الإفراج عنه يوم 21 مايو المقبل.
لم يكن الأسرى الفلسطينيون وحدهم هم من يتخذون الإضراب عن الطعام كسلاح سلمي؛ فسنجد مثلاً أكبر غانجي الصحفي الإيراني الذي قبع في السجون الإيرانية منذ العام 2000 وحتى أطلق سراحه في العام 2006 وأفرج عنه بعد إضرابه عن الطعام اعتراضًا على النظام الإيراني القمعي، وهناك أيضًا محمد صلاح سلطان المسجون في القضية المعروفة إعلاميا بـ “غرفة عمليات رابعة” والذي أضرب عن الطعام لمدة سنة محققًا الرقم القياسي لأطول إضراب عن الطعام والذي أفرج عنه بعد تنازله عن الجنسية المصرية عام 2015، وهناك أيضًا إبراهيم اليماني الذي قبض عليه من المستشفي الميداني الذي أقيم أثناء احتجاجات ما بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة والذي أضرب عن الطعام لمدة 89 يومًا، وهناك إضراب ينفذه الآن معتقلو سجن العقرب في مصر اعتراضًا على سوء المعاملة والقسوة في التعامل من قِبل إدارة سجن العقرب.
بعد عرض كل هذه النماذج التي تحملت آلام الموت البطيء للدفاع عن قضية أو فكرة قد نكون متفقين أو مختلفين مع القضية أو مع إيديولوجية الأشخاص أو هوية الأشخاص، ولكن علينا أن نتفق أن أي شخص له مطلق الحرية في الدفاع عن معتقداته وأفكاره طالما لم يؤثر ذلك على حرية الآخرين، ولكن هل فكرنا ووضعنا أنفسنا في موضع أحد من النماذج السابقة؛ ماذا كنا سنفعل حيال قضية نؤمن بها وهل نحن مستعدون للموت في سبيل أفكارنا وقضايانا الفكرية مثل هؤلاء أم أننا سنظل نقيم ما يفعله غيرنا بنظرة منقوصة؟