يقع الملايين من ضحايا الإتجار بالبشر من النساء والرجال والأطفال في أيدي المهربين كل عام، إما ليتمّ تصديرهم إلى بلاد أخرى أو إلى شبكات الإتجار بالبشر الداخلية في بلادهم، في صناعة تُعد ثاني أكثر الصناعات الإجرامية على مستوى العالم بعد تجارة المخدرات، حيث تتم التجارة بين 127 دولة مصدرة و137 دولة مستقبلة حول العالم، وذلك لاستخدامهم في مختلف الأغراض الجنسية وصناعة الأفلام الإباحية أو للأعمال الشاقة أو الأعمال المنزلية، أو في عمليات سرقة الأعضاء أو في شبكات الدعارة العالمية، وعلى الرغم من عدم دقة الإحصائيات نظرًا لعمل تلك الشبكات بسرية مبالغ فيها إلا أنه يمكن تقدير الرقم تقريبيًا بأنه واحد من بين كل 236 فردًا في العالم هو ضحية للإتجار بالبشر.
يمكننا القول بأن كل بلد حول العالم يعاني بشكل نسبي من الإتجار بالبشر، حيث يستخدم المهربون أساليب عدة في عمليات نقل الضحايا المتاجر بهم، في محاولة لإخفائهم عن الأعين وعدم التعرف عليهم حتى لا يتم كشف عملية التهريب، هذا لا يمنع من وجود علامات مميزة لضحية الإتجار بالبشر، والتي يمكن للبعض ملاحظتها في المطارات أو محطات القطارات، والتي يمكنها أحيانًا المساعدة في بقاء هؤلاء الضحايا بعيدًا عن حياة العبودية الحديثة التي يطلق عليها عالميًا الآن الإتجار بالبشر (Human Trafficking).
تم ملاحظة بعض العلامات التي استطاعت بعض المؤسسات التي تحارب تجارة البشر تحديدها بعد كشف العديد من الحالات المهربة في المطارات ومحطات القطار منها:
1- الضحية لا تعرف وجهة السفر: لا يمكن للضحية تحديد مكان الرحلة، ولا تفاصيلها، حيث يكون أغلب الضحايا هم ضحايا عمليات خطف في الأساس، وأحيانًا عن طريق “عمليات بيع وشراء” مع ذويهم.
2- يبدو حديث الضحية مفتعلًا أو غير حقيقي: يميل المهربون إلى تلقين الضحايا حديثًا معينًا، يبدو لأغلب الناس ولضباط المطارات ومحطات السفر مفتعلًا وغير حقيقي، فتتحدث الضحية كما أخبرها المهرب بالضبط، حيث يستغل المهرب أن الضحية لا تعرف أي شخص في المكان المتواجد فيه إلا هو، ولا تمتلك أية أموال تساعدها على الرجوع إلى بلدها، فيعتمد المهرب أن الضحية مرتبطة به، ويقوموا بالترهيب والتخويف بل وأحيانًا تحت تهديد السلاح برعب الضحية وإجبارها على التعامل بالمعايير التي يسمح لها المهرب بالتعامل بها، وهذا ما يجعل الضحية في حالة خوف دائم من التحدث لأي شخص حولهم.
3- تظهر الضحية في الأغلب تحت تأثير المخدرات أو الكحول: وبالأخص صغار السن منهم، وهم في الأغلب من يتم استخدامهم للأغراض الجنسية، كما يظهر على أجسادهم علامات الاعتداء الجسدي من علامات حرق السجائر، أو الجروح الناتجة عن الضرب بآلة حادة، كما تظهرن الفتيات منهن بثياب مثيرة لا تتناسب مطلقًا مع أعمارهن، وهو الأمر الملفت للنظر في ضحايا الإتجار بالبشر المُصدرين لشبكات الدعارة الداخلية والعالمية.
تجارة البشر هي تجارة الـ32 بليون دولار سنويًا، وهي تحتوي على العديد من الشبكات المنظمة العاملة على استيراد وتصدير البشر بين البلاد المختلفة، وتأتي بلاد الخليج العربي وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية على رأس الدول المستقبلة، في حين تحتل معظم الدول الفقيرة وبلدان العالم النامي وشرق أوروبا مرتبة الدول المصدرة للبشر، حيث تبلغ تكلفة الضحية حول العالم ما يقارب الـ 90 دولارًا، ويُقدر عدد الضحايا بـ 800.000- 900.000 ضحية يعبرون الحدود الدولية سنويًا، بعدد يبلغ 20-30 مليون ضحية للإتجار بالبشر حول العالم الآن، يصل منهم حوالي 17.500 ضحية إلى الولايات المتحدة سنويًا.
على الرغم من أن نسبة كبيرة من ضحايا الإتجار بالبشر هم من الفتيات والنساء، إلا أن الرجال والفتيان يتم اختطافهم كذلك وإدراجهم في شبكات الدعارة أو الأفلام الإباحية، أو يتم استخدامهم كعبيد في الأشغال الشاقة أو الأعمال المنزلية، حيث يتم إرسالهم إلى الدول الفقيرة بالطلب، أو لغرض العمالة الجبرية، فالأمر لا يتوقف فقط على الإهانة الجنسية ويتطور إلى الإهانة الجسدية ومن ثم التشوه النفسي، فاحتمالية أن يعاني معظم الناجين من المهربين من أمراض نفسية وعقلية مزمنة تبدو عالية جدًا.
يبدو الأمر غريبًا بالنسبة للبعض، فلماذا يوجد طلب على تجارة الأطفال للأغراض الجنسية، قد يبدو هذا صادمًا للبعض، ولكن هناك ما يسمى السياحة الجنسية للأطفالChild Sex Tourism، وهي سياحة تعمل على ضم الأطفال في الدعارة وممولة تجاريًا والتي أسفرت عن ارتفاع نسبة الحمل المبكر ومرض الإيدز في الولايات المتحدة وحول العالم، حيث بلغ عدد الأطفال 5.5 مليون طفل يتم استغلاله في صناعة الجنس حول العالم، طبقًا لتقارير وزارة الخارجية الأمريكية.
كتاب “التجارة بالجنس: دارسة في التجارة في العبودية الحديثة” للكاتب سيدهارث كارا، والذي قضى من حياته 15 عامًا في رحلات حول العالم متتبعًا قضايا الإتجار بالبشر، حيث واجه أول حالة في مخيم للاجئي البوسنة في عام 1995، سجل من خلالها الاستغلال الجنسي للاجئات في المخيمات وبيعهم من قِبل تجار في المخيمات ووعدهم بحياة أفضل خارج المخيم، قرر كارا بعدها السفر إلى الهند، بورما، تايلند، فيتنام، المملكة المتحدة، مرورًا بدول البلقان من ألبانيا ومولدوفا حتى عاد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وثق خلال رحلاته حالات الإتجار بالبشر من الفتيات والنساء، واصفًا قصص تلك الفتيات بعد أن حكوها له بأنفسهم.
وأخيرًا، ما الذي يجب على العامة فعله؟ كل ما عليك هو أن تثقف نفسك بهذا الأمر جيدًا، وأن تحاول استغلال وقت فراغك في مساعدة المؤسسات التي تعمل على التوعية بالإتجار بالبشر، أو مساعدتهم في برامج النقاهة سواء الجسدية أو النفسية للناجين ممن هم في حالة ما بعد الصدمة، أو في المحاولة عن كشف حالات الإتجار بالبشر.